ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

السيناتور الجمهوري أتقن معارضة الرئيس في الكونغرس.. وحقق حلمه بتولي منصب زعيم الأغلبية

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما
TT

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

يبرز السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل كنجم صاعد في سماء الفوز التاريخي للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي جرت الأسبوع الماضي. فمن المتوقع بقوة أن يتم انتخاب ماكونيل ليكون زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي عندما يبدأ المجلس جلساته رسميا في 3 يناير (كانون الثاني) المقبل. ويحقق ماكونيل بذلك حلما استمر معه أكثر من 6 عقود منذ كان طفلا صغيرا، وقصة نجاح وصعود داخل الحزب الجمهوري داخل أروقة الكونغرس استمرت 3 عقود.
يستمتع الجمهوريون بموجة الانتصارات التي تحققت لهم بالسيطرة على الكونغرس الذي يحمل رقم 114 في تاريخ الكونغرس الأميركي. وقد فاز الجمهوريون بـ52 مقعدا مقابل 45 للديمقراطيين في مجلس الشيوخ (المكون من 100 عضو) وقد يزيد عدد الجمهوريين وفقا لنتائج الانتخابات في كل من ألاسكا ولويزيانا، وحصل المرشحون الجمهوريون على 242 مقعدا في مجلس النواب مقابل 173 مقعدا للديمقراطيين (الذي يضم 435 عضوا)، وبات نصب أعينهم التحضير للانتخابات الرئاسية لعام 2016.
ويقول المحللون إن الجمهوريين لم يقدموا جدول أعمال ولا خطة أو رؤية جديدة خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وإنما اعتمدوا في السباق الانتخابي على 3 كلمات فقط هي «سياسات أوباما فاشلة»، بينما أمضى الديمقراطيون الكثير من الوقت والجهد للابتعاد عن أوباما، وسياساته وهو ما كان بارزا في السباق بين ميتش ماكونيل، ومنافسته الديمقراطية اليسون غرايمز.
وسيقود السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي ميتش ماكونيل (73 عاما) دفة مجلس الشيوخ في سن القوانين والتشريعات بداية من العام المقبل، وسيكون الرجل الأكثر أهمية في الدوائر السياسية الأميركية كزعيم للأغلبية.
ويواجه ماكونيل السبعيني تحديات على عدة مستويات أولها قدرته على إدارة الحزب الجمهوري، وإظهاره قادرا على إدارة الحكم، وإبقاء الجمهوريين على مختلف توجهاتهم سعداء، وهي مهمة ليست بالسهلة. والتحدي الآخر هو ملاحقة الحزب الديمقراطي وتقليص قدرات الإدارة الأميركية في عدة قضايا. ومن المتوقع أن يشهد المسرح السياسي الأميركي اتفاقا أحيانا وخلافا أحيانا أكثر بين الإدارة والكونغرس.
القضايا التي تجد مساحة من الاتفاق هي التوافق على ضرورة تحفيز الاقتصاد وإبرام الاتفاقات التجارية مع دول العالم وخلق مزيد من فرص العمل والإصلاح الضريبي وتعزيز جهود مكافحة مرض الإيبولا. وقد أعلن السيناتور ميتش ماكونيل أنه لن يكون هناك إغلاق للحكومة الفيدرالية عند مناقشة الكونغرس للميزانية الأميركية وسقف الدين، والتوجه نحو تبسيط الضرائب للشركات والموافقة على خط أنابيب كيستون.
وفي القضايا الخارجية، من المتوقع أن يوافق الكونغرس على التصويت على قوانين تتيح مزيد من التدريب والتسليح للمعارضة السورية والموافقة على تفويض يخول للإدارة الأميركية استخدام القوة ضد تنظيم داعش.
لكن هناك أيضا قضايا خلافية عميقة مثل قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) فالجمهوريون ليست لديهم الأصوات الكافية في مجلس الشيوخ لإلغاء قانون «أوباما كير» ويتطلب الأمر 67 صوتا بينما عدد الجمهوريين 52 عضوا فقط في مجلس الشيوخ.
وتعد قضية إصلاح الهجرة من أكبر القضايا الخلافية التي تنذر بالصدام والصراع بين إدارة أوباما والكونغرس. ويرفض الجمهوريون سعي أوباما لتقنين أوضاع ملايين من المهاجرين غير الشرعيين ومنحهم عفوا عن خرق القانون وتعهد أوباما باستخدام سلطته التنفيذية لتعديل قوانين الهجرة.
ويطالب بعض الجمهوريين باستخدام ورقة إغلاق الحكومة الفيدرالية كورقة ضغط لمطالبة إدارة أوباما بتقديم تنازلات بشأن قانون الرعاية الصحية ووقف أوباما عن تنفيذ خططه في إصلاح نظام الهجرة من خلال أمر تنفيذي، لكن بعض المعتدلين من الحزب الجمهوري يرون أن القيام بذلك قد يبدد المكاسب التي حظي بها الحزب وثقة الناخبين.
ومن المتوقع أن تتأثر السياسة الخارجية الأميركية بنتيجة انتخابات التجديد النصفي وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس، وسيكون ملف التفاوض الأميركي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أول القضايا التي ستشهد خلافا بين الإدارة والكونغرس، فالحزب الجمهوري يرفض طريقة إدارة أوباما للمفاوضات مع إيران. وقد سبق لمجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون التصويت لصالح فرض مزيد من العقوبات على إيران العام الماضي، وتمكن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد من منع التصويت لصالح فرض هذه العقوبات وإتاحة الفرصة للمفاوضات مع طهران.
لكن سيكون على الحزب الجمهوري أولا توحيد صفوفه وتجميع النواب الجمهوريين الذين ينقسمون ما بين معتدلين ومحافظين وحشد مزيد من الأصوات من الجناح المتطرف لتيار حزب الشاي، لمواجهة خطة أوباما الصحية (أوباما كير) والقيام بمزيد من التقييد على سياسات إدارة أوباما.
السيناتور ماكونيل الذي يعد أبرز مهندسي الحزب الجمهوري في سحق تيار حزب الشاي، عاد وأبدى استعداده للعمل مع غريمه من تيار حزب الشاي تيد كروز. وأعلن استعداد حزبه للتعاون مع إدارة أوباما بما يحقق مصلحة الناخبين الأميركيين. وفي ظل سيطرة الجمهوريين على غرفتي الكونغرس فإنه من المتوقع أن يعمل ماكونيل بشكل متناغم مع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر لتحقيق أهداف الحزب في إصلاح النظام الضريبي، والحد من مشكلة النفقات الحكومية وسن قوانين اقتصادية تحقق النمو.
ويرتبط اسم السيناتور ماكونيل بكثير من المعارك السياسية والقوانين التي تدخل لحصد التصويت لها أو منع التصويت عليها بداية من قوانين حول إنتاج الألبان إلى قوانين تتعلق باستخدام القوة العسكرية الأميركية.
وخلال أكثر من 3 عقود أمضاها ماكونيل في الكونغرس، لم يكن ذلك السياسي المحبوب ذا الشعبية الجارفة بل استمتع ماكونيل بالسمعة التي بناها باعتباره الشخص الشرير وصاحب القبضة الحديدية في خلق الانضباط، واللعب بدهاء في الدوائر السياسية الأميركية.
ويظهر ماكونيل دائما بوجه جامد خال من التعبير، وعيون منتفخة من وراء نظارته، والمرات التي ظهر فيها السيناتور ماكونيل مبتسما وسعيدا كانت اللحظات التي حقق فيها انتصارا في الانتخابات، أو اللحظات التي تمكن فيها من منع الديمقراطيين من تمرير قوانين وقطع الطريق على الرئيس أوباما وسياساته.
وقد فاز ماكونيل في 8 انتخابات، ولم يخسر مرة واحدة مند أن ترشح للانتخابات مسؤولا تنفيذيا في ولاية كنتاكي في السبعينات من القرن الماضي.
وخلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأسبوع الماضي، حقق السيناتور ميتش ماكونيل فوزا كبيرا على منافسته الديمقراطية اليسون غرايمز (35 عاما) مسجلا 56 في المائة من الأصوات لصالحة مقابل 41 في المائة لغرايمز، ليصبح بذلك عضو مجلس الشيوخ لـ6 دورات والسيناتور الأطول خدمة في تاريخ ولاية كنتاكي.
وانتصر ماكونيل الرجل العجوز بطيء الحركة، على منافسته الشابة اليسون غرايمز ذات الجمال والكاريزما الطاغية والمتحدثة اللبقة. وكان انتصار ماكونيل مغايرا لكافة الإحصاءات واستطلاعات الرأي التي أكدت قدرة اليسون على الانتصار.
وقد قادت غرايمز حملة شرسة ضد ماكونيل، وشنت حملة إعلانات بمبلغ 50 مليون دولار للهجوم عليه وعلى سياساته، وعقدت 23 مؤتمرا في أنحاء ولاية كنتاكي في الأيام الثلاثة السابقة على الانتخابات مطالبة ماكونيل بالتقاعد، لكنها ارتكبت خطأ عندما رفضت قول ما إذا كانت صوتت لأوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008 أم لا، حيث تشير الإحصاءات إلى انخفاض شعبية أوباما بدرجة كبيرة.
قال الرئيس أوباما معلقا على فوز الحزب الجمهوري بأنه «ليلة عظيمة للجمهوريين» وهي أيضا لحظة عظيمة لميتش ماكونيل الذي أثبت موهبته في تحقيق الانتصارات في الانتخابات، وتطويع الظروف السياسية لصالحه والاقتراب من تحقيق حلم رافقه طوال حياته، وهو أن يكون رئيسا للأغلبية في مجلس الشيوخ.
وقد سخر أوباما في عام 2012 من الحزب الجمهوري ووصفة بأنه «حزب لا» أي أنه حزب يعارض دون أن يملك أفكارا، وتهكم أوباما من الانتقادات لعدم تودده مع أعضاء الكونغرس قائلا: «إنهم يريدونني أن أتناول الشراب مع ميتش ماكونيل!!».
واليوم أصبح على الرئيس أوباما أن يتناول الشراب والغذاء والعشاء مع ميتش ماكونيل وأن يستقبله في البيت الأبيض ويجلس ليتشاور معه ومع بقية قادة الكونغرس حول القضايا المختلفة.
ويقول جون اشبروك المتحدث باسم السيناتور ماكونيل إن السلاح الأقوى في حملة السيناتور الجمهوري كانت زوجته «ايلين تشاو» التي تزوجها عام 1993 وظهرت بجواره في عدد لا يحصى من الإعلانات ووسائل الإعلام والمؤتمرات الانتخابية.
ويقول اشبروك إن تشاو (61 عاما) عقدت 50 مؤتمرا انتخابيا خلال العامين الماضيين لمساندة زوجها وحشد الدعم من الناخبين ونجحت في توفير 30 مليون دولار من التبرعات لدعم ماكونيل، كما قامت بدور البطولة في العديد من الإعلانات للدفاع عن زوجها ضد هجمات منافسته اليسون غرايمز التي اتهمته بأنه معاد للمرأة. وتحدثت تشاو في العديد من الدعايات الانتخابية عن سجل ماكونيل في مساعدة المرأة، وجابت مختلف أنحاء ولاية كنتاكي لحشد الحلفاء السياسيين.
ويضيف اشبروك: «السيناتور ماكونيل كان يعاني من شلل الأطفال في طفولته، مما ترك أثرا يسبب الآلام لظهره، لذا كانت زوجته تشاو تقوم بكثير من مهام التعامل مع الناخبين، وهو أيضا يعاني من صعوبة السمع وعادة لا يسمع ما يقوله الناس إذا كانت الغرفة مزدحمة وصاخبة لذا كانت تشاو تعوض أوجه القصور لدى زوجها».
وتعد إيلين تشاو من الوجوه السياسية البارزة وقد تقلدت منصب وزيرة العمل من عام 2001 إلى 2009 في عهد الرئيس جورج بوش لتصبح أول امرأة أميركية من أصل آسيوي تعين في هذا المنصب. وتملك واحدة من أبرز قصص نجاح المهاجرين حيث هاجرت مع أسرتها من تايوان عندما كانت في الثامنة من عمرها هربا من الثورة الشيوعية في الصين وجاءت إلى الولايات المتحدة عام 1961 على متن سفينة شحن. وحصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد ثم ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد.
وبقدر ما يكره الليبراليون ماكونيل ويعتبرونه شخصا معيقا للعمل، فإن المحافظين أيضا يتشككون فيه ويعتبرونه مستعدا لتقديم التنازلات، وقد برز ذلك خلال عمل ماكونيل مع نائب الرئيس جو بايدن لإبرام اتفاق مالي لتفادي الانهيار الاقتصادي ورفع سقف الدين الأميركي في عام 2013.
ويقول اليك ماكغيليز مراسل صحيفة «واشنطن بوست» السابق، في كتابه الصادر حديثا حول ماكونيل تحت عنوان «المتهكم» (the Cynic) إنه أقوى الجمهوريين داخل ولاية كنتاكي لكنه لا يزال يشكل لغزا ويحتفظ بأوراقه الشخصية بعيدا عن تطفل الباحثين والإعلام وليست لديه اهتمامات خارج الدوائر السياسية.
ويدور الكتاب (140 صفحة) حول بدايات ماكونيل السياسية وأفكاره منذ ترشحه كمسؤول تنفيذي في مقاطعة جيفرسون بولاية كنتاكي عام 1977 وسط منافسة لعدد كبير من المرشحين الديمقراطيين. ويقول ماكغيليز: «في مرحلة ما أدرك ميتش أنه لكي يطول بقاؤه على الساحة السياسية فإن عليه أن يتعامل مع النظام السياسي المثقل بالمصالح المتضاربة ونفوذ المال والمصالح التي تبحث عن الفوز في الانتخابات بدلا من حل مشاكل الناس وأن عليه الفوز بغض النظر عن تكلفة هذا الفوز».
ويقدم ماكغيليز أدلة على ولاء السيناتور ماكونيل لشركات الفحم والشركات الأخرى التي لها صوت عال في واشنطن، بل يذهب الكاتب إلى أن زواج ماكونيل وإيلين تشاو (ابنة أحد كبار رجال الأعمال الصينيين ووزيرة العمل في عهد جورج بوش) ساعد في تدفق التبرعات السخية من رجال الأعمال أصحاب المصالح التجارية الأميركية الصينية.
وخلال عمله زعيما للجمهوريين في مجلس الشيوخ أعلن ماكونيل أن أهم شيء يريد تحقيقه هو أن يكون أوباما رئيسا لفترة ولاية واحدة. ويقول الكاتب إن ماكونيل أتقن معارضة سياسيات أوباما داخل المجلس وعقد الصفقات خلف الكواليس، متمسكا بكل ما يلزم للحفاظ على قبضته على السلطة وتحقيق انتصار آمن في الانتخابات.
ويصف السيناتور الجمهوري السابق غود غريغ شخصية ميتش ماكونيل قائلا: «إنه براغماتي ماهر، بارد الأعصاب مثل لاعب الكوتشينة الذي يترك لك الفرصة أن تلقي بأوراقك معتقدا أنك ستفوز، حتى يأتي الدور عليه فيلقي بأوراقه ويفوز». ويضيف: «هذه البراعة تستدعي صفات مثل القدرة على الالتواء والتلاعب وهدوء الأعصاب».
ويقول العضو الديمقراطي لمجلس النواب عن ولاية كنتاكي جون يارموث: «ميتش ماكونيل كما عرفته لمدة 46 عاما هو نفس الشخص البارد القلب المتعطش للسلطة السياسية، إنه مثل طاحونة الهواء يتجه إلى الاتجاه الذي تسير فيه الرياح، وليس لديه قيم بل يريد أن يكون شيئا ولا يفعل أي شيء».
وتشير حياة ماكونيل المبكرة إلى منعطفات وتحديات تمكن من التغلب عليها، فقد ولد اديسون ميتشل ماكونيل (ميتش ماكونيل) في20 فبراير (شباط) 1942 في مقاطعة شيفيلد بولاية ألاباما، وعانى في طفولته من مرض شلل الأطفال وتمكن من التغلب عليه في شبابه، بفضل والدته التي سعت للحصول على أفضل المشورة الطبية ووضعت برنامجا قاسيا للعلاج الطبيعي.
وفي شبابه، حصل ماكونيل على بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1964 وبعد 3 سنوات تخرج من كلية الحقوق بجامعة كنتاكي وتدرب في مكتب السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي جون شيرمان كوبر وعمل مساعدا للسيناتور الجمهوري مارلو كوك وانتخب كمسؤول تنفيذي في مقاطعة جيفرسون عام 1977 وأعيد انتخابه عام 1981.
ولم يعرف ماكونيل الهزيمة في أيه انتخابات خاضها منذ بداية حياته، فقد تطلع ماكونيل ليكون عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي وفي عام 1984 خاض المنافسة ضد السيناتور الديمقراطي والتر دي هدلستون وفاز ماكونيل بهامش ضئيل بلغ 0.4 في المائة على منافسه. وفي عام 1990 تمكن ماكونيل من إعادة انتخابه والفوز أيضا بفارق ضئيل بلغ 4.4 في المائة. وفي عام 1996 هزم ماكونيل منافسة ستيف باشير بفارق كبير بلغ 12.6 في المائة وفي عام 2002 حقق ماكونيل فوزا كبيرا ضد منافسه لويس كومز وينبرغ بفارق 26.4 في المائة مسجلا أكبر أغلبية لصالح الجمهوريين في تاريخ ولاية كنتاكي. وفاز ماكونيل مرة أخرى في عام 2008 ثم حديثا في انتخابات التجديد النصفي لعام 2014.
أما أفكاره ومواقفه السياسية، فوفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» كان ماكونيل في سنواته الأولى كسياسي في ولاية كنتاكي، أكثر ميلا إلى الوسط وفي السنوات اللاحقة اتبع ماكونيل سياسات أكثر تحفظا، وتغيرت آراؤه حول عدد من المواضيع بما في ذلك التخلي عن مواقفه في زيادة الحد الأدنى للأجور التي كان يدعمها في السابق.
فبعد فوزه في انتخابات مجلس الشيوخ لعام 1984 عمل ماكونيل في هندسة قرض من صندوق النقد الدولي لحماية المساعدات الأميركية لمصر وإسرائيل، كما عمل على تشجيع إجراء انتخابات حرة ومعاملة أفضل للمسلمين في ميانمار كمبوديا، لكنه أصبح أكثر تحفظا فيما بعد حول المساعدات الخارجية الأميركية.
وينتمي ماكونيل للطائفة المعمدانية وقد تزوج من شيريل ريدمون وأنجب 3 فتيات ثم وقع الطلاق وتزوج لاحقا من إيلين تشاو عام 1993. وفي عام 2010 اعتبرته مجلة «أوبن سيكريت» واحدا من أغنى أعضاء مجلس الشيوخ بعد الأموال التي تلقاها من والد زوجته جيمس تشاو والتي تقدر ما بين 5 إلى 25 مليون دولار.
وتقدر القيمة الصافية لثروة السيناتور ماكونيل ما بين 9 ملايين دولار و44 مليون دولار في عام 2010 ويحتل المرتبة الـ11 بين أغنى أعضاء مجلس الشيوخ.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».