تركيا ترفض عملية «إيريني» لمنع وصول السلاح إلى ليبيا

TT

تركيا ترفض عملية «إيريني» لمنع وصول السلاح إلى ليبيا

أعلنت تركيا رفضها لعملية «إيريني»، التي بدأها الاتحاد الأوروبي مؤخرا في البحر الأبيض المتوسط، لدعم ومراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، معتبرة أنها «تفتقد الشرعية، وتهدف إلى دعم الجيش الوطني الليبي»، بقيادة المشير خليفة حفتر. في الوقت الذي بدأت فيه تحضيرات لإطلاق أنشطة التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل ليبيا.
وطالب وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أطراف عملية «إيريني» (تعني السلام باللغة اليونانية) بمراجعة نفسها في دعم القائد العام للجيش الليبي. وقال في مقابلة تلفزيونية، ليلة أول من أمس، إن بعض الدول في الاتحاد الأوروبي «أطلقت عملية (إيريني) البحرية بالمنطقة، لكن ما هي شرعية العملية من حيث القانون الدولي، وما هي أبعاد تعاونها مع الأمم المتحدة، هل قام مطلقو هذه العملية بالتنسيق مع حلف الناتو والدول الأخرى بالمنطقة؟»... مبرزا أن هؤلاء «لديهم مشاكل فيما بينهم، وبعض هذه الدول لم ترغب في أن تكون طرفا في هذا الموضوع».
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في 31 من مارس (آذار) الماضي إطلاق عملية «إيريني»، في البحر المتوسط لمنع وصول الأسلحة إلى ليبيا، ومراقبة السفن التي يشتبه في نقلها أسلحة ومقاتلين إلى ليبيا، وكذلك عمليات تهريب النفط. ويعد الطريق البحري هو الطريق الأساسي لتركيا لنقل الأسلحة والمقاتلين لدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية، برئاسة فائز السراج، ضد الجيش الوطني.
وأضاف أكار أن أمين عام «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، أكد في تصريحات قبل أيام أنه «إن كان هناك حل سلمي أو سياسي في ليبيا، فإن الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة (حكومة الوفاق) هي من ستتولى هذا الأمر». ورحب بإعلان ستولتنبرغ استعداد الحلف لدعم حكومة السراج، داعيا أطراف عملية «إيريني» إلى مراجعة هذه القضايا.
وتابع أكار مجددا رفضه لعملية «إيريني»، بالقول «ما يتم القيام به من أنشطة بهذه المنطقة هو مراقبة عمليات الدخول والخروج البحرية أو منعها، ولا يعد حظرا للسلاح، وإنما منع أنشطة الحكومة الشرعية، لأنها (حكومة السراج) لم تقدم طلبا كهذا (إطلاق عملية إيريني)... وبالأصل فإنه لا أرضية قانونية لهذه العملية دون طلب رسمي من الحكومة... وهذا لا يصب إلا في خانة دعم حفتر لا أكثر».
وشدد أكار على أن القوات التركية ستواصل القيام بما يجب القيام به في ليبيا، في إطار «دعم الشرعية». نافيا سقوط قتلى بصفوف الجيش التركي في ليبيا. كما لفت إلى أن الدور التركي في ليبيا يتمثل في التعاون بمجال التدريب العسكري والاستشاري، وأنه «لا يوجد قتيل أو مصاب أو خسائر في صفوف العسكريين الأتراك في ليبيا حتى اليوم».
ورأى أكار أن الليبيين «حققوا نجاحا كبيرا من حيث الحفاظ على وحدة الصف وسلامة أراضيهم»، بعد إطلاق تركيا خدماتها الاستشارية وتدريباتها وتعاونها مع حكومة السراج.
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن تركيا تؤمن بأن الحل الوحيد في ليبيا «هو الحل السياسي، ومن أجل ذلك تسعى لتحقيق وقف إطلاق النار هناك».
في غضون ذلك، بدأت تركيا الإعداد لإطلاق عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل ليبيا، والتي من المرجح انطلاقها في يوليو (تموز) المقبل بحسب ما أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز.
وكانت شركة البترول التركية، التابعة للدولة، قد أعلنت الأربعاء أنها تقدمت لحكومة السراج بطلب لبدء أعمال البحث والتنقيب، بموجب مذكرة التفاهم في مجال ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا الموقعة في إسطنبول في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال دونماز إن «أولئك الذين يريدون إبقاء تركيا خارج شرق البحر المتوسط تم استبعادهم من المعادلة، بفضل الاتفاق مع الحكومة الشرعية في ليبيا». في إشارة إلى الدول التي تعارض أنشطة تركيا في شرق المتوسط. مضيفا: «نخطط لإجراء حفر عميق بالسفينة التركية «الفاتح» في كل من شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ابتداء من يوليو المقبل».
في سياق متصل، قال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، في بيان نشر أمس، إن ملف الوضع في ليبيا كان محور نقاشات وزراء خارجية التكتل الموحد، إضافة إلى ملف عملية «إيريني» الأوروبية.
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي إن عملية «إيريني» الأوروبية «هي الآن في البحر والجو. وأريد أن أشدد هنا على أنها ليست مهمة بحرية فقط، بل مهمة جوية، وستقوم بعمليات مسح للكشف عن أي تدفق للأسلحة في البحر والجو أيضا، بهدف مراقبة ما يحدث على الحدود بين مصر وليبيا ودول الساحل، وأيضا مشاهدة ما يحدث على الحدود مع كل الدول التي تأثرت جراء الأزمة الليبية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.