لم يمنع وباء «كورونا» من إعادة أعمال الفنانين الراحلين راغب وإيما عياد، إلى المشهد التشكيلي المصري بقوة مرة أخرى، عبر معرضهما الاستعادي المقام حالياً في غاليري «أرت توكس» بحي الزمالك في القاهرة، فإذا كانت الكثير من المعارض في مصر قد توقفت داخل القاعات، واستمر عرض بعضها افتراضياً، فإنّ هذا المعرض نجح في أن يبقى إلى الآن ملتزماً بمواعيد الحظر التي فرضتها الحكومة المصرية، ليقدم للجمهور خلاصة «60 عاماً من الفن والحب»، فيما يُعد سردا ًبصرياً وتوثيقياً لرحلة الزوجين الراحلين اللذين كان الإبداع عنوانا ًرئيسياً لحياتهما، بالإضافة إلى اكتسابه جانباً كبيراً من خصوصيته من تفرد تجربتهما الحياتية والفنية معاً، حسب وصف فاتن مصطفى، مديرة غاليري «أرت توكس»: والتي تقول إنّ «هذا أول معرض يجمع بين لوحات الفنان المصري القدير راغب عياد وزجته الفنانة الإيطالية إيما كالي بكل عطائهما الفني الطويل، والذي تخللته في الوقت نفسه قصة حب رائعة، ومن هنا اخترنا له عنواناً معبراً هو (راغب وإيما... 60 سنة فن وحب».
ونشأت قصة الحب بين الثنائي أثناء دراستهما في المعهد العالي للفنون الجميلة بالعاصمة الإيطالية روما، وكللت بزواجهما ليصبح كل منهما ملهماً ومحفزاً للآخر على الإبداع، ولذلك إذا كان الحديث عن عياد وحده هو حديث ذو زخم وشجن، فما بالنا حين نتناول أيضاً مشوار الفنانة المتميزة كالي، ولذلك يأتي هذا المعرض المشترك بينهما، والمستمر حتى نهاية الشهر (الجاري) بمثابة حوار شيق ما بين تعبيرية عياد الشعبية وكلاسيكية كالي التقليدية.
يتنقل الجمهور داخل القاعة ما بين نحو 55 لوحة ورسم وكتاب تذكاري، ومقتنيات نادرة لم تعرض من قبل، تضم مجموعة من الصور الشّخصية ومقتطفات الصحف والمتعلقات الشخصية والوثائق التاريخية التي تلقي الضوء على محطات من مشوارهما الفني الثري، ومن تاريخ التشكيل المصري أيضاً.
ويتوقف المتلقي طويلاً أمام إبداعات عياد الذي كان يجسد في النصف الأول من القرن الماضي فناً جديداً يؤكد الهوية المصرية عبر سرد مصوغات توازي مفردات وملامح الفن المصري القديم تارة، وإبراز التراث القبطي، الذي نجح عياد في جمعه من الكنائس والأديرة والقصور في مختلف أنحاء مصر تارة أخرى، فكانت إبداعاته من أهم سبل التوثيق لهذا التراث الذي تنفرد مصر به.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فإذا تأملت اللوحات بالمعرض فإنك لا تستدعي فقط من الذاكرة الجداريات الفرعونية ورسوم المعابد أو الفن القبطي لكنك تجد نفسك تستغرق كذلك في جماليات مستقاة من الفنون الإسلامية والمواويل الفلكلورية والحياة الشعبية الاعتيادية لبسطاء المصريين؛ فقد نجح راغب عياد الذي استكمل تعليمه في إيطاليا في بعثة شخصية تبادلية مع صديقه يوسف كامل، حيث كان يدرس أحدهما في روما سنة بينما يتولى الآخر القيام بعمله وإرسال مرتبه إليه، ثم يتبادلان المواقع في السنة التالية، في التخلص من الكلاسيكية الأوروبية بسكونها وثباتها العاطفي، وتعاليها تجاه الشرق. فجاءت أعماله لتعبر عن الوجه الآخر الحقيقي للحياة المصرية في الريف والحارة والشّارع بعد أن خلصها من «عمليات التجميل» والتفاصيل الناعمة المصطنعة ليقدم لنا لوحات مسكونة بالكفاح والمشقة.
ومن اللافت في أعمال عياد الذي عاش نحو 100 عام وتوفي في عام 1982 من القرن الماضي، أيضاً شغفه برسم الحيوانات مثل الإبل والأبقار والثيران والحمير والأحصنة، وهو أمر استمر معه لعقود، حيث رسمها مراراً وتكراراً انطلاقاً من أن الحيوان هو رفيق الإنسان في الميدان والسوق، والشارع، فجاءت لتستكمل الجانب العاطفي المليء بالحب والرحمة.
وحين تنتقل إلى أعمال الفنانة إيما كالي تلتقي بأعمال تبدو الشخوص فيها كما لو أنّها أعمال نحتية من فرط دقتها، تشغي بالتفاصيل، والعناصر المبهرة والألوان المنتقاة بعناية، فقد حافظت واحتفظت كالي بالقواعد الفنية التي درستها في معهدها الفني بروما، كما استقت فنها من التقنيات المتوارثة عن أجدادها من فناني «عصر النهضة» ولوحاتهم الجدارية إضافة إلى تأثرها بالجداريات المكسيكية، وكانت خلال مشوارها الفني تسير على نهج أكثر تقليدية وكلاسيكية في صناعة الفن، وإن كان ذلك لا ينفي أنها استلهمت بعض أعمالها من مصر، لا سيما الطبيعة والريف والوجوه إلى جانب الكتاب المقدس، في لوحات زيتية على قماش أو خشب.
وإذا كان المعرض سينتهي في نهاية الشهر الجاري في الغاليري فإنه سيستمر «أونلاين»، متحدياً عزلة «كورونا».
«60 سنة فن وحب»... معرض استعادي لأعمال راغب وإيما عياد
يضم 55 لوحة ومقتنيات نادرة بغاليري «أرت توكس» في القاهرة
«60 سنة فن وحب»... معرض استعادي لأعمال راغب وإيما عياد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة