«الزمن الكوروني» يفرض مناخات جديدة على الكتّاب العرب

يكسرون حاجز العزلة ويراهنون على انتصار الحياة

أحمد الشهاوي  -  حياة الرايس  -  بشير مفتي  -  حفيظة بيبان  -   وحيد الطويلة
أحمد الشهاوي - حياة الرايس - بشير مفتي - حفيظة بيبان - وحيد الطويلة
TT

«الزمن الكوروني» يفرض مناخات جديدة على الكتّاب العرب

أحمد الشهاوي  -  حياة الرايس  -  بشير مفتي  -  حفيظة بيبان  -   وحيد الطويلة
أحمد الشهاوي - حياة الرايس - بشير مفتي - حفيظة بيبان - وحيد الطويلة

في غفلة، فرض «كورونا» على الإبداع طقوساً ومناخات جديدة، وحاصره في بضعة مترات لا تتجاوز صحن البيت.
كيف يواجه الشعراء والكتاب والنقاد هذه اللحظة، كيف يعيشونها، ويتأقلمون مع إيقاعها المر، في عزلة إجبارية لم يستعد أحد لها، وهل ستغير من شكل الكتابة، مثلما غيرت في أنماط السلوك. هنا آراء مجموعة من الكتاب العرب:
- شاكر عبد الحميد (مصر): الإبداع لا قانون له
هناك فارق بين العزلة الاختيارية والعزلة الإجبارية، وفي عالم الأدب الكثير من الأدباء والشعراء الذين اختاروا الانعزال عن مجتمعاتهم من أجل الإبداع، أو أجبرتهم ظروفهم الصحية للانعزال، وأشهرهم بالطبع مارسيل بروست، وبلزاك، الذي كان يعزل نفسه اختيارياً، حتى ينتهي من كتابة رواية ما، ثم يعود ليجتمع بأصدقائه، والكثير من الفلاسفة ومنهم الفيلسوف سورين كيركيجارد صاحب المقولة الشهيرة «وحدتي». لكن كيف يمكن فهم الظرف الحالي في زمن «كورونا»، طالما أن الإبداع نشاط متواصل ووسيلة لفهم الحياة والوصول للحقيقة؟
الإبداع لا قانون له، كونه عملية فردية في الأساس، لكنه يختلف وفقاً لسيكولوجية كل إنسان والظروف الاجتماعية التي أحاطت به، والفروق الفردية بينهم. هناك مبدعون يفضلون العزلة عن الآخرين، بينما يفضل البعض الكتابة أو الرسم في حضور أصدقاء أو على المقاهي وغيرها من السلوكيات. إن أسلوب حياة المبدع يؤثر في كيفية تأقلمه وتعاطيه مع كافة الظروف، والإبداع بالنسبة للمبدعين هو نوع من أنواع تحقيق الذات.
أما عن المأساة التي نمر بها حالياً، فالحكم ما زال مبكراً، وإن كان من الصعب مثلاً أن يبدأ روائي في كتابة رواية في ظل هذه الأجواء الملتبسة، بينما أعرف أن بعض الأدباء يستكملون أعمالاً روائية كانوا قد بدأوها قبل الأزمة، فيما يمكن للشعراء بكل تأكيد كتابة قصائد تعبر عن تأثرهم بالوضع الراهن الذي يدفعهم لمحاولة فهمه شعرياً... لكن المؤكد أنها ستترك أثراً قوياً على شكل الكتابة.
- عزة بدر (مصر): الانتصار للحياة
الكلمة هي الحصن والأمان للمبدع وللبشرية عامة، الأزمات تجعل الكاتب مرهفاً ومتحمساً للدفاع عن قضية، وقضيتنا الآن هي البشرية. أعيش بالقلم، أحيا على الورق وأزرار الكيبورد. أرى أن هذه العزلة مدعاة للتأمل والتوحد مع الذات، والكتابة مهمتها الانتصار للحياة، وهو ما نحاول جميعاً فعله الآن. المبدع يسعى على إيصال الكلمة نثراً وشعراً، مؤمناً بأن لها دوراً كبيراً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الإنسانية. فقد بات الإنسان هو المحور بالنسبة للأطباء والشعراء والساسة والروائيين... الإنسان أثمن ما في الوجود. أتوقع أن نرى في الفترة المقبلة كتابات أعمق، وأشكالاً أدبية وفنية جديدة، وقصائد أرهف، ليست نتاج عزلة فرضت علينا كنوع من الوقاية، وإنما نتاج وعي يتكثف في الداخل مهموم بمحبة الإنسانية، بحثاً عن صورة مثلى لهذه المحبة.
- أميمة الخميس (السعودية): مزاج الكتابة
الخلوة هي المادة الخام الأولية لأي عمل إبداعي، هي الينبوع الذي تتوضأ به أدواتنا قبل الدخول لبلاط الكتابة. لا بد أن يكون هناك انفصال عن ضجيج العالم الخارجي، والانقطاع عن الموجودات، والتبتل بين يدي الخلوة كي نستطيع أن نستمع لنبض الكون وهو يريد أن يتحقق على الورق، لكي نميز أصوات الشخصيات التي تسكب في آذاننا حكايتها، لكي نستمع لطرق الخطوات على الدروب، ونفطن للمدن التي تهتز وتربو من بين كثبان الخيال.
لذا المناخ العام مع العزلة الإجبارية ينسجم مع مزاج الكتابة، فالوحدة للكاتب هي الأصل والضجيج هو الاستثناء، لكن الآن مع دخول الجميع في شرنقة الحيز المنزلي، لم تعد المساحات المنزلية آمنة للغاية بالنسبة للكاتب، وبات هناك بعض من التلصص والانتهاك. وبات الجميع يطالبه بخريطة الكنز المتواري في ممالك العزلة، وأتصور أن كل هذا سيؤثر على طبيعة الكتابة.
- حفيظة قارة بيبان (تونس): تجربة جديدة
عادتي كل صباح، بعد جولة على البحر المهجور، أن أدخل عزلتي. أغلق بابي على العالم، لأحفر في الذات واللغة، وأبدع عوالمي بعيداً عن الصخب الخارجي. العزلة هي الرفيقة الدائمة للروائي والشاعر والكاتب عموماً، للتأمل والكتابة الإبداعية. ولكن حين تفرض عليه ويحاصر بدعوات لا تتوقف للسلطة والإعلام ومنظمات الصحة والأطباء، الصارخة بمخاطر فيروس قاتل، قد يكون اخترعه الجشع الإنساني المعاصر، وقتها تصبح العزلة المحاصرة بالخوف العام، هشة، مهددة.
ومع ذلك يدخلها الروائي أو الشاعر، مختاراً أو مجبراً، مقاوماً «الزمن الكوروني» بالكتابة التي تتوهج بشتى المشاعر المتناقضة، لينقذ عوالمه من الموت. وها أنا ذي، في عزلتي، أتم إعداد كتابي القادم «سارقة النار»، وأعود بخوفي إلى رواية بدأتها منذ عام ولم تكتمل.
اللحظة الخارقة، تجاوزت الخيال، ومع ذلك، تذكرنا بما أبدع الخيال الروائي من أعمال عن أوبئة اجتاحت العالم وفرضت العزلة، «الطاعون» لكامي، و«العمى» لساراماغو.
هي تجربة إنسانية جديدة، رهيبة، تعلن ولادة إنسان جديد، يجدد قيمه ويعيد تقييم كل مظاهر حضارته المعاصرة. تجربة تضيف حبراً أسود دموياً لأقلام الروائيين والشعراء، وتوتراً أكثر لحروف حواسيبهم، للكتابة الإبداعية الشاهدة على تجربة الإنسان المعاصر المغرور بتقدمه الحضاري. فالأزمات الإنسانية كانت ولا تزال مبعث الأعمال الأدبية ومخلدة التاريخ الحقيقي المتوتر للإنسان.
- أحمد الشهاوي (مصر): الخوف يترصدني
أنا بالأساس «رجل بيت»، ولما اجتاح فيروس كورونا، عشت العزلة التي لم أرها في حياتي، عزلة فرضت على الجميع، وعلى الرغم من أنني أستطيع الخروج في أي وقت، كوني صحافياً مستثنى من الحظر، فقد فضلت أن أبقى في البيت لأكتب وأقرأ، وأخذت إجازة من العمل، وللمرة الأولى في حياتي التي لم أخرج فيها حتى من قبل أن يبدأ حظر التجوال في مصر، فلدي كتب كثيرة، وصار عندي وقت لأنتهي منها. صحيح أن المزاج معتل بسبب تأجيل أسفار مهمة، واجتياح الفيروس للدنيا كلها، لكنني أكتب يومياً، وأتتبع دورة الفيروس في العالم.
وأتصور أن أشياء كثيرة ستتغير بعد هذه الكارثة، وستكون جماليات الكتابة من ضمن هذا التغيير. نعم أحس أن وهم الموت يخايلني ويترصدني كل يوم، لكنني لا أحب أن أموت تحت سنابك عدو لا يرى بالعين المجردة
- حياة الرايس (تونس): عدو غير مرئي
لست منزعجة كثيراً من الحجر الصحي العام، فأنا بطبعي امرأة متوحدة مع ذاتي، وأركاني، وأشيائي، وطقوسي، وعاداتي بالبيت. أحب بيتي كثيراً لأنه يشبهني، وأرى نفسي فيه ويراني كل من يدخله، وعليه تنعكس شخصيتي وأنا متصالحة حتى مع حجر جدرانه... عندما أكون ببيتي أشعر أني ملكة.
الوحدة أو العزلة أسلوب حياة اخترته منذ بداية حياتي للتفرغ للكتابة. الكتابة آكلة أكول تلتهمك كلياً، وتتملكك، ولا تقبل شريكا. اخترت الوحدة لأن الوحدة حريّة تجعلك تتملك مكانك وزمانك ولا يشركك بهما أحد مهما كان؛ لكن الآن الذات الكاتبة محرجة في كبريائها واختيارها. كانت تظن أن عزلتها اختيارية وخاصيّة ملازمة لأهل الفكر والأدب. فقد كانت الوحدة والعزلة دائماً امتياز الأدباء والشعراء والفنانين والزهاد والمتصوفة، وفي بعض وجوهها أيضاً فضيلة أرستقراطية للفلاسفة أو ترفاً أدبيّاً للرومانسيين.
لكن هذه العزلة التي نعيشها الآن هي عزلة فجائية، إجبارية، قسرية، فرضها علينا خطر انتشار فيروس كورونا المعدي انتشاراً عالمياً، وبشكل غير مسبوق. وقد جردها هذا الوباء من كلّ قيمة رمزية كانت تتميز بها. عزلة أساسها الخوف بل الرعب الوبائي من عدوّ غير مرئي، يهاجمك على حين غفلة، ينتشر بشكل سائل أو هلامي. غير واضح الهوية ليس له دواء إلا الانعزال والابتعاد عن البشر مخافة العدوى في سجن جديد هو عبارة عن تمرين ما بعد أخلاقي على التوحّد بوصفه حمية عضوية ضد الوباء، وليس موقفاً فلسفياً ولا قلقاً وجودياً من الكينونة في العالم.
اغتنم فرصة هذا الحجر العام لأخرج منه غانمة برواية بدأت فيها حول هذه التجربة التي لم يعشها أبناء جيلي من قبل، التي أتمنى ألا تعيشها الأجيال القادمة.
- وحيد الطويلة (مصر): عدالة الأسى
أنا في موقف لا أحسد عليه، كنت أقضي سبع ساعات تقريباً في المقهى أقرأ أو أكتب، إن رضيت عليّ الكتابة... فجأة وجدت نفسي رهين البيت... أنا الذي يتعامل معه كمحطة للأكل والاستحمام والغناء، وتدليل زوجتي وابنتي، وجدت نفسي فجأة بينهن مطالباً بدفع الفواتير القديمة وسماع البيانات الحربية التي تتضمن سرداً لفشلي في الماضي.
لا أستطيع أن أقول إنني أقرأ كتباً... أو أكتب نصاً... أنا بالكاد أتابع العالم عبر «السوشيال ميديا» والتلفزيون. وأكتفي بالمقالات والتحليلات... قلبي مشغول على البشر الطيبين في العالم... كل ما فعلته أنني وجدت فرصة للبحث عن كنوز مطرب الأرواح الشيخ مصطفى إسماعيل... ووقعت على ما لم يقع عليه أحد... أتفهم جيداً إغلاق كل شيء من أجل حياة الناس، وإن كان يوجعني غلق المقاهي، فإغلاق مقهى يعني إغلاق باب لحرية الروح.
ابنتي الفنانة التشكيلية مثلي تماماً يوجعها أن تجلس بين أربعة حيطان... لكن زوجتي سعيدة... تم إجباري على ترك «الشيشة» رغم أنفي... وسيسجل التاريخ أنها انتصرت عليّ بفيروس عالمي!
لكم تمنيت العدالة دائماً، لكن المؤسف أنها جاءت بالأسى، ورغم ذلك لدي هاجس قوي بأن مياهاً كثيرة جرت في نهر الكتابة جراء هذا الكابوس.
- إقبال العثيمين (الكويت): أدوّن ملاحظاتي
عادة لا أشعر بالعزلة أثناء العمل بمفردي. وفي زمن العزلة الجبرية لا أجد لدي طقساً محدداً في الكتابة. قد أكتب اليوم وقد أكتب غداً، لأن المسألة حالياً وسط القلق وحالة التشتت تصبح مسألة رغبة؛ فكلما أحسست برغبة في الكتابة بدأت بالكتابة. فأنا فقط أدون بعض الملاحظات الخاصة بي بين يوم وآخر. لن أكتب عن المأساة حالياً، ربما ذلك بعد مرور عدة سنوات، كما حصل معي عندما كتبت عن مأساة الغزو العراقي للكويت «رماد الروضة» بعد مرور عشرين عاماً! أعتقد أن حياتنا الثقافية سنشهد روايات جمة بعد الخروج من الغمة. وستخرج لنا أدباً له إيقاع خاص، كحكايات السوشيال ميديا التي نطالعها كل يوم وتقذف علينا بحكايا يومية. أتوقع أن الكاتب الناضج سيتروى بكتابته إلى أن تهدأ الحكاية بداخله، ويستوعبها، وبالتالي بإمكانه أن يخرجها للناس.
لا ننسى أن الأدب العظيم ينشر بعد عشرات السنين من الحدث، كما حصل بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عندما خرجت للسطح روايات عدة لا تساوي بقيمتها ثمن الورق الذي كتبت به!
- ناصر عراق (مصر): قلق وتشويش
بمكائد فيروس كورونا، وغدره، ثم إصراره على قتل الآلاف وإصابة مئات الآلاف حول العالم، يصبح من العسير أن يسترد المرء عافيته الإبداعية، ويواصل الكتابة بالتألق نفسه، فالموت يتدفق كل لحظة مع أي خبر، وقلة الحيلة البشرية تتجلى كل نهار، والقلق أضحى حشرة حقيرة تزحف إلى وجدان الملايين فتفسد أمزجتهم وتربك حساباتهم.
في هذا الوضع الخطير غير المسبوق، ألتزم بتعليمات الوقاية التزاماً تاماً، فأعتصم بالبيت، وأحاول تزكية الوقت بالقراءة ومشاهدة الأفلام، مع المتابعة الدائمة للأخبار، كما أعمل على قهر القلق على أبنائي، الذين يدرسون في خارج البلاد، بمواصلة الكتابة في روايتي الجديدة التي أعكف على إنجازها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولا أخفي عليك أن التشويش الذي يسببه هذا الفيروس البغيض يعرقل انهمار الكتابة بالمعدلات نفسها التي تعودت عليها.
ومع ذلك، ما زلت أحافظ على عاداتي كما هي، حيث أكتب يومياً في الصباح المبكر جداً، وقد منحتني هذه العادة التي أمارسها منذ عشرين عاماً تقريباً نعمة التعامل مع الفيروس الماكر وألاعيبه بدرجة من الهدوء النسبي.
- بشير مفتي (الجزائر): شعور بالقيود
بالنسبة لي يستحيل الكتابة في هذه الظروف، لسبب بسيط أن هذه العزلة مفروضة واضطرارية، وليست عزلة اختيارية، أي أن الشعور الذي أشعر به هو شعور بالسجن، وفي هذه الحالة يصعب علي الكتابة التي من شروطها الأساسية الحرية والتركيز، بينما غالب الوقت أجدني مشتت الذهن، أو لا أتوقف عن متابعة الأخبار والمستجدات على شاشة التلفزيون أو مواقع الإنترنت.
ربما سأستغل هذه الفرصة للقراءة أكثر، مع أني تعودت على القراءة كل يوم، لكن بصدق أجد في هذا الظرف صعوبة كذلك. لا أقول إنني خائف، بل على العكس ليس الخوف، بل الشعور بالقيود هو الذي يزعجني، فأنا أحب الحركة والحياة في الخارج أكثر من الداخل، وفي هذه الفترة أجد صعوبة حقيقية في التأقلم، هذا أتمنى رحيل «كورونا» في أسرع وقت، حتى أعود إلى إيقاع حياتي الطبيعية.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.