«هدنات ليبيا»... توافقات فاشلة على وقع «حرب مستعرة»

محللون يرون أن قبول وقف إطلاق النار من الجانبين «لم يكن سوى تصريحات لذر الرماد في العيون»

TT

«هدنات ليبيا»... توافقات فاشلة على وقع «حرب مستعرة»

أصبح جل مواطني العاصمة الليبية طرابلس يعبرون عن عدم تصديقهم لتصريحات المسؤولين حول «هدنة وقف إطلاق النار»، مبررين ذلك بـ«سقوط عشرات القذائف العشوائية على رؤوسهم مع «تحديد موعد كل هدنة»، واشتعال حرب الاتهامات المتبادلة بين قوات حكومة «الوفاق» و«الجيش الوطني» بخرق ما يتم الاتفاق عليه كل مرة لوقف الحرب.
ومنذ اندلاع العملية العسكرية على العاصمة، بأمر من القائد العام المشير خليفة حفتر قبل قرابة عام، تم الاتفاق على ثلاث هدنات لوقف إطلاق النار لدواع إنسانية. لكن سرعان ما كان يتم خرقها لأسباب يرى كل طرف بأن الآخر هو المتسبب فيها، مما يبقي على الحرب مُستعرة، ويضاعف عدد القتلى والجرحى.
ومع كل خرق جديد للهدنة يتهم المتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، وغالبية السياسيين المؤيدين للعملية العسكرية، قوات «الوفاق» والميليشيات المساندة لها «بعدم الالتزام بالاتفاقات الدولية».
وفي هذا السياق اعتبر المحلل السياسي عبد العظيم البشتي أن القوات المتحاربة حول طرابلس تتبادل عمليات خرق الهدنة، لكنه أوضح أن «أغلب عمليات خرق الهدنة تتم من جانب قوات حفتر»، وأرجع ذلك إلى أنها ترى أنه لم يعد يفصلها إلاّ القليل عن تحقيق هدفها. في إشارة إلى اقتحام طرابلس.
وكغيره من المحللين السياسيين، يتفق البشتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس على أن «الموافقة على وقف إطلاق النار لم تكن سوى تصريحات إعلامية وذر للرماد في العيون»، لافتاً إلى أن ذلك كان يتم «بتشجيع من بعض الدول الداعمة للحرب»، وأن قوات السراج «تخترق الهدنة أيضاً دون شك، خاصة أنها ترى نفسها في حالة دفاع مشروع، طالما أن قوات حفتر داخل أراضيها».
وجاءت الهدنة الأولى في الرابع من أبريل (نيسان) العام الماضي، بعد أربعة أشهر من الحرب على طرابلس، تزامنا مع عيد الأضحى، وهي الهدنة الإنسانية التي دعت إليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وقد وافق «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق» عليها، ووضع كل منهما مجموعة من الشروط والتعهدات، مُحملين البعثة مسؤولية مراقبة أي خروقات قد تقع.
لكن رغم كل التعهدات، تم اختراق الهدنة بعد أقل من 24 ساعة فقط على الاتفاق عليها، وقال المسماري حينها إن «الميليشيات المسلحة في طرابلس استغلت الهدنة في التحشيد، والتقدم على المحاور القتالية، إضافة إلى إطلاق النيران على قوات الجيش، التي التزمت بتعليمات القيادة العامة».
ومن جانبها، قالت عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، إن «عددا كبيرا من المواطنين النازحين عن ديارهم بسبب الحرب توجهوا لتفقد منازلهم، عقب الإعلان عن الهدنة الإنسانية، لكن القوات (المعتدية) قنصتهم بدماء باردة، فماتوا في الطرقات قبل أن يصلوا إليها». ونشرت «العملية» صور مواطنين تم قنصهم داخل سياراتهم، أو أثناء تجولهم داخل مناطق الاشتباكات بالضاحية الجنوبية للعاصمة.
ويتفق قطاع كبير من أعضاء مجلس النواب، المؤيد للعملية العسكرية، على أن ميلشيات طرابلس «تتخوف من فرض هدنة في العاصمة»، لأنها «تسعى دائماً إلى توسيع نفوذها بإشعال الحرب، ولأنها مستفيدة مالياً من الأموال، التي تهدرها حكومة (الوفاق) عليها، بشراء السلاح وتسديد الرواتب الشهرية». وبعد اشتعال الحرب وتواصلها قرابة تسعة أشهر، توصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، بدأ في الثاني عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الاتفاق الذي استبق مؤتمر «برلين».
وعقب انتهاء المؤتمر، الذي رعته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الـ29 من الشهر ذاته، توقع البعض أن يضع نهاية للحرب الليبية التي قضى فيها نحو ألفين حينها. لكن مخرجاته اُختزلت في المسارات الثلاثة (العسكرية والسياسية والاقتصادية) التي حدث جدل واسع حولها. وفي ختام هذا المؤتمر، تعهدت الدول الرئيسية المعنية بالنزاع الليبي التزام حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، وعدم التدخل في شؤونها.
وتعقيباً على نتائج المؤتمر، بدت ميركل أكثر واقعية بقولها إنه يمثل «خطوة صغيرة إلى الأمام نحو السلام». غير أن ترجمة هذه الواقعية جاءت في أرض المعركة ببدء تناوش مسلح بين الطرفين المتحاربين، استمر طوال الثلاثة أشهر الماضية، إلى أن رحّب «الجيش الوطني» مطلع الأسبوع الحالي بقبول هدنة إنسانية لمواجهة فيروس «كورونا»، بعد مطالبات دولية عديدة، مشترطاً إلزام قوات السراج بالالتزام بها، وتمسك بحق الرد إذا تم خرقها، وهو ما كان على خلفية معارك مستعرة شهدتها قاعدة الوطية الجوية خارج طرابلس.
وفي ظل خرق الطرفين المتحاربين وقف إطلاق النار، قال السياسي الليبي عبد العظيم البتشي إن «السبيل الوحيد هو الضغط على الدول الداعمة للطرفين لوقف هذه الحرب، التي أصبحت دائرة بالوكالة». مشددا على ضرورة «الضغط على طرفي الصراع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتبقى القضية الجوهرية هي ضرورة تجريد الميليشيات غرباً وشرقاً من السلاح (...) وهذه مهمة لا يمكن لأحد القيام بها إلا قوات الأمم المتحدة (أصحاب القبعات الزرق). هذا هو الأمر الذي تم الاتفاق عليه من قبل، وكان يجب أن يحدث منذ اتفاق (الصخيرات)».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».