الطاووس
(1982)
(ممتاز)
تحتاج السينما العربية إلى مؤرخين - نقاد ينفضون الغبار عن القيمة الحقيقية لعدد كبير من الأفلام التي لم تنل ما تستحقه من اهتمام نقدي في العقود الماضية أو اعتبرت أنها أقل قيمة كونها لم تطرح قضايا سياسية كبيرة.
«الطاووس» هو أحد هذه الأفلام التي مرت تحت رادار النقد في الغالب، ثم تم نسيانها من الجيل اللاحق من النقاد العرب. هذا مردّه إلى أن مخرجه، كمال الشيخ، مارس مهامه كسارد قصة جيد في المقام الأول ومعتن بتفاصيل عناصر الجودة في المقام الثاني.
«الطاووس» قصة زوج (نور الشريف) يدعي أنه مُقعد وعاجز عن الحركة، لكنه في الواقع يختلق ذلك كجزء من خطّة لقتل زوجته (ليلى طاهر) حباً في شقيقتها (رغدة). بعد تنفيذ الجريمة تتراءى له زوجته كما لو أنها لم تمت وبالتدرّج يندفع لتصديق أنها ما زالت حيّة. يؤرقه ذلك ويعذبه (وهنا لا يتماثل الشيخ مع السائد من مشاهد ساذجة تُشير إلى هذا الأرق) من دون أن يدري أن خال زوجته (صلاح ذو الفقار)، وبمساعدة محققين، حفروا له المكيدة لكي ينهار ويعترف.
يقدم كمال الشيخ القصة متحكماً كعادته بالمعايير الكفيلة ببث الإثارة والتشويق. الأسئلة تتكاثر في النصف الثاني من الفيلم رغم أن المشاهد قد يبدأ قراءة ما يدور. ما يوفره له المخرج هو قيمة انتظار معرفة كيف سيقع القاتل في المصير الذي ينتظره.
ما يثير كل الإعجاب هو أن كمال الشيخ يبرهن طوال الفيلم عن شدة احترامه للعمل فيتيح له أفضل ما يمكن أن يوفره من شروط وفي مقدمتها التصوير الجيد لرمسيس مرزوق.
بهذا الفيلم نجد المخرج كمال الشيخ ما زال أفضل مخرج عربي لجهة تقديم الفيلم البوليسي المحكم، هذا مع أن «الطاووس» ليس أفضل أفلامه بالضرورة السيناريو الذي كتبه الراحل عبد الحي أديب الذي اقتبسه عن رواية للأميركي أليكس موريسون. لكنه ليس اقتباساً موفقاً في هذه الحالة كون السيناريو اكتفى بنقل الحدث ولم يتناول المحيط الثقافي الذي كان عليه أن يبرز من خلال الأحداث.
هذا الضعف الاستثنائي في الكتابة لا يجب أن يقلل من قيمة معالجة المخرج للفيلم وأسلوبه في العمل البوليسي. السبب في أن هذا الناقد يعتبر الشيخ أفضل مخرج عربي لجهة تقديم الفيلم البوليسي هو احترام المخرج للنوع، وعدم النظر إليه كمتعة عابرة، بل كتخصص وعشق للون الذي يقدمه مدركاً كيفية تحقيق شروط وقواعد الفيلم التشويقي سواء أكان المصدر رواية لنجيب محفوظ «اللص والكلاب» أو سيناريو فيه خيط سياسي (على من نطلق الرصاص؟) أو مجرد قصة بوليسية كهذا الفيلم.
ليس أن كمال الشيخ لم يقدّم أعمالاً خارج الإطار البوليسي، أو غرف فقط من هذا النوع دون سواه. الواقع أن أفلامه من أواخر الستينات وفّرت له العديد من المناسبات التي برهن فيها على أنه يستطيع تصوير الواقع الاجتماعي والسياسي بالمهارة ذاتها التي يوفر فيها عناصر التشويق التي بثها بحرفته وموهبته.
لذا، وبعد أعمال متأصلة أدبياً مثل «الرجل الذي فقد ظله» و«شيء في صدري» عمد إلى تحريك الساكن السياسي في «الهارب» و«على من نطلق الرصاص». بعد «الطاووس» أنجز سنة 1987 «قاهر الزمن» الذي لاقى الصدى نفسه على جودته الحرفية ذاتها.