لا يختلف اثنان على أنّ العالم سيتغير عما تعودناه، فقبل فيروس كورونا لن يكون كما بعده. ومن منّا كان يتصور تأثيراته على العالم بهذه الوتيرة المتسارعة، وعلى كل المستويات؟
وبما أنّ الموضة هي أيضاً جزء لا يتجزأ من المنظومة الثقافية، فقد طالتها الجائحة، بدءاً من إغلاق العديد من الشركات الكبيرة محلاتها لأجل غير مسمى مثل «زارا»، إلى إفلاس بعضها كـ«لورا آشلي».
«فاجأتنا الجائحة»، هذا التّصريح جاء على لسان العديد من المصممين الذين لم يتوقّعوا ما حدث عندما رسموا اقتراحاتهم لخريف وشتاء 2020، وقد بدت غير متناسبة مع الوضع الحالي. كانوا حينها متحمسين لإيجاد بدائل للأسلوب الـ«سبور» الذي اجتاح الموضة لنحو عقد من الزمن وأصابهم بالملل؛ فحاولوا باقتراحاتهم الأخيرة تهميشه من خلال تصاميم مفصّلة تتميز بتفاصيل مبتكرة وأناقة عصرية تحنّ أحياناً إلى الزمن الجميل في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.
ولكن على ما يبدو، فإنّ الأمور لن تعود إلى سابق عهدها، بعد أن غيّر الفيروس أشياء كثيرة في يوميات الناس وسلوكياتهم، فلا بدّ على الجميع التأقلم مع الوضع لتستمر الحياة. وبالفعل بدأت بوادر هذه السلوكيات تظهر منذ أسابيع، بعد أن شجّعت شركات عديدة موظفيها على العمل من البيت لتفادي الاحتكاك بالناس وانتقال العدوى.
بينما رحبت شريحة من الموظفين والعمال بهذه الخطوة، على أساس أنّها ستجنبهم قضاء ما لا يقل عن ساعة أو ساعتين في المواصلات العامة، هناك شريحة تقبلتها على مضض، على أساس أنّها ستعزلهم عن العالم، وتُفقدهم التّفاعل الإنساني لـ«سلامة صحتنا الذهنية والنفسية». ففي زمن الكورونا سنعيش في عالم افتراضي، تكون فيه مقابلاتنا مع الآخر على الـ«فايستايم» و«غوغل هانغاوت» ومكالمات على «الواتساب» وما شابه، وهو ما سيزيد من وطأة العزلة، والوقوع في الاستسهال وعدم الاهتمام بالصحة النفسية.
هذا ما جعل كثيراً من المواقع، وعلى رأسها الموضة، تتبارى وتتكلم عن كيف يمكن لنا أن نتأقلم مع الوضع الجديد مع الحفاظ على روح التفاؤل. هؤلاء يرون أنّ الحفاظ على الروتين اليومي مثل الاهتمام بالمظهر عنصر مهم لا يمكن تجاهله، وهذا يحتاج إلى كثير من الانضباط حتى لا يتشابه النهار بالليل.
وحسب إجماع الخبراء، ومن خلال التّجارب، استنتجوا أن هناك قطعاً نميل إليها أكثر عندما لا تكون هناك حاجة للخروج من البيت، مثل البنطلون الجينز أو البنطلون الرياضي الواسع. وهذا تحديداً سيجعل ما عرضه المصمّمون لهذا الموسم غير مناسب، الأمر الذي سيُعقّد الأمور بالنسبة لهم أكثر، من ناحية أنّها لن تكون قابلة للتسويق بسهولة هذا العام. فنحن لا نحتاج إلى أزياء مفصلة على الجسم ومشدودة عند الأكتاف أو محددة عند الخصر أو أكمام منفوخة، ولا ترتر أو أزياء مصنوعة من الجلد، ونحن جالسون أمام شاشة كمبيوتر في البيت، بقدر ما سنكون بحاجة إلى أزياء خفيفة وعملية من الصوف الناعم أو القطن أو الحرير.
تقول كارمن هايد، مستشارة موضة: «على الرغم من أنّ التفكير فيما سنلبسه في هذه الفترة العصيبة قد يكون آخر شيء يخطر على البال، فإنّه لا أحد يُنكر أهمية قطع الثياب في إدخال السعادة والراحة على النفوس». وتضيف أنّ «مشكلة العمل من البيت هي التّعود على قطع معينة لا نغيرها إلى حد أنّها تصيبنا بالملل وتؤثر على نفسيتنا من دون أن نشعر». وتستدل على هذا بتجارب صديقات لها يعملن من بيوتهن حتى قبل جائحة كورونا، فتقول: «إنّهن يتكاسلن ويُهملهن مظهرهن إلّا في حال استقبال أحد أو اضطرارهن للخروج، وهو ما ليس وارداً حالياً في ظل الحجر الصحي». خبراء موضة آخرون لم يتأخروا في الإدلاء بدلوهم حول هذا الموضوع، مُعلقين أنّ التّعامل مع فترة الحجر كفترة تأمل وتمعن في التّغييرات التي طرأت على العالم وتأثيراتها على السلوكيات وعلى مستقبل الموضة ككل، سيُعزز فكرة الاستدامة، كما سيُعطي للمصمّمين فكرة عن أشكال التّصاميم التي سيتم الإقبال عليها في الفترة المقبلة، وهو ما سيؤثر بدوره على الموضة السريعة. فلن يتردّد الزبون في صرف مبالغ كبيرة على تصاميم حرفية وأخلاقية مقارنة بأخرى لن تحرك فيه ساكناً.
وتشير كارمن هايد إلى أن تحقيق المعادلة بين الراحة والأناقة، وبين الكم والكيف ممكن بسهولة، من خلال بدائل متوفرة في خزاناتنا، أغلبها يتميز بالأسلوب السبور الذي حاول المصممون تهميشه هذا الموسم، إضافة إلى قطع مثل «البيجاما»، مستوحاة منها كما يشير اسمها، وتتكون من بنطلون وقميص من نفس القماش واللون. تميّزها بالاتساع والراحة، يجعلها تصلح للبيت كما للخروج لقضاء حوائج صغيرة، علماً بأنّها طرحت في المواسم الماضية من قبل بيوت أزياء كبيرة مثل «بوتيغا فينيتا» واستنسختها محلات شعبية مثل «زارا» وغيرها. عمليتها تكمن في أنّه يكفي إضافة معطف أو كنزة مفتوحة لتصبح قطعة مقبولة في الشارع.
وبما أنّ الموضة كانت ولا تزال قراءة جيدة للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نمرّ بها، وبما أن كل القراءات الماضية تؤكد أنّ الناس في أوقات الأزمات، يُقبلون على كل ما يُشعرهم بالأمان والطمأنينة على المستويين النفسي والجسدي، مثل الصّوف والحرير، والتّصاميم الطّويلة، فإنّ الأمر لن يختلف هذه المرة أيضاً. إلى جانب التّصاميم المستوحاة من البيجاما أو «الروب دو شومبر» أو الملابس الرياضية المكونة من قطعتين: بنطلون واسع وكنزة مع قلنسوة، وسنرى أنّ الطول الماكسي والميدي سيكون غالباً. بالنسبة للأحذية فإنّ المستوحى منها من الشباشب ستسحب السجاد من تحت الكعوب العالية والرفيعة بل حتى الرياضية منها، والسبب سهولة انتعالها من دون حاجة إلى ربطها.
الموضة في زمن {كورونا}... كي لا يتشابه الليل والنهار
الموضة في زمن {كورونا}... كي لا يتشابه الليل والنهار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة