رحلة فرار مراهقات مخطوفات من «بوكو حرام»

طُلب من بعضهن في إحدى العمليات تفجير مسجد بكل من فيه

شابة فرت من بوكو حرام في مخيم للنازحين شمال نيجيريا (نيويورك تايمز)
شابة فرت من بوكو حرام في مخيم للنازحين شمال نيجيريا (نيويورك تايمز)
TT

رحلة فرار مراهقات مخطوفات من «بوكو حرام»

شابة فرت من بوكو حرام في مخيم للنازحين شمال نيجيريا (نيويورك تايمز)
شابة فرت من بوكو حرام في مخيم للنازحين شمال نيجيريا (نيويورك تايمز)

وضعت الشابات الست قنابلهن جانباً، ووقفن حول البئر يحدقن في الفراغ المظلم. فباعتبارهنّ أسيرات لجماعة «بوكو حرام»، إحدى أكثر الجماعات الإرهابية دموية على وجه الأرض، فقد جرى إرسال هؤلاء النساء للقيام بأبشع المهام، وهي تفجير مسجد بكل من فيه.
لكن النساء أردن التخلص من القنابل دون قتل أحد، بما في ذلك أنفسهن. تفتق ذهن إحداهن، وتدعى بالاربا محمد (كانت تبلغ من العمر آنذاك 19 عاماً، وكانت قد اختطفت بعد أن عصبت «بوكو حرام» عينيها قبل بضعة أشهر)، عن فكرة، وهي إزالة حجاب رؤوسهن لعمل حبل طويل وربط القنابل به وإنزاله إلى البئر بحذر شديد، وكُنّ يدعون الله أن تكون البئر مملوءة بالماء، ونجحت الخطة. قالت بالاربا: «هربنا لننجو بحياتنا».
في الحرب التي استمرت لعقد كامل في مواجهة «بوكو حرام» التي اجتازت شمال شرقي نيجيريا وانتشرت في ثلاث دول مجاورة، جرى نشر أكثر من 500 امرأة كمفجرات انتحاريات، ألقي القبض على بعضهن قبل قيامهن بمهامهن المميتة، وهو عدد يقول خبراء الإرهاب إنه يتجاوز أي صراع آخر في التاريخ.
البعض، مثل بالاربا ورفيقاتها في البئر، قاومن بشجاعة، ونجحن في إحباط خطط المتطرفين بطرق هادئة وغير مألوفة في كثير من الأحيان.
لكن معظم النساء اللواتي انفصلن عن «بوكو حرام» أبقين على عمليات الاختطاف سرية، لكنهن قد يوصمن بالتعاطف مع الإرهاب رغم أنهن احتُجزن دون إرادتهن، وتحدين المسلحين. كانت هؤلاء النساء يسرن في شوارع مدينة مايدوغوري إلى جوار لوحات إعلانية تحتفي ببطولة ملالا يوسفزاي، الفتاة التي تعرضت لإطلاق نار لوقوفها في وجه «طالبان».
غالباً ما تسقط هؤلاء النساء من الذاكرة، مثلما حدث مع 100 تلميذة اختطفن من قرية شيبوك وما زلن مفقودات، بعد ما يقرب من ست سنوات من اختطافهن الذي أثار إنذاراً وموجة غضب عالمي عارمة.
أفادت عشرات النساء اللواتي قابلتهن صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن «بوكو حرام» أعطتهن خياراً رهيباً: «تزوجن» من مقاتلي الجماعة، أو يجري نشركن كمفجرات. وكشف الأسرى أن بعض النساء اختن تفجير أنفسهن فقط بدلاً من ذلك. لكن هناك البعض ممن نجون، أردن سرد قصصهن، مثل بالاربا محمد.
الجدير بالذكر أن جماعة «بوكو حرام» المتشددة نشأت في مدينة مايدوغوري، أكبر مدن ولاية بورنو، في شمال شرقي نيجيريا، وشنت حرباً على المنطقة طيلة العقد الماضي.
أفادت بالاربا بأنها وصلت إلى معسكر «بوكو حرام» في حالة ذهول، عام 2012. وقالت إن «بوكو حرام» قتلت زوجها أمام عينيها، بعد أن انتقد الجماعة. وبعد أيام عادوا إليها وألقوا بطفلتها على الأرض واختطفوها، واعتقدت أن ابنتها قد ماتت.
كان مشهداً معتاداً أن تأتي أسيرات جديدات إلى المكان في كل مرة يغادر فيها المقاتلون المخيم. وقالت إن بعضهن اغتُصِبن وأُجبرن على تناول حبوب منع الحمل، وأن بعضهن كن يستخدمن لاختبار سترات انتحارية جديدة.
في المخيم، قالت بالاربا إنها استمعت إلى حديث امرأتين تناقشان طريقة قتل أنفسهما لتجنب المعاناة. سمعهن متشدد وغضب من حديثهما، وتساءل: «ما الصعوبة في قتل أنفسكما؟»، ثم أطلق النار عليهما حتى الموت.
ما زالت بالاربا تتذكر كيف كانت «مرتعبة للغاية». فكرت في الانتحار، لكنها فكرت في جدتها المريضة التي كانت في حاجة إليها كقائمة على رعايتها. ولتفادي الزواج من مقاتل، قالت إنها ادعت المرض، ولتحاشي الخروج للتدريب على الأسلحة، ادعت المرض العقلي.
عندما أعطاها المقاتلون قنبلة، قالت: «شعرتُ بأنني مت بالفعل»، فقد كانت تعلم أنها ستضطر إلى الذهاب، وإلا فسوف يطلقون النار عليها. هكذا وجدت نفسها مع خمس أخريات على حافة البئر. قالت بالاربا إن القنابل لم تنفجر، وعادت الشابات إلى معسكر «بوكو حرام» خائفات وغير متأكدات مما يجب عليهن القيام به. أقسمن على القرآن لخاطفيهن أنهنّ أنجزن المهمة، وأنهن ركضن بسرعة للهرب حتى فقدن حجابهن في الطريق.
تعالت الهتافات، وأقام المقاتلون وليمة للاحتفال بالنساء اللاتي اعتقدن أنهن أصبحن قاتلات. النساء الست، واثنتان منهن مراهقتان، تفوقن في الذكاء على المتطرفين.
لكن فترة الراحة كانت قصيرة الأجل، إذ قرر المقاتلون تدريبهن على حمل السلاح والمساعدة في تنظيم الأسرى الجدد. وقالت بالاربا إن إحدى الفتيات اللواتي ألقن قنبلتها في البئر قررت العدو في مرمى الرصاص لتقتل نفسها.
وبالنسبة للنساء اللاتي يحاولن الهروب من براثن «بوكو حرام»، فإن جميع الخيارات السيئة متاحة. ووفقاً لـ«يونيسف»، يقتل الجنود العصبيون أحياناً أولئك اللاتي يحاولن تسليم أنفسهن للسلطات بدلاً من تفجير القنابل.
وقال أعضاء في قوة أهلية مدنية إنهم أطلقوا النار على امرأة العام الماضي اقتربت من موقعهم على أطراف مدينة مايدوغوري لتنفجر القنبلة التي كانت بحوزتها.
قالت مراهقة (جرى حجب اسمها لأسباب أمنية تبلغ من العمر 16 عاماً) إنها تم تخديرها وربطها بحزام انتحاري وإرسالها مع امرأتين أخريين حملتا أيضاً قنابل لتفجير جنود عند نقطة تفتيش. كان بصحبة إحدى النساء رضيع مربوط على ظهرها، وقرر الثلاثة أنهن سوف يسلمن أنفسهن.
قالت المراهقة إنه مع اقتراب المجموعة من نقطة التفتيش للاستسلام، توقفت إحدى السيدات خلف شجرة للتبول، وعندما جلست في وضع القرفصاء انفجرت عبوتها عن طريق الخطأ. سمع الجنود الانفجار، وركضوا نحو المجموعة، خافت المرأة وهربت مع الرضيع، ثم فكّت الطفلة التي سقطت على الأرض، جلست الطفلة على الأرض وهي تبكي، وفكرت المراهقة في طفلها الذي مات من الجوع في شهر سابق في مخيم «بوكو حرام» حيث تم احتجازهم كرهائن.
قالت الشابة، التي كانت القنبلة لا تزال معلّقة بها، إنها التقطت الطفلة وهدأتها حتى أزال الجنود متفجراتها. ولا تزال ترعى الفتاة، وقد بلغت الآن الثالثة من عمرها، وتنوي ألا تخبرها أبداً بأنها ابنتها بالتبني. أضافت: «بالنسبة للطفلة، فأنا والدتها الحقيقية. هذا ما أرسله الله لي».
بعد خدعة البئر، أرسل المقاتلون بالاربا والأخريات في مهمة انتحارية ثانية، لتحل محل الفتاة التي ماتت إثر عدوها في مرمى النار أثناء التدريب. وقالت إن هدفهم كان سوقاً مكتظة في بانكي، وهي مدينة تعج بالحركة. خطط أحد المقاتلين لمرافقة النساء، لكن الأسيرة الجديدة أكدت للمتشددين أنها من بانكي، وتعرف طريقها إلى هناك.
مرة أخرى، جمعت النساء قنابلهن واستخدمن حجابهن لوضع القنابل في البئر، وعدن إلى المعسكر متوقعات الاستقبال السعيد ذاته. لكن المقاتلين صُدموا لرؤيتهن يرجعنَ سريعاً. في ذلك الوقت أذيع في نشرة الأخبار خبر انفجار في بانكي، لكن في قرية صغيرة خارج البلدة الرئيسية، وليس في السوق، لم يكن من تدبيرهن. انقلب المقاتلون على الأسيرة الجديدة معتقدين أنها قادت النساء إلى المكان الخطأ، وأطلقوا عليها النار ليردوها قتيلة في الحال.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ينظمون مسيرة حاشدة احتفالاً بيوم الجمهورية التونسية إلى جانب احتجاج أنصار أحزاب المعارضة للمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين في البلاد (د.ب.أ)

تطورات جديدة في قضايا المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة» في تونس

أعلنت مصادر أمنية رسمية تونسية أن قوات مكافحة الإرهاب ووحدات أمنية من النخبة في محافظات عدة ألقت مؤخراً القبض على عدد من المتهمين في قضايا إرهاب وتهريب بشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
آسيا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

ألمانيا: إيداع اثنين السجن على ذمة التحقيق للاشتباه في دعمهما «داعش»

عقب إلقاء القبض على اثنين للاشتباه في تأييدهما لتنظيم «داعش» بولايتي هامبورغ وشليزفيج-هولشتاين، تم إيداعهما السجن على ذمة التحقيق.

«الشرق الأوسط» (كارلسروه )
أوروبا حالة استنفار في العاصمة بروكسل إثر إنذار إرهابي (متداولة)

بلجيكا تفتش 14 منزلاً في تحقيق لمكافحة الإرهاب وتحتجز 7 لاستجوابهم

قال مكتب المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، الخميس، إن الشرطة فتشت 14 منزلاً في إطار تحقيق يتعلق بالإرهاب، مضيفاً أن 7 أشخاص احتُجزوا بغرض استجوابهم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

إشادة أميركية بمحادثات «صريحة وبناءة» مع الصين

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى جانب لنظيره الصيني وانغ يي في لاوس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى جانب لنظيره الصيني وانغ يي في لاوس (أ.ب)
TT

إشادة أميركية بمحادثات «صريحة وبناءة» مع الصين

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى جانب لنظيره الصيني وانغ يي في لاوس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى جانب لنظيره الصيني وانغ يي في لاوس (أ.ب)

أشادت الولايات المتحدة بالمحادثات «الصريحة والمثمرة» بين وزير خارجيتها أنتوني بلينكن ونظيره الصيني وانغ يي في لاوس، اليوم (السبت).

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، في بيان، إن بلينكن ووانغ يي «أجريا مناقشات صريحة ومثمرة حول قضايا ثنائية وإقليمية وعالمية رئيسية».

وأوضح مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن بلينكن أجرى حديثاً مطولاً مع نظيره الصيني بشأن تايوان، اليوم، عبّر خلاله عن قلق واشنطن إزاء أفعال بكين الاستفزازية في الآونة الأخيرة، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكر المسؤول أن من بين هذه الأفعال محاكاة لعملية حصار في أثناء تنصيب الرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ تي، مضيفاً أن بلينكن ووانغ اتفقا على مواصلة إحراز تقدم في العلاقات العسكرية بين بلديهما.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصافح نظيره الصيني وانغ يي (أ.ب)

وقال المسؤول إن الوزيرين التقيا لمدة ساعة وعشرين دقيقة على هامش قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في لاوس، حيث ناقش بلينكن أيضاً دعم الصين لقاعدة الصناعة الدفاعية الروسية، وحذر من أن واشنطن ستتخذ إجراءات ضد الشركات الصينية التي تساعد في الحرب في أوكرانيا. وأضاف أن وانغ لم يقدم أي التزام بشأن هذه المسألة.