عبد الله الوصالي: أحاول سبر غور أنثى شرقية لأكتشف همومها

روائية تحاور روائياً

عبد الله الوصالي  -  غلاف رواية «عشرة أسابيع» للوصالي
عبد الله الوصالي - غلاف رواية «عشرة أسابيع» للوصالي
TT

عبد الله الوصالي: أحاول سبر غور أنثى شرقية لأكتشف همومها

عبد الله الوصالي  -  غلاف رواية «عشرة أسابيع» للوصالي
عبد الله الوصالي - غلاف رواية «عشرة أسابيع» للوصالي

قبل أيام صدرت رواية «عشرة أسابيع بجوار النهر»، للروائي والقاص السعودي عبد الله الوصالي، وهي الرواية الثالثة بعد روايته «أقدار البلدة الطيبة»، «وبمقدار سمك قدم» كما صدرت له ثلاث مجموعات قصصية، آخرها مجموعة «يوريميا» من إصدارات نادي الرياض الأدبي، بالتعاون مع المركز الثقافي العربي.
عبد الله الوصالي، قاص وروائي وناقد ومترجم، حاصل على جوائز في الرواية والقصة القصيرة وجائزة في النص المسرحي. في الحوار التالي يتحدث عن روايته الجديدة «عشرة أسابيع بجوار النهر»، وعن تجربته الأدبية، تحاوره مريم الحسن، وهي قاصة وروائية وفنانة تشكيلية سعودية، وعضو بيت السرد في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أصدرت ثلاث روايات هي: «الضياع»، و«وأشرقت الأيام» و«شرفة لامرأة واحدة»، كما صدرت لها أربع مجموعات قصص قصيرة، وقصيرة جداً هي: «آخر المطاف»، و«خذلان»، و«صقيع يلتهب»، و«نثار» ومجموعة قصصية للأطفال بعنوان: «بحيرة البط».
> أصدرت قبل شهر روايتك الجديدة «عشرة أسابيع بجوار النهر» ولم تكن قد مضت بعد سنة على إصدار مجموعتك القصصية «يوريميا»، بداية حدثنا عن المجموعة القصصية؟ وأيهما أقرب إليك القصة أم الرواية؟
- مجموعة «يوريميا»، هي المجموعة الثالثة في رصيدي من المجموعات القصصية، وقد يصح القول إنها تحمل خريطة تحولات تجربتي القصصية، بداية مع نص «استعصاء العصب» المكثف ذي السمة الرمزية الأقدم في المجموعة، إلى قصة «مطر جالب الخبز»، حيث سمة الطول والنفس الروائي البيّن، وما بين النصين يعتبر تحولات كتابتي القصصية.
ظهرت المجموعة في وقت بدأت كتابة الرواية تسرقني من القصة شيئاً فشيئاً، فكتابة الرواية ذات قوة جذب لا متناهية يعرف ذلك كل من يكتبها فهي تسلبك من كل شيء تقريباً. كل ما أرجوه ألا تكون «يوريميا» النفثة الأخيرة في مرجلي القصصي. وحتى هذه اللحظة أبدو كأنني على مسافة واحدة من الفنين فكفتاهما من الإصدارات متساويتان؛ ثلاث روايات، يقابلها ثلاث مجاميع قصصية.
> إلى أي مدى تخـتلف تقنـيات كتـابة الرواية عن القـصة؟
- قد لا يتسع المجال هنا لذكر اختلافات الفنين الكثيرة في تقنية الكتابة، لكن الأهم هو أن القصة القصيرة تعالج الحدث على مستوى عمودي، أما الرواية فهي أشبه بمعمار وبنية تنبسط أسسها على مساحة أكبر وتنهض للأعلى. بتعبير آخر؛ إذا صح تشبيه القصة القصيرة بنافورة ماء متصاعدة، فيمكن تشبيه الرواية بالبحر المتلاطم.
> هناك من يرى، من الكتّاب والنقاد، أن «عالم السرد القصصي بدأ يفقد وهجه»، فهل أنت مع هذا الرأي؟ وهل ما زالت الفنون السردية محتفظة بقدرتها على الإدهاش والتأثير؟
- نعم لا تزال الفنون السردية قادرة على الإدهاش والتأثير إذا وجد النص المدهش المؤثر، رغم كل المستجدات التقنية وتَحَقُق العالم الافتراضي. الإدهاش والإمتاع سمتان لصيقتان بالفنون وستظلان كذلك إلى الأبد، وهما القناة التي تؤدي إلى تفعيل الأثر النفسي بشكل عام.
لكن (للأسف) القصة القصيرة أصبحت تفقد وهجها في الوقت الراهن. فقبل أسابيع قليلة أُعلنت نتائج جائزة الملتقى للقصة القصيرة التي تشرف عليها الجامعة الأميركية بدولة الكويت وهي في نظري الجائزة الأهم فيما يخص فن القصة القصيرة في العالم العربي. لكنها حظيت باهتمام متواضع، مقارنة بما تحظى به إعلان قوائم جوائز الرواية المتعددة الطويلة والقصيرة من اهتمام ومتابعة ونقد رغم قلته هو الآخر.
لا يجب أن يعتبر هذا موقفاً ضد القصة القصيرة، بل هي رؤية لواقع يجب ألا نمارس تجاهه الإنكار.
> ماذا بشأن التجربة السردية في السعودية؟
- القصة السعودية حتى في أوج ازدهارها لم تكن فرس رهان، أقول ذلك بعد أن قرأت وأعدت قراءة عشرات المجاميع القصصية وبعض الأنثرولوجيا من مختلف أجيال القاصين في الشهور الماضية ضمن مشروع ثقافي. هذا لا يعني عدم وجود تجارب جيدة لكنها غير قادرة لعدة أسباب تشيد المشهد. الوعي الفني العام لكتّاب القصة يشهد تراجعاً منذ سنوات، ومفهوم القص مشوش لدى أجيال الكتّاب الجدد المنفصلون عن سياقاتهم الإبداعية التاريخية.
عشرة أسابيع بجوار النهر
> كيف تقدم روايتك الأخيرة: «عشرة أسابيع بجوار النهر»، للقراء وفي أي الأجواء كتبتها؟
- هي نتاج جهد ليس بالقليل من الكتابة وإعادة الكتابة، وتجربة أرجو أن تكون مميزة وفريدة في جمالياتها وعمقها. بِتُ أرى أن مكافأتي عن ذلك الجهد هو إمكانية نقاش، مجرد نقاش، وكوب من القهوة في صحبة قارئ قرأ الرواية، أجدها متعة لا توصف. أما عن أجواء كتابتها فقد كنت تحت تأثير زيارتي الثقافية إلى الولايات المتحدة ككاتب مقيم، وكما هو معروف فكتابة الرواية نضحٌ من الذاكرة يحدوه الحنين وأصالة التجربة موضوع الكتابة.
> هل هناك حدث معين حفزك لكتابة هذه الرواية؟ وما الشواغل التي اشتغلت عليها فيها؟!
- يملك الروائي دوماً أفكاراً ووجهات نظر ومنطقاً عن الحياة والأحداث، وحين يلوح له الإطار المناسب لتقديمها يبدأ الاشتغال على ذلك. وجدت في زيارتي الثقافية للولايات المتحدة الإطار المناسب لطرح الإشكالات التي تمخض عنها الربيع العربي. طبعاً مع الابتعاد عن التسجيلية والإيفاء بالشرط الجمالي للعمل الروائي، ومع ذلك يبقى دافع كتابة نص روائي طويل وشاق أمراً غامضاً مهما فسره المحللون.
> يلجأ بعض الأدباء إلى الكتابة حتى يتخلصوا من آلامهم، أو ليبوحوا بأحزانهم، تُرى لماذا كتب الوصالي هذه الرواية ما الذي ألم به؟
- يجمعني مع الكتّاب الآخرين دافع التواصل الروحي العميق مع العالم. بيد أن هناك دافعاً يخصني لا يقل أهمية عن الأول وهو متعة الإمعان في مغامرة الكتابة واجتراح نص سردي وتجربة صنع قيمة جمالية مختلفة. لكن مجرد رد فعل مباشر على الألم والحزن ليس كافياً وحده لإبداع أعمال روائية متميزة.
> في هذه الرواية تُروى بصوت أنثى بينما الراوي رجل، حدثنا عن هذا التقمص المقتدر والتمازج بين الكاتب والراوية؟
- عرفت التجارب السردية الكثير من استخدام جنس راوٍ مختلف عن جنس الكاتب، يخطر في ذاكرتي الآن رواية «زهور تأكلها النار» للروائي السوداني أمير تاج السر. وكما سمعت هناك محاولات سعودية جديدة أيضاً.
بالنسبة لي كانت هذه التجربة الأولى بهذا الحجم حتمته ضرورة فنية، فعن طريق توظيف أنثى كشاهد عيان (Eye Witness) تعيش وتتنقل بين الشخصيات، أمكنني إيجاد المبرر المقنع لسبر غور سيكولوجيا أنثى شرقية واكتشاف همومها وإشكالاتها الجندرية في مجتمعها المحافظ وطرح قضايا النسوية، وأمكنني أيضاً الإشارة من طرف خفي إلى تجذر حالة المحافظة الاجتماعية لدى الجيل العربي المهاجر الأول من خلال علاقة الراوية مع أبيها.
> كيف عالجت موضوع الاغتراب في روايتك الأخيرة...؟
- حالة الاغتراب ظاهرة بشرية كونية مرتبطة بالمفكرين والكتّاب. «فكلما كانت أصالة الفرد أكثر تجذراً، ازداد اضطراره للاغتراب عن مجتمعه» كما يقول نيتشه.
ملاحظتك ملاحظة نقدية مهمة. الفارق الذي يمكن أن يحسب لـ«عشرة أسابيع بجوار النهر» أنها كتبت على لسان فتاة تختلف تماماً عن روح الكاتب في جميع أبعادها الثقافية والجندرية. هنا مكمن الصعوبة، فالثقافة هي منطلق سلوك وتفكير ومنطق الشخصية الذي سوف تظهر به في النص. كيف تستطيع تحييد كل تلك الثقافات المتداخلة في ذاتك أمر صعب جداً.
أنا من المؤمنين بأن الرواية في جانب كبير منها صناعة تستلزم من الكاتب إعداد ما يلزم لإبداعها. هذه الرواية اتكأت كما أسلفنا على إقامة في الفضاء الذي تقع فيه أحداث الرواية، وفي الوطن كانت صيرورتها نحو صيغتها النهائية.
> العمل الأدبي هو الذي يصنع تاريخه... هل يجب امتلاك ثقافة تاريخية ليتمكن الروائي من التحكم في فصول روايته وأحداثها؟
- أعتقد أنه على الروائي أن يمتلك كل ما يسعه امتلاكه فنياً أو معرفياً من أجل عمله الروائي، ذلك أدعى أن يمنحه الثقة وقدرة أكبر في الإمساك بناصية الرواية وتعميق القيمة الفنية لنصه. بالنسبة لي غدت الكتابة السردية سعياً معرفياً، يحدد معالمه تشكل العمل الروائي بدءاً بالثيمة، وطبيعة الشخوص... إلخ مما يحتم قراءات معمقة في شؤون مختلفة.
> إلى أي حدّ ينحاز الكاتب إلى الواقع، وما اللحظة التي يشعر فيها أنه على وشك الانفجار الداخلي، والتمرّد على هذا الواقع، بإطلاق العنان لخياله الروائي؟
- يستفز استقرار الواقع وبلادته الكاتب، فيلجأ عبر الكتابة إلى إقلاق ذلك السكون ومحاولة إعادة تشكيل الواقع على نحو أكثر حيوية وشفافية، إذ دائماً ما يؤمن الكاتب أنه يرى مالا يراه الآخرون مما يشعره بالتوتر، «فالذين يمتلكون موهبة التعبير عما يعانون تزداد معاناتهم بين الجموع الصامتة» كما يقول نيتشه من جديد. في هذه الرواية تحديداً اعتقدت في البداية بأني سوف أكتب نصاً سهلاً فمعظم الشخوص كانت ماثلة أمامي ولها ما يقابلها على أرض الواقع، لكن يبدو أن كتابة النص الروائي لا تندرج ضمن قائمة الأمور السهلة لدي.
> هل تتمتع شخصياتك الروائية، بحالة من الانعتاق من سلطة الكاتب اللغوية والفكرية؟
- هذا ما أحاول تحقيقه في كل أعمالي السردية، فأنا ميال بطبعي إلى ديمقراطية الأفكار التي تتيحها الرواية البوليفونية. عندما تخلق شخصيات روائية متعددة المشارب والانتماءات فليس لك خيار إلا أن تدعها تتحدث عن نفسها عبرك. لكن توظيف وجهات نظر شتى يوجب الحرص والتدقيق والإلمام الجيد بثقافة الشخوص المتعددة.
> أخيراً، ما عملك الأدبي المقبل؟
- هناك كتاب يمزج بين القصة القصيرة والمسرح تستعد جمعية الثقافة والفنون بالدمام إصداره في مهرجان المسرح القادم. كما لدي أول عمل في مجال الترجمة لكتاب (How The Literature plays with Brain) «كيف يلعب الأدب بالدماغ» لبول أرمسترونغ عن دار كلمات بالشارقة.
بعد كل عمل أدبي يرتفع عندي معدل التوق للقراءة، لذا فالرتوش الأولية عن موضوع الرواية القادمة لم تصل بعد إلى ما يمكن الإعلان عنه وربما تحولت عنه إلى موضوع آخر من المواضيع الكثيرة التي تقلقني.


مقالات ذات صلة

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

يوميات الشرق إقبال واسع على كتب الفانتازيا العربية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

كاتبان عربيان يُعيدان تعريف الفانتازيا من جدة إلى السويد

ما بين جدة واستوكهولم، تتشكّل ملامح فانتازيا عربية جديدة، لا تهرب من الواقع، بل تعود إليه مُحمّلة بالأسئلة...

أسماء الغابري (جدة)
كتب ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

ما الذي حصل للحلم الأميركي؟

في غضون خمسين عاماً من الاستقلال، شيّدت أميركا رؤيتين متناقضتين: النشوة، والحلم الأميركي.

أليكسس كو (نيويورك)
كتب هدى سويد توثِّق ذكريات الحرب اللبنانية بروح أدبية

هدى سويد توثِّق ذكريات الحرب اللبنانية بروح أدبية

في كتابها الجديد «عزف على أوتار مدينة»، تعود الكاتبة اللبنانية- الإيطالية هدى سويد إلى واحدة من أكثر المراحل قسوة في تاريخ لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
كتب «الخروج من الظل»... تفكيك فكرة الرجولة وشخصيات متمردة

«الخروج من الظل»... تفكيك فكرة الرجولة وشخصيات متمردة

ينصب التمرد غالباً على سلطة اجتماعية تتشبث بأعراف وتقاليد ومفاهيم تحاصر المرأة وتحد من حريتها.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق من ندوة حوارية بعنوان «دور الجمعيات المهنية في تنمية الصناعة الثقافية» (جدة للكتاب)

الجمعيات المهنية ترسم ملامح صناعة ثقافية منظَّمة بالسعودية

كيف تتحوَّل الثقافة من نشاط قائم على الموهبة والاجتهاد الشخصي إلى صناعة منظَّمة؟

أسماء الغابري (جدة)

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
TT

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)

أعلنت جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، عن إطلاق الدورة الثالثة عشرة للجائزة، المخصصة للعمانيين فقط، وتشمل فرع الثقافة (في مجال دراسات الأسرة والطفولة في سلطنة عُمان)، وفي فرع الفنون (في مجال الخط العربي)، وفي فرع الآداب في مجال (القصة القصيرة).

وجاء الإعلان في ختام حفل توزيع جوائز الدورة الـ12 للجائزة، الذي أقيم مساء الأربعاء بنادي الواحات بمحافظة مسقط، برعاية الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة، بتكليفٍ سامٍ من السُّلطان هيثم بن طارق.

وتمّ تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في مسابقة الدورة الثانية عشرة، حيث تسلّمت «مؤسسة منتدى أصيلة» في المغرب، عن مجال المؤسسات الثقافية الخاصة (فرع الثقافة)، وعصام محمد سيد درويش (من مصر) عن مجال النحت (فرع الفنون)، والكاتبة اللبنانية، حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب).

واشتمل الحفل على كلمة لمركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ألقاها حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، استعرض فيها دور الجائزة وأهميتها، مؤكداً على أن الاحتفال اليوم يترجم استحقاق المجيدين للثناء، ليكونوا نماذج يُحتذى بها في الجد والعطاء.

حبيب بن محمد الريامي رئيس مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم (العمانية)

وأشار إلى أن المدى المكاني الذي وصلت إليه الجائزة اليوم، والاتساع المستمر للحيز الجغرافي الذي يشارك منه المبدعون العرب على مدار دوراتها، يأتيان نتيجة السمعة الطيبة التي حققتها، واتساع الرؤى المعوّل عليها في مستقبلها، إلى جانب الحرص المتواصل على اختيار لجان الفرز الأولي والتحكيم النهائي من القامات الأكاديمية والفنية والأدبية المتخصصة، في المجالات المحددة للتنافس في كل دورة، ووفق أسس ومعايير رفيعة تكفل إقرار أسماء وأعمال مرموقة تليق بنيل الجائزة.

كما تضمن الحفل أيضاً عرض فيلم مرئي تناول مسيرة الجائزة في دورتها الثانية عشرة وآلية عمل اللجان، إضافة إلى فقرة فنية قدمها مركز عُمان للموسيقى.

يذكر أن الجائزة تأتي تكريماً للمثقفين والفنانين والأدباء على إسهاماتهم الحضارية في تجديد الفكر والارتقاء بالوجدان الإنساني، والتأكيد على الإسهام العماني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في رفد الحضارة الإنسانية بالمنجزات المادية والفكرية والمعرفية.

الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة العماني يكرم ابنة الفائزة حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب) (العمانية).

وتُمنح الجائزة بالتناوب بشكلٍ دوري بحيث تخصّص في عام للعُمانيين فقط، وفي العام الذي يليه تكون للعرب عموماً، ويمنح كل فائز في الدورة العربية للجائزة وسام السُّلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره مائة ألف ريال عُماني (260 ألف دولار)، أما في الدورة العُمانية فيمنح كُل فائز بالجائزة وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره خمسون ألف ريال عُماني (130 ألف دولار).

وأنشئت الجائزة بمرسوم سلطاني، في 27 فبراير (شباط) 2011، اهتماماً بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي، ودعماً للمثقفين والفنانين والأدباء خصوصاً، ولمجالات الثقافة والفنون والآداب عموماً، لكونها سبيلاً لتعزيز التقدم الحضاري الإنساني.


إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم
TT

إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم

قد تكون العلاقة العاطفية التي جمعت بين كلّ من الكاتب والمعالج النفسي الأميركي إرفين يالوم، ومواطنته مارلين كونيك، الباحثة في شؤون الأدب المقارن والمرأة والحب، واحدة من أنجح العلاقات التي جمعت بين باحثين كبيرين في القرن المنصرم، وبداية القرن الحالي. على أن ثبات العلاقة بين الطرفين في وجه الزمن لم يكن ليتحقق لولا تصميمهما الراسخ على تخليص ارتباطهما الزوجي من طابعه النمطي الرتيب، وجعله مساحة للصداقة والتكامل الفكري وتشاطر النجاحات والخيبات.

الأرجح أن العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم، واللذين جمعهما الحب في سن مبكرة، يتمثل في دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه ومشروعه الفكري والإبداعي. ففي حين عملت مارلين في جامعة ستانفورد الأميركية، باحثةً في شؤون المرأة والحب وتاريخ النساء والأدب المقارن، عمل إرفين في الجامعة نفسها، منصرفاً إلى التعليم والطب النفسي والكتابة الروائية. والأهم في كل ذلك أن أحدهما لم ينظر إلى الآخر بوصفه خصماً أو منافساً ينبغي تجاوزه، بل بوصفه شريكاً عاطفياً وإبداعياً، ومحفزاً على المزيد من التنقيب المعرفي والإيغال في طلب الحقيقة.

إرفين يالوم

وإذا لم يكن بالمستطاع التوقف المتأني عند أعمال مارلين المهمة، وبينها «شقيقات الدم» و«تاريخ الزوجة » و«ميلاد ملكة الشطرنج»، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال قد لاقت رواجاً واسعاً في أربع رياح الأرض، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة عالمية، فيما نال كتابها الشيق «كيف ابتكر الفرنسيون الحب» جائزة المكتبة الأميركية في فرنسا.

أما كتاب مارلين المميز «القلب العاشق»، فهو واحد من أفضل الكتب التي تصدت لموضوع القلب، سواء من حيث كون هذا الأخير عاصمة الجسد ومركزه ومنظم شؤونه، أو من حيث اعتباره عبر التاريخ منزل الحب ومقر الروح، والدريئة التي يسدد إليها كيوبيد سهام الحب، وفق الأسطورة اليونانية. ولأنه كذلك فقد تم تكريس دوره العاطفي المركزي في مختلف الأديان والفلسفات والمجتمعات، واحتفى به الشعراء والفنانون، وبات الشفرة الموحدة لعيد العشاق وهدايا المحبين. وفيما حرص إرفين من جهته على استثمار شغفه بالطب النفسي في الانغماس بالكتابة الروائية، فقد آثر عدم الابتعاد عن دائرة اختصاصه، ليصدر أعمالاً عميقة وفريدة في بابها، من مثل «علاج شوبنهاور» و«مشكلة سبينوزا»، ولينال جوائز عدة أهمها «جائزة سيغموند فرويد للعلاج النفسي».

وإذا كانت رواية إرفين المميزة «حين بكى نيتشه» قد حققت قدراً عالياً من الذيوع والانتشار، فليس فقط لأن مؤلفها تصدى لأحد أبرز فلاسفة الغرب النابغين بالقراءة والتحليل، بل لأن ذلك العمل دار على محورين بالغي الأهمية، محور العلاقة العاطفية الأحادية واليائسة التي جمعت بين نيتشه والكاتبة الروسية الجميلة على ذكاء مفرط لو سالومي من جهة، ومحور اللقاء الافتراضي بين صاحب «غسق الأوثان»، الغارق في تصدعه النفسي وآلامه الجسدية ويأسه الانتحاري، والطبيب النفسي اللامع جوزف بروير من جهة أخرى. وإذ عثر عالم النفس الشهير في مريضه الاستثنائي على واحد من أبرز فلاسفة الغرب وأكثرهم فرادة وجرأة، فقد عرض عليه صفقة رابحة للطرفين، تقضي بأن يعمل الطبيب على شفاء الفيلسوف من آلام الجسد، فيما يعمل الفيلسوف على شفاء الطبيب من آلام الروح.

وفي كتابه «التحديق في الشمس» الذي يستهله بمقولة دو لاروشفوكو حول تعذر التحديق في كلٍّ من الشمس والموت، يقدم إرفين لقرائه كل الحجج والبراهين التي يمكنهم من خلالها تجاوز مقولة الفيلسوف الفرنسي، والتغلب على رعبهم من الموت بوسائل عديدة ناجعة. وفي طليعة هذه الحجج تأتي حجة أبيقور ذات المنطق المحكم، ومفادها أن خوفنا من الموت لا معنى له، لأننا لا نوجد معه في أي زمان أو مكان، فحيث نكون لا يكون الموت، وحيث يكون الموت لا نكون نحن.

ويطرح يالوم في السياق نفسه فكرة الموت في الوقت المناسب، وعيش الحياة بالكامل، بحيث «لا نترك للموت شيئاً سوى قلعة محترقة»، كما فعل زوربا اليوناني. وإذ يذكّرنا المؤلف بقول هايدغر «إن الموت الحقيقي هو استحالة وجود احتمالية أخرى» يدعونا في الوقت نفسه إلى فتح أبواب الحياة أمام ضروب كثيرة من احتمالات العيش وخياراته، وعدم حصر الحياة في احتمال واحد. كما يخصص إرفين الجزء الثاني من كتابه للحديث عن الجهود الشاقة التي بذلها في مساعدة مرضاه، بخاصة أولئك الذين طعنوا في المرض والعمر، على التخلص من رهاب الموت وفكرة العدم، مشيراً إلى أنه حقق نجاحات ملموسة في بعض الأحيان، وأخفق في أحيان أخرى.

العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن الماضي دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه

إلا أن إصابة مارلين بسرطان نقي العظم بدت بمثابة الحدث الزلزالي الذي كان إرفين يظن نفسه بمنأى عنه، كما هو حال البشر جميعاً، حتى إذا وقع في بيته وإلى جواره، بدت المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، وأوشك بناؤه البحثي على التهاوي. وفي أوج الوضع الحرج للطرفين، اقترحت مارلين على زوجها، وبضربة ذكاء حاذقة، أن يقوما بمراوغة الكوابيس السوداء للمرض، من خلال القيام بوضع عمل سردي مشترك، يعرضان فيه ليوميات المواجهة الضارية مع السرطان، فيما يتكفل العمل من ناحية أخرى بحفظ اسميهما وتجربتهما العاطفية المشرقة في ذاكرة الأجيال.

وإذا كانت أهمية الكتاب المذكور الذي وضعا له عنوان «مسألة موت وحياة»، قد تجسدت في ما أثاره الزوجان من أسئلة وهواجس متصلة بقضايا الحب والصداقة والحياة والمرض والموت، وصولاً إلى معنى الوجود على الأرض، فإن المفارقة الأكثر لفتاً للنظر في الكتاب، لا تتمثل في تناوبهما الدوري على إنجاز فصوله فحسب، بل في الطريقة الهادئة والعقلانية التي تقبّلت بها الزوجة المريضة فكرة الموت، مقابل حالة الهلع والإنكار التي بدت على إرفين، وهو الذي طالما نصح مرضاه بأن يتقبلوا الزائر الثقيل بروح رياضية وتفكير رصين.

وفيما يتابع الزوجان في الكتاب ما تكابده مارلين من آلام، وما يطرأ على وضعها من تغيرات، يعمدان في بعض الأحيان إلى الهروب مما يحدث على أرض الواقع، عبر نقل المشكلة إلى إطار آخر يتعلق بمشكلات نظرية شائكة، أو الانكفاء باتجاه الماضي بحثاً عن الأطياف الوردية لسنوات زواجهما الأولى. كما يتبدل عصب السرد وأسلوبه تبعاً لحالة الزوجة، التي تقع فريسة القنوط القاتم في بعض الأحيان، فيما تحاول تجاوز محنتها أحياناً أخرى، عبر اللجوء إلى الدعابة السوداء والسخرية المُرة، فتكتب ما حرفيته «إننا نشكل زوجاً جيداً، فأنا مصابة بالسرطان النقوي، وهو يعاني من مشكلات في القلب واضطراب التوازن. فنحن عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة».

أما المفارقة اللافتة في الكتاب، فلا تتمثل في سعي الزوجة المتألمة إلى إنهاء حياتها بواسطة ما يعرف بالموت الرحيم، أو بمكاشفة إرفين لمارلين برغبته في إنهاء حياته معها، وهو المصاب ببعض أعراض النسيان وبمرض في القلب، بل في رد مارلين المفعم بالدعابة والتورية اللماحة، بأنها «لم تسمع في كل أنحاء أميركا عن تابوت تقاسمه شخصان اثنان». والأرجح أن الزوجة المحتضرة، التي ما لبثت أن رحلت عن هذا العالم عام 2019، كانت تهدف من خلال إجابتها تلك لأن توصل لزوجها الخائف على مصيره رسالة مبطنة مفادها أنه لن يلبث أن يفعل إثر رحيلها ما يفعله الرجال في العادة، وهو الارتباط بامرأة أخرى تخفف عنه أثقال الوحشة والعجز والتقدم في السن. ومع أن الزوج الثاكل قد برر تراجعه عن فكرة الانتحار، برغبته في عدم خذلان مرضاه أو خيانة مسيرته المهنية، فإن لجوءه بعد رحيل زوجته إلى الزواج من الطبيبة النفسية ساكينو ستيرنبرغ، وهو في الثالثة والتسعين من عمره، كان سيقابل من قبل مارلين، لو قُدِّر لها أن تعلم، بأكثر ابتسامات النساء اتصالاً بالحيرة والإشفاق والدهشة الساخرة.


«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني
TT

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

تستحضر الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها «البيرق... هبوب الريح»، التي وصلت مؤخراً إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية 2026، التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمالها، مستلهمة الكثير من الحكايات التراثيّة، وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد.

تسبر التّوبي، في روايتها الجديدة، وهي خاتمة ثلاثية بعنوان البيرق، أغوار السّرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات تتواءم مع الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، مقدمة نموذجاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.

في هذه الرواية التي صدرت هذا العام عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت في نحو 600 صفحة، بغلاف من تصميم الفنانة العُمانية بدور الريامي، تعود التّوبي إلى تلك الحكايات التي كان يرويها جدّها عن ذلك التاريخ القديم لعُمان.

تصوّر الروائيّة في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينات القرن الماضي، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائيّةُ خيوطها، وقدّمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفنيّ فقدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتتناول التّوبي في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، التي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959». إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.

وتستكمل التّوبي في الجزء الثالث «هبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلّق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً آيديولوجيّاً أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

تعتني التّوبي في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، بالمرأة، بالعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه داخل الحدود.

تحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها مجتمعنا العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي قبولاً في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.

وترصد الرواية الأسباب التي دفعت ثلّةً من الشباب للانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و«عبد السلام»، و«أبو سعاد»، و«باسمة»، و«طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.

ويجد المتلقي نفسه يخوض في «هبوب الريح» تفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين، الأول (حارة الوادي)، والثاني (سراة الجبل).