الجزائر: مسيرة طلابية تشدد على إطلاق سراح سجناء الحراك

تبون يتعهد استرجاع رفات {شهداء الثورة} من فرنسا

TT

الجزائر: مسيرة طلابية تشدد على إطلاق سراح سجناء الحراك

«سلطة مجرمة... سلطة مجرمة»، بهذا الشعار الغاضب جاب أمس المئات من طلاب الجامعات الجزائرية شوارع العاصمة، بينما كان أفراد الشرطة يجرون وراءهم بالهراوات لمنعهم من تنظيم مظاهرة بـ«البريد المركزي». وهو ما فسره بعض المراقبين بأن السلطات ضاقت ذرعا بالحراك والمتظاهرين، وتخشى من أن يأخذ المحتجون نفسا جديدا بوصول الحراك الشعبي إلى سنته الأولى، السبت المقبل.
وتداول ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات صورت على المباشر قوات مكافحة الشغب، وهم يطاردون الطلاب في الشوارع التي تقود إلى «البريد المركزي»، الذي يعد أهم فضاءات الاحتجاج منذ اندلاع الانتفاضة في 22 من فبراير (شباط) 2019 ضد ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
ورفع المتظاهرون عدة شعارات في الأسبوع الـ53 لـ«حراك الطلبة»، أهمها «يا سجين ارتاح ارتاح»، في إشارة إلى عشرات المعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة أو الإفراج. أما الشعار الثاني فيصادف «يوم شهيد الثورة»، وهو 18 فبراير.
وكتب بوزيد إشعلالن، رئيس تحرير صحيفة إلكترونية بحسابه على فيسبوك أن الشرطة «مارست ضدي عنفا غير مبرر»، أثناء تغطيته مظاهرات طلاب الجامعات. ونشر صورة له، تظهر آثار ضرب على كتفه الأيسر. فيما أكد صحافيون كانوا وسط المتظاهرين أن أفراد مكافحة الشغب أظهروا صرامة غير معهودة في التعامل مع المتظاهرين. كما منعت الشرطة مصورين صحافيين من بثّ الأحداث مباشرة على صفحات المنصات الرقمية الاجتماعية، التي باتت تسبب صداعا للسلطات، خاصة أنها الوسيلة الوحيدة التي تنقل المظاهرات مع بعض الصحف الخاصة، منذ شهور طويلة، بعد أن منعت الحكومة القنوات التلفزيونية العمومية، والفضائيات الخاصة من تغطية الأحداث، تحت تهديد حرمانها من الإعلانات الحكومية.
وعبر طلاب متظاهرون من خلال رفع لافتة، كتب عليها «تعيين وسيط اعتراف بوجود أزمة بين النظام والشعب»، عن رفضهم قرار الرئيس عبد المجيد تبون تعيين رئيس البرلمان السابق كريم يونس «وسيطا للجمهورية»، مكلفا تسلم شكاوى المواطنين من تجاوزات مفترضة للأجهزة الحكومية بحقهم، ونقلها إلى الرئاسة.
وترأس يونس «لجنة الحوار والوساطة»، التي مهدت لانتخابات الرئاسة في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وعد المنصب الجديد مكافأة له. وكان أول من استحدث المنصب الرئيس اليمين زروال (1994 - 1999)، وعهده لرجل الثورة الراحل عبد السلام حباشي. لكن ألغاه بوتفليقة عندما وصل إلى الحكم.
وقالت حسينة أوصديق، مديرة مكتب «منظمة العفو الدولية» بالجزائر، أمس، في مؤتمر صحافي بالعاصمة إن العام 2019 شهد اعتقال 10 صحافيين جرى استجوابهم، حسبها، حول عملهم، و«احتجازهم لعدة ساعات». وأوضحت أن أربعة صحافيين أجانب حضروا إلى الجزائر لتغطية الحراك، لكن رحلتهم السلطات بعد اعتقالهم. مشيرة إلى حجب صحف إلكترونية بسبب حدة المواد التي تنشرها، في نظر الحكومة.
في غضون ذلك، ذكر الرئيس تبون في خطاب بمناسبة «يوم الشهيد»، نشرته وكالة الأنباء الحكومية، أن الجزائريين «يقفون اليوم سدا منيعا ضد كل محاولات استهداف الهوية الوطنية المتكررة، بمناورات خارجية وداخلية متعددة، حتى نكون في مستوى ثقة الشهداء فينا». من دون توضيح من يقصد بهذا الاتهام.
وقال تبون: «إيمانا بتضحيات الشهداء الذين نعيش بفضلهم أحرارا، فإننا نعدهم أننا لن نتخلى عن محاسبة المستعمر السابق على استرجاع ذاكرتنا ورفات شهدائنا... شهداء الثورات الشعبية التي مهدت الطريق لثورة نوفمبر (تشرين الثاني) (1954) المظفرة والمنتصرة». في إشارة إلى رفات نحو 20 من رموز المقاومة الجزائرية في القرن الـ19 معروضة في «المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي» بباريس، وتطالب الجزائر بتسلم الرفات منذ سنوات.
وأضاف تبون موضحا: «نشحذ هممنا ونقوي عزيمتنا وإصرارنا، وإيماننا ببناء الجزائر التي حلم بها الشهداء، ونستشعر مراقبتهم لنا في كل كبيرة وصغيرة، فنجدها إذا أصابنا الكسل ونثابر إذا مسنا الملل، ونستقيم إذا انحرفنا ونصبر عند الشدائد إذا حل بنا الضرر، تيمنا بما فعلوا حتى نحقق الحلم المنشود لهم ولأبنائهم من الأجيال القادمة». مضيفا أن هذا الحلم يتمثل «في بناء الدولة الوطنية القوية والمزدهرة والعادلة والمهيبة الجانب».
كما جدد الرئيس الجزائري في ذكرى «يوم الشهيد»، تعهد بلاده «باسترجاع رفات شهداء الثورة التحريرية والثورات الشعبية من فرنسا»، قائلا: «في هذا اليوم المبجل، والمجد لشهداء الجزائر الأبرار، أجدد عهدي ووفائي لرسالتهم، ووعدي لهم باسترجاع ذاكرتنا ورفات شهدائنا من المستعمر السابق. شهداء الثورات الشعبية التي مهدت لثورة نوفمبر المظفرة والمنتصرة».
وكانت الجزائر جمدت المفاوضات مع الطرف الفرنسي بخصوص ملف الذاكرة، الذي يشمل أربعة ملفات، من بينها استرجاع جماجم الشهداء، وذلك «بعدما لمست الجزائر عدم جدية من الطرف الفرنسي، مبرزا أن اللجان المعدة لهذا الغرض توقفت عن العمل حتى يكون هناك تفاعل إيجابي من باريس»، حسب تصريحات وزير المجاهدين السابق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».