«انتفاضة فبراير»... ذكرى تُقسّم الليبيين كل عام

مظاهرة في بنغازي ضد التدخل التركي في ليبيا (ا.ف.ب)
مظاهرة في بنغازي ضد التدخل التركي في ليبيا (ا.ف.ب)
TT

«انتفاضة فبراير»... ذكرى تُقسّم الليبيين كل عام

مظاهرة في بنغازي ضد التدخل التركي في ليبيا (ا.ف.ب)
مظاهرة في بنغازي ضد التدخل التركي في ليبيا (ا.ف.ب)

وسط أجواء مشحونة بـ«الكراهية والإقصاء»، تحل في ليبيا غدا (الاثنين) الذكرى التاسعة لـ(انتفاضة) 17 فبراير (شباط)، التي أطاحت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، والتي تسببت في نزوح آلاف المواطنين من ديارهم.
وككل عام، لم تخل الذكرى من «تلاسن واستغلال للحدث» بين مؤيدي ومعارضي الانتفاضة، في مقارنة واضحة بين الأوضاع المعيشية والسياسية الآن، وما كانت عليه أيام القذافي. لكن بدا أن مدن غرب ليبيا وجنوبها ستشهد احتفالات أوسع.
واعتبرت الحكومتان المتنازعتان في شرق وغرب ليبيا يوم الاثنين عطلة رسمية بمناسبة ذكرى (17 فبراير)، وبدأت بعض البلديات، وخاصة في غرب البلاد، استعداداتها منذ أيام للاحتفال بهذه المناسبة من خلال تعليق الرايات والأعلام، تعبيراً عن فرحة السكان بالمناسبة؛ فيما دعا المجلس البلدي في نالوت المواطنين للاحتفال بذكرى «الثورة المجيدة». وقال إن احتفالاً خاصاً سيقام غدا الاثنين في قاعدة المجاهد خليفة بن عسكر صباحاً، قبل أن يحيي دور «الشهداء الأبرار في هذه الثورة».
ورأى يوسف أبو عليم، مدير مكتب الرئاسة في المجلس الأعلى للدولة سابقاً، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «يؤمن بأن إصلاح الأجسام الموجودة أفضل من إزاحتها وتغييرها»، وذهب إلى أن «الموجودين على الساحة الآن عبارة عن منفذين، وليسوا أصحاب مشروع سياسي»، لافتاً إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تتعمد دائماً سرقة جهود وتضحيات الآخرين، وإيهام المواطنين بأنها صاحبة نفوذ ومحركة للمشهد».
وبينما وصفت بأنها مناكفات مناطقية، تساءل السفير إبراهيم موسى قرادة، كبير المستشارين سابقاً في الأمم المتحدة: «هل ستحيي بنغازي ذكرى الثورة التي أطلقتها؟... بنغازي أكدت في 15 من فبراير 2011 أنها ثورة شعب خرج للشارع، وليس بياناً عسكرياً متلفزاً، ينتحل رداء الثورة، ويحظر التجول».
وبدأت المناكفات والمناوشات السياسية حول ذكرى 17 فبراير باكراً هذا العام، مدفوعة بتنامي موجة من «الكراهية» في وسائل إعلام محلية، طالبت غير مرة بقتل المخالفين. لكن الإعلامي الليبي محمود شمام قال أمس إن بنغازي «لم تنتظر يوم 17 فبراير، بل خرجت ليلة 15 فبراير للتظاهر، ضاربة بكل التوقعات عرض الحائط»، في إشارة إلى مظاهرة حاشدة في ساحة الكيش بالمدينة. مضيفا: «هم يقولون عنها إنها نكبة وحسابات خارجية (...) إنها ثورة ناصعة البياض، وبنغازي لم ولن تكون مجرد صفحة (إنستغرام) تعلق فيها صور المشاهير، بل عصير ليبيا الحقيقي».
وفي نهاية الأسبوع الماضي، كتب شمام عن ذكرى الانتفاضة فقال: «من مزايا (17 فبراير) أنها لا تجبر أحداً على الاحتفال بها. فمن يرد ذلك يفعل، ومن لا يرد يبق في بيته، ويترحم على أيام التسع فرادي بشلن». في إشارة إلى تحسر مؤيدي القذافي على الفترة التي كان يباع فيها 20 رغيفاً بدينار واحد فقط.
وفي مواجهة الرافضين لذكرى (17 فبراير)، تفاعل كثير من النشطاء والإعلاميين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين أنهم سيحتفلون (بثورتهم)، حيث أكد حسن أونيس، رئيس الهيئة العامة الثقافة بحكومة «الوفاق»، أنه سيحيي (فبراير المجد) ويترحم على الشهداء، فيما كتب الصحافي رمضان كرنفودة من مدينة سبها: «سنرفع راية الاستقلال، ولن نخذل (الشهداء) الذين سقطوا برصاص الأمن عندما خرجوا ليطالبوا بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.