مدينة دمرها «الإخوان» تحلم بغد مشرق

الخرطوم... الواقع والآمال الجسام

قمامة محترقة في أحد شوارع الخرطوم (تصوير: عباس عزت)
قمامة محترقة في أحد شوارع الخرطوم (تصوير: عباس عزت)
TT

مدينة دمرها «الإخوان» تحلم بغد مشرق

قمامة محترقة في أحد شوارع الخرطوم (تصوير: عباس عزت)
قمامة محترقة في أحد شوارع الخرطوم (تصوير: عباس عزت)

ليست هي الخرطوم التي كتب المؤرخون أن شوارعها تغسل صباح مساء بالماء والصابون، في منتصف ستينات القرن الماضي، حيث لا يجرؤ أحد على دخول مركز المدينة ومؤسساتها وأسواقها وأنديتها، بـ«شبشب» أو «سفنجة». ولا تلك المدينة الناعسة الراقدة في ملتقى النيلين الأزرق والأبيض «المقرن»، ولا المدينة الحالمة الناعمة التي ظلت كذلك حتى أواخر الثمانينات، قبل أن يهجم عليها {مغول العصر} أو {الإخوان المسلمين} الذي يطلق عليهم محلياً «الكيزان»، لتصبح بعدهم مدينة بيوت الأشباح والأوساخ والفوضى، والفساد. تصحو على صفوف الخبز المترامية في نواحيها، وتغفو على صفوف الوقود الممتدة كثعابين تلتف بين شوارعها يمنة ويسرة.
سرق {الكيزان} حتى متاحفها الجميلة التي تروي تاريخها الممتد لآلاف السنين، ودمروا معالمها وأماكن الترفيه، ومقاهيها، سرقوا كل شيء، حتى شجرة صندل، كانت قابعة في مدخل المتحف الكبير، اختفت إلى غير رجعة، وحرمت المدينة من عبيرها.
سكانها اعتادوا على معاونة بعضهم البعض في ساعات العسرة والفرح، في غياب أي صور من خدمات الحكومة التي كانت مكرسة لفئة دون سواها.

مستشفياتها لا تقدم لزوارها حتى أبسط الخدمات. مدارسها، متهالكة، متسخة. ساحاتها تحولت إلى خراب. لم يترك {الكيزان} شيئاً سالماً. يردد أهل المدينة مقولة الأديب الشهير الطيب صالح: «من أين أتى هؤلاء؟».
«الخرطوم الجميلة مثل طفلة كانوا ينيمونها عُنوة ويغلقون عليها الباب، تنام منذ العاشرة، تنام باكية في ثيابها البالية، لا حركة في الطرقات. لا أضواء من نوافذ البيوت. لا فرحٌ في القلوب. لا ضحك في الحناجر. لا ماء، لا خُبز، لا سُكّر، لا بنزين، لا دواء».
«مطار الخرطوم لا يزال يمتلئ بالمغادرين... يريدون الهرب إلى أي مكان، فذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم».
لكن رغم ذلك كله، فالخرطوم لا تزال تحلم بغد مشرق، تحلم وهي مفتحة العينين... ثورة وغضب أمام صفوف الخبز... وأخرى في صفوف الوقود، ثورة ولعنات في المكاتب، في المدارس، في الشوارع... غضب مكتوم في صدور الشباب الذين يحلمون بغد مشرق.
يتأففون من بطء التغيير. بعضهم بدأ يفقد صبره، وبعضهم يكتم ضيقه، في انتظار فرج قريب، يزيح عن كاهلهم قليلاً من التعب والوهن.

حكومة الدكتور عبد الله حمدوك، تتحرك ببطء، كما يشكو البعض. يقولون إنها عاجزة عن فعل شيء جديد، وسط ركام الأزمات. لا يزال الحال السيئ كما هو. لكن أنصارها يدافعون بأنها ورثت أزمات ثقيلة، يصعب حلها في وقت وجيز، ولم تمنح الوقت الكافي ليحكم لها أو عليها.
يقول كمال عبد الماجد، موظف بإحدى الهيئات الحكومية: «لم يتغير شيء منذ أن أطحنا النظام السابق. الكيزان (الإخوان) لا يزالون يحكموننا ويدمرون مستقبلنا، ويتسببون في الأزمات ويخلقونها. الوضع يتدهور بوتيرة متسارعة، وحكومة حمدوك تتفرج مثلنا ولا تحرك ساكناً... إذا استمر الوضع بهذه الطريقة حتماً سنحتاج لموجة ثانية من الثورة».
تناصره زميلته عائشة عمر، وتضيف: «الشباب عادوا بالفعل إلى الثورة؛ يحرقون الإطارات في بعض شوارع الأحياء النائية، غضباً من بطء التغيير... نتمنى أن يتدارك حمدوك الوضع قبل فوات الأوان».
يختفي رجال الشرطة، بشكل ملحوظ، في شوارع المدينة. تسير لساعات ولا ترى أياً منهم. تتكدس السيارات في صفوف طويلة في قلب العاصمة، وسط اللعنات والشتائم، ولا تجد من ينظم الحركة.
يقول عبد الماجد: «رجال الشرطة غاضبون، بعد أن صب عليهم المحتجون أيام الثورة اللعنات... بسبب قمعهم للثوار»، لكن عائشة ترى أن {جميع قيادات الشرطة في العاصمة والولايات هم من أنصار النظام السابق. ولم يتم تغييرهم. وهم الآن يساعدون في خلق الأزمات بغيابهم}.
أحياناً تحتاج أكثر من ساعة لكي تعبر من منطقة لأخرى، لا تبعد سوى مئات الأمتار. زحمة المرور تكاد تخنق الخرطوم وتحيلها إلى مدينة مكدسة بالسيارات.
كل شيء يتبدل... الناس، الضجيج، الحيرة، الحسرة، الخوف على المستقبل. الكل يحس بإحباط عميق لكنه متمسك بحلمه في غد مشرق. البعض ذهب ليضع سيناريوهات الفوضى والرعب. سليم إبراهيم وهو معلم في مدرسة ثانوية، قال إن «تأخر الإصلاحات يدفع الناس دفعاً للاحتجاجات. وشهدنا ثورات في بعض المدن».
في عطبرة (شمال) التي انطلقت منها شرارة الثورة، خرج محتجون إلى الشوارع مطالبين بتغيير الحاكم العسكري بمدني. ومثلها كوستي (جنوب)، ردد المتظاهرون الشعارات نفسها، وتصدت لهم الشرطة وفرقتهم بعنف وأصيب العشرات.
يقول إبراهيم: «نطالب بالإسراع في الإصلاحات، وتصفية مركز قوى النظام المعزول ومؤيديه، نطالب بتثبيت الأسعار وتوفير الوقود والمواصلات، ومعالجة النفايات الملقاة في الشوارع». ويضيف: «كثير من المطالب التي قامت من أجلها الثورة لا تزال باقية».

تتجمع النفايات في شوارع الخرطوم، بعد فقدان آلية جمعها. ما حوّل العاصمة إلى مكب كبير. ويجتهد عناصر «لجان المقاومة» التي قادت الثورة، في تنظيفها وإعادة تدويرها، ولكن رغم كل ذلك لا تزال النفايات تزاحم الناس في الطرقات. مبارك الفاضل المهدي، الذي التقته «الشرق الأوسط» قبل أيام، يقول إن الوضع الآن مرشح للتغيير. «لا بد أن تقوم سلطة جديدة»، وأضاف: «اتضح أن هذه المجموعة الحاكمة ليست لديها القدرة على الحكم، ليس لديها برنامج اقتصادي أو خطة للسلام، ولا حتى رؤية واضحة لحل أزمات السودان... فهي حتماً ستفشل، الوضع المعيشي لا يحتمل أي تأخير». ويتابع المهدي: «المطلوب الآن هو قيام مؤتمر للسلام هدفه توسيع قاعدة المشاركة، لكل القوى السياسية التي شاركت في الثورة، ويخرج بميثاق تعاد بموجبه تشكيل السلطة».
أما القيادي الشاب في «الحرية والتغيير»، عمرو شعبان، فهو يرى أن {الخرطوم تمر بعاصفة تحولات كبيرة، تنطلق ببطء وثقة، لتهيئ نفسها للتحول لمدينة عصرية، مستفيدة مما حباها الله به من جمال طبيعة وسكان}.
ويشير شعبان باعتباره أحد سكان الخرطوم «الأصلاء»، إلى أن مدينته أصبحت قرية كبيرة بسبب اضطرار سكان البلاد للنزوح إليها هرباً من واقع مرير نتج عن سياسات نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الذي {أفقر الريف وشرد سكانه}. ويتابع: «استوعبت الخرطوم الوافدين إليها، ووظفت القيم القادمة إليها بما يخدم القيم الإنسانية، ومزجت بين قيم مجتمعات الريف في الكرم والصدق والأمانة بقيم المدينة، فأنتجت مزيجاً رائعاً هم الشباب الذين قادوا الثورة».
على رغم ذلك كله، فإن الخرطوم لا تزال تحلم بغد أفضل، يحمل سنابل الفرح لتدخل كل بيت، رغم الدمار الذي خلفه {مغول العصر}الذين حلوا في المدينة في 30 يونيو (حزيران) 1989، ليبشروا الناس بحلم كاذب، بينما كانوا يدسون بين طياتهم معاول هدم وتدمير.
ولا تذكر مدينة دمرها أهلها، كما حدث للخرطوم.

لا يزال كثير من السودانيين يذكرون عهوداً عسكرية سابقة، رغم ما قامت به من قمع وجبروت، يتندمون على زوالها، منذ الفريق إبراهيم عبود 1958 - 1964 الذي عرف بنزاهته ونظافة يده... يذكرون المشاريع التي أنشأها، يذكرون كيف كانت الخرطوم في عهده مدينة أوروبية مخملية، يذكرون شخصيته المحببة ورحلاته الخارجية عندما استقبلته ملكة بريطانيا، في قصرها، ورؤساء أميركا وأوروبا، بالترحاب والحفاوة البالغة، ولا يزالون يتبادلون الفيديوهات التي تؤرخ لتاريخه.
يذكرون النميري، الذي عاش بعد خروجه من الحكم في منزل متواضع في أحد أحياء أم درمان، وسط البسطاء من شعبه، يذكرون رجل التضامن العربي الذي أنقذ ياسر عرفات المحاصر في الأردن، ليعيده إلى القاهرة بعد «أيلول الأسود». يذكرون كيف أنه كان صلة الوصل بين العرب عندما انقسموا بعد اتفاق «كامب ديفيد». لم يغتن ولم يتكبر على شعبه. أما البشير فلا أحد يذكره بخير، أو يتمنى عودته.
يقول شعبان: «لن نذكره إلا بأنه قسّم البلاد، وأساء إلى العباد بعد اتهامه بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور... الآن الخرطوم تقبل أن تجوع وتعرى وتدمر وتنشق بها الأرض، ولا ترى البشير يعود مرة أخرى».



البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
TT

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

يواصل «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» تقديم المشاريع والمبادرات التنموية في التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب والمجتمعات، والاستثمار في رأس المال البشري، ودعم سبل العيش والمعيشة.

وذكر تقرير حديث عن البرنامج أن البرامج والمبادرات التنموية التي يقدمها البرنامج السعودي ركزت في المساهمة على بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد، من خلال برنامج «بناء المستقبل للشباب اليمني» الذي يساهم في ربط الشباب اليمني بسوق العمل عبر تدريبهم وتمكينهم بالأدوات والممكنات المهارية.

ويساعد البرنامج الشباب اليمنيين على خلق مشاريع تتلاءم مع الاحتياجات، ويركّز على طلاب الجامعات في سنواتهم الدراسية الأخيرة، ورواد الأعمال الطموحين، وكان من أبرز مخرجاته تخريج 678 شاباً وشابةً في عدد من التخصصات المهنية، وربط المستفيدين بفرص العمل، وتمكينهم من البدء بمشاريعهم الخاصة.

وشملت المشاريع والمبادرات برامج التمكين الاقتصادي للسيدات، بهدف تعزيز دور المرأة اليمنية وتمكينها اقتصادياً.

تدريبات مهنية متنوعة لإعداد الشباب اليمني لسوق العمل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وأشار التقرير إلى أن برنامج «سبأ» للتمكين الاقتصادي للسيدات، الذي أسهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب، وإكساب 60 سيدة للمهارات اللازمة لإطلاق مشاريعهن، وإطلاق 35 مشروعاً لتأهيل وتدريب قطاع الأعمال ودعم 35 مشروعاً عبر التمويل وبناء القدرات والخدمات الاستشارية، مع استفادة خمسة آلاف طالبة من الحملات التوعوية التي تم تنظيمها.

وإلى جانب ذلك تم تنظيم مبادرة «معمل حرفة» في محافظة سقطرى لدعم النساء في مجال الحرف اليدوية والخياطة، وتسخير الظروف والموارد المناسبة لتمكين المرأة اليمنية اقتصادياً.

وقدم «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» مشروع الوصول إلى التعليم في الريف، الذي يهدف إلى حصول 150 فتاة على شهادة الدبلوم العالي وتأهيلهن للتدريس في مدارس التعليم العام، في أربع محافظات يمنية هي: لحج، شبوة، حضرموت، والمهرة، بما يسهم في الحد من تسرب الفتيات في الريف من التعليم وزيادة معدل التحاقهن بالتعليم العام في المناطق المستهدفة.

وقدّم البرنامج مشروع «دعم سبل العيش للمجتمعات المتضررة»، الموجه للفئات المتضررة عبر طُرق مبتكرة لاستعادة سبل المعيشة الريفية وتعزيز صمود المجتمعات المحلية من خلال دعم قطاعات الأمن الغذائي، مثل الزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية، لأهمية القطاعات الأكثر حساسية للصدمات البيئية والاقتصادية، موفراً أكثر من 13 ألف فرصة عمل للمستفيدين من المشروع.

البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يساهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وضمن البرامج والمبادرات التنموية المستدامة، جاء مشروع استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن، بهدف توفير المياه باستخدام منظومات الطاقة الشمسية، وتوفير منظومات الري الزراعي بالطاقة المتجددة، وتوفير الطاقة للمرافق التعليمية والصحية، والمساهمة في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.

كما يهدف المشروع إلى حماية البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير مصدر مستدام للطاقة، محققاً استفادة لأكثر من 62 ألف مستفيد في 5 محافظات يمنية.

وفي مساعيه لتعزيز الموارد المائية واستدامتها، أطلق البرنامج مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في محافظتي عدن وحضرموت، لتحسين مستوى خدمات المياه والعمل على بناء قدرات العاملين في الحقول على استخدام وتشغيل منظومات الطاقة الشمسية.

تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

ومن خلال مشروع المسكن الملائم، يسعى البرنامج إلى المساهمة في تعزيز التنمية الحضرية وإيجاد حل مستدام للأسر ذات الدخل المحدود في المديريات ذات الأولوية في محافظة عدن من خلال إعادة تأهيل المساكن المتضررة، وقد ساهم المشروع في إعادة تأهيل 650 وحدة سكنية في عدن.

وتركّز البرامج التنموية على المساهمة في بناء قدرات الكوادر في القطاعات المختلفة، وقد صممت عدد من المبادرات في هذا الجانب، ومن ذلك مبادرات تدريب الكوادر في المطارات مركزة على رفع قدراتهم في استخدام وصيانة عربات الإطفاء، ورفع درجة الجاهزية للتجاوب مع حالات الطوارئ، والاستجابة السريعة في المطارات اليمنية، إضافة إلى ورش العمل للمساهمة في الارتقاء بمستوى الأداء وتذليل المعوقات أمام الكوادر العاملة في قطاعات المقاولات والزراعة.