سراقب... عُقدة استراتيجية من دون أهلها

مركبات عسكرية تركية كانت مطلع فبراير عند نقطة مراقبة على المشارف الشرقية لبلدة سراقب (أ.ف.ب)
مركبات عسكرية تركية كانت مطلع فبراير عند نقطة مراقبة على المشارف الشرقية لبلدة سراقب (أ.ف.ب)
TT

سراقب... عُقدة استراتيجية من دون أهلها

مركبات عسكرية تركية كانت مطلع فبراير عند نقطة مراقبة على المشارف الشرقية لبلدة سراقب (أ.ف.ب)
مركبات عسكرية تركية كانت مطلع فبراير عند نقطة مراقبة على المشارف الشرقية لبلدة سراقب (أ.ف.ب)

سيطرت قوات النظام السوري على كامل مدينة سراقب في إدلب (شمال غربي البلاد) التي تشكل نقطة التقاء بين طريقين دوليين يربطان محافظات عدة.
وجاءت السيطرة على المدينة في إطار هجوم واسع بدأته قوات النظام بدعم روسي في ديسمبر (كانون الأول) 2019، بمناطق في إدلب وجوارها تؤوي ثلاثة ملايين شخص.
وأفاد التلفزيون السوري الرسمي، اليوم (السبت)، بأن «وحدات من الجيش تُحكم سيطرتها بالكامل على مدينة سراقب» في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مشيراً إلى انتهاء عمليات التمشيط بـ«الكامل من الألغام».

نقطة مراقبة تركية على المشارف الشرقية لبلدة سراقب مطلع فبراير الحالي (أ.ف.ب)
ويتركز هجوم قوات النظام على ريف إدلب الجنوبي، والجنوبي الشرقي، وريف حلب الجنوبي الغربي المجاور، حيث يمر الطريق الدولي «إم 5» الذي يصل مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر مدناً رئيسية عدة من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن. وتستشرس دمشق في الوقت الراهن لاستعادة هذا الطريق كاملاً.
وتحظى مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي بأهمية استراتيجية كونها نُشكل نقطة التقاء لـ«إم 5» مع طريق آخر متفرع منه يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية.

أحد شوارع سراقب خاوياً كما بدا مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
ومنذ بدء الهجوم، سيطرت قوات النظام على عشرات المدن والبلدات في ريفي إدلب وحلب، أبرزها مدينة معرة النعمان جنوب مدينة إدلب، مركز المحافظة.
وتواصل قوات النظام تقدمها، وقد تمكنت، أمس (الجمعة)، من السيطرة على الجزء من طريق «إم 5» الموجود في محافظة إدلب، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي أشار إلى أنه لا يزال هناك 30 كيلومتراً من الطريق الدولي خارج سيطرة دمشق تمر في ريف حلب الجنوبي الغربي.

شاحنة تحمل أثاثاً لمغادرين من سراقب (أ.ف.ب)
وأفاد «المرصد» بأن المعارك تركزت أمس، قرب الطريق في ريف حلب الجنوبي الغربي، كما تستهدف الطائرات الحربية الروسية والسورية مناطق عدة في محيطه.
وقبل دخول القوات الحكومية إليها، كانت مدينة سراقب خالية من السكان نتيجة موجة النزوح الضخمة التي شهدتها مع اقتراب الهجوم منها.
ودفع التصعيد العسكري بـ586 ألف شخص إلى النزوح من مناطق التصعيد في إدلب وحلب صوب مناطق لا يشملها القصف قرب الحدود التركية، وفق الأمم المتحدة. وتعدّ موجة النزوح هذه بين الأكبر منذ اندلاع النزاع عام 2011.

شاحنة تنقل أثاثاً وحاجيات أسرة غادرت معرة النعمان نهاية ديسمبر الماضي (رويترز)
وأسفر الهجوم أيضاً عن مقتل أكثر من 300 مدني، حسب حصيلة لـ«المرصد». كما أُغلقت عشرات المرافق الطبية، وتحدثت الأمم المتحدة عن هجمات طالت البنى التحتية.
ومنذ سيطرة الفصائل على كامل المحافظة في عام 2015، صعّدت قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة، وشنت هجمات برية قضمت خلالها مناطق عدة على مراحل تقدمها.
وبموجب اتفاق روسي - تركي يعود لعام 2018، تنشر تركيا في منطقة إدلب 12 نقطة مراقبة، إلا أن ثلاثاً منها باتت محاصرة من قوات النظام.

قافلة عسكرية تركية تجوب المباني المدمَّرة في قرية المصطومة على بُعد نحو 7 كيلومترات جنوب مدينة إدلب (أ.ف.ب)

وأرسلت تركيا خلال الأيام الماضية تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة، دخل القسم الأكبر منها بعد تبادل لإطلاق النار، الاثنين، بين القوات التركية والسورية خلّف أكثر من 20 قتيلاً من الطرفين.
وحذرت وزارة الدفاع التركية، اليوم (السبت)، في تغريدة من أنه «في حال وقوع هجوم جديد، سيتم الرد بشكل مناسب وبأشد طريقة بناءً على حق الدفاع عن النفس».

قافلة عسكرية تركية تجوب المباني المدمَّرة في قرية المصطومة على بُعد نحو 7 كيلومترات جنوب مدينة إدلب (أ.ف.ب)

وأفادت وسائل إعلام تركية بدخول أكثر من 350 آلية عسكرية تركية منذ أمس (الجمعة)، إلى منطقة إدلب.
وأوضح مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن، أن «القوات التركية استحدثت نقاطاً عدة قرب بلدات شمال سراقب لتشكل جدراً أمام تقدم قوات النظام».
ورجح أن تركز قوات النظام عملياتها الآن على محيط الطريق الدولي «إم 5» غرب حلب بدلاً من التوجه إلى شمال إدلب، مشيراً إلى أن مقاتلين إيرانيين ومن «حزب الله» اللبناني يشاركون في معارك حلب.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.