في قرار لا سابق له في التاريخ القضائي الإسباني قضت المحكمة الوطنية في مدريد على أحد كبار المصرفيين بالسجن 18 شهراً وتغريمه مبلغ 54 مليون دولار لمحاولته تهريب لوحة للرسّام العبقري الراحل بابلو بيكاسو بعنوان «رأس امرأة شابّة». وجاء في حيثيّات القرار الذي أصدرته القاضية راكيل غونزاليس بعد ثلاث سنوات من المعارك القضائية أن خايمي بوتين، الرئيس السابق لمصرف «بانكينتير» وأحد أفراد عائلة بوتين مالكة مصرف سانتاندير أكبر المصارف الإسبانية، قد خالف قرار وزارة الثقافة الذي يمنع إخراج اللوحة المذكورة من إسبانيا، وأن السلطات الجمركية الفرنسية ضبطتها على متن يخت يملكه بوتين كان يرسو في ميناء جزيرة كورسيكا.
وكان المصرفي المذكور قد اشترى اللوحة في لندن عام 1977، وتقدّر قيمتها حالياً بنحو 27 مليون دولار، أي نصف قيمة الغرامة التي فرضها عليه قرار المحكمة. ويذكر أن وزارة الثقافة الإسبانية كانت قد منعت تصدير اللوحة إلى الخارج نظراً لقيمتها التاريخية، عندما طلب بوتين من شركة المزادات المعروفة «كريستيز» بيع اللوحة في لندن ورفضت السلطات الإسبانية طلب الشركة إخراجها من إسبانيا. وجاء في التقرير الذي وضعته الخبيرة في تاريخ الفنون بالوما إيستيبان، والذي استندت إليه وزارة الثقافة في قرارها، أن هذه اللوحة التي رسمها العبقري الأندلسي في العام 1906 تعود للفترة التي أمضاها في قرية «غوسول» من أعمال إقليم «ليريدا» الكاتالوني صيف ذلك العام، وهي فترة أساسية في تاريخ تطور الحركة التكعيبية. وتقول إيستيبان إنه لا توجد لوحة مماثلة لهذه اللوحة في أي من المتاحف الوطنية أو العالمية المخصصة لأعمال بيكاسو.
وكان بوتين قد استأنف قرار وزارة الثقافة الذي منعه من تصدير اللوحة أمام المحكمة الوطنية التي أكّدت قرار الوزارة، ثم عاد واستأنف أمام المحكمة العليا التي لم تُصدر قرارها بعد. وانتقد محامو الدفاع قرار المحكمة لصدوره قبل أن تبّت المحكمة العليا طلب الاستئناف، فيما كان المدّعي العام قد طلب بسجن المتهم 4 سنوات وتغريمه مبلغ 100 مليون دولار ومصادرة اليخت الذي ضُبطت اللوحة على متنه. وتقول مصادر قانونية إنه نظراً لعدم وجود سوابق جنائية للمحكوم عليه، الذي يبلغ الثالثة والثمانين من العمر، من المرجّح ألا يدخل السجن ويُكتفى بتسديده الغرامة المالية.
ومن المعلومات التي كشفتها مصادر التحقيق أمام المحكمة أن بوتين كان قد استأجر طائرة خاصة لنقل اللوحة من كورسيكا إلى سويسرا، مخالفاً بذلك القرار الذي سبق أن أبلغته به السلطات المعنيّة، وأن اللوحة توجد حالياً في مخازن متحف «الملكة صوفيّا» في العاصمة الإسبانية.
فريق الدفاع من جهته قال إنه بعد صدور القرار بمنع تصدير اللوحة، عرض بوتين على الحكومة شراءها، لكن الأزمة الاقتصادية حالت دون تجاوب الحكومة مع عرضه. وأضاف الفريق أن اللوحة لم تدخل إسبانيا لأنها معلّقة منذ شرائها على متن اليخت الذي يرفع راية بريطانية. مصادر متحف «الملكة صوفّيا» أوضحت أن القانون الإسباني يقضي بإحالة الممتلكات المنقولة من التراث التاريخي الإسباني المصدّرة من غير إذن إلى الخارج إلى ملكيّة الدولة، لكنها لن تعلّق اللوحة في صالات العرض قبل انتهاء المعركة القضائية التي لم تصل بعد إلى خواتيمها. وتجدر الإشارة إلى أن المتحف المذكور يملك 31 لوحة لبيكاسو ليس بينها واحدة من الفترة السابقة للعام 1907 الذي يؤرخ لبداية الحركة التكعيبية التي أسسها الرسّام الإسباني، والتي تُعتبر لوحة «رأس امرأة شابّة» نقطة انطلاقها.
متحف الملكة صوفيا يحرم زواره من لوحة لبيكاسو مملوكة لأحد المصرفيين
متحف الملكة صوفيا يحرم زواره من لوحة لبيكاسو مملوكة لأحد المصرفيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة