«لمسة خفيفة» للكشف عن الهياكل الذرية

باحثو «كاوست» يطورون طريقة لتقليل تلف المواد داخل الميكروسكوبات الإلكترونية

إخراج شبكة الميكروسكوب الإلكتروني النافذ من صندوق تخزين
إخراج شبكة الميكروسكوب الإلكتروني النافذ من صندوق تخزين
TT

«لمسة خفيفة» للكشف عن الهياكل الذرية

إخراج شبكة الميكروسكوب الإلكتروني النافذ من صندوق تخزين
إخراج شبكة الميكروسكوب الإلكتروني النافذ من صندوق تخزين

من أجل فهم الكيفية التي يؤثر بها التركيب الذري على الوظائف البيولوجية والسلوك الكيميائي، يلجأ الباحثون كثيراً إلى الميكروسكوب الإلكتروني النافذ عالي الدقة (HRTEM). ومع ذلك فإن الكثير من المركَّبات تكون شديدة الحساسية تجاه تلك الميكروسكوبات؛ إذ إن حزم الإلكترونات القوية يمكن أن تُتلف الذرات أو تتسبب في تسخين سلبي.
وقد طوَّر فريق من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مجموعة من الأدوات يمكنها تقليل ضرر شعاع الإلكترونات داخل الميكروسكوب الإلكتروني النافذ عالي الدقة، وذلك باستخدام جرعات منخفضة من الإلكترونات.
وجدير بالذكر أن تلك المجاهر تعد من أقوى طرق التوصيف في علوم المواد وتصل قوة التكبير لها إلى مليون مرة. وبشكل عام تُستخدم في كثير من المجالات، مثل: علوم الحياة، التقنية النانوية، الطب، الأبحاث البيولوجية والأبحاث المتعلقة بالمواد، تحليل الطب الشرعي، علم دراسة الأحجار والمعادن، الصناعة، والتعليم. ويعطي المجهر معلومات طبوغرافية، ومعلومات عن التركيب الكيميائي والبلوري، والشكل الداخلي للعينات. كما تعد وسيلة مهمة لدراسة العيوب البلورية، ويمكن استخدامها في تحليل وإنتاج أشباه الموصِّلات وفي مراقبة الجودة أثناء تصنيع أجهزة الكومبيوتر ورقائق السيليكون.
إن البنى أو الهياكل المعدنية - العضوية (MOFs)، بتركيبها الشبيه بالإسفنج، تُعَد أمثلة تقليدية للمواد شديدة الحساسية للتصوير بالميكروسكوب الإلكتروني النافذ عالي الدقة. وتلك المُركَّبات، التي تتميز بإحدى أكبر المساحات السطحية المسجلة على الإطلاق، وبمسام نانوية قابلة للتعديل، لديها إمكانيات ضخمة لتخزين الغازات والحفز الكيميائي. غير أن أغلب البنى المعدنية - العضوية تنهار في أثناء المراحل الأولى من التصوير، عندما يحاول الميكروسكوب محاذاة شعاعه الإلكتروني مع محور المنطقة المتكرر للبلورة.
وقد تَعاوَن داليانغ تشانغ، وكون لي وزملاؤهما في مختبر التصوير والتوصيف الأساسي في كاوست مع مجموعة البروفسور يو هان، أستاذ علوم الكيمياء في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية، لإيجاد طرق أقل وطأة لتوصيف البنى المعدنية - العضوية.
في السابق، أثبت الفريق أن بمقدور كاميرات خاصة لرصد الإلكترونات أن تلتقط صوراً على النطاق الذري باستخدام جرعة منخفضة مؤلفة من بضعة إلكترونات لكل «بكسل». ولكن تلك الطريقة تطلَّبت أخذ عدد كبير من العينات من البنى المعدنية - العضوية الموجَّهة عشوائيّاً لتحديد المناطق البلورية.
ولجعل المحاذاة أكثر بساطة، طور باحثو كاوست إجراءً من خطوة واحدة يعتمد على عامل يُدعى «دائرة لاو»، يظهر عندما تقابل الأشعة الإلكترونية تراكيب دورية. ويوضح تشانغ أنه وبمجرد أن نرى «دائرة لاو»، نعرف اتجاه البلورة الحالي وزاوية الانحراف عن الموقع المطلوب. بعد ذلك يمكننا محاذاة البلورة باستخدام عملية إمالة يتم التحكم فيها بالحاسب.
ثمة مشكلة أخرى، هي أن المواد الحساسة للشعاع غالباً ما تتحرك أثناء التصوير بالميكروسكوب الإلكتروني. ولتقليل هذا النوع من الضبابية، أخذ الفريق أولاً مجموعة من اللقطات ذات زمن التعرض القصير. بعد ذلك، من خلال تقنية «تحويل فورييه» الرياضية، قاموا بتحويل بيانات الصورة لكل بكسل إلى سلسلة من الموجات الجيبية. وعن طريق استبعاد الموجات ذات السعة الضعيفة، تمكَّن الباحثون من تحديد السمات الدورية الحقيقية، وتصحيح انحراف الصورة. ويشير أعضاء الفريق إلى أن الصور شديدة الوضوح الناتجة قد يكون لها تأثير على مجالات أخرى بخلاف البنى المعدنية - العضوية.
ويبين البروفسور هان أن خبرة المختبرات الأساسية في كاوست كانت ضرورية لتحويل تجربة استخدام التصوير بالميكروسكوب الإلكتروني النافذ عالي الدقة من عملية محاولة وخطأ، إلى عملية أقرب إلى الروتينية، ويضيف «الآن، يمكننا دراسة عدد من الهياكل الحساسة التي تعتبر - عادة - غير قابلة للاستكشاف، وهو أمر مثير حقّاً».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أشبه بـ«حمام بخار»... نظرية جديدة تفسّر كيفية نشوء الماء على كوكبنا

صورة لكوكب الأرض (رويترز)
صورة لكوكب الأرض (رويترز)
TT

أشبه بـ«حمام بخار»... نظرية جديدة تفسّر كيفية نشوء الماء على كوكبنا

صورة لكوكب الأرض (رويترز)
صورة لكوكب الأرض (رويترز)

رجّحت نظرية جديدة أن يكون الماء أصبح متوافراً على كوكب الأرض بفعل ما يشبه حمام بخار، بعد وقت قصير من تكوين النظام الشمسي، وفق دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة «أسترونومي أند أستروفيزيكس».

ووفقاً للنظرية السائدة، نشأ الماء على كوكب الأرض بشكل رئيسي عبر كويكبات ومذنّبات جاءت من خارج النظام الشمسي في أول مائة مليون سنة.

وشبّه المعدّ الرئيسي للدراسة، عالم الفيزياء الفلكية كانتان كرال، تساقط الأجرام ذلك بـ«لعبة بلياردو الجاذبية»، مرجّحاً من جهته حصول عملية «أكثر طبيعية إلى حدّ ما، وأسهل قليلاً».

وبالتالي، هي أقل عشوائية، والأهم أنها تنطبق على كواكب صخرية أخرى في النظام الشمسي، مثل المريخ أو عطارد، من المعروف أنها تحتوي على الماء، تماماً كالقمر.

وبدأ كل شيء من حزام الكويكبات، وهو عبارة عن حلقة من الأجرام السماوية الصغيرة، تقع بين المريخ والمشتري، كانت أكبر بكثير في مرحلة تكوين النظام الشمسي قبل 4,6 مليار سنة.

وقال الباحث في مختبر «ليزيا» LESIA، التابع لمرصد «باريس مودون بي إس إل»: «نعلم أن الكويكبات كانت جليدية في الأساس».

وهذا الجليد «لا يُرى كثيراً» اليوم، إلاّ على سيريس، أضخم الكويكبات، لكنّ آثاره تُرصد على الكويكبات الأخرى نظراً إلى وجود معادن مائية عليها، كتلك التي اكتُشِفَت في عيّنات من الكويكب ريوغو والتي أحضرتها بعثة يابانية.

كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)

وتتمثل فكرة فريق مختبر «ليزيا» مع عالم فلكي من معهد فيزياء الكرة الأرضية في باريس، في أن الأرض استمدّت بالفعل الماء من الكويكبات، لكنّ هذه الكويكبات لم تُحضرها إليها مباشرة.

في هذا السيناريو، كانت الشمس قد تشكلت للتوّ، مما أدى إلى تسخين حزام الكويكبات، وبلغ هذا التسخين ذروته قبل نحو 25 مليون سنة. وأدى هذا التسخين «إلى تسامي جليد الماء»، أي إلى تحوّله من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازيّة، ومن ثم إلى تشكيل «قرص من بخار الماء على مستوى حزام الكويكبات»، على ما شرح كانتان كرال.

وتمدّدَ هذا القرص إلى كامل النظام الشمسي وبلغ كوكب الأرض الذي راح يلتقط هذه المادة تدريجياً كلما بردت. وبمجرد التقاط هذه المادة تحت تأثير الجاذبية وتراكمها على الكوكب، أصبح «بخار الماء هذا يعيش حياته كماء»، وتحوّل إلى الشكل السائل.

وهذا النموذج الذي أعدّه كانتان كرال وزملاؤه، يعمل بشكل جيد مع حزام كويكبات ضخم، كما كان حزام النظام الشمسي في رأي هؤلاء العلماء، ويتسم بالفاعلية نفسها إذا كان الحزام أرقّ، ولكن على مدى زمني أطول.

وتُطرح مثل هذه الفرضية للمرة الأولى، لكنّها «لا تأتي من العدم»، بحسب عالِم الفيزياء الفلكية، بل يعود الفضل بقدر كبير في استنتاجها إلى ملاحظات التلسكوب الراديوي «ألما» المخصص لرصد سحب الغاز والغبار في الكون.

وقال كرال: «أصبحنا نعرف منذ 10 سنوات أن ثمة أقراص غاز كربون وأكسجين في أحزمة الكويكبات والكواكب الصغيرة في النُظم الكائنة خارج المجموعة الشمسية».

قبل ذلك، لم يكن يُرى سوى الغبار، في حين يُرصَد راهناً وجود غاز أو جليد مائي في حزام الكويكبات «إتش دي 69830»، وهو نظام شمسي يضم ثلاثة كواكب على الأقل.

ويسأل كرال كيف يمكن إذن «اختبار النظرية بدقة؟». والجواب أن ذلك ممكن من خلال البحث عن نُظم أحدث قليلاً «لا تزال تحتوي على قرص غاز الماء الخاص بها».

وحصل فريق «ليزيا» على وقت مراقبة باستخدام «ألما» لنُظم «غير عادية ومثيرة للاهتمام إلى حد ما»، ينتظر العلماء نتائجها.