سنوات السينما: ‪I Am Cuba‬ ‪(‬1964‪)‬

فيلم «أنا كوبا»
فيلم «أنا كوبا»
TT

سنوات السينما: ‪I Am Cuba‬ ‪(‬1964‪)‬

فيلم «أنا كوبا»
فيلم «أنا كوبا»

I Am Cuba‬ ‪(‬1964‪)‬
(ممتاز)
‫قبل سبع سنوات من إنجاز هذا الفيلم، كان مخرجه‬ ميخائيل كالاتوزوڤ قد نال سعفة مهرجان كان الذهبية عن فيلمه الآسر «البجع يطير». بعده جلس مع الشاعر الروسي إيڤني يفتوشنكو ليكتبا سيناريو «أنا كوبا». لاحقاً انضم إليهما إنريك بينيدا بارنت، لكن عمل كالاتوزوڤ مع يفتوشنكو كان مثار دهشة، إذ إن الشاعر كان انتقد نظام ستالين وقال: «هو مات، لكن الستالينية ما زالت قائمة»، وهو موقف انضم إلى جملة مواقف انتقادية للسلطة الشيوعية على ما كان يحمله آنذاك من مخاطر.
«أنا كوبا» كان نتيجة هذا التكاتف في العمل بين المخرج العامل تحت سقف النظام مع الشاعر المنتقد له. كانت الفكرة أساساً تحقيق فيلم يؤرخ لسنوات حكم باتيستا، لكن كالاتوزوڤ لم يكن راغباً في مجرد تحقيق فيلم دعائي لكوبا كاسترو بل طاف يبحث عن موضوع يخرج عن هذا النطاق وما لبث أن وجده.
يبدأ «أنا كوبا» بكاميرا فوق مركب في البحر يمر به مركب آخر فيه طفلان فقيران مصحوباً بتعليق صوتي يقول: «أنا كوبا… شكراً كولومبوس، عندما شاهدت كوبا أول مرّة كنت أغني وأضحك».
عبارة «أنا كوبا» تعود مراراً وتكراراً. جزء من شعر يفتوشنكو الذي يتردد طوال الفيلم كاشفاً عن الحالات الاجتماعية التي مرّت بها كوبا قبل الثورة. هي كالراوي، ولو أن هذا لا يعفيها من كونها تحل في تكرار ملحوظ ينتمي إلى أسلوب ساد السينما اللاتينية في زمن التقلّبات السياسية والعسكرية.
على ذلك، الفيلم إنجاز مبهر بصرياً منذ ذلك التمهيد لما سيلي، حيث تسير الكاميرا فوق سطح فندق فخم بين رجال ونساء في ملابس السباحة وتتمايل مع موسيقى جاز. تلحق رجلاً يحمل مشروباً لامرأة تقف وحيدة عند حافة الشرفة تنظر إلى المدينة تحتها المزدحمة بالحياة ثم تتخلى الكاميرا عنها وتنتقل إلى حيث مصدر الموسيقى. هناك مغن أميركي يغني ويتمايل والكاميرا (المحمولة طوال الوقت) تتمايل مع موسيقاه ولا تتخلّى عن محيطه من الرجال والنساء في البيكيني. تعود الكاميرا إلى حافة الشرفة وهنا تفاجئ المشاهد بهبوطها إلى الدور التالي من خارج المبنى بعدما اجتازت حاجز الشرفة (غالباً بفضل مصعد خُصص للغاية). تستكشف الكاميرا ذلك المكان ثم تهبط دوراً آخر حيث يقع مسبح ثانٍ. امرأة تتّجه إلى المسبح وترمي نفسها. الكاميرا تفعل الأمر نفسه بعدما وضعها مدير التصوير (سيرغي أوروسڤسكي) في صندوق محكم لا تتخلله المياه. الناتج صورة وجهة نظر لذلك التجوال الاستكشافي الذي بدأ قبل دقيقتين لمن هم في بركة السباحة. الكاميرا تغطس حيناً وتعوم حيناً. عند هذا الحد ينتهي هذا الفصل التمهيدي.
ما بعد هذا التمهيد المنتمي إلى سينما تسجيلية - جمالية يسرد الفيلم خمس حكايات درامية قصيرة متصلة بخيط الكشف عن الواقع بصورة وصوت شعريين. أولى هذه الحكايات تدور حول فتاة جميلة (لوز ماريا كولازو) تعمل في أحد الملاهي ليلاً. ملهى يؤمه الأميركيون الباحثون عن اللذة في تلك المدينة. هي غير سعيدة كونها تبيع تلك اللذة لمن يدفع.
من هذه الحكاية ينتقل إلى القصص الأخرى، وكلها تدور في رحى الوضع الاجتماعي والسياسي الذي كان قائماً في الخمسينات. بها ينتقل من المدينة إلى الريف ثم يعود إلى المدينة من جديد. شغل المخرج وشاغله هو الفن وليس السياسة بحد ذاتها. كلما أمعن في تطوير لغة السرد والعرض حوّل الموضوع إلى تحصيل حاصل. ما زال للفيلم رسالته لكنه اليوم مُقدّر لفنه غالباً.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.