كان تغيير بيئة الأورام لزيادة استجابة الجهاز المناعي لها، هدفاً لعدد من الأبحاث والدراسات السريرية التي لا تعد ولا تحصى؛ إذ يعاني معظم المرضى من أورام «باردة» - أي أورام لا تحتوي على الكثير من الخلايا المناعية، أو يوجد بها خلايا تكبت قدرة الجهاز المناعي على مكافحتها.
ويمكن أن تؤدي زيادة الخلايا المناعية داخل الورم إلى تغييره من «بارد» إلى «حار»؛ إذ يمكن أن يساعد ذلك الجهاز المناعي في التعرف عليه، وتظهر الأورام الحارة معدلات أعلى من الاستجابة للعلاج، والمرضى الذين يعانون منها تحسنت لديهم معدلات البقاء على قيد الحياة.
واكتشف الأطباء والعلماء في المركز الطبي بجامعة راش الأميركية، أن حقن الأورام بلقاحات الإنفلونزا، بما في ذلك بعض اللقاحات الموسمية التي وافقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، يحوّل البارد منها إلى حار، وهو اكتشاف يمكن أن يؤدي إلى علاج مناعي لعلاج السرطان. ونُشرت نتائج الدراسة في العدد الأخير من دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
وتستخدم بعض العلاجات المناعية في الوقت الحالي بعض مسببات الأمراض الحية (الكائنات المسببة للأمراض)، لحقنها في الأورام، ومن ثم رفع كفاءة الجهاز المناعي في مقاومة السرطان، لكن هذه الطريقة أظهرت فقط تأثيرات دائمة في عدد محدود من المرضى وأنواع السرطان، وأراد الباحثون في هذا البحث الجديد فهم كيف يمكن أن تؤدي الاستجابة المناعية القوية ضد مسببات الأمراض مثل الإنفلونزا ومكوناتها إلى تحسين الاستجابة المناعية الأضعف بكثير ضد بعض الأورام.
وجاءت فكرة هذا البحث بعد أن أظهرت قاعدة بيانات المعهد الوطني للسرطان، أن الأشخاص الذين أصيبوا بسرطان الرئة ودخلوا المستشفى بسبب عدوى في الرئة من الإنفلونزا، كانوا يعيشون أطول من أولئك الذين أصيبوا بسرطان الرئة دون أي إنفلونزا، ووجدوا نتيجة مماثلة في الفئران مع الأورام وعدوى الإنفلونزا في الرئة.
وماذا عن الأورام التي لا تحدث فيها إصابات الإنفلونزا بشكل طبيعي مثل سرطان الجلد؟ كان ذلك هو السؤال المهم الذي طرحه الباحثون بعد ذلك، وللإجابة عنه، عزلوا فيروس الإنفلونزا واستخدموه في إنتاج لقاح قاموا بحقنه في سرطان الجلد لدى الفئران؛ مما أدى إلى نمو الأورام بشكل أبطأ أو تقلص، وجعل الحقن الورم ساخناً عن طريق زيادة نسبة نوع من الخلايا المنشطة المناعية (وتسمى الخلايا الجذعية) في الورم؛ مما أدى إلى زيادة في نوع من الخلايا المعروفة باسم خلايا (CD8 T) التي تتعرف على الخلايا السرطانية وتقتلها.
والأهم من ذلك، لم يؤدِ حقن ورم سرطان الجلد على جانب واحد من الجسم فقط إلى انخفاض نمو هذا الورم، لكن أيضاً في انخفاض نمو ورم جلدي ثانٍ لم يُحقن، على الجانب الآخر من الفأر نفسه.
ووجد الباحثون نتائج مماثلة في نموذج فأر لسرطان الثدي الثلاثي السلبي المنتشر، حيث قُلّل نمو الورم الرئيسي والانتشار الطبيعي لورم الثدي بعد الحقن فقط في الورم الرئيسي، وبناءً على هذه النتيجة، يأمل الباحثون أن يؤدي حقن ورم واحد بلقاح الإنفلونزا إلى حدوث استجابات مناعية لدى الأورام الأخرى لدى المرضى.
ويقول الدكتور أندرو زلوزا، أستاذ مساعد في قسم الطب الباطني بكلية الطب جامعة راش والباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره أول من أمس الموقع الإلكتروني للجامعة «إن نجاحاتنا في لقاح الإنفلونزا الذي أنشأناه، جعلنا نتساءل عمّا إذا كان يمكن إعادة استخدام لقاحات الإنفلونزا الموسمية التي تمت الموافقة عليها بالفعل من قبل إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) علاجاً لمرض السرطان، نظراً لاستخدامها مع ملايين الأشخاص، وقد ثبت أنها آمنة بالفعل».
ولتحديد ما إذا كان يمكن الحصول على نتائج مماثلة مع أورام من المرضى، طور الباحثون نموذجاً للفأر، يطلقون عليه (AIR - PDX)، حيث زرعوا قطعة من الورم والخلايا المناعية من مريض مصاب بالسرطان في فأر لا يحتوي على جهاز مناعي فعال يعمل به؛ مما يمنع الفأر من رفض الخلايا المزروعة.
ويقول: «مثل هذا الزرع يسمح لنا باختبار العقاقير، وهذا أقرب ما يمكن إلى اختبار أي شيء قبل إجراء تجربة سريرية».
واستخدم الباحثون ورم رئة مريض وورماً خبيثاً من سرطان الجلد في نموذج الفأر، ووجدوا أن وضع لقاح الإنفلونزا في هذه الأورام المشتقة من المرضى يؤدي إلى تقلصها، بينما يستمر نمو الأورام غير المعالجة.
والميزة الأساسية لهذا الجهد هي أن «لقاح الإنفلونزا غير مكلف وله قابلية سريعة للترجمة؛ لأنه دواء معتمد من إدارة الأغذية والعقاقير (FDA)»، كما يقول يوشن ريزر، رئيس قسم الطب الباطني في كلّية الطب بجامعة راش.
ويضيف ريزر، وهو مؤلف مشارك في الدراسة أن «دعم نظام المناعة لدى الفرد ضد السرطان باستخدام شيء متاح وبسيط مثل لقاح الإنفلونزا قد يساعد بعض المرضى المصابين بالسرطان في المستقبل القريب، بدلاً من عقد من الزمان».
لقاح الإنفلونزا علاج فعال للأورام السرطانية
يحولها من باردة إلى ساخنة فتصبح مرئية للمناعة
لقاح الإنفلونزا علاج فعال للأورام السرطانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة