الأردن... حصار الاحتجاجات الناعمة وشكوى الاقتصاد المريض

2019 عام متأرجح لم يحقق وعد إخراج البلاد من «عنق الزجاجة»

الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين في الباقورة بعد استعادتها في نوفمبر الماضي (رويترز)
الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين في الباقورة بعد استعادتها في نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

الأردن... حصار الاحتجاجات الناعمة وشكوى الاقتصاد المريض

الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين في الباقورة بعد استعادتها في نوفمبر الماضي (رويترز)
الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين في الباقورة بعد استعادتها في نوفمبر الماضي (رويترز)

يقفل العام أبوابه أردنياً على مشهد اقتصادي وسياسي متأرجح، رغم ما حمله من محاولات رسمية وحكومية لدفع مسيرة الإصلاح في البلاد إلى الأمام، وسط استمرار لضغوطات إقليمية سعت إلى تحجيم الدور التاريخي الهاشمي في حماية القضية الفلسطينية والدفاع عنها، ولم تستطع حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز أن تخرج من عنق الزجاجة كما تعهدت في بداية توليها مهامها الدستورية منتصف عام 2018.
وبانقضاء هذا العام، تبدأ حكومة الرزاز في حساب العد التنازلي لانتهاء الدورة البرلمانية للمجلس الثامن عشر، تحضيراً لانتخاب المجلس المقبل، مما يحتم رحيلها بعد إجراء الانتخابات إن صدرت أوامر ملكية بإنفاذ المواعيد الدستورية لعقد الانتخابات.
وبين مرحلة سبقت قدوم حكومة الرزاز ومرحلة جني ثمار حصيلة نحو عامين من محاولات حثيثة للإصلاح، لم تهدأ الأوساط السياسية والنقابية والحقوقية والقطاعات المختلفة، في التصدي للسياسات الحكومية التي رفعتها «حكومة النهضة» كما ارتأى الرزاز أن يسميها، وهو الذي أجرى 4 تعديلات وزارية على تشكيلة حكومته لم يلق أي منها ترحيباً شعبياً، بل تعديلات أرهقت أداءها.
وانقلبت حظوة الرئيس الرزاز الذي جاء على وقع احتجاجات شعبية تطالب بتغيير حكومة هاني الملقي، من دعم شعبي إلى سخط أذكته حالة الارتباك المستمرة للأداء الحكومي وخطابها المتضارب، ولم تكن الحزم الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019، سوى استجابة لتوجيهات ملكية مباشرة قادها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، شخصياً، عبر مجلس أسسه عرف بـ«مجلس بسمان» خصص للالتقاء مع القطاعات المختلفة في بلاده والاستماع لهموم المواطنين بنفسه.
ومما زاد من الرصيد السلبي للحكومة، تمسك حراكات شعبية؛ وإن كانت محدودة، بوقفات أسبوعية رمزية بالقرب من مقر الحكومة، ورفع شعارات بسقوف مرتفعة طالت شخصيات عامة وبارزة بلغ بعضها أسوار القصر الملكي. وعلى محدودية هذا الحراك؛ كانت تسجل في المقابل عشرات التوقيفات والاعتقالات التي أقرت بها مؤسسات حقوقية وطنية معتمدة، مثل «المركز الوطني لحقوق الإنسان»، بينما تجاهلتها الحكومة جملة وتفصيلاً.
ورغم تراجع نطاق الحراك الشعبي كمّاً، فإن مسوغاته، بحسب مشاركين فيه، استندت إلى واقع معيشي متراجع في وقت وصلت فيه نسبة البطالة إلى أكثر من 19 في المائة، ونسبة فقر بلغت نحو 15.5 في المائة، إضافة إلى رصد إحصائي موثق تحدث لأول مرة في تاريخ البلاد عن 8 آلاف حالة من حالات الفقر المدقع، ولم تعلن الحكومة حتى اللحظة عن خط الفقر الحقيقي أو تكشف عن منهجية تحديد نسب الفقر الجديدة.
وإيلاء الحكومة الإصلاح الاقتصادي أولوية قصوى في أجندتها 2019 لم يتكلل بتحقيق اختراقات بنيوية، بل رسخ حالة من الشكوى العامة من عجز رسمي مستمر، ظهر في مشروع قانون موازنة الدولة لسنة 2020 بسبب إيجاد حلول طارئة لأزمات متراكمة مزمنة، وهو ما يمثل عقدة ارتفاع العجز في الموازنة من 800 مليون دينار أردني في نهاية عام 2019 إلى 1.3 مليار دينار في عام 2020، وهو رقم تقديري قد يتجاوز ذلك مع نهاية العام.
وخلال عام 2019 تأثرت البلاد بموجة احتجاجات موسمية اختطف العنوان الاقتصادي مضامينها، وكانت عمّان العاصمة على موعد مع اعتصامات واحتجاجات متدرجة نقابية، ساهمت إلى حد كبير في تفجير أزمة نقابة المعلمين الأردنيين حديثة التأسيس في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، التي كادت تطيح بحكومة الرزاز بعد إضراب عام نفذه المعلمون استمر شهراً كاملاً وأدى إلى حدوث شلل في الحياة العامة، ولم ينته إلا باعتراف الحكومة الكامل بعلاوات مجزية، مما أحيا آمال النقابات المهنية الأخرى في الفوز بحصتهم المسكوت عنها في نظام الوظيفة العامة في البلاد.
وفي الوقت الذي ساهم فيه هذا المنجز في تقديم زيادات مجزية على رواتب موظفي القطاع العام مع مطلع العام الجديد، أنتج ذلك الأمر عجزاً مبالغاً فيه بموازنة العام الجديد، مع استمرار الوعود الحكومية بتخفيض الضرائب على السلع والخدمات الأساسية. وهو ما جاء في مقدمة مشروع قانون الموازنة العامة الذي فتح باب التساؤلات عن مصادر تمويل الزيادات وسط عجز مستمر في موازنة البلاد.
هنا؛ تبدو الحكومة الأردنية كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهي تبحث عن ترميم شعبيتها، بتركة اقتصادية ستدفع الدين العام للبلاد نحو الارتفاع، فيما سيكون حساب عجز الموازنة عسيراً أمام إملاءات صندوق النقد الدولي، الذي ما زال شاهراً سيف سياساته الاقتصادية على رقاب الأردنيين، بعد مَسّ تلك السياسات بقدسية تحرير السلع والخدمات الأساسية من الدعم الحكومي، وإقرار قانون ضريبة الدخل الذي أصاب الطبقة الوسطى بمزيد من تداعيات تراجع الأوضاع المعيشية.
سياسياً، فإن مقدمة عام 2020 ستشهد عراكاً قاسياً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ففيما تسعى الحكومة لمرور موازنتها المالية متسلحة بالزيادات على رواتب الموظفين في القطاع العام كرافعة شعبية، فإن مجلس النواب سيكون على بُعد كافٍ يسمح له بمناكفة الحكومة عبر مطالبته بزيادات مجزية، وهو بذلك يريد أن يغلق مدته الدستورية على إنجازات تسجل له وحده عند قواعده الانتخابية.
أما دستورياً فيُنهي مجلس النواب مدته في 10 مايو (أيار) المقبل، ويعني ذلك ضرورة تنسيب الحكومة بحل المجلس القائم، وتقديم استقالتها، حتى تتسنى لحكومة جديدة إدارة مرحلة انتقالية لا تتجاوز مدتها الأربعة أشهر، وهو ما سيلهب مطلع صيف العام الجديد، بالتحضير للانتخابات المتوقع أن يكون موعد إجرائها في سبتمبر المقبل.
المواقيت الدستورية أعلاه تتطلب تغييراً متوقعاً لرئيس الحكومة عمر الرزاز، في موعد قد لا يتجاوز شهر يونيو (حزيران)، بانتظار أن يكلف العاهل الأردني رئيساً جديداً قد ينجح بعد إدارته المرحلة الانتقالية، في البقاء إذا ما حصل على ثقة المجلس الجديد.
وفي هذا السياق، فإنه وإن منحت الخيارات الدستورية الحق للملك الأردني في التمديد للمجلس الحالي، فإن مصادر مطلعة ذكرت أن إجراء الانتخابات في موعدها وبصيغة قانون الانتخاب الحالي هو الخيار الأوحد على طاولة صانع القرار.
ووسط انشغال المملكة ببرنامجها المحلي اقتصادياً وسياسياً، والحديث عن تغيير جذري في شكل النخب التقليدية من بوابة الانتخابات المقبلة، يظل الأردن محاصراً بظروف جواره، فحتى اللحظة لم تأتِ سياسة فتح الحدود مع سوريا والعراق، بعد الحد من نفوذ تنظيم «داعش»، بالحسابات الاقتصادية المتوقعة، فيما يظل التهديد الإسرائيلي قائماً بعد إعلان نتنياهو نيته ضم غور الأردن وشمال البحر الميت.
السلام البارد مع إسرائيل قد يصبح مهدداً في حال نفذت تل أبيب سياسات التطرف اليميني التي انتهجتها حكومة بنيامين نتنياهو بدعم أميركي من خلال الرئيس دونالد ترمب، ضاربة تل أبيب بالمصالح الأردنية عرض الحائط، وهو ما حذر منه العاهل الأردني عبد الله الثاني في خلواته مع نخب وطنية. الأمر الذي فسره مراقبون بأن التزام الأردن بتعهداته بملفي الباقورة والغمر وفرض السيادة عليهما، بإنهاء عقود الإيجار للإسرائيليين على مدى الـ25 عاماً الماضية، هو رسالة باتجاه رد الفعل الأردني على الممارسات الإسرائيلية الأحادية. وأضافت عمّان على رسائل الغضب تجاه تل أبيب من خلال محاكمة علنية لمتسلل مدني إسرائيلي استثمرت قصته لضرب سياسات اليمين المتطرف وممارساته.
ولم يكن الملف الحقوقي للمملكة في 2019 أكثر إيجابية، فقد أظهر تقرير «المركز الوطني لحقوق الإنسان» الجهة الوطنية المعتمدة دولياً، أرقاماً صادمة في تراجع مستوى الحريات العامة في البلاد والتوسع في الاعتقالات، وتكييف جرائم لنشطاء على خلفية قضايا «تعبير» على أنها قضايا تندرج ضمن قوانين منع الإرهاب وتقويض نظام الحكم، كما أن التقرير الذي قدم حالة تقييم لحقوق الإنسان في البلاد عن 2018، خلص إلى أن السلطات التنفيذية قد تغوّلت على حق التجمهر السلمي في البلاد، وسجلت أيضاً عدد قضايا غير مسبوق في التوقيف على النشر الإلكتروني.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».