في حين كان ينتظر طلاب المخرج المصري الكبير والأكاديمي الدكتور سمير سيف، محاضراته المقبلة بحماس شديد، وافته المنية إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، عن عمر ناهز 72 سنة. وترك رحيله حزناً كبيراً في نفوس العاملين بالوسط الفني وعشاق السينما المصرية.
«الطالب المتفوق»، سمير سيف، المولود في القاهرة عام 1947، تخرج في المعهد العالي للسينما بتقدير امتياز، وعُين بعد تخرجه معيداً في المعهد، وعمل ناقداً سينمائياً بجانب عمله مساعداً لعدد من المخرجين الكبار في عصره، على غرار «شادي عبد السلام، يوسف شاهين، حسن الإمام، وغيرهم»، قبل أن يخرج أول أفلامه «دائرة الانتقام» عام 1976، ثم توالت أفلامه التي جمعت بين التميز التجاري والفني، مثل «المشبوه» 1981، و«احترس من الخط» 1984، و«النمر والأنثى» 1987، و«شمس الزناتي» 1990، و«سوق المتعة» 2000 و«معالي الوزير» 2002، كما نجح كذلك في الدراما التلفزيونية عبر مسلسلات «البشاير» 1987، و«أوان الورد» 2000، و«الدم والنار» 2004، و«السندريلا» 2006.
ورغم شهرة سيف في تقديم أفلام مقتبسة من السينما الأميركية بشكل خاص، فإنه لم ينقلها، بل كان يستوحي منها الأفكار العامة ويمصّرها بشكل مختلف تماماً، وفق الناقد السينمائي المصري محمود عبد الشكور، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تجربة سيف السينمائية والتلفزيونية ثرية جداً ومهمة في تاريخ السينما المصرية».
محطّتان بارزتان تميّزان مشوار حياة سيف الفنية، أولاهما إخراجه عدداً من المقتبسة، التي حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً عند عرضها بدور العرض المصرية والعربية، في حين كانت المحطة الأخرى عبر تعاونه مع الكاتب وحيد حامد ونجحا معاً في تقديم أفلام رائعة حملت بصمة إنسانية باقية حتى الآن، مثل «آخر الرجال المحترمين»، و«معالي الوزير»، و«الغول» الذي ناقش بشكل مباشر فكرة العدل والمساواة بين المواطنين، وهل يطبق القانون بالفعل على الجميع أم لا». وفق عبد الشكور، الذي أكّد أن «سيف لم يكن مقلداً أو ناقلاً للأفلام الأجنبية، بل كان مبدعاً فلا يمكن أن يشك أحد في أن بطل فيلم (غريب في بيتي) الفنان نور الشريف الذي لعب دور (شحاتة أبو كف) بالفيلم دوره مقتبس أو منقول من فيلم أجنبي، فسيف كان صاحب وجهة نظر وليس منفذاً». ويلفت إلى «موقف حكاه له سيف قبل وفاته وهو أن منتج فيلم (غريب في بيتي) كان يرشح لاعب كرة شهيراً للعب دور (شحاتة أبو كف)، بينما كان هو يرى عكس ذلك، ورشح بدلاً منه نور الشريف، واستطاع في النهاية التعبير عن وجهة نظره ونجح الفيلم».
ارتبط اسم المخرج الراحل الذي اشتهر بابتسامته الدائمة، باسمين بارزين في السينما المصرية، هما الفنان الراحل نور الشريف، والفنان عادل إمام، وعن هذه التجربة يقول عبد الشكور: «رغم استفادة سيف من شعبية هذين النجمين، فإنه قدمهما بشكل مختلف ومميز في أفلامه، وكان يتمتع بذكاء شديد في اختيار الفنانين لبطولات أفلامه؛ إذ قدم النجم الراحل أحمد زكي في (معالي الوزير)، وراهن على قدراته التمثيلية في تقديم الشخصية ونجح في ذلك، في الوقت نفسه راهن على الفنان عمرو واكد عندما كانا شاباً صاعداً، وأسند له بطولة فيلم (ديل السمكة). هؤلاء الفنانون الكبار والذين كان من بينهم الراحل محمود عبد العزيز كانوا مؤمنين بموهبته جداً؛ لذلك عملوا معه كثيراً ونالوا جوائز مهمة عن أفلام قدموها معه».
المخرج والأكاديمي الراحل كان يؤمن بنظرية هوليوود التي عبر عنها المخرج الأميركي الشهير هوارد هوكس، بقوله: «أنا أقدم أحسن فيلم من كل نوع»؛ لذلك قدم نفسه سينمائياً بأفلام الحركة والكوميديا وأفلام الإثارة والدراما الاجتماعية؛ فالتنوع عند سمير سيف لم يكن يتعارض مع الأسلوب أو البصمة الشخصية للمخرج، حسب ما قاله في أحد حواراته الصحافية الأخيرة.
وكان يؤمن سيف بأن الأفلام الثمانية التي قدمها مع عادل إمام من أهم وأخصب الأعمال في التاريخ الشخصي لكل منهما، ولا تزال محفورة في وجدان الشعب، حسب تعبيره.
وشيعت أمس جنازة المخرج من كنيسة العذراء بمنطقة أرض الجولف (شرق القاهرة)، بحضور عدد كبير من الفنانين المصريين، كما نعاه عدد كبير من الفنانين المصريين والعرب.
مصر تودع سمير سيف مخرج «شمس الزناتي» و«آخر الرجال المحترمين»
مصر تودع سمير سيف مخرج «شمس الزناتي» و«آخر الرجال المحترمين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة