بأساليب فنية مغايرة، ورغبة في التجديد والخروج من التقليد الذي صاحب بعض الأعمال الفنية أخيرا، أطلت الفنانة العراقية الشابة زينب الركابي بعد غياب طويل على جمهورها لتدهشهم بـ25 قطعة خزفية بقياسات متنوعة، على قاعات العرض الفنية في وزارة الثقافة العراقية، ناقشت فيها ظواهر مجتمعية وفق منظور المرأة العصرية، لتتمازج مع روحية المكان وتعطشه لمعرض أنثوي يتيح للناظر التعمق في دواخل النساء العراقيات ورؤيتهن للحياة والعمل والمستقبل معا.
في معرضها الشخصي الأول للخزف، الذي جاء بعد مشاركات كثيرة في معارض جماعية لفنانين وفنانات منذ نحو 15 سنة، أنضجت فيها تجربتها على نحو متكامل، ليعبر بدقة عن عنوانه «مرايا النفوس»، وحظي بجمهور لافت من الفنانين ووسائل الإعلام التي تفاعلت مع معرض جديد للخزف بعد انقطاع طويل لمثل هذه المعارض وهجرة معظم الأسماء التي برزت فيه إلى خارج البلاد.
ورغم حداثة تجربة الخزافات العراقيات، التي بدأت تتبلور بعد ظهور 3 جماعات فنية أساسية معروفة في بدايات تشكيل هذا الفن، ومع تأسيس أول فرع للخزف في معهد الفنون الجميلة عام 1954، إلا أن نسبة الخزافات بقيت منخفضة حتى اليوم، فهي لا تتجاوز 2 في المائة من مجموع الخزافين في العراق، والأسباب كثيرة تقف في مقدمتها صعوبات العمل وتعدد مراحله وعدم استقرار الأوضاع الأمنية، وغيرها، مما سبب شحته، وبالتالي انحسار العاملين فيه.
تقول الفنانة زينب في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت اسم (مرايا النفوس) عنوانا لمعرضي، وقد اقتبسته من مقولة الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي: (الوجوه مرايا النفوس تضيء بضيائها وتظلم بظلمها).. إذ يحكي المعرض من خلال 25 قطعة جديدة، عن معاناة المجتمع وتداعيات الظروف التي عاشها الإنسان العراقي خلال السنوات الأخيرة، وبعض الظواهر السلبية كالغش والكذب والرياء والنفاق والازدواجية في الشخصية».
وأضافت، في معرض ردها على إطلاق مفردة «المرايا» على ثيمة المعروضات، أنها اهتمت بموضوع إظهار الجوهر الذي لا يغلفه «الماكياج» لتكشف عندها الصور الداخلية ومفردات متعاكسة تكمن في موضع واحد من النفس البشرية: الصدق والكذب، الإخلاص والخيانة، الجمال والقبح، الأمانة والغدر... إلخ هذه المفردات اللغوية التي تشي بمعانٍ باتت باهتة في أمكنة كثيرة بسبب ما أسبغ عليها من مديح، وهي بالمحصلة تحتاج إلى تفسيرات وأجوبة أو أسئلة لتكتمل قصتها ومعانيها.. دون أن تشي بأسرارها.
وعن المواد المستخدمة، تقول زينب: «استخدمت مادة الطين وأكاسيد مختلفة، يجري تزجيجها بدرجات حرارية عالية، وبعد اكتمالها تلصق على قواعد من الخشب من أجل تكامل العمل الفني، وهي طريقة جديدة للخروج من التقليد مع الإبقاء على صلة الفن بالواقع من خلال استخدام مواد مختلفة تضمن للعمل الفني صفة المعاصرة وتدفع المتلقي إلى مشاهدة وقراءة العمل والتعرف عليه، وبهذا اخترت التركيب والإلصاق صفة تعبيرية في أعمالي، وباستخدام عناصر غير متجانسة، وكانت الغاية منها القصة أو الفكرة التي تتضمنها».
شفيق المهدي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية، قال خلال تجواله بين أروقة المعرض: «إنّ هذا المعرض هو انطلاقة قوية جدا باختيار التكنيك والموضوع، فالمعرض مفاجئ لأنّه قوي جدا يلامس موضوعا حساسا، وغير مفاجئ لأنّه نتاج لفنانة تشكيلية طموحة ومبدعة».
وأشار إلى عزم الدائرة على تقديم هذا المعرض في مدن متعددة في العراق إنصافا للفنانة الركابي، ولدور المرأة العراقية التي استطاعت أن تحاور علم الجمال والرؤى المستقبلية.
تشكيليون وصفوا تجربة الركابي ومراياها بأنها لا تشبه مرايا الفنانين الآخرين، فهي «لا تعكس الواقع المتخيل، ومنجزها الإبداعي ينطلق من فكرة أساسية تقوم على حدس أو هاجس الاكتشاف وتعرية الأشكال من كل ما هو وهمي أو مضاف لتذهب إلى الأصل، تماما مثل مهمة منقب محترف».
درست الفنانة زينب الركابي فن الخزف في محترف مديرية التراث الشعبي بإشراف الفنانين مؤيد نعمة وقاسم حمزة 1993، ومن ثم كلية الفنون الجميلة. وكذلك درست الرسم، لأنه مكمل لبعضه مثلما تقول، لكنها تجد أن فن الرسم يساعدها في أعمالها الخزفية ويكسبها خبرة في إمكانية الرسم على الجسم الطيني. والفخار، بحسب قولها، فريد من نوعه؛ «فالسعادة الناجمة عن جمال حركة التشكيل على دولاب الخزاف لا تضاهيها سعادة، وأجدني أقول لا أريد سوى أن أكون خزافة».
السيرة الذاتية للفنانة الركابي في ملف المعرض تقول إنها عضو نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1997، وعضو جمعية الفنانين التشكيليين، وتعمل في دائرة الفنون.
تخرجت في كلية الفنون الجميلة فرع الرسم 2012، وعملت على تنفيذ تصميم مجلة تشكيل ومجموعة من الملفات والبوسترات، ولها مقتنيات في الأردن، لندن، هولندا، ألمانيا، دبي، وهي عضو مؤسس في رابطة التشكيليات العراقيات، وشاركت في المعرض الأول 2008 والمعرض الثاني 2009 في فندق شيراتون، ومعرض في المؤتمر العالمي في كردستان 2011، وحصلت على شهادة تقديرية وعلى قلادة الإبداع سنة 2014 من نقابة الفنانين العراقيين بمناسبة يوم المرأة العالمي.
زينب الركابي: في معرضي «مرايا النفوس» استخدمت أساليب وتقنيات إبداعية مغايرة
مرآتها الخزفية عكست انفعالات وجوه من حولها تشكيليا
زينب الركابي: في معرضي «مرايا النفوس» استخدمت أساليب وتقنيات إبداعية مغايرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة