توثيق فني لسنوات المصريين الصعبة

«ظمأ العيون» لجمال حسان

توثيق فني لسنوات المصريين الصعبة
TT

توثيق فني لسنوات المصريين الصعبة

توثيق فني لسنوات المصريين الصعبة

صدرت عن دار «بتانة للنشر والتوزيع» في القاهرة، مجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان «ظمأ العيون» للقاصة والروائية المصرية جمال حسّان، المقيمة في لندن منذ عام 1980، وحتى الآن، بحكم عملها استشارية في الطب النفسي، فلا غرابة أن تتسرّب بعض الثيمات الطبية إلى قصصها القصيرة ورواياتها منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي.
تضم المجموعة 27 قصة قصيرة عكست عموماً الهمّ الإنساني المصري والعربي، وتوثيقه، قبل أن يتسرّب ويضيع من بين أصابعنا، وبشكل خاص توثيق حرب الاستنزاف وسنواتها الصعبة التي عانى منها الشعب المصري على مدى 1000 يوم. إذن، ليس من المصادفة أن تبدأ جمال حسّان مجموعتها بقصة «رجائي» التي تتمحور حول «حرب الاستنزاف» بتعبير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والشهداء الذين قدّمهم الشعب المصري على مدى ثلاث سنوات. تستهل جمال حسّان قصتها بمطلع قصيدة رومانسية جميلة يغنّيها المطرب كارم محمود ويقول فيها: «والنبي يا جميل حوش عنّي هواك/ دا أنا قلبي عليل ودواه ويّاك»، إنها أغنية عن الغياب، والحنين، وسحر العيون البرّاقة، والرسائل الملتاعة، ووحشة المُحب غِبّ فراق المحبوبة. ثمة تعالُق لا بد أن يلتقطه القارئ بين رسائل العاشق في هذه الأغنية ورسائل الجنديين الصعيديين مينا حبيب وياسين النوتي اللذين أُستشهِدا في موضعهما الدفاعي حين وقفا وراء المدفع، وأصرّا على إطلاق القذيفة الأولى، لكن طائرة «الفانتوم» الإسرائيلية كانت أسرع منهما ففارقا الحياة. في جيب «مينا» كانت هناك ورقة صغيرة مدوّن فيها «نشكر ربنا طوال الوقت على عماد أو رجائي أو نسمة»، وفي جيب ياسين ثمة رسالة إلى أمه يطمئنها على صحته، ويشكرها على الطعام الشهي الذي أرسلته مع «مينا»، ويذكّرها بأنّ إجازته القادمة سوف تكون بعد شهر من الآن. ولو عدنا إلى بداية القصة لاكتشفنا طبيعة العلاقة العاطفية التي تربط بين ياسين وزوجته دميانة فهو يريد أن يسمّي المولود الجديد «رجائي» إذا كان ولداً، و«رجاء» إذا كانت بنتاً، وهي تريد أن تسمّي الولد «عماداً» إذا كان ذكراً، و«نسمة» إذا كانت أنثى. القصة تنتصر إلى المرأة، سواء أكانت أماً أو زوجة أو حبيبة، ويكفي أن نشير إلى أم ياسين التي كانت تتابع البيانات العسكرية، وتعرف المواقع، وبدأت تفك الخط، وتقرأ الصحف، وتقوم بأعمال الحقل مقام الزوج الذي تركها غصباً عنه.
وترصد قصة «جرعة المخدِّر» لحظات الضعف الإنساني، حينما يُدرك الكائن البشري أنه قاب قوسين أو أدنى من الموت. ولعل براعة هذه القصة تكمن في تصوير شبح الموت وهو ينحني على كتف المريض الذي يشعر، رغم وهنه، بأن فحيح الشبح يصل إلى أذنيه، ومع وخزة إبرة المخدر تتلاشى كل الأشياء دفعة واحدة ليدخل بعدها في رقدته الأبدية.
تعاود جمال حسّان غير مرة كشف المعدن الأصيل للإنسان المصري في قصة «فارس وحنين»، حيث يستشهد الأب في تفجير مديرية أمن المنصورة، ويخلّف زوجة شابة وأماً لطفلين؛ الأولى «حنين» في سن العاشرة، والثاني «فارس» في سن السابعة، وعلى الرغم من لوعة الفقد والغياب إلاّ أننا نلمس تضحية الأم وتحدّيها في تربية الأطفال وإعدادهم ليكونا أبناء صالحين في المجتمع. ثمة انعطافة مهمة تغيّر من مسار القصة ونموِّها السردي حين يخاف «فارس» من كلام أقرانه الذين يصورون له أن الجماعات الإرهابية سوف تخطف أسرته وتطالبهم بالفدية، ثم يقتلونهم جميعاً. خلاصه القصة أنّ هذه الأخت ذات السنوات العشر تتحوّل إلى أم لأخيها الذي لم يعد صغيراً فلقد أصبح رجلاً رغماً عنه، ورغم أنف الأطفال الصغار في المدرسة وإلاّ فلِمَ سماهُ الأبوان «فارساً»؟
وتكسر قصة «في دوامة» توقعات القارئ، فرغم أنّ الزوجة لا تُنجب إلاّ أن زوجها متشبث بها، لأنها مصدر سعادته. وفي واحد من كوابيسه العديدة يخنقها من دون أن يدري وهو نائم، وحينما يستفيق صباحاً يجدها جثة هامدة فيتصل من هاتف جاره في الشاليه، ويطلب من البوليس أن يقبضوا عليه بعد أن يشعر بأنه قد تحوّل إلى غصن جاف تدوسه الأقدام.
لا تفرّق البنت الراوية في قصة «المخلوقات الصغيرة تتزاحم» بين الموت والنوم، فحينما سقطت أمها ميتة تصورت أنها نائمة، على الرغم من أنّ الحشرات بدأت تتزاحم على الجسد المسجّى، وعندما زارتها عمّتها لتسرد لها الحلم الذي رأته عن والدها الذي فقد أصابعه تسقط هذه العمّة مغشياً عليها، فتضعها إلى جوار أمها، ثم تواصل معركتها الثأرية مع هذه الحشرات الصغيرة.
وفي قصة أخرى، توظّف جمال حسّان قصة زليخة التي تولهت بالنبي يوسف، ولا تجد حرجاً في البوح بضعفها الإنساني، كما تستدعي التاريخ في قصة «زوجتي الملكة نفرتاري»، حيث يتوهم الزوج بأنه الملك رمسيس الثاني الذي يجوب بقاع الأرض، كي يصل إلى المعبد، ويتم تتويجه. ما يلفت الانتباه في هذه القصة أن الحصان يتكلّم مُذكراً إيانا بقصص «كليلة ودمنة» التي تُسرَد على ألسنة الحيوانات.
أما القصة الأخيرة التي سنتوقف عندها، فهي «ظمأ العيون» التي يمكن أن تُقرأ قراءة مجازية، فخليّة النحل يمكن أن تكون بديلاً للشعب الذي يعمل ويكدّ ليل نهار، ولا يحصل بالنتيجة إلاّ على ما يسدّ الرمق، وأن ملكة النحل التي استأثرت بالراحة والاسترخاء يمكن أن نسقطها على أي حاكم يهيمن على ثروات البلاد وخيراتها: «ركعتُ قرب فراش الملكة، ثم تناولت ساقها المفرودة أدلّكها، جمالها يُغشي العين، كل شيء فيها وضّاء ومثير لكنها تبدو غائبة عنّا كأنها تستمع إلى وحي خفي... غاية طموحي هو أن أتأمل طرفاً من معطفها وأنتظر رهن إشارتها». تنطوي هذه القصة على صوت تحريضي مليء بالغضب، حيث تسأل الراوية عن الفرق بين الشغّالات اللواتي يعملن طوال النهار وبين هذه الملكة المسترخية طوال حياتها، كما تتساءل قائلة: ما حِكمة النظام إن لم نتساوَ في كل شيء؟
مَنْ يقرأ قصص هذه المجموعة، ويتأملها جيداً سيكتشف من دون عناء أننا أمام قاصة جادة تعرف ماذا تريد من نصوصها القصصية المبنية بناءً مدروساً ومحكماً لا مجال فيه للإسهاب والترهلات اللغوية الفائضة عن الحاجة.



«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».