«صندوق النقد» و«منظمة التعاون» يحذران من «تدهور بلا توقف»

الاقتصاد العالمي يمر بحالة «تباطؤ متزامن» جراء توترات التجارة

«صندوق النقد» و«منظمة التعاون» يحذران من «تدهور بلا توقف»
TT

«صندوق النقد» و«منظمة التعاون» يحذران من «تدهور بلا توقف»

«صندوق النقد» و«منظمة التعاون» يحذران من «تدهور بلا توقف»

في توقيت متزامن أمس، حذر كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من مخاطر تصاعد التوترات التجارية على الاقتصاد العالمي. مشيرين إلى توقعات اقتصادية عالمية متشائمة، تشمل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى أدنى مستوى له منذ حدوث الأزمة الاقتصادية في عام 2008.
وفي بكين، حذرت كريستالينا غورغيفا مديرة صندوق النقد الدولي من تداعيات التوترات التجارية الحالية على الصعيد الدولي، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، قائلة إن هذه التوترات يمكن أن تقلص إجمالي الناتج المحلي للعالم بنسبة 0.8 في المائة خلال العام المقبل.
وقالت غورغيفا في ختام مناقشات المائدة المستديرة مع رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ ورؤساء خمس منظمات دولية أخرى في بكين، إن الاقتصاد العالمي يمر الآن بحالة «تباطؤ متزامن». وأضافت أن 90 في المائة من اقتصادات العالم تتباطأ خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي. بينما كانت 75 في المائة من اقتصادات العالم تسجل نموا قبل عامين، أي قبل نشوب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ولفتت غورغيفا إلى أنه في حين توجد عوامل كثيرة وراء تباطؤ الاقتصاد العالمي حاليا، فإن التوترات التجارية وحالة الغموض الناجمة عنها تعتبران من العوامل الرئيسية للتباطؤ.
ويتوقع صندوق النقد نمو اقتصاد الصين خلال العام الحالي بمعدل 6.1 في المائة، على أن يتراجع معدل النمو إلى 6 في المائة خلال العام المقبل.
ويذكر أن الاقتصاد الصيني، وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سجل نموا نسبته 6 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي، وهو أقل معدل له خلال نحو ثلاثة عقود، وذلك تحت وطأة تزايد الديون والحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وتجري واشنطن وبكين منذ مدة مفاوضات تهدف إلى التوصل لهدنة في حربهما التجارية، إلا أنه يبدو أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود خلال الأسابيع الماضية. ولم يتمكن الجانبان من التوصل لاتفاق بشأن مستوى الرسوم التي سيتم تخفيضها في حال التوصل لاتفاق.
وكانت وزارة التجارة الصينية أفادت في وقت سابق من هذا الشهر بأنه سيتم التراجع عن بعض الرسوم الجمركية في إطار «مرحلة أولى» من الاتفاق التجاري، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفى في وقت لاحق الموافقة على هذا التقليص، وهدد في المقابل بزيادة الرسوم على الصين إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وفي باريس، حذرت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» الخميس، من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى أدنى مستوى له منذ حدوث الأزمة الاقتصادية في عام 2008.
وفي توقعاتها الاقتصادية نصف السنوية، توقعت المنظمة - التي تضم دولا غنية بشكل أساسي - حدوث نمو اقتصادي عالمي بنسبة 3 في المائة، خلال عامي 2020 و2021.
وقال أنجيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: «نأمل جميعا في التوصل إلى ذلك الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين حول المرحلة الأولى». وأضاف جوريا أن التجارة العالمية «تتجه عمليا إلى حالة من الجمود فيما يتعلق بالنمو» على خلفية حالة الغموض الناتجة عن الحرب التجارية، قائلا إن «الغموض هو العدو الأسوأ للنمو».

ومن جانبه، كتب لورانس بون، كبير الخبراء الاقتصاديين في المنظمة، إن «القلق الأكبر... هو أن يستمر تدهور النظرة المستقبلية بلا توقف، وهو ما يعكس التغيرات الهيكلية التي لم تتم معالجتها، أكثر من أي صدمة دورية». وقال بون إن تغير المناخ، والرقمنة، والابتعاد عن التعددية في التجارة والجغرافيا السياسية، هي كلها تغييرات هيكلية يتعين على صانعي السياسات معالجتها.
ومن الممكن أن تتسبب الأحداث المناخية القصوى الناجمة عن تغير المناخ، في حدوث اضطرابات اقتصادية كبيرة على المدى القصير، بالإضافة إلى أضرار طويلة الأجل لرؤوس الأموال والأراضي وتدفقات الهجرة غير المنظمة.
وحذر بون من أنه من دون اتخاذ إجراء سياسي سريع بشأن تحديد سعر ومعايير ولوائح للكربون، «ستؤجل الشركات اتخاذ قرارات الاستثمار، مع حدوث عواقب وخيمة على النمو والتوظيف».
وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد توقع التقرير بلوغ نسبة النمو 2.3 في المائة هذا العام، و2 في المائة خلال عامي 2020 و2021.
من ناحية أخرى، من المتوقع بحسب المنظمة أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 6.2 في المائة هذا العام، ثم يتوقع أن يتباطأ إلى 5.7 في المائة في العام المقبل، و5.5 في المائة في عام 2021. بحسب ما ذكرته «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».
في الوقت نفسه، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي في الهند قويا، بحسب التوقعات. وقد انخفض النمو من 6.8 في المائة في العام الماضي، إلى 5.8 في المائة متوقعة هذا العام، ولكن من المتوقع أن يرتفع إلى 6.2 في المائة في العام المقبل، و6.4 في المائة في عام 2021، كما توقع التقرير نمو إجمالي الناتج المحلي في ألمانيا بنسبة 0.6 في المائة فقط هذا العام، و0.4 في المائة في عام 2020، و0.9 في المائة في عام 2021.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.