الانتفاضة اللبنانية تهزّ الزعامات الطائفية والحزبية

أمام خلفية تهديدات «حزب الله»

الانتفاضة اللبنانية تهزّ الزعامات الطائفية والحزبية
TT

الانتفاضة اللبنانية تهزّ الزعامات الطائفية والحزبية

الانتفاضة اللبنانية تهزّ الزعامات الطائفية والحزبية

يعتبر أحد النواب اللبنانيين الـ128 أن من تفاجأ بـ«الانتفاضة اللبنانية» التي انطلقت في السابع عشر من الشهر الحالي، إما هو قارئ فاشل للأحداث، أو أنه كان يعيش خارج البلاد، وبالتالي بعيد عن نبض الشارع وهموم اللبنانيين وشجونهم.
ويُجمع العدد الأكبر من المتظاهرين، الذين يكتسحون الساحات العامة في المناطق اللبنانية كافة، على أنهم قرروا أن يثوروا على الطبقة الحاكمة... إذ طفح الكيل بعدما أعطوا الأفرقاء السياسيين أكثر من فرصة، فإذا بهم يوصلون البلد إلى الانهيار الاقتصادي الذي تجلى بأوضح أشكاله في الأشهر والأسابيع الماضية مع ما شهدته الأسواق من أزمة في سعر صرف الليرة وما تبعها من أزمة في المحروقات والرغيف. أما القشّة التي قصمت ظهر البعير، فكانت التوجه الحكومي لفرض ضريبة على خدمة المكالمات الصوتية عبر الإنترنت، ما أدى يوم الخميس في السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي إلى خروج مجموعات صغيرة معترضة في وسط بيروت، ما لبثت أن تكاثرت وعمت المناطق اللبنانية كافة.

يرفع مئات آلاف المتظاهرين في ساحات المدن اللبنانية شعاراً موحداً منذ انطلاق «الانتفاضة»، ألا وهو «كلن يعني كلن» (كلّهم يعني كلّهم)، بإشارة إلى أن الامتعاض يشمل كل الأفرقاء السياسيين من دون استثناء. وبعدما كانت المظاهرات التي شهدها لبنان على مر السنوات الماضية تحصل بإيعاز من حزب أو فريق سياسي معين، يشكل ما تشهده البلاد حالياً أشبه بظاهرة باعتبار أن اللبنانيين تداعوا إلى الشوارع في غياب أي دعوة من أي جهة كانت، وما زالوا يثابرون على ملء الساحات بغياب أي قيادة للحراك. وللمفارقة، فإن فريقي الصراع في لبنان، أي مكوّنات التكتلين اللذين كانا يُعرفان بـ8 و14 آذار، يتفقان على أن لا أيادي خارجية حرّكت الناس. وبالتالي، فإن ما يحصل ليس إلا تعبيراً واضحاً عن انفجار الشارع المكبوت منذ عشرات السنوات... الذي قرر أخيرًا الخروج عن صمته، مهدداً الزعامات الطائفية والحزبية التي يقوم عليها النظام المبني على مبدأ المحاصصة في لبنان.

ورقة الحريري
المظاهرات الشعبية دخلت أسبوعها الثاني يوم الخميس الماضي من دون أن تنجح كل المبادرات من قبل المسؤولين، على رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري، بإخراج الناس من الشوارع. وعلى الرغم من تعدد المطالب، وتحولها في كثير من الأحيان إلى مطالب فردية لا ترتقي إلى مستوى المطلب الوطني الجامع، فإن اللبنانيين المعترضين نجحوا بالتوافق على مطلب أساسي وموحّد، ألا وهو استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة مصغرة من الاختصاصيين قادرة على التصدّي للأزمة. وترافق هذا العنوان مع عناوين أخرى كالسعي لإسقاط النظام، وإلغاء الطائفية السياسية، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وغيرها. وبعدما توقّع المعتصمون أن يخرج عليهم رئيس الحكومة بعد بضع ساعات من انطلاق حركتهم لإعلان استقالة حكومته، أمهل سعد الحريري شركاءه في الحكم 72 ساعة لإيجاد حل يقنع الشارع والشركاء الدوليين. ومع انتهاء المهلة، عاد الحريري ليتوجه إلى اللبنانيين يوم الاثنين الماضي من قصر بعبدا الرئاسي حاملاً بين يديه «ورقة إصلاحات»، قال إن كل القوى السياسية وافقت على السير بها، وموازنة عام 2020 التي وافق عليها مجلس الوزراء، والتي لحظت عجزًا بنسبة 0.6 في المائة، بعدما كان العجز في موازنة عام 2019 حدد بـ7.59 في المائة. حملت ورقة الحريري، حتى بإقرار عدد كبير من أفراد مجموعات الحراك، وعوداً وخطوات نوعية طال انتظارها، لكن نظراً إلى أن التجارب الماضية مع هذه السلطة لم تكن مشجعة على الإطلاق، وبالتحديد لناحية «الإيفاء بالوعود وتنفيذ الإصلاحات»، على حد تعبير المشاركين بالمظاهرات، تم رفض السير بالورقة كحل للأزمة.
بعدها، أقرت الحكومة في جلسة عقدتها يوم الاثنين الماضي 24 بنداً حملها إليها الحريري، هي: خفض جميع رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المائة، وخفض موازنات الصناديق المستقلة كـ«صندوق المهجرين» و«مجلس الجنوب»، ووضع سقف لرواتب ومخصصات اللجان كحد أقصى 10 ملايين ليرة لبنانية، وخفض رواتب جميع المديرين على ألا تتجاوز 8 ملايين ليرة، ووضع رواتب القضاة بحد أقصى 15 مليون ليرة، ووضع ضرائب على المصارف وشركات التأمين 25 في المائة، وتأمين موافقة مُسبقة من ديوان المحاسبة والتفتيش على أي مناقصة أو اتفاق يتجاوز 25 ألف دولار، على أن يحق للوزير الموافقة على 20 ألف سنوياً، أما الباقي فيخضع لموافقة مجلس الوزراء، وإلغاء جميع المخصّصات للبعثات إلى الخارج بحد أقصى للرحلة 3 آلاف دولار، مع موافقة مجلس الوزراء عليها، وإلغاء جميع ما جرى خفضه من معاشات التقاعد للجيش والقوى الأمنية، ووضع سقف لرواتب العسكريين لا يتجاوز رواتب الوزراء، وتفعيل هيئة الرقابة الاقتصادية، ودعم الصناعات المحلية، ورفع الضريبة على المستوردات للأصناف المنتجة محلياً، ومساهمة المصارف لإنشاء معامل كهرباء ومعامل فرز النفايات والمحارق الصحيّة، مع خفض الضريبة على المبالغ المساهمة بها، وتقديم مصرف لبنان وباقي المصارف 3 مليارات دولار، وتحويل معامل الكهرباء إلى غاز خلال شهر، وإلغاء وزارة الإعلام، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ووضع آلية واضحة لمواجهة الفساد، والامتناع عن فرض زيادات في الضرائب على القيمة المضافة والهاتف والخدمات العامة، وإلغاء كل الاقتراحات الخاصة باقتطاع جزء من تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وإعادة العمل بالقروض السكنية، واتخاذ قرار حاسم بأن تكون موازنة عام 2020 بلا عجز بما يتطلب ضبط الواردات، وزيادة الضريبة على أرباح المصارف، واقتراح بخصخصة قطاع الهاتف المحمول قريباً جداً، وجعل قانون رفع السرية المصرفية إلزامياً على جميع الوزراء والنواب والمسؤولين في الدولة.

«هيئة تنسيق الثورة»
إذا كان المعتصمون قد أعلنوا مباشرة بعد عرض الحريري ورقته رفضهم الخروج من الشارع، مطالبين باستقالة الحكومة، فإن جواباً شبه رسمي جاء من الحراك، بعد إعلان نحو 15 مجموعة بعد 6 أيام من انطلاق الانتفاضة تشكيل «هيئة تنسيق الثورة».
وفي بيان حمل الرقم 2، أدرجت المجموعات 6 مطالب: أولاً، استقالة الحكومة فوراً، وتشكيل «حكومة إنقاذ وطني» من خارج المنظومة الحاكمة. ثانياً، استرداد الأموال المنهوبة من قِبَلْ كل الذين تولوا السلطة من 1990 حتى اليوم ومحاسبتهم، ومنهم من غادر البلاد، ونتبنى ما جاء في بيان نادي القضاة بهذا الشأن. ثالثاً، معالجة الملفات الحياتية والمالية الضاغطة وانتشال الوطن من الهاوية التي أوصلتنا إليها السلطة الفاسدة. رابعاً، العمل على إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، وفق نظام انتخابي جديد طبقاً للمادة 22 من الدستور في مهلة أقصاها ستة أشهر. خامساً، الطلب من المواطنين الاستمرار في التظاهر والاحتجاجات في العاصمة، والمناطق، حتى تحقيق المطالب. سادساً، الطلب من القوات المسلحة، على رأسها جيشنا الوطني، حماية المتظاهرين في المناطق كافة، والأشخاص والشخصيات الذين تعرضوا للتهديد في أماكن سكنهم وعملهم. أما أبرز المجموعات التي انبثقت منها «هيئة تنسيق الثورة» فهي: حراك العسكريين المتقاعدين، والمبادرة الوطنية، والتيار النقابي المستقل، وحزب «الخضر»، وحملة «الشعب يريد إصلاح النظام»، و«اللقاء التشاوري المدني» (إقليم الخروب)، ومبادرة «وعي»، و«حركة الشعب»، و«الحركة الشبابية للتغيير»، و«المتحدّون»، و«نبض النبطية»: «حزب سبعة»، و«مجموعة الزواج المدني في لبنان» (civil marriage in Lebanon)، و«حراس المدينة - النبطية»، والحزب القومي - «الانتفاضة»، و«حركة النهضة القومية»، و«حراك صور»، و«لهون وبس»، و«الحراك المدني العكاري»، و«اللقاء الجنوبي»، و«حركة المحرومين - طرابلس»، وحملة «حلّو عنّا»، و«ثوار النبطية»، و«تجمّع شباب زحلة»، و«حراك الهرمل»، و«برلمان الدولة العادلة»، ومجموعة «لبنان إلى الأبد» (For Ever Lebanon)، و«تحالف وطني»، و«تجمع أبناء بعلبك»، و«اللقاء النقابي التشاوري»، و«لبنان اليوم»، و«حوار الشباب»، و«حراك بريتال»، والأساتذة المتقاعدون في التعليم الرسمي، و«ناشطون - مستقلة»، و«لجنة أبناء الوطن (صيدا صور بيروت طرابلس)».
واتسعت مع الأيام التي تلت المجموعات المنضوية في الهيئة، فبلغت نحو 47 مجموعة، في وقت أصر بعض المشاركين في الحراك على رفض هذا التشكيل، والمضي من دون قيادة في المرحلة الحالية؛ أقلّه بانتظار إسقاط الحكومة.
هذا، ويؤكد العميد المتقاعد جورج نادر، الذي تلا من ساحة الشهداء بوسط بيروت البيان الذي أعلن عن تشكيل الهيئة، أنهم لا يدّعون قيادة الثورة، وأن عملهم يندرج في إطار التنسيق اللوجستي وضمان عدم حصول أي تضارب في المواقف والقرارات. ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه الهيئة «باتت تضم نحو 47 طيفاً من مختلف أطياف الحراك، وبالتالي أصبحوا القوة الأكبر».

دخول الجيش على الخط
في اليوم السادس للحراك، اتخذ الجيش اللبناني قراراً بفتح الطرقات التي أغلقها المعتصمون للضغط على السلطة السياسية وضمان استقالة الحكومة. وسُجّل أكثر من صدام بين عناصر الجيش والمحتجّين، انتهى بعد ساعات إلى نجاح هؤلاء بالإبقاء على الطرقات مقطوعة، شرط ضمان إبقاء الطرقات الفرعية مفتوحة.
وأكدت قيادة الجيش أنها «لم تألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين»، متمنية على المواطنين «التعاون معه من أجل إبقاء الطرق سالكة تسهيلاً لتنقل المواطنين واستقامة الدورة الحياتية». وأكدت أن «الجيش ملتزم بالدفاع عن حماية الوطن أرضاً وشعباً». وأضافت: «كلنا لبنانيون... نحن عائلة واحدة».
وحقاً، لم يكن قرار فتح الطرقات محصوراً بقيادة المؤسسة العسكرية. إذ بدا واضحاً أنه يحظى بغطاء من المسؤولين السياسيين، على رأسهم رئيس الجمهورية والحكومة. إذ أفيد عن سلسلة اتصالات بالقيادات الأمنية والعسكرية، قام بها الحريري واطلع منها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، مشدداً على «ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كل المناطق»، حسبما ذكر بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.
كذلك كان للجيش موقف لافت يوم الثلاثاء، حين تصدى لمجموعة من مناصري «أمل» و«حزب الله» الذين جالوا في شوارع العاصمة بيروت على الدراجات النارية، وكان عدد منهم يحاول الوصول إلى ساحة الاعتصام الرئيسية في ساحة الشهداء. وعلى الفور أقدمت قوة من الجيش على التصدي لهم وتفريقهم، متفادية بذلك صداماً كبيراً بين الطرفين.

الحراك يقتحم الجنوب
من جهة أخرى، لعل أبرز ما توقفت عنده الجهات الغربية المتابعة، اقتحام الحراك، وبقوة، مناطق «الثنائي الشيعي»، أي «حزب الله» وحركة «أمل» جنوب لبنان. فللمرة الأولى منذ عشرات السنوات نزل العشرات والمئات في منطقتي صور والنبطية إلى الشوارع؛ حيث رُفعت ورُدّدت الشعارات التي تنتقد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، على حد سواء. كما جرى التعرض لمكاتب نواب ومؤسسات لشخصيات تابعة للحزبين، ما يشكل سابقة استدعت تدخّل مسلحين يناصرون «الثنائي» للتصدّي لعدد من المظاهرات.
أيضاً، انتشرت مقاطع فيديو مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر عدداً من المسلحين، المفترض أنهم تابعون لـ«أمل»، يهاجمون المتظاهرين داخل أحياء مدينة صور وفي مدينة النبطية. وهذا ما اعترفت به الحركة ضمناً، إذ أكدت رفضها للمظاهر المسلحة في شوارع صور، وأعلنت أنها بصدد «إجراء تحقيق لتحديد المسؤوليات واتخاذ التدابير اللازمة»، وطلبت من الأجهزة الأمنية «ممارسة دورها في حماية المواطنين، بمن فيهم المتظاهرون»، لكنها، في الوقت نفسه، مستنكرة التطاول على رموزها، على رأسهم الإمام موسى الصدر ورئيس مجلس النواب نبيه برّي.
وفي هذه الأثناء، اعتبرت مصادر سياسية أن «الانتفاضة الحاصلة جنوباً تشكل امتداداً للانتفاضة الحاصلة على صعيد الوطن ككل، لكن ما يميّزها هي أنّها كسرت كل المُحرّمات في مناطق يُمنع فيها مجرد توجيه انتقادات علنية للثنائي الشيعي». وردّت المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ما يحصل لتنامي الضغوط على المجتمع الشيعي، خصوصاً بعد تشديد الولايات المتحدة الأميركية عقوباتها، التي لم تعد تقتصر على قيادات وعناصر «حزب الله»، وباتت تطال المتموّلين الشيعة، وتؤثر سلباً على المجتمع الشيعي ككل.

لا تفاوض قبل الاستقالة!
بدورها، لم تُثلِج الكلمة التي توجّه بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلى المعتصمين، بعد أسبوع من انطلاق الانتفاضة، قلوبهم. إذ وبعدما توقّع هؤلاء توجّه رئاسة الجمهورية لدعم مطلبهم بتغيير الحكومة، اقتصرت كلمة عون على إبداء استعداده للقاء ممثلين عن المتظاهرين، وإشارته إلى إمكانية إجراء تعديل وزاري في البلاد، وهو ما رحّب به رئيس الحكومة. وفي حين أيد البطريرك الماروني بشارة الراعي، دعوة عون، غرّد الزعيم الاشتراكي الدرزي وليد جنبلاط قائلاً إن «أفضل حلّ يكمن في الإسراع بالتعديل الحكومي، والدعوة لاحقاً إلى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي».
وحقاً، يبدو التعديل الوزاري ضرورياً، خصوصاً بعد قرار «القوات اللبنانية»، على وقع نبض الشارع، الانسحاب من الحكومة، ما أدى لشغور 4 مقاعد وزارية مسيحية. وتحدّث وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي - المقرب من عون - عن ثلاثة احتمالات أمام الحكومة، هي: ترميم الحكومة عبر تعيين أربعة وزراء بدلاً عن وزراء «القوات»، وإجراء تعديل حكومي، أو تشكيل حكومة جديدة.
ختاماً، يعتبر العميد المتقاعد جورج نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن كل ما حصل في الساعات الماضية يؤكد أن «رُكَب السلطة السياسية تهتزّ... وأن ما يؤمن صمودها حتى الساعة هو حزب الله»، مشدداً على أن «الناس لن تحاور أو تفاوض أحداً قبل سقوط الحكومة»، وهو ما أتى بإطار الردّ المباشر على دعوة عون المتظاهرين للحوار.

اعتداءات بالجملة على المراسلين.. والمرأة اللبنانية تتصدّر الحدث

> تصدّرت النساء المشهد في مظاهرات لبنان. إذ، وبعدما جرى تعميم صورة لإحدى الفتيات وهي تركل أحد المسلحين في وسط بيروت مع انطلاقة الثورة، تعرّضت اللبنانيات المتظاهرات لحملة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين عرب احتجوا على طريقة لبسهن وتبرّجهن خلال المشاركة في الاعتصامات.
شبكة «بي بي سي» البريطانية، اعتبرت من جانبها، أنه «بعيداً عن كل ما يطالب به اللبنانيون، من مطالب معيشية مشروعة، وبعيداً عن معاناتهم التي كانت - وفق شعاراتهم المرفوعة - سبباً أساسياً وراء خروجهم»، اختار جانب من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، من مصر وغيرها من البلدان العربية، التعليق على أشكال المحتجات ولباسهن وجمالهن، كما ورد في تعليقاتهم، عاكسين رؤية نمطية، كما يقول كثير من اللبنانيين، عن المرأة اللبنانية كامرأة «فلتانة»، كما يقولون.
وفي سابقة في تاريخ المظاهرات اللبنانية، جرى تسجيل جملة اعتداءات على مراسلين صحافيين. وكانت الحصة الأكبر من نصيب مراسلي تلفزيون «أو تي في» التابع لـ«التيار الوطني الحر» والمحسوب على العهد، إذ تعرّض مندوبوه لحملة من المقاطعة، بعدما رفض المحتجون التجاوب معهم. وجرى طردهم من مناطق عدة، وتعرّضوا لسيل من الشتائم والاعتداءات. كذلك، جرى التعرّض لمراسلي تلفزيون «أم تي في» من قبل الموسيقي سمير صفير المؤيد للرئيس عون ومن قبل مناصرين لحركة «أمل».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.