فيلمان من وحي الحرب العالمية الثانية يظللان الدورة الجديدة من مهرجان لندن السينمائي الدولي الذي يبدأ يوم غد 8 من هذا الشهر وينتهي في 19 منه. الأول، «لعبة التقليد»، يفتتح المهرجان دورته هذه به والآخر يختتمها. ذلك الفيلم الأخير هو «هيجان» (Fury) من بطولة براد بت مع شايا لابوف ولوغان لرمان وسكوت إيستوود ومايكل بينا، وهو يدور حول ضابط أنهكته الحرب وثلة من المقاتلين الذين يشقون طريقهم خلف خطوط العدو النازي.
أما فيلم الافتتاح فهو بعيد عن رحى المعارك لكنه قريب من حيث علاقته بالجهد العسكري المبذول لكسب الحرب العتيدة. عالم الحسابات ألان تورينغ يجهد في سبيل فك شفرة ألمانية صعبة لعل الحلفاء يستطيعون الإجهاض على عملية خطرة سيقوم بها الجيش النازي قريبا.
عالم الحسابات ليس سوى الممثل بنيدكت كمبرباتش الذي التقيناه آخر مرة قبل أكثر من عام بقليل في افتتاح فيلم «ستار ترك: في الظلام» (Star Trek: Into the Darkness). الفيلم الجديد قد يكون خياليا، والعلم فيه حجر أساس، لكنه ليس من النوع الخيالي - العلمي كالفيلم السابق.
هو أيضا أحد فيلمين جديدين حاضرين للعرض من بطولته. الفيلم الثاني هو «ذا هوبيت: معركة الجيوش الخمسة». بعدهما سنراه في الفيلم التشويقي «السواد الداكن»، ثم فيلم بعنوان محرف هو «Magik» ثم يدخل بطولة «الطيور الصفراء» في العام المقبل. وما تبقى من أوقات فراغه، يقضيه وهو يتابع قراءة السيناريوهات المقدمة إليه. أحدها بعنوان «جبل الدم» من إخراج سيرغي بدروف سينقله إلى روسيا وآخر للمخرج الأميركي جيمس غراي عنوانه «المدينة المفقودة زد» والثالث فيلم من إخراج الممثل غاري أولدمان عنوانه «الحصان الطائر».
يتحدث كمبرباتش مع «الشرق الأوسط» عن عمليه الجديدين وعن الأفلام والمشاريع السابقة له وبعض الأفلام القادمة وفيما يلي نص الحوار:
*كيف تصف «لعبة التقليد» في مقابل «ذا هوبيت 3»؟ فيلمان مختلفان في كل شيء.
- ليس أن هذا لا يحدث دائما، لكنه أمر مثير في كل الأحوال. ما هو جميل ورائع في هذه المهنة التي أمارسها هو الحرية التي يعيشها الممثل. هو مرة في المستقبل ومرة في الماضي. هو في عمل أدبي أو دراما رومانسية وبعد فترة قصيرة ستجده يحارب على الجبهة أو في فيلم كوميدي أو فيلم من أي نوع آخر. إنها حرية رائعة تمنحك رحلة تمضي عبر الأزمنة والأماكن المختلفة والحاضر يصبح مجرد محطات تحط فيها لتنطلق منها.. كما قلت، أمر مثير جدا إذا ما فكرت فيه.
*عندما تركناك في المرة السابقة كنت انتهيت من رحلة إلى الفضاء في «ستار ترك» الذي كان نوعا جديدا على كل من شارك فيه. هل عاد عليك بما كنت تأمله منه؟
- إذا كنت تقصد بالعائد هو ما وفرته التجربة بحد ذاتها لي، أقول نعم. كما ذكرت أنت كان فيلما جديدا علي وتطلب مني الكثير من الصبر. أنت لا تمثل في هذه الأفلام دائما أمام ممثلين، بل تمثل وحدك مدعيا أن باقي الممثلين موجودين، لكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، لأن المساحة التي تقف فيها مشغولة بالكاميرات الخاصة ووراءك الشاشة الخضراء.
*لكن كانت هناك مشاهد كثيرة مشتركة بينك وبين ممثلين فعليين.
- طبعا، لكن ما قصدت قوله هو أن هذه التجربة كانت مثيرة لي. أعتقد أنها كانت مثيرة لكل من شارك التمثيل في ذلك الفيلم.
*هل كنت من مشاهدي هذه السلسلة وأنت صغير؟
- شاهدت أفلام «ستار ترك» وشاهدت أفلام «ستار وورز». كل منهما يختلف عن الآخر، لكنهما بالنسبة لي حملا معا أحلاما بالسفر ليس جغرافيا أو بين الكواكب بالضرورة بل بين الأفكار التي يحملها كل فيلم خصوصا أفلام «ستار ترك».
*هل لديك تفضيل ما بين أفلام تدور في الواقع وأفلام تدور في الخيال البعيد؟
- لا أعتبره تفضيلا. كممثل لا أستطيع أن أصنف الأدوار على هذا النحو براحة. لا أعتقد أن من مهنتي أن أختار بين الفيلم الواقعي في مقابل الفيلم الخيالي. الاختيار يأتي تبعا لعوامل أخرى متعددة.
*كمشاهد إذن؟
- لا أحاول التهرب من الجواب لكن أيضا أحبذ الفيلم الجيد بصرف النظر عن نوعه. هذه الأيام لا أستطيع أن أشاهد كل ما أريد مشاهدته. ليس هناك من وقت.
*بعد ذلك الفيلم لعبت شخصية واقعية بل وحية لا تزال تعيش معنا هي شخصية جوليان أسانج في «السلطة الخامسة». ما رأيك في انتقاده الفيلم على أساس أنه لم يسع لنقل الحقيقة إلى الناس؟
- بالطبع هو حر في رأيه، بل وأعتقد أنه يعلم أن الأفلام المبنية على شخصيات حقيقية أو أحداث حقيقية لا تستطيع الالتزام بالواقع المحدد مهما حاولت. هناك الكثير من ضروريات التغيير. وشخصيته ما زالت حية ويصعب التشبه بها خصوصا وأن الفيلم ليس كوميديا ولا يستطيع أن يقدم ما مر به أسانج كما حدث في الواقع من دون تغيير. لا أعتقد أن هذا هو الهدف من أي فيلم.
*هل تشعر بالعلاقة مع الشخصيات الحقيقية التي تقوم بتمثيلها؟
- نعم. غالبا ما أشعر بوجود هذه الشخصيات. ليس بدنيا بالطبع بل وجدانيا. تشعر بأن الشخص الذي تقوم بتقمصه على الشاشة موجود. يطلب منك أن تهتم به وألا تتحرر من صورته الحقيقية. هذه التجربة كانت رائعة. لست متأكدا الآن متى عارض أسانج الفيلم، لكني أعتقد أنه عبر عن رأيه قبل أن ينتهي الفيلم وليس بعد ذلك، وأتمنى أن يكون شاهد الفيلم عند عرضه وغير رأيه. أعتقد أن الفيلم لم يحاول الابتعاد عن الحقيقة وأنه عامل أسانج بكثير من الاحترام.
*في فيلمك الجديد «لعبة التقليد» تسأل في أحد المشاهد: «هل أنا مجرم؟ هل أنا بطل؟».. هل انطوى السيناريو على إجابة واضحة أو أن هذا ما كنت تشعر به خلال التحضير وخلال التصوير؟
- سؤال مهم. السيناريو يطرح هذا السؤال لكن الفيلم يبلوره أكثر. السيناريو يبحث فيه، على ما أعتقد، من ناحية محددة بالدور الذي قام به عالم الحسابات في عملية فك الرموز الصعبة التي طورها النازيون بنجاح خلال الحرب، كيف سينظر العالم إليه؟ على أساس أنه بطل أم على أساس أنه أخطأ في ممارسة المهنة الموكلة إليه. في الفيلم يجوز اعتبار السؤال مجازيا.
*يجوز أيضا اعتباره سؤالا موجها إلى الجمهور.. كيف ينظر هو إلى هذه الشخصية الفريدة؟
- هذا ما قصدت قوله. صحيح. أعتقد أن الفيلم يطرح السؤال على المشاهدين من جملة أسئلة أخرى.
*ما زلنا نعيش أجواء الحرب العالمية الثانية في الأفلام؟ لماذا في رأيك؟
- ربما لأننا في حروب مستمرة؟ ربما لأننا نقصد أن ننسى ولا ننجح؟ بالتأكيد لأنها كانت حربا قاسية وخالدة.. هل هذه هي الكلمة الصحيحة؟ دائما ما شهد العالم الحروب وعلى نحو متواصل وإلى اليوم؟ لماذا؟ أمر غريب.. تقع الحرب ثم نتابع الحديث فيها.. نخوض حروبا اليوم ونصنع منها أفلاما في المستقبل. أجد هذا غريبا جدا.
*ولدت وحيد والديك. هل أثر ذلك عليك على نحو أو آخر، هل كنت انطوائيا على سبيل المثال؟
- عشت وحيدا بالفعل. لفترة طويلة كنت منطويا لكن ليس على نحو مرض، بل لواقع الحال أكثر منه كاختيار. لا أعتقد أننا نختار كثيرا في مراحل حياتنا المبكرة. الأشياء تزورنا وليس نحن من نزور الأشياء. هي التي تقع لنا. لكن أعتقد أن العجيب هو أنني كنت أحب الوحدة وفي المقابل أحب الاختلاط أيضا.
*بعض أدوارك السابقة بما فيها «نافخ الصفارة» و«حصان حرب» عكست شخصية منفردة في اهتماماتها.
- هذا تبعا للأحداث أكثر منه انعكاسا لشخصيتي. لا رابط هنا بين نشأتي وما أقوم به. لكن نعم بعض شخصياتي تبدو غريبة بعض الشيء.. أقصد أنها بدت هكذا لأنني اليوم لم أعد أمثل مثل هذه الشخصيات. لم تعد تعرض علي.
*في المقابل طبعا لدينا «ذا هوبيت: معركة الجيوش الخمسة».. نوع من الأفلام العملاقة التي لم تعرض عليك من قبل.
- هذا «نوع» مختلف تماما عن كل ما سبقه. طبعا تعلم أنني مثلت الجزء السابق أيضا. كان ذلك جديدا علي. بالمقارنة مع الجزء الجديد يبدو ذلك الفيلم ترفيها عاديا، وتحضيرا لما سيأتي.
*أتصور أنه من الممتع تمثيل فيلم من هذا النوع، إن لم يكن لشيء فلأن الممثل يعرف أنه يحاول أن يكون أغرب من الخيال.. تماما مثل الفيلم.
- كنت اعتقدت أن اشتراكي في «ذا هوبيت: خراب سموغ» هو أعلى ما يمكن لي تمثيله. انتظر لترى الجزء الجديد. تمثيل مثل هذه الأفلام نزهة تقضيها كما لو كنت في مدينة ألعاب. هناك مشاهد تجمعني بكيت (بلانشيت)، لكني لم ألتق بها خلال التصوير كثيرا. هذا بعض ما كنت تتحدث فيه حول التمثيل منفردا في الأستوديو.
*قالت عنك أنك رائع.
- هي ممثلة محترفة ومن سعادتي الكبيرة التعرف عليها.
بنيدكت كمبرباتش في حوار حول السينما بين الواقع والخيال
مهرجان «لندن السينمائي» ينطلق بعرض آخر أفلامه
بيندكت كمبرباتش أتناء حضوره العرض الأول لفيلمه «لعبة التقليد» في مهرجان تورنتو السينمائي الشهر الماضي (أ.ب)
بنيدكت كمبرباتش في حوار حول السينما بين الواقع والخيال
بيندكت كمبرباتش أتناء حضوره العرض الأول لفيلمه «لعبة التقليد» في مهرجان تورنتو السينمائي الشهر الماضي (أ.ب)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

