سنوات السينما: الرحلة الكبرى

الأب وابنه في «الرحلة الكبرى»
الأب وابنه في «الرحلة الكبرى»
TT

سنوات السينما: الرحلة الكبرى

الأب وابنه في «الرحلة الكبرى»
الأب وابنه في «الرحلة الكبرى»

- إخراج: إسماعيل فروخي
- المغرب (2004)
- تقييم: ★ ★ ★ ★

- رحلة في اتجاهين معاً
يطرح فيلم «الرحلة الكبرى»، الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان فنيسيا سنة 2004. اختلاف المفهوم بين الأجيال. في الظاهر هناك أب يريد تأدية فريضة الحج وابن لا يجد لنفسه مكاناً في رغبة أبيه. في العمق هي مسألة علاقة بين جيلين وبين ابن وأبيه ومفهوم مختلف للدين والدنيا خلال رحلة صعبة يكتشف فيها الابن عالماً لم يكن يعرف عنه شيئا. لن يدخله لأنه غريب عنه، لكنه سيفاجأ به وقد يعود من حيث أتى بروح جديدة.
الاختلافات بين الأب وابنه عميقة وهي متوزعة في كل شيء. إنهما أبيض وأسود. ماء ونار. جيلان متباعدان بما تحفل الحياة به من أسباب عديدة. والمخرج فروخي، في فيلمه الأول هذا الذي حققه بمعونة دعم من صندوق «سند» في أبوظبي، يشيد التناقضات ويعمل عليها معظم الوقت من قبل أن يأتي الفصل الأخير ليتوّج المتغيرات الصعبة وليتيح للابن الشاب إدراك أمور كان يجلها لا عن أبيه فقط، بل عن الإسلام ومفهومه أيضاً.
تنطلق الأحداث من باريس حيث الأب المهاجر من المغرب (محمد مجد) لا يزال يعيش على الطريقة التقليدية متمسكا بجذوره وبتعاليم الدين وفروضه. إما الابن (نيقولا غزالي) فلا يفقه منها شيئا. في مطلع الفيلم يقرر الأب السفر إلى الحج ويقرر طريقة السفر: سوف لن يختصر الأيام بساعات عبر الطائرة بل سيقطع المسافة براً لأن في ذلك جهادا وبركة. يقول الأب لابنه إن الأجداد كانوا يقومون بهذه الرحلة على ظهور الجمال، وهو لا يرى مشكلة في أن يقوما بها بالسيارة.
من البداية هي رحلة في اتجاهين متناقضين. واحد يبغي الآخرة والثاني يريد الدنيا لأنه لا يعرف غيرها. وهناك الكثير من المناسبات على هذا الطريق الطويل لتفجير عبوّات التناقض. الأب الذي يرمي هاتف ابنه النقال ويعارض كل لفتة منه لأنه لا يثق به، والابن الذي سيستغل كل فرصة ممكنة للخروج عن تعاليم أبيه، وفي واحدة من تلك الفرص يجد نفسه مسؤولا عن وقوعهما ضحية تركي ضحك عليهما وسرقهما. تستفيد المشاهد الواقعة في الثلث الأول من الفيلم من الطبيعة الخاصة للمناطق الباردة والثلجية التي كانا عليهما المرور بها. بعد ذلك في تركيا، الاستفادة من الطبيعة الخاصة للبلاد تضمحل حيال المتاعب التي تقع لهما حال دخولهما الأراضي التركية. هنا يصل الخلاف بين الأب وابنه إلى الذروة، لكنه يذوب لاحقاً بعدما صار الفيلم جاهزاً لتطوّر درامي أكبر مما سبق. رغم أن هذا التطوّر المنشود لم يقع كما يأمله المشاهد والنهاية كان يمكن لها أن تأتي أفضل مما أتت عليه. على ذلك نوايا الفيلم، ومخرجه، لا غبار عليها، لكن الفرخي شغل نفسه أكثر بالخلافات بحيث منع عن نفسه البحث عن هوية خاصة به. اعتناق خاص لفكرة عوض أن يبقى مجرد كاميرا بين اثنين. يتوقع المرء أن يحدث تطوّر من نوع أن يفهم الابن أباه أكثر، أو أن يقع حادث يظهر شغف الأب بابنه وقبوله به. الطريقة التي انتهى فيها الفيلم لا تحمل أياً من هذا التطور. بل صور غامضة لرحيل شاب عائد من دون أبيه إلى وطنه الوحيد: فرنسا.
بوضع هذه الملاحظات جانبا فإن ما ينجزه الفيلم على صعيد رغبته في تلخيص أزمة الأب مع ابنه والهوة التي تفرق بينهما وتجمعهما معاً يبقى مثيراً للاهتمام والفيلم بأسره وقع، حين إنتاجه، في الزاوية المهمة من بين الأفلام التي أرادت البحث في روح الإسلام وحقيقته.

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.