ما الذي يجعل التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين» يكثف جهوده في الآونة الأخيرة من أجل تثبيت حضوره في مجموعة الدول الإسكندنافية وبنوع خاص في السويد؟... لعل ما تعرضت له جماعة «الإخوان المسلمين» من انتكاسات في الأعوام الماضية في الشرق الأوسط، وفي منطقة الخليج العربي مؤخرا، كما في حال افتضاح شأنها في الكويت، جعل السعي المحموم إلى الخارج أمرا ملحا لا سيما إذا كانت في دول تتوفر فيها الشروط الملائمة لنشوء وارتقاء «الجماعة» مرة أخرى من أجل تحقيق أهدافها التي لم تغب عن عينيها.
منذ أن تأسست «الجماعة» وحتى الساعة، كان في المقدمة وضمن أهدافها، بسط هيمنتها ومقدراتها لا على العالم العربي والإسلامي فقط، بل تصدير دعوتها واكتساب أرض جديدة يوما تلو الآخر إلى حين تتمكن من التحكم في العالم برمته.
ما الذي يدعو لفتح ملف «الإخوان المسلمين» في الدول الإسكندنافية في هذا الوقت؟ المؤكد أن هناك رصدا ومتابعة دقيقين قد جرت بهما المقادير الأشهر القليلة الماضية، هناك، حيث أكدت الخلاصات أن العديد من أفراد جماعة الإخوان والقياديين في «التنظيم الدولي» قد وقر لديهم يقين بأن السويد والدنمارك والنرويج، هي أفضل ثلاث دول يمكن أن يباشروا عليها أنشطتهم وبخاصة بعد التضييق عليهم من قبل الأجهزة الأمنية، في الدول التقليدية التي عاشوا فيها طويلا لا سيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا بدرجة ما.
أضف إلى ذلك أن انحسار تنظيم داعش ومؤيديه أيديولوجيا على الأقل قد كشف أوراق الكثيرين الذين باتوا قولا وفعلا أوراقا محروقة، ويتحتم عليهم الابتعاد والتواري عن المشهد.
عطفا على ذلك فإن الدول الإسكندنافية في هذه الأوقات تبقى الأكثر أمانا من ناحية عدم استطاعة اليمين الأوروبي المتطرف، السيطرة على حكوماتها وهو التيار الذي يعادي جهرا وسرا الوجود الإسلامي على الأراضي الأوروبية.
في دراسة حديثة لـ«وكالة الطوارئ المدنية» في السويد إحدى أهم وزارات الدفاع والتي تقوم بمثابة الاستخبارات على الأرض، نجد خلاصات مفادها أن «الإخوان» يسعون إلى اختراق الوجود الإسلامي في السويد ونشر مفاهيم الجماعة واكتساب أعضاء جدد.
على أن السؤال المطروح في هذا المقام كيف تمكن «الإخوان» من اختراق هيكل الدولة السويدية خلال العقدين الماضيين أي مع أوائل الألفية الجديدة بنوع خاص؟
الجواب يحمله إلينا البرفيسور السويدي ماغنورس نورويل، وعنده أن جماعة «الإخوان» تمكنت على مر السنين من بناء مؤسسات قوية في ذلك البلد الإسكندنافي البعيد بعد أن ضمنت عمليات تمويل من الأموال السويدية العامة، وبعد أن أتقنت فن الاحتيال في هذا البلد منذ سنين طويلة.
أما الباحث السويدي والخبير في شؤون جماعة «الإخوان لمسلمين» لورينزو فيدينو، فيذهب في تحليله لطريقة انتشار الإخوان في السويد، إلى القول بأن جماعة «الإخوان» الأم تعتمد على ثلاث فئات من الكيانات السويدية أعضاء الإخوان أنفسهم، وشبكات الإخوان غير المباشرة، والمنظمات المتأثرة بالإخوان.
ولعل تعميق البحث في مسألة الوجود الإخواني في السويد يقودنا إلى اكتشاف جذور تعود إلى ثلاثة عقود خلت وليس لعقدين فقط، وأنهم عرفوا كيف يتعاطون وإن بذكاء شديد مع مفاتيح الدولة السويدية، وعليه فقد قاموا ببناء هيكل مؤسسي يستخدم بسلاسة «النموذج السويدي» للاستفادة الكاملة من نظام المنح السخي والمساعدات المالية من الخزائن العامة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أنشأت جماعة «الإخوان» منظمات مستقلة ظاهريا لكنها ترتبط بها تشمل شبكات من المدارس والشركات والجمعيات الخيرية وغيرها من الكيانات، كل واحدة تنتمي إلى إحدى الفئات الثلاث المتقدمة، تحصل على تمويلها من دافعي الضرائب.
في هذا الصدد كانت هيئة «الحماية المدنية والتأهب» تصدر تقريرا بعنوان «النشاط الإسلامي في سياق متعدد الثقافات» قام على إعداده أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية السويدي «إيه كارلوم»، من جامعة «مالمو» خلص فيه إلى أن «الإخوان» على أراضي السويد لديهم مهمة راديكالية الطابع ذات خطر على الدولة، ولا ينبغي أن تتلقى أموالا من الأصول الضريبية.
دعا تقرير «كارلوم» إلى فتح العيون على أهم بل وأخطر أربع جمعيات كبرى في السويد على صلة مباشرة بالإخوان وأشهرها «جمعية الإغاثة» و«جمعية بن رشد التعليمية» و«جمعية الشباب السويدي المسلم» و«الرابطة الإسلامية» التي تعد مقرا لـ«الإخوان».
يستدعي الحديث عن هذه الرابطة حديثا مطولا لا سيما بعد أن باتت ملاحقة رسميا من السلطات السويدية متمثلة في جهازي الشرطة والمخابرات، فهي تابعة بشكل كامل «للتنظيم الدولي» والذي ينشط بأذرع متعددة في أوروبا وخصوصا في السويد عبر نشاط اقتصادي مغلف بعمل خيري أو تربوي أو حتى تعليمي وديني وإرشادي، وإن كانت المحصلة النهائية لكافة هذه التنظيمات واحدة أي ملء خزائن التنظيم الدولي لـ«الإخوان» بالأموال، وهي تستوحي قيمها من أفكار المؤسس حسن البنا، ورئيسها يدين بالولاء التام للزعيم الروحي لـ«الإخوان» يوسف القرضاوي.
تزعم الرابطة اليوم أنها تمثل ما لا يقل عن سبعين ألف سويدي مسلم، وهو رقم كبير يكاد يشمل الغالبية العظمى للمسلمين في السويد، وتشكل الرابطة مظلة لعدد من المنظمات السويدية، بما فيها المجلس الإسلامي السويدي، ومسجد ستوكهولم والأصول التابعة له في السويد.
لاحقا تكشف لجهات الأمن السويدية أنهم أمام تشكيلات إخوانية تكاد تكون صورة طبق الأصل من نظيراتها في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، إذ تتألف كل منظمة من المنظمات التابعة لـ«الإخوان» في السويد من مجلس شورى تحت قيادة أمير أو زعيم، ويتكون كل مجلس من اثني عشر شخصا يتناوبون على رئاسته، وينقسم الأعضاء بدورهم إلى وحدات صغيرة تتألف من خمسة أفراد ليشكلوا بذلك أسرة أو عائلة، وتقوم الأسرة بدورها بتنظيم اجتماعات أسبوعية تتخللها مناقشة الأمور الأيديولوجية في البلاد. ويضع تقرير المعهد الأميركي جيتسون السويديين أمام حقائق مخيفة حول ما يجري على أراضيهم من خداع فعلى سبيل المثال لم يكن هناك مشروع لإنشاء مسجد يعد مركزا لـ«الإخوان» في مدينة مالمو، بل مركز للأنشطة الشبابية والأسرية، وحين تم سؤال المسؤول عن البناء المدعو خالد عاصي قال إن الوقف غير تابع لأي مؤسسة، وإن جميع المساهمات المالية تأتي من أفراد المنطقة. فيما الأمر الأكثر إزعاجا أن العديد من أعضاء ما يعرف بـ«الوقف الإسلامي السويدي» ينتمون إلى الجمعية الثقافية الإسلامية السويدية التي ينتمي متحدثها الرسمي عمار دواد إلى طائفة أتباع الإمام الدنماركي أبو لبن، المعروف بصلاته بعناصر جهادية وبتحريضه للعالم الإسلامي ضد الدنمارك، وقد وصف أبو لبن ذات مرة «سيد قطب» منظر جماعة الإخوان المسلمين الأشهر بأنه مثله الأعلى.
ولعل خلاصة التقارير السويدية عن حالة «الإخوان المسلمين» في البلاد يمكن إجمالها في أن الجماعة تسعى في الداخل إلى بناء وخلق مجتمع مواز بمساعدة النخب السياسية التي تدعم سياسات الصمت على أنشطة هذه المجموعة الأصولية غير البريئة، وأن هذه الجماعة تبني كيانا موازيا في هذه الدولة الإسكندنافية، يمتد ليتصل ببقية الإخوان في الدنمارك والنرويج، كما أن هناك حالة جهل عام في صفوف السياسيين السويديين بشأن المجموعات المنتسبة إلى جماعة الإخوان، وبشأن مفهوم الإسلام السياسي ككل، وقد حان الوقت للاعتراف بالمشاكل المتجذرة المنبثقة عن وصول الجماعة إلى المال العام دون قيود، ولا بد من تحقيق رقابة على الأفراد الذين يديرون منظمات قد تكون بديلا عن اللبنات الأساسية للمجتمع.
ولعله من المؤكد أن الحديث عن التمدد «الإخواني» في الدول الإسكندنافية لا يستقيم بدون الحديث عن ذلك الوجود في النرويج وكذا الدنمارك.
يستلفت النظر في النرويج بداية وجود الرابطة الإسلامية الموازية لنظيرتها في السويد، والتي لها مسجد مستقل هو «مسجد الرابطة» في العاصمة النرويجية أوسلو، ويديره بعض الأشخاص وثيقو الصلة بالمرشد الروحي لـ«الإخوان» يوسف القرضاوي.
يستغل إخوان النرويج بنفس العقلية مؤسسات الدولة النرويجية التي تسبغ حرصها ودعمها للأقليات، وعليه يحصلون من الدولة على دعم مالي يستخدم في خدمة الأغراض الإخوانية، وخلال إجراء النيابة النرويجية التحقيقات حول نشاط خلية مايكل داود المتهم بتفجير صحيفة جيلاندز بوست الدنماركية ورد ذكر اسم مسجد الرابطة، فقد كان داود، وهو نرويجي من أصل صيني تحول إلى الإسلام عقب زواجه من امرأة مسلمة من أصول مغربية يتردد بشكل مستمر على المسجد قبل سفره إلى دول عربية حيث تواصل مع تنظيم «القاعدة»، وأشار إلى أنه أثناء قيادة الإخواني الأردني إبراهيم الكيلاني لـ«الرابطة الإسلامية» عام 2006 توسعت المؤسسة الإخوانية في أنشطتها الاجتماعية ونظمت فعاليات ومؤتمرات اشترك فيها قادة من الجماعة.
ماذا عن الدنمارك؟ الشاهد أن بعض التقارير الإعلامية الغربية تحدثت مؤخرا عن العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، فوصفتها بأنها «مغارة الحمدين» في إشارة لا تخطئها العين لما تقوم به قطر منذ عام 2000 في نشر رؤاها الأصولية من خلال الجماعات الإخوانية المنتشرة هناك.
منذ عقدين أسست قطر ما يعرف بـ«المجلس الإسلامي الدنماركي»، لتجعل منه صندوقا لتمويل تيارات متطرفة وفلول جماعة الإخوان الفارين من الدول العربية وحصالة لجمع الأموال وتوزيعها على قياديين في جماعات وتنظيمات وتيارات مشبوهة داخل أوروبا.
ولعل ما كشف حقيقة الدور المزعج لذلك المجلس قضية اختلاس بعض أعضائه لمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات، مما جعل أجهزة الاستخبارات الدنماركية تتساءل من أين تحصلوا على تلك الأموال؟ وفيم أنفقوها؟
وفي كل الأحوال يتكشف للدنماركيين والحديث على لسان هنريك يرني عضو اللجنة القانونية بالحزب الديمقراطي الاجتماعي أنه منذ عام 2010 تدفقت الأموال القطرية بالملايين على المركز المعروف باسم المجلس الإسلامي، وما أثار المخاوف هو أن تبرعات المسلمين في الدنمارك ومساعدات الدولة تكفي لبناء هذ المسجد وأكثر، وعليه فلماذا المزيد من ملايين قطر تلك التي يقوم بنقلها مسؤولون كبار في قطر.
ويبقى السؤال قبل الانصراف: هل يتحتم على الدول الإسكندنافية التيقظ اليوم لما يحاك لها ويجري على أراضيها؟