كانت ساجا بيغوم تطهو العشاء عندما دخل ابنها المطبخ وعلى وجهه نظرة ذعر، وقال: «أمي لقد عضني ثعبان. سأموت». لم تتمكن بيغوم من الاتصال بالطوارئ لطلب سيارة إسعاف، فقد أغلقت الحكومة الهندية شبكة الهاتف المحمول في كشمير. في تلك اللحظة، بدأ الذعر ينتاب بيغوم وبدأت ملحمة استمرت 16 ساعة للحصول على لقاح يمكنه إنقاذ ابنها البالغ 22 عاماً.
في الوقت الذي بدأت قدمه في الانتفاخ وأوشك على فقدان الوعي، انطلقت بيغوم في مغامرة البحث عن علاج عبر مجموعة من الشوارع المغلقة ونقاط التفتيش الأمني والهواتف المعطلة والأطباء غير القادرين على الإسعاف.
بعد شهرين من إلغاء الحكومة الهندية الحكم الذاتي لكشمير وفرض إجراءات أمنية صارمة عبر وادي كشمير، يقول أطباء ومرضى هنا إن هذه الحملة تسببت في إهدار الكثير من الأرواح، الأمر الذي يعود في معظمه إلى عملية قطع اتصالات فرضتها الحكومة، بينها قطع الإنترنت.
فقد عجز مرضى السرطان الذين كانوا يشترون أدويتهم عبر الإنترنت عن شراء الأدوية. ومن دون خدمة الهاتف المحمول، ليس باستطاعة الأطباء الحديث بعضهم إلى بعض والعثور على اختصاصيين أو الحصول على معلومات حيوية تعينهم في مواقف الطوارئ. ونظراً لأن غالبية أبناء كشمير ليست لديهم خطوط هواتف أرضية في منازلهم، لم يعد بمقدورهم طلب العون.
وقال سادات، وهو طبيب بأحد مستشفيات كشمير لم يرغب في كشف اسمه كاملاً، خوفاً من التعرض لانتقام: «توفي على الأقل 12 مريضاً بسبب عجزهم عن طلب سيارة إسعاف أو عدم مقدرتهم على الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب».
واتهم كثيرٌ من الأطباء الذين التقيناهم، قوات الأمن بالتورط في مضايقة وتهديد العاملين بالمجال الطبي على نحو مباشر. من جانبهم، رفض مسؤولون هنود هذه الاتهامات، وقالوا إن المستشفيات تعمل على نحو طبيعي، حتى في ظل القيود المفروضة بالإقليم، وإنه جرى منح العاملين بمجال الرعاية الصحية ومرضى الطوارئ تصاريح مرور للسماح لهم بالتنقل عبر نقاط التفتيش.
وقال روهيت كانسال، مسؤول حكومي: «لم يمت أي شخص بسبب القيود. لقد أنقذنا عدداً من الأرواح أكثر عن تلك التي فقدناها». إلا أن العديد من مسؤولي الصحة، بناءً على سجلات المستشفيات، قدّروا أن المئات تُركوا في حالة صحية طارئة وخطيرة دون سيارات إسعاف، وأن الكثيرين ماتوا جراء ذلك ومشكلات أخرى في الاتصالات، لكن لا توجد بيانات مجمعة بصورة مركزية.
وقال راماني أتكوري، أحد الأطباء الهنود الـ12 الذين وقّعوا خطاباً يحث الحكومة الهندية على رفع القيود المفروضة على كشمير: «لقد مات البعض بسبب عجزهم عن الوصول إلى هاتف أو الاتصال لطلب سيارة إسعاف».
وكانت هناك مجموعة عبر تطبيق «واتساب» تحمل اسم «مبادرة أنقذوا قلب»، وعاونت في إنقاذ أكثر عن 13 ألف مريض قلب، وجرى الاحتفاء بها في وسائل الإعلام الهندية باعتبارها قصة نجاح كشميرية. وعبر المجموعة، كان المئات من الأطباء الكشميريين، بل وفي الولايات المتحدة، يتولون رفع رسوم للقلب ومعلومات حيوية أخرى، ثم الحصول على مشورات قادرة على إنقاذ الحياة بعضهم من بعض.
إلا أنه بسبب انقطاع الإنترنت عن كشمير، لم يعد بإمكان الأطباء هناك الاستفادة من هذه المجموعة. وقال أطباء في مستشفى «سري ماهراجا هاريسنغ» في سريناغار، كبرى مدن كشمير، إن أعداد الجراحات تراجع بنسبة 50% خلال الشهرين الأخيرين بسبب هذه القيود، وكذلك بسبب نقص الأدوية. وقال الكثير من الأطباء الشباب إن عملهم تعرض لعراقيل عدة بسبب انقطاع خدمة الجوال، وإنهم عندما يكونون في حاجة إلى مساعدة أطباء كبار، يهدرون وقتاً ثميناً في الجري عبر أروقة المستشفى بحثاً عنهم.
أمام أسرة بيغوم، تحول الوقت إلى العدو الأول. ففي 13 أغسطس (آب)، كان ابنها أمير فاروق دار، طالب أغلقت كليته أبوابها منذ مطلع أغسطس، يرعى أغنام تملكها الأسرة قرب مدينة بارامولا عندما تعرض للعض من ثعبان سام.
وتؤدي عضة هذا الثعبان إلى الوفاة إلا إذا حُقن المصاب بـ«بوليفالنت»، مصل مضاد للسموم، خلال الساعات الست الأولى بعد التعرض للعض. ولفّت بيغوم حبلاً حول ساق ابنها، على أمل أن يسهم ذلك في بطء سريان السم بالجسد. وبعد ذلك، انطلقت في جري محموم بينما كان ابنها يتكئ عليها باتجاه مركز الصحة العامة بالقرية، والذي عادةً ما يخزّن لديه هذا المضاد، لكنهما وجدا المركز مغلقاً.
وصرخت بيغوم طلباً للمساعدة وتوسلت أن يوصلها أحد بسيارة إلى مستشفى ضاحية بارامولا، لكن الأطباء هناك عجزوا عن المساعدة لأنه لم يكن لديهم المضاد. إلا أنهم استعانوا بسيارة إسعاف لنقل الشاب المصاب إلى مستشفى في سريناغار.
وعلى امتداد الطريق، أوقف جنود سيارة الإسعاف عدة مرات، بينما بدأ دار يغمض عينيه ببطء. وأخبر والدته وهو في حالة أقرب إلى فقدان الوعي أنه لم يعد يشعر بساقه اليمنى. ومرت ساعتان على الأقل على هذه الحال حتى وصوله إلى المستشفى.
كانت الحكومة الهندية قد أقدمت على نحو انفرادي في 5 أغسطس، على إلغاء حالة الاستقلال الذاتي الخاصة التي تتسم بها كشمير التي ظلت قائمة منذ أكثر من 70 عاماً، وأعلنت أن كشمير أصبحت ولاية هندية على نحو كامل.
وقبيل صدور الإعلان بساعات، فرض مسؤولون هنود حزمة من الإجراءات الأمنية القاسية منها قطع الإنترنت وخدمات المحمول وسجن آلاف القيادات السياسية الكشميرية والأكاديميين والنشطاء.
ورغم تخفيف حدة بعض القيود بمرور الوقت وعودة بعض الخطوط الهاتفية الأرضية للعمل، يشكو الكثير من الكشميريين من أن حياتهم تعرضت للشلل.
- خدمة «نيويورك تايمز»
كشميريون في سباق مع الموت وسط تفاقم أزمة الصحة
الإجراءات الهندية عطّلت سبل طلب الإسعاف
كشميريون في سباق مع الموت وسط تفاقم أزمة الصحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة