سارة العسكر مدونة رأت كيف يصير الطهو شِعراً

في جولاتها بين المدن والبيوت العربية القديمة

المدونة الكويتية سارة العسكر
المدونة الكويتية سارة العسكر
TT

سارة العسكر مدونة رأت كيف يصير الطهو شِعراً

المدونة الكويتية سارة العسكر
المدونة الكويتية سارة العسكر

تفيض ذاكرة المدن من رأس الشابة الكويتية سارة العسكر وكل نبضة قلب بداخلها تقول: «لا تنسَ جذورك»، شغفها بالتراث العربي يحركها نحو توثيق جماليات البيوت العربية باحثة عن تفاصيل خبيئة ما زالت تتمسك بها القرى السعيدة وفقاً لتسميتها، تلك التي تغتسل بالشمس وتتزين بأشجار الرمان والتين وتتعطر بالياسمين والخزامى.
الطعام أحد التفاصيل الرائعة لهذه البيوت المليئة بالحب والضوء والزرع، بحسب وصفها.
في لبنان تغريها صباحات الجبل لتجد أكثر الأطباق النباتية دلالاً، وفي تونس تستلذ بطعم القهوة العربية المزهرة وأطباقهم الغرائبية المقترنة بـ«الهريسة والتن»، فيما تستأنس بمذاق «حلوى البامبلوني» الفطيرة الشعبية الهشة، ويندهش أهل المدن التي تسافر إليها عندما تتأمل وتتحسس لوزاً طازجاً أو زهر برتقال متفتحاً، وكلما وطئت قدمها سوريا تذكرت ما قالته زوجة ضابط فرنسي حين زارته أثناء الاستعمار: «فهمتُ الآن سر اهتمامك بهذه البلاد، السر موجود في طعامهم».
وفي إيطاليا، عاشت أحلى أيام حياتها حين تجولت بين بساتين الليمون لتخوض تجربة طهي أطباق إيطالية تقليدية بروح ليمون ساحل أمالفي الذي جلب الفرح لأهل المدينة، ليمون بمذاق «لاسع» يبقى على اللسان طويلاً، ضاربة عصفورين بحجر حين ارتحلت في ذاكرة عائلة إيطالية على مدى سبعة أجيال ربطتها علاقة حميمة مع هذه الشجرة الراسخة التي جاءوا ببذورها من مدينة القدس أثناء الحملات الصليبية... وقائمة البلاد التي دق لها فؤاد سارة تطول.
ولدتُ في عائلة تقدس الموائد، بين جدتين بارعتين في تحضير الأكلات العربية، ليمتلئ الطعام بين أيديهن المباركة بالحنان، حتى إن أمهات العائلة أيضاً، تعلمن منهن أسرار الوصفات، تبِعاً للحفيدة.
تقول بابتسامة نقية: «ما زالت تأسرني المائدة الطويلة التي تفرشها لنا جدتي في موعد الغداء كل يوم، وعندما نسافر مع العائلة الكبيرة كل صيف ونجتمع في الشقة التي تستأجرها. أصناف كثيرة تحضرها الجدة وفقاً لخيرات الموسم، فتقطف أوراق العنب لأجل طبق (الدولمة) الشهي، وحبات البامية الطازجة ليخنة البامية باللحم، أما جدتي لأمي فيحلو لها في الأعياد تحضير وصفات تراثية مثل (مجبوس الدجاج)، وأرز البسمتي (النثري) بالزعفران، فتطهوه بعناية وتدلـله بـ(الحشو) المكون من الحمص والكشمش والبصل المكرمل».
- وصفات على هيئة قصائد
تشهد صفحة سارة على «إنستغرام» المعنونة بـ«مُتحف الذاكرة» متابعة جيدة، هي التي زارت المدن العربية، ولمست الدفء والترحاب وإكرام الضيف؛ وهذا ما لم تجده في أي ثقافة أخرى.
وتحكي بحماس لـ«الشرق الأوسط» أن الطعام وجه آخر للأرض والتاريخ والعادات الاجتماعية، يكشف أذواق الشعوب وطريقتها في مزج النكهات، معبرة عن إعجابها بروح العربي الذي يُكرم الضيف بكل ما يملك ولو كان مُعسراً، قائلة في ذلك: «المائدة في الثقافة العربية تعني الكرم واللذة والتواصل بين أفراد العائلة الواحدة كل يوم، وكل أسبوعٍ على مستوى العائلة الممتدة، ضمن فكرة (الزوارة) في الخليج، أو (جَمعة العيلة) في البلدان العربية الأخرى».
وتسافر سارة ما بين أربع إلى ست مرات كل عام، تجوب المدن وتلتقط صوراً أخاذة لبيوتها العتيقة، تتحدث عن دافعها نحو سياحة من هذا النوع بالقول: «وجدت هوة عميقة بين جيلي والمدن العربية. ولدنا والحرب، لا نعرف من تراث وطننا العربي شيئاً. كل منكفئ على تراثه أو منفتح على تراث الشعوب الأخرى، بدأت في هذا الطريق لصياغة هويتي العربية بالسفر والتعرف والتقرب من أرضنا ووجدت ثراء وغنى يغيبان عنّا».
وعن التفاعل مع هذا الطراز من المحتوى تشير إلى أنها كلما عرضت صورة أو كتبت نصاً يتناول جانباً من التراث العربي، أتت الردود مذهولة من جماليات تلك المدن وثقافتها العريقة، وتتابع حديثها بالقول: «صار ذلك هاجسي؛ أن أوثق تراثنا واستعرضه وأقرّبه إلى أبناء جيلي. أن أقول: التفتوا إلى أرضنا، تعرَّفوا على قيمنا الرائعة ومخزوننا المعماري والفني العميق، وأطباقنا الشهية وتقاليدنا التي تستقي منها الشعوب مذاقها وسحرها».
«ما الذي أدهشك وأنت تقعين في كل مرة على معلومات جذابة تتصل بعادات الطهي؟»، تجيبني عن سؤالي: «علاقة الشعوب بالأرض. انتماؤها للطبيعة وما تنتجه من خيرات وابتكار طرائق متعددة تحيلها إلى وصفات على هيئة قصائد، كل موسم له خيراته وأطباقه وطرق احتفاله، حتى إن ثمة أغنيات ترافق المواسم؛ ففي موسم الزيتون تجتمع العائلات في مدن البحر الأبيض المتوسط للاحتفال بحصاد السنة. الأب والأم والأبناء، بين القطف والغسل وتجريح حبات الزيتون، لعصره وتخليله. يغنون ويأنسون بحلول الخريف ويتفاخرون بإنتاج أرضهم».
- طناجر الأمهات
للحظة يود المرء أن يشارك السيدة الكويتية متعة تذوق الكرابيج «أصابع الفستق الحلبي» مع صلصة كريمية محضرة من زهرة عشبة الناطف؛ إذ يُخيل لها حين تناولها أنها تُغمس في غيمة.
تخبرنا سارة بحب عن نساء قابلتهن يتمتعن بحساسية مرهفة؛ واحدة منهن المزارعة اللبنانية ريما مسعود التي قصدت منزلها في ضيعة الرملية بقضاء الشوف، لتحضير المونة التقليدية في موسم الورد الجوري. تبتسم حين تصفها: «قطفنا الورد، وقطرناه وحضرنا زجاجات المربى الطازجة. أحسستُ أثناء مرافقتها في هذا اليوم أنها شاعرة بالفطرة، لديها عناية مرهفة بالتفاصيل، ومحبة وامتنان لعطاء الله في أرضها؛ حقاً الطهو يمكنه أن يصير شِعراً كلما نبع من شغف وشكر».
وعن ملاحظاتها التي تسجلها بخصوص الحالة النشطة لتوثيق تراث الطعام العربي، تبدي ارتياحها إزاء هذه المحاولات وعلى وجه الخصوص من قِبل الطهاة الفلسطينيين، موضحة رأيها: «الطعام لديهم ليس مجرد تراثٍ جميل، بل فعل مقاومة للمحتل الذي ينسِب له أطباق التراث الفلسطيني بكل وقاحة، مثل خبز الطابون والمسخن الفلسطيني، وينشرون كتب الطبخ ويسمون الأطباق (حمصاً إسرائيليّاً، فلافل إسرائيلية... إلخ)، وحتى في مطاعم متوسطية في أوروبا - صادفتها أثناء السفر - يفعلون مثل ذلك. أتذكر أنني في كل مرة وقبل أن أترك المطعم الذي ينشر تلك الأكاذيب، أسأل النادل: (ماذا يعني حمص إسرائيلي؟)، يستفيض في الإجابة، فأصحح له: (من تكون إسرائيل؟! تقصد حمصاً فلسطينيّاً!».
ومن التجارب الناجحة التي تثمنها بشدة الصنيع النبيل للبناني كمال مزوق، الذي انطلق بشعار «اصنعوا الطعام، اتركوا الحرب»، من خلال محاولته تجاوز الصراعات الطائفية في بلده عبر مشاركة مسرات البيوت اللبنانية.
عن لبنان التي تأسرها فيها «السَجرة والحئلة» بحسب لهجة أهل الضيعة؛ تحدثنا سارة بحرارة: «البلد الممزق يمكنه أن يجتمع على طاولة واحدة ليستذكر أعذب ذكريات الحب وهو يتناول طبق التبولة بعد غمس الخبز اللبناني فيه وتناوله وفقاً لتقاليد ضِيعه المختلفة، لقد حمل كمال حلمه لكل (الضيع اللبنانية) وبشر بالسلام الذي يمنحه الطعام في المجتمعات، والدفء الذي تفيض به البيوت التقليدية. أخرج (طناجر الأمهات) وهي تغلي بفعل الحب من البيوت إلى ساحات القرى و(الضيع اللبنانية) ضمن مهرجانات الطعام الموسمية. كل أم تستعرض طبختها في المهرجان، والفائزة في الدورة تنال حظها بتقديم المزيد في الدورة المقبلة، ما بين مهرجان التبولة ومهرجان الكبة الزحلاوية، والمازة اللبنانية. حيث يجتمع الأهالي ويحتفلون بالطعام وفقاً لتقاليدهم الغذائية، وهكذا أصبح الطعام سبيلاً لإقامة الاحتفالات المستمرة على طول خريطة لبنان».
وفي رحلتها، تتوقف قليلاً عند مطعم «بيت ستي» في عمان، حيث فتحت الحفيدة ماريا حداد بيت جدتها مدفوعة بالحنين لأطباق الطعام التي أثثت بها «ستها» ذاكرتهم. ومن بين ما أثار إعجابها تذكر: «تحن ماريا لطبق (الباشا وعساكره) و(المقلوبة)، والكبة التي كان الأحفاد يتشاركون تحضيرها مع جدتهم. فقامت بإحياء البيت بالطريقة ذاتها التي تتواصل فيها جدتهم معهم. بيتٌ يتشارك فيه الضيف مع أصحاب البيت تحضير موائد الغداء والعشاء، مع كثير من ذكرياتهم العذبة».


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».