تحذيرات من أخطاء «الاختبارات الجينية المنزلية»

دعوات لإخضاع أجهزتها لضوابط طبية صارمة

تحذيرات من أخطاء «الاختبارات الجينية المنزلية»
TT

تحذيرات من أخطاء «الاختبارات الجينية المنزلية»

تحذيرات من أخطاء «الاختبارات الجينية المنزلية»

دعا كبار الأطباء البريطانيين إلى اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الاختبارات الجينية التي تُجرى منزليا بعد أن تم إبلاغ الكثير من المرضى أنهم يحملون طفرات خطيرة مرتبطة بالسرطان وغيرها من النتائج الخطيرة.
وقد أبلغ الكثير من النساء خطأ من قبل الشركات المصنعة لأجهزة الاختبارات، بأن لديهن جينات BRCA1 وBRCA2 التي تنقل مخاطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض. ويحذر الأطباء من أن النتائج الخاطئة تشكل عبئا متزايدا على العيادات والمستشفيات البريطانية.

- نتائج جينية خاطئة
تقول أنيكي لوكسان عالمة الوراثة السريرية بجامعة ساوثهامبتون ورئيسة الجمعية البريطانية للطب الوراثي في بحثها المنشور عام 2019 في مجلة العلوم السريرية إنه في حالة الجينات BRCA غالبا ما تكون نتائج الفحص خاطئة أكثر مما تكون صائبة، وإن هيئة الصحة الوطنية البريطانية غاضبة بشكل كبير من هذه النتائج. وتضيف أنه «أمر مرعب» أن إحدى المريضات - وربما أخريات - خططت لجراحة ثدي لا رجعة فيها على أساس نتائج معيبة. وتضيف «أنا لا أدعو إلى حظر هذه الاختبارات لكنها تحتاج إلى المزيد من التنظيم القانوني» وقد اكتسبت اختبارات الوراثة التي تقدم نظرة ثاقبة عن الصحة والأصل، زخما كبيرا في السنوات الماضية، حيث يعتقد أن مئات الآلاف من الأشخاص في المملكة المتحدة قد خضعوا للاختبارات. وأشهر اختبارات الأنساب هي: 23 آند مي 23 andMe وأنسستري دي.إن.إيه. AncestryDNA. والأول هو اختبار معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية يكتشف بشكل موثوق ثلاثة طفرات معينة في جينات BRCA. إلا أن المشكلة هي أن تقنية الرقائق المستخدمة من قبل 23 آند مي وأنسستري دي إن إيه ليست مصممة لإعطاء نتائج دقيقة للطفرات الجينية النادرة، مثل تلك التي توفرها الشركات الأخرى مثل برومثيز Promethease ولايف ويلّو LiveWello. ورغم أن هذه الشركات عادة ما تنص على أنه لا ينبغي التعامل مع أي نتائج على أنها تشخيص طبي فإن الزبائن وحتى الأطباء قد يكونون غير مدركين لمدى عدم موثوقية هذه النتائج.

- مخاوف طبية
وجدت التحليلات الحديثة لشريحة الحامض النووي في أجهزة الاختبار المسوقة تجارياً أن النتائج كانت صحيحة بنسبة 17 في المائة فقط من الوقت، عندما تم الكشف عن طفرة مرضية نادرة في BRCA من النوع الذي يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض. كما تبين أيضا أن الاختبار يفشل في الكشف عن نصف المصابات بطفرات BRCA الفعلية. وفي مجموعة بيانات تضم ما يقرب من 50 ألف شخص أثيرت مخاوف من أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لسرطان الثدي فعلا، يمكنهم أن يطمئنوا من نتائج سلبية خاطئة.
وقالت كارولين رايت الباحثة في علم الجينات من جامعة إكستر في المملكة المتحدة إن تقنية الرقائق المستخدمة في التنميط الجيني من قبل بعض الشركات ليست مصممة في الأساس للكشف عن الطفرات النادرة. من جهته وردا على الأسئلة قال كوام أويغبو الرئيس التنفيذي لشركة لايفويللو التي تقوم بإجراء التحليلات الثانوية لبيانات الحامض النووي إن الشركة لا تنبه الزبائن إلى مخاطر النتائج السلبية أو الإيجابية الكاذبة لأنها «صفات الاختبارات التشخيصية»، وإن الشركة لا توفر أي اختبار تشخيصي.

- جدوى الاختبارات
وفي العادة فإن تلك الاختبارات من السهل إجراؤها بالمنزل، لأنها مرتبطة بتجميع عينات من أشخاص في المنزل ثم ملء استبيانات قصيرة وأساسية ونشر كامل البيانات ومن ثم التسجيل بمواقع تفاعلية لضمان سرية النتائج. ومع بدء اتضاح الأمور، قد يُنصَح هؤلاء الأشخاص بضرورة استشارة الأطباء بالطريقة العادية. ورغم التأكيد على جدوى وأهمية تلك المعدات من الناحيتين العلمية والطبية، فإن الخبراء يشيرون إلى تداعياتها من الناحية الأخلاقية وكذلك مدى جاهزية الأشخاص لتقبل وتفهم ما قد تكشفه لهم تلك المعدات من نتائج قد تحمل في طياتها بعض الأخبار السيئة لحالاتهم الصحية وما قد ينتابهم من ذعر وارتباك وقلق.
وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أجازت منذ مطلع عام 2017 بيع نسخ محدودة من أطقم اختبارات الحامض النووي المنزلي الذي يمكن للمستخدم اختباره والاعتماد على النتائج التي تقدمها الشركة المسؤولة عن بيعه، والتي تقدم أغلبها نتائج مسح تشير إلى مستقبل الإصابة بأمراض مثل ألزهايمر وباركنسون.
إلا أن جيمس واتسون مؤلف كتاب «الحامض النووي دي إن إيه قصة الثورة الجينية» حذر من هوس شراء هذه الأجهزة المنزلية، مؤكداً أنها ستثير هلع الكثيرين، وقال: «حتى إذا جاءت العينة إيجابية، فهذا لا يعني حتمية إصابة المستخدم بألزهايمر أو غيره، فحتى اليوم لم يتمكن علم الوراثة من الكشف عن كل أسرار الجينوم وما يخبرنا به، فبعض الجينات المرتبطة بأمراض معينة ليست هي الوحيدة المتسببة في الإصابة به». وأضاف أن نتائج تحليل الجينات المنزلية تتيح فقط الحصول على القواسم المشتركة للحامض النووي بين الأصول العرقية والإثنية المختلفة، فربما يكتشف شخص ما انحداره من أصول أوروبية أو أفريقية أو آسيوية.

- استنزاف الخدمات الصحية
انتقل اختبار الحامض النووي في المنزل من يد المتخصصين إلى طريقة بسيطة لرسم شجرة العائلة، إذ يمكن استخدام مجموعة اختبار الحامض النووي للبحث عن السلف أو الأصل العائلي وتحديد الأبوة. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، أصبحت أسعارها معقولة جداً. ويستطيع المستخدم أن يتعلم الكثير من اختبار الحامض النووي، بالإضافة إلى تعميق فهمه لأسلافه، ما يساعده في التعرف على أقاربه في جميع أنحاء العالم أو تلقي الضوء على استعداده لقضايا صحية وأمراض محددة.
وتقول مارغريت مكارتني، وهي طبيبة ومؤلفة كتاب «مفارقة المريض» إن هناك مشكلة أساسية بالنسبة لمعدات الاختبارات الجينية المنزلية في حد ذاتها، وأضافت: «ما أخشاه هو أن تُطرَح أعداد متزايدة من تلك الاختبارات، وأن يتم إقناع الأشخاص بضرورة إجرائها، وأن يتحصلوا في الأخير على نتائج غالباً ما تكون بلا قيمة ويكون مشكوكاً في جدواها». وغالباً ما يُطلَب من الأشخاص استشارة أطبائهم، وهو ما يضع ضغوطاً مباشرة على هيئة الخدمة الصحية الوطنية البريطانية من دون أي تكلفة على الشركة المطورة للاختبار.
والمشكلة هي أن الشركات التي تطور الاختبارات تحقق الأرباح ثم تختفي وبعدها تترك هيئة الخدمة الصحية الوطنية تتعامل مع كل التداعيات التي تنتج عن تلك الاختبارات.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟
TT

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

قلبت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة «كولومبيا» في الولايات المتحدة مبدأ من مبادئ علم الوراثة رأساً على عقب، وكشفت عن السبب وراء عدم ظهور أي أعراض على بعض الأشخاص الذين يحملون جينات مسببة للأمراض. وقد كشفت الدراسة عن آلية رائدة تفسر لماذا يعاني الأفراد الذين لديهم طفرات جينية متطابقة غالباً من نتائج صحية مختلفة تماماً.

ويلقي هذا الاكتشاف الضوء على أسئلة قديمة حول التنوع الجيني، ويقدم طرقاً واعدة لتطوير التشخيص والعلاج. وقد حيّرت هذه الأسئلة العلماء والأطباء لعقود من الزمن، ماذا يحدث عندما تميل الخلايا أكثر نحو جينات أحد الوالدين أكثر من الآخر؟ ولماذا يظل بعض الأفراد الذين يرثون الطفرات الجينية المسببة للأمراض من والديهم غير متأثرين بينما يعاني آخرون من الطفرة نفسها من أعراض منهكة؟

قد تقدم للدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة «Nature» في 1 يناير (كانون الثاني) 2025، بقيادة دوسان بوجونوفيتش بمركز «كولومبيا للأخطاء الوراثية في المناعة» بكلية «فاجيلوس للأطباء والجراحين»، جامعة «كولومبيا» بنيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، وآخرين، بعض الإجابات.

اختيار جين الأب أو الأم

باستثناء الحيوانات المنوية والبويضات، فإن جميع خلايا الجسم الأخرى تحتوي على نسختين من كل جين: نسخة موروثة من كل من الوالدين. وكان من المفترض أن النسختين تلعبان دوراً متساوياً في وظيفة الخلية، إلا أن الأبحاث في السنوات الأخيرة أظهرت أن هذا ليس الحاصل دائماً، فقد تظهر بعض الخلايا تحيزاً، فتقوم بشكل انتقائي بتعطيل نسخة أحد الوالدين من الجين، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة المعروفة باسم التعبير الأحادي الأليل MAE monoallelic expression تم تحديدها لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، فإن قدرتها على التأثير على نتائج المرض لم تظهر إلا مؤخراً.

ماذا يعني تعبير الأحادي الأليل؟ كان يُعتقد تقليدياً أن نسختي الجين، واحدة من كل والد، نشطتان بشكل متساوٍ في الخلية. ومع ذلك يحدث التعبير الأحادي الأليل عندما تقوم الخلية بتنشيط نسخة أحد الوالدين من الجين بشكل انتقائي بينما تسكت الأخرى. وهذا التعبير الانتقائي يؤثر على ما يقرب من 5 في المائة من الجينات في الخلايا المناعية، ويختلف حسب نوع الخلية، ويمكن أن يتغير بمرور الوقت. وتقدم هذه الظاهرة تبايناً غير متوقع في كيفية ظهور المعلومات الجينية في الصحة والمرض.

وبناء على ما قاله دوسان بوجونوفيتش سنرى في كثير من الأمراض أن 90 في المائة من الأشخاص الذين يحملون طفرة هم مرضى، لكن 10 في المائة ممن يحملون الطفرة لا يمرضون على الإطلاق. وباستخدام فريق دولي من المتعاونين نظر الباحثون إلى عائلات كثيرة تعاني من اضطرابات وراثية مختلفة تؤثر على أنظمتها المناعية، في كل حالة كانت النسخة المسببة للمرض أكثر عُرضة للنشاط لدى المرضى وقمعها لدى الأقارب الأصحاء الذين ورثوا الجينات نفسها.

ويعد هذا الاكتشاف ذا أهمية، خاصة فيما يتعلق بالأخطاء الخلقية في المناعة inborn errors of immunity (IEIs) وهي مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تؤثر على الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى قابلية الإصابة بالعدوى، وأمراض المناعة الذاتية، والالتهابات، والحساسية، والسرطان.

ومع وجود أكثر من 450 جيناً مرتبطاً بالأخطاء الخلقية في المناعة، يختلف طيف الأعراض وشدتها على نطاق واسع، حتى بين الأفراد الذين يحملون الطفرة الجينية نفسها. وعادة ما تُعد الأخطاء الخلقية في المناعة أمراضاً أحادية الجين وناجمة عن طفرة جينية واحدة.

ومن الناحية النظرية، يجب أن يؤدي وجود طفرة إلى نتائج يمكن التنبؤ بها، ومع ذلك في الممارسة العملية يظل بعض الحاملين من دون أعراض، بينما يعاني آخرون من حالات تهدد الحياة، كما يساعد فهم كيفية تأثير التعبير الأحادي الأليل على الأخطاء الخلقية في المناعة في تفسير سبب اختلاف هذه الاضطرابات من شخص لآخر.

أخطاء المناعة الخلقية

تركز الدراسة على الأخطاء الوراثية في المناعة، وهي اضطرابات وراثية تؤثر على الجهاز المناعي. وعلى الرغم من كونها أحادية الجين (ناجمة عن طفرات في جين واحد)، فإن الأفراد المصابين بأخطاء المناعة الخلقية غالباً ما يعانون من مجموعة واسعة من الأعراض من الخفيفة إلى المهددة للحياة. كما تؤثر أخطاء المناعة الخلقية على كيفية التعبير عن جينات معينة مرتبطة بالمناعة، مثل جينات STAT1 وCARD11، فعلى سبيل المثال، أظهر الأفراد الذين لديهم الطفرة نفسها في هذه الجينات أعراضاً مختلفة تماماً بسبب الأليل (الأم أو الأب) النشط، ولا تقتصر أخطاء المناعة الخلقية على الجينات المرتبطة بالمناعة، بل من المرجح أن تسهم الظاهرة في التباين في مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية.

ويمكن أن يُساعد تحليل التعبير الأحادي الأليل في الخلايا في فهم شدة الأمراض لدى الأفراد الذين يحملون الطفرات الوراثية نفسها إذا تمكن العلماء من استهداف النسخ الجينية المسببة للمرض، وتثبيطها، أو تعزيز النسخ السليمة؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى تخفيف الأعراض، أو منع تطور المرض، وقد يُسهم التعبير الأحادي الأليل في تفسير كيفية تطور الأورام، واختلاف استجابتها للعلاج.

تشير هذه الدراسة إلى أن فهم التعبير الأحادي الأليل يمكن أن يفتح أفقاً جديداً في تشخيص وعلاج الأمراض الوراثية، ويُقدم رؤى حول كيفية تأثير الوراثة والبيئة على الصحة، وبينما يصف بوجونوفيتش هذه النتائج بأنها «مجرد غيض من فيض»، فإنها تقدم دليلاً قوياً على أهمية دراسة كيفية تفاعل الجينات مع البيئة والجسم لفهم الأمراض المعقدة.