الفيتامينات.. بعضها دخيل والآخر من صنع الجسد

عناصر أساسية كونتها مختلف الفصائل الحية منذ الحقب الأولى للحياة

الفيتامينات.. بعضها دخيل والآخر من صنع الجسد
TT

الفيتامينات.. بعضها دخيل والآخر من صنع الجسد

الفيتامينات.. بعضها دخيل والآخر من صنع الجسد

في عام 1602 كان الأسطول الإسباني يبحر بالمحيط الهادي قرب شواطئ المكسيك، عندما اجتاح مرض قاتل بحارته، «وكانت العوارض الأولى ألم حاد يتغلغل في الجسم كله»، كما كتب أنطونيو دي لا أسينسيون الراهب الذي رافق الحملة، «فقد ظهرت بقع قرمزية اللون لتغطي الجسم كله، لا سيما عند الخصر وما دون، ثم شرعت لثة الأسنان بالتورم إلى درجة بحيث أضحى من الصعب إطباق الفكين والأسنان على بعضها، وأصبح احتساء السوائل الأمر الممكن الوحيد، قبل حصول الموت المفاجئ أثناء الحديث»، كما أضاف.
كان البحارة يشكون من داء الإسقربوط الذي كان في ذلك الحين أمرا مألوفا، وإن كان غامض الأسباب. ولم يكن أحد يدري لماذا كان المرض يصيب البحارة وكيفية علاجه. لكن في حملة عام 1602 هذه، كان أسينسيون شاهدا على ما اعتبره معجزة، فعندما كان البحارة على الشاطئ يدفنون موتاهم، قام أحدهم بالتقاط ثمرة صبير ليأكلها، فبدأ يشعر بتحسن، مما جعل الآخرين يحذون حذوه. و«شرع البحارة بعد ذلك بنقل هذه الثمار إلى سفنهم، لكي يشفوا تماما بعد أسبوعين»، كما كتب الراهب.

* اكتشاف الفيتامينات
وبعد قرنين من الزمن بات واضحا أن مرض الإسقربوط سببه قلة الفواكه والخضار خلال السفر بحرا لفترات طويلة. وفي أواخر عام 1700 شرع الأسطول البريطاني يمون سفنه بملايين الغالونات من عصير الليمون للقضاء على هذا المرض، حتى عام 1928 عندما اكتشف عالم الكيمياء الحيوية الهنغاري ألبرت جيورجي أن العامل الأساسي الذي قضى على الإسقربوط كان الفيتامين «سي».
وكانت اختبارات هذا العالم جزءا من موجة للاختبارات في أوائل القرن العشرين للبحث عن دور الفيتامينات، فقد اكتشف العلماء أن الجسم البشري يتطلب قدرا قليلا من 13 من الجزيئات العضوية، وأن أي نقص منها يؤدي إلى أمراض مختلفة. وهكذا، فإن نقص فيتامين «إيه» A يسبب العمى، ونقص فيتامين «بي 12» B12 يؤدي إلى فقر دم شديد، ونقص فيتامين «دي» D إلى كساح الأطفال وتعقد المفاصل.
واليوم تجري أبحاث واسعة لفهم الفيتامينات، تركز غالبيتها على الكمية المطلوبة منها للبقاء بصحة جيدة. لكن العمل هذا لن يعالج مسألة أساسية، ألا وهي كيف انتهينا إلى كوننا نعتمد في حياتنا على مثل هذه الجزيئات الصغيرة؟

* عناصر أساسية
لقد كشفت الأبحاث الأخيرة عن أجوبة جديدة. فقد ظهر أن الفيتامينات هي من العناصر الأساسية منذ الحقب الأولى التي تعود إلى أربعة ملايين سنة خلت. وكان باستطاعة أشكال الحياة الأولى أن تكون فيتاميناتها بنفسها، بيد أن بعض فصائل الحياة، ومنها نحن البشر، فقدت في مراحل لاحقة هذه القدرة. وأضحت هذه الفصائل تعتمد الواحدة على الأخرى للحصول على الفيتامينات اللازمة، مما وضع أسس تدفق معقد من الجزيئات التي سماها العلماء «حركة مرور الفيتامينات».
إن كل فيتامين يتكون من خلايا حية، سواء من ذاتنا، أو من فصائل حياتية أخرى، ففيتامين «دي» يتكون في جلودنا عندما تضرب أشعة الشمس عناصر تعابر من أسلاف الكولسترول. أما شجرة الليمون فتصنع الفيتامين «سي» من الغلوكوز. وغالبا ما يكون صنع الفيتامين وإنتاجه عملية معقدة، وتتطلب لدى بعض الفصائل 22 بروتينا لتحضير جزيئة واحدة من فيتامين «بي12» مثلا.
وعلى الرغم من أن البروتين نفسه يتكون من آلاف الذرات، فإن الفيتامين لا يتطلب إلا العشرات القليلة منها. لكن على الرغم من حجمها الصغير، فإن الفيتامينات توسع من مدى مرونتها الكيميائية. ويتعاون الفيتامين مع البروتينات لتنفيذ بعض التفاعلات التي لا تستطيع أن تتم بحد ذاتها، ففيتامين «بي1» على سبيل المثال يساعد البروتينات على سحب ثاني أكسيد الكربون من الجزيئات.
وتنفذ الفيتامينات ردود الفعل الكيميائية هذه ليس في أجسامنا فحسب، بل في جميع الكائنات الحية أيضا «مثل البكتيريا، والفطر، والمزروعات، والبشر، فالكل يحتاجها»، كما يقول هارولد هوايت الثالث عالم الكيمياء الحيوية في جامعة دالوير في أميركا.

* إنتاج الفيتامينات
ومع تطور القدرة على تكوين الفيتامينات، باتت بعض الفصائل مؤهلة جدا لكي تصنعها. فالنباتات على سبيل المثال تطورت لكي تصبح مصانع لتحضير فيتامين «سي» مخزنة إياه في أوراقها وثمارها. وربما قام الفيتامين هذا في البداية بحماية النباتات ضد ظروف الإجهاد وفي الأزمات، وهي نفس الوظيفة التي يقوم بها هذا الفيتامين في الفصائل الحية الأخرى، بمن فيها نحن البشر. لكن مع مرور الزمن تقلد الفيتامين هذا مهمات أخرى جديدة في النباتات كالتحكم بنمو الثمار.
وفيما عدا الفيتامينين «دي» و«كيه» K، فإن الإنسان لا يتمكن من تصنيع أي من الفيتامينات التي يحتاجها للبقاء أصحاء، ويبدو أنه في بعض الحالات تمكن أجدادنا من صنعها، لكنهم فقدوا هذه القدرة لاحقا. فأجدادنا قبل 100 مليون سنة لم يتعرضوا إلى داء الإسقربوط على سبيل المثال، لأنهم استطاعوا تحضير فيتامين «سي» في أجسامهم.
وبمقدور الكثير من الفقريات تحضير فيتامين «سي» لأنها تملك المورثات الخاصة بهذا الغرض، مثل الضفادع وحيوان الكنغرو، لكن البشر يعانون من تحور أحد هذه المورثات المعروف بـ«غولو» GULO، مما يحول دون تمكنهم من تحضيره في أجسادهم، كذلك القرود أيضا أقرب الحيوانات إلينا. وقد اكتشف العلماء أن الحيوانات تميل إلى فقدان القدرة على تحضير فيتامين «سي» في أجسامها، بعد حدوث تحول أساسي في وجباتها الغذائية، عندما تتجه إلى تناول غذاء غني به. فقد بدأ أجدادنا على سبيل المثال بتناول الفواكه والخضار التي زودتهم بكميات كبيرة من فيتامين «سي» الذي يحتاجونه، مما جعل أجسامهم تستغني عن تحضيره من ذاتها. وشرع العلماء الآن يكتشفون أن آلاف الفصائل التي فقدت مورثاتها القدرة على تحضير بعض الفيتامينات، لأنها باتت محاطة بوسط غني بها.
كذلك لا يستطيع البشر تحضير فيتامين «بي 12» على سبيل المثال عن طريق أجسادهم، بل يحتاجون إلى أن يستمدوه عن طريق الوجبات الغذائية، وأحد أساليب ذلك هو تناول اللحم البقري الذي يتضمن هذا الفيتامين. لكن البقر بدوره وحيوانات أخرى التي نتناول لحومها لا تصنع أيضا مثل هذا الفيتامين عن طريق خلاياها الذاتية، بل تقوم البكتريا الموجودة في معدها بتصنيعه لها.
كذلك فإن الإنسان موطن خصب لآلاف من أنواع البكتريا التي تقوم بتركيب الفيتامينات بنفسها، والتي تتناول غذاءنا الموجود في معداتنا، فهل يعني ذلك أننا نعتمد عليها لتزويدنا ببعض أنواع الفيتامين؟ الأمر هذا لا يزال من الأمور النظرية، كما يقول ديوي فان سندرن عالم الأحياء الدقيقة في جامعة «كوليدج كورك» في آيرلندا. لكن الدلائل تتزايد بأنه يمكن للبكتريا أن تؤمن قدرا من الفيتامينات التي نحتاجها.

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.