الحلقة (6): «سبها» تقلب حياة التلميذ معمر رأسا على عقب وتتسبب في طرده من ولاية فزان إلى «مصراتة»

أحمد قذاف الدم يروي لـ {الشرق الأوسط} مسيرة نصف قرن مع معمر القذافي

قوة تدريب أساس الجيش السنوسي (جيش التحرير) ويتكون من ضباط وضباط صف ليبيين وإنجليز وأخذت الصورة في المقر الأساس جنوب غربي القاهرة وفيها محمد قذاف الدم والد أحمد
قوة تدريب أساس الجيش السنوسي (جيش التحرير) ويتكون من ضباط وضباط صف ليبيين وإنجليز وأخذت الصورة في المقر الأساس جنوب غربي القاهرة وفيها محمد قذاف الدم والد أحمد
TT

الحلقة (6): «سبها» تقلب حياة التلميذ معمر رأسا على عقب وتتسبب في طرده من ولاية فزان إلى «مصراتة»

قوة تدريب أساس الجيش السنوسي (جيش التحرير) ويتكون من ضباط وضباط صف ليبيين وإنجليز وأخذت الصورة في المقر الأساس جنوب غربي القاهرة وفيها محمد قذاف الدم والد أحمد
قوة تدريب أساس الجيش السنوسي (جيش التحرير) ويتكون من ضباط وضباط صف ليبيين وإنجليز وأخذت الصورة في المقر الأساس جنوب غربي القاهرة وفيها محمد قذاف الدم والد أحمد

كانت قوافل الإبل تمضي إلى إقليم فزان في الجنوب وسط الصحراء القاحلة في مطلع خمسينات القرن الماضي. وعلى طول الدرب حيث تمر على النجوع تستمع لقصص عن الوباء الذي قتل أطفالا من القبيلة الفلانية وعن «غزو الطليان» الذي أجبر قبيلة أخرى على الهجرة. هذه واحدة من مسيرات الترحال. وسيمر من هنا فتى لم يتجاوز عمره 15 عاما، مرتديا بالطو أسود فوق بنطلون داكن وجاكيت رمادي، ويبدو منطويا على نفسه حينا ومنفتحا على الآخرين، لكن في مجموعات صغيرة ومحددة، حينا آخر..
يمضي مرة على ظهر ناقة ومرة في صندوق شاحنة، مع المرتحلين بين البلدات الصحراوية، ويراقب العوز في خيام النجوع البائسة وفي أكشاك الصفيح والخشب في القرى. ومن هنا يقرأ بعضا من الكتب القليلة المتوفرة في هذا القفر، عن الثورات ونظم الحكم، وسيتشكل فكره الذي حيّر العالم، إلى أن ترك بلاده في فوضى عارمة في 2011. بينما لا أحد يعرف المكان الذي دفن فيه، ولا حقيقة الكثير من الأسرار التي ظلت معلقة في الفراغ. وتمر الأيام ولا تكف الريح عن الهبوب وهي تسفي الرمال على سكان البوادي الممتدة من مدينة سرت في شمال وسط ليبيا، حتى مدينة سبها على بعد نحو 600 كيلومتر في الجنوب.

لم تكن هذه هي البداية الوحيدة التي تسببت في أن يطفو اسم قبيلة «القذاذفة» على سطح الأحداث في العالم من خلال رجلين على الأقل، الأول هو معمر القذافي، والثاني هو ابن عمه، أحمد قذاف الدم، الذي يروي لـ«الشرق الأوسط» أسرار الكثير من الأحداث. الآن نحن في السنوات الأولى من القرن العشرين، حين نزح عدد من أولاد قبيلة القذاذفة مع عائلاتهم المنكوبة إلى مصر، هربا من الاحتلال الإيطالي لليبيا. وفي مصر ولد قذاف الدم، الذي أصبح يعرف فيما بعد بأنه «رجل ليبيا في مصر»، و«رجل مصر في ليبيا» أيضا.. كما أطلق عليه الإعلام أحيانا «الصندوق الأسود وكاتم أسرار القذافي».
ولم يظهر البالطو الأسود على جسد معمر القذافي إلا مع بداية الصف النهائي من المرحلة الإعدادية في مدرسة سبها المركزية، حيث كان من قبل يلبس الثوب الأبيض ويضع الطاقية البيضاء على رأسه مثل باقي تلاميذ المدرسة.. وبهذه المناسبة، لا بد أنك تتخيل الآن الملابس الأفريقية الملونة التي أصبح يرتديها حاملا لقب «ملك ملوك أفريقيا» وتثير الاستغراب في السنوات الأخيرة من حكمه لليبيا الذي استمر 42 سنة، لكن أحمد قذاف الدم يقول إن القذافي كان في الحقيقة يحارب الدول الاستعمارية في أفريقيا من خلال استقطاب قيادات ممالك القارة السمراء، و«للأسف كان البعض يسخر من هذا العمل، ويقولون.. أصبح القذافي ملك ملوك أفريقيا التقليديين وأصبح يرتدي الملابس الأفريقية، وغير ذلك، لكن هذا كان عملا جبارا هو الذي أدى لقلق الغرب منه، واستفزهم، وقتلوه لهذا السبب مع أسباب أخرى».
وبالعودة إلى الوراء عدة عقود ستجد أن التربة التي نما فيها هذا الرجل، قرب معسكرات الفرنسيين في سبها، كانت عبارة عن خليط من الثقافة البدوية الليبية، ممزوجة بالانفتاح المصري على الراديو وما فيه من أخبار وخطب وموسيقى، إضافة للطابع العسكري الذي تطبعت به أسرة «قذاف الدم» حين انتقل القذافي صبيا لاستكمال دراسته النظامية لديها، بدلا من الاقتصار على التعليم الديني في سرت. كان عمر المختار يقاتل الإيطاليين في شرق البلاد، في الربع الأول من القرن الماضي. وفي ذلك الوقت تحرك ركبان من الرجال الجرحى والنساء والأطفال من مدينة سرت في اتجاهين للنجاة بأنفسهم.. الأول ناحية الصحراء الغربية المصرية والثاني ناحية الصحراء التشادية في أقصى الجنوب، وذلك بعد أن أسرَ الطليان وقتلوا الكثير من المقاومين. وكان معتقل العقيلة المجاور للمدينة يغص بالليبيين، بينما انتقلت عائلة والد القذافي، الذي لم يكن قد أنجب معمر بعد، إلى صحراء سرت الجنوبية بعيدا عن خطر الإيطاليين.
ويقول أحمد قذاف الدم: «عندما قتل الطليان جدي، فر كثيرون من أهلنا، من الصغار والعجائز.. هاجر بعضهم إلى مصر وبعضهم إلى تشاد، بينما نزحت عائلة والد معمر إلى جنوب سرت. الوضع كان خطيرا لعائلات ليبية بدوية مسالمة، ولم يكن هناك أي شيء يحتمون به أو يلجأون إليه للبقاء حتى على قيد الحياة.. كانوا مطاردين، لأن الاستعمار الإيطالي وقتها كان يسعى لتفريغ ليبيا من السكان ويتعامل معها على أنها الشاطئ الرابع لإيطاليا».
وأخيرا وصلت هذه القافلة، التي فيها والد قذاف الدم، إلى واحة جغبوب الليبية ومنها إلى واحة سيوة المقابلة، داخل مصر. وكان في القافلة فتى لا يزيد عمره عن 16 سنة، هو والد أحمد قذاف الدم، الذي سينخرط في جيش التحرير الوطني، بقيادة الأمير محمد إدريس السنوسي، انطلاقا من مصر، وسيصبح آمرا في الجيش قرب معسكرات الفرنسيين في جنوب ليبيا، وسيستضيف معمر في بيته بعد أن يعود إلى سبها، حيث سيثير هذا التلميذ عاصفة من التساؤلات في تلك البلدة التي كانت في ذلك الوقت تشبه في معظمها القرية المعزولة عن العالم.
ويبدو أن أحمد قذاف الدم نفسه تأثر بـ«غرابة» التلميذ «معمر» أمام أهل سبها وطلابها، أو على الأقل دفعه سلوكه الذي لا يشبه سلوك الآخرين، إلى التفكير في العالم من منظور مختلف، فهو، أي أحمد، شارك في خوض معارك كضابط في بلدان مختلفة في مصر ولبنان وأوغندا وغيرها، قبل أن يتحول لدبلوماسي حافظ أسرار القذافي ولطف الأجواء بينه وبين زعماء في الغرب والشرق.
ولقب «قذاف الدم» مأخوذ من الصفة التي يتميز بها «القلب»، وهي «ضخ الدم». ويقول أحمد عن رحلة نزوح والده إلى مصر كما سمعها منه بعد أن ولد وشب عن الطوق، إن القافلة واصلت رحلتها في مشقة ناحية الشرق، إلى أن وصلت إلى بحيرة قارون في محافظة الفيوم الواقعة جنوب القاهرة بنحو 90 كيلومترا، وظلت فترة هناك، وحين أصبح سن والده في العشرينات، انتقل ومن معه من ليبيين، للقاهرة التي كانت تشبه المدن الأوروبية جمالا ونظاما، وبدأوا ينتشرون بمصر.
وفي ذلك الوقت كانت نذر الحرب العالمية الثانية تخيم على المنطقة.. وبدأ القادة السياسيون يتحينون الفرص لكسب ما يمكن من بين مخالب الأطراف الدولية المتصارعة.. وكان الأمير محمد إدريس السنوسي، قد يئس من كثرة نقض الإيطاليين للمعاهدات التي يبرمونها في منطقة إقليم برقة، في الشرق الليبي، حيث كانت مدينة إجدابيا عاصمة للإقليم ومقرا للحكم. وزاد العداء بين الأمير والإيطاليين بعد أن بايعه الليبيون على أن يكون أميرا لإقليمي طرابلس وبرقة، حيث أججت هذه الخطوة غضب الإيطاليين منه ومن المقاومين بقيادة عمر المختار، خاصة بعد استيلاء الفاشيين على الحكم في روما، فوجهوا قوتهم إلى ليبيا في موجة جديدة من المطاردات والقتل والتخريب والاحتجاز في المعسكرات داخل الصحراء، بينما كانت البلاد تعاني أصلا من الفقر وانتشار الأوبئة.
وتتناقل أسر الليبيين أمام الصغار، ومنهم معمر وأحمد، كيف كانت طائرات الإيطاليين تأتي من السماء لضرب من يعتقد أنهم من ذوي «المتمردين». وكان الضرب على النجوع، فتجري النساء بأرديتهن المخططة - وهو لباس ليبي تقليدي للمرأة - بين القذائف المتفجرة في الرمال، يحاولن الاختباء بين الشجيرات الصحراوية القصيرة. ويستغرق الأمر وقتا قبل أن ترجع النساء مرة أخرى لبيوتهن ليستأنفن طحن الشعير على الرحى، من أجل تجهيز الطعام للرجال الذين سيأتون على الخيول للراحة بضع ساعات قبل أن يواصلوا الهجوم على معسكرات الإيطاليين.
وكانت توجد خشية على حياة الأمير من عسف الإيطاليين وهو في ليبيا، فتقرر أن ينتقل لإدارة الأمور من مصر التي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي. وكانت القاهرة أيضا متعاطفة مع القضية الليبية في ذلك الوقت. ومع قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939. استغل القادة السياسيون الليبيون بمصر الفرصة، وانضموا إلى الجانب المعادي للإيطاليين في تلك الحرب، وهم الإنجليز، بناء على اجتماعين عقدا في الإسكندرية والقاهرة لتكوين جيش لتحرير ليبيا وخوض غمار الحرب ضد إيطاليا بجانب الجيوش البريطانية وتحت الإمارة السنوسية.
ويقول أحمد قذاف الدم: في القاهرة تعرف والدي على الكثير من الليبيين المهجرين الآخرين.. التقوا بعضهم بعضا، وبدأ الحديث عن كيفية العودة إلى ليبيا وتحريرها من الطليان، وبدأت هذه الأفكار تتبلور إلى أن وصلت، مع الباقين، إلى فكرة إنشاء جيش تحرير ليبيا. واتجهوا للأمير محمد بحكم علاقته بالإنجليز، حيث كان ما زال يقيم في مصر، وبدأوا في تأسيس الجيش السنوسي وتدريبه في منطقة معسكرات أبو رواش، أي في الكيلو 9 بجوار الهرم (جنوب غربي القاهرة)، ودخل والدي مع أول مائة شاب ليبي الكلية الحربية المصرية. وأخذوا أيضا في تجنيد الليبيين بمصر وبعض المتطوعين من قبائل البادية للانضمام للجيش.
وكان جيش التحرير يتوجه من القاهرة غربا رويدا رويدا، بينما كان الطليان المتحالفون مع الألمان يعدون العدة لدخول مصر من ناحية برقة.. وفي محافظة البحيرة قرب مدينة الإسكندرية، تعرف والد أحمد على الشيخ حامد علي، شيخ قبائل «أولاد علي» بمصر في ذلك الوقت، وطلب منه مزيدا من المتطوعين لكي يذهبوا للجهاد ضد الطليان في ليبيا، فاستجاب له، وتطوع الكثيرون من محافظة البحيرة ومطروح وغيرهما، وبعضهم استقر فيما بعد في ليبيا، وبعضهم عاد لمصر بعد التحرير. ويقول أحمد قذاف الدم: «والدي تزوج ابنة الشيخ حامد علي، في تلك الفترة. وهذا هو أحد الأسباب التي ربطته بقبائل أولاد علي، حينها. كما أنني ولدت في مصر، أنا وأخي الأكبر».
هو من مواليد 1952. ورجع طفلا رضيعا إلى ليبيا، بعد الاستقلال مباشرة، وهو استقلال يصفه بأنه «كان صوريا» بسبب استمرار الهيمنة الأجنبية على البلاد. وسيعزز معمر القذافي، الذي يكبره بـ10 سنوات، من هذه النظرية، أثناء تشكيله لأول «خلية» من الطلاب أثناء دراسته في سبها، حيث ظهر معمر بوصفه تلميذا مختلفا عن الآخرين بالبالطو الأسود، وهو بالطو كان يعتز به كثيرا، وبدا كأنه ينكمش داخله ويغرس يديه في جيبيه الواسعين، قبل أن يفردهما ويندفع لتحريض مزيد من الطلاب ولتكوين خلية جديدة لا تعرف أي شيء عن الخلية الأخرى.
حتى حين قابل زميله في مدرسة سبها، وفي «مجلس قيادة الثورة» فيما بعد، الرائد عبد السلام جلود، لم يفش له التفاصيل عن باقي الخلايا. وربما كانت هذه الطريقة في الحرص والكتمان، مع الجنوح للانطواء أحيانا، ومنح المشكلات مزيدا من الوقت لتحل نفسها بنفسها، صبغت تصرفات معمر في إدارة علاقاته بالحكم وبالعالم، وكانت أحد أسباب نهايته في نهاية المطاف، فعلى سبيل المثال كانت له علاقات جيدة مع الاتحاد السوفياتي فـ«روسيا»، لكنه اكتشف أثناء هجمات حلف الناتو أنه لم يوقع اتفاقية ذات شأن مع موسكو تحميه من «الهجمة الغربية» التي ظل يتخوف منها سنوات طويلة، ونجا من بعضها كتلك التي قام بها الرئيس الأميركي رونالد ريغان في الـثمانينات.
على أي حال.. ومنذ مطلع الـخمسينات، بدأ انتشار الجيش الوطني الملكي في ليبيا، وكان من نصيب والد أحمد قذاف الدم، الضابط، الإقامة في سبها كقائد للقوة المتحركة في إقليم فزان.. ويقول إن والده بقي هناك فترة طويلة، إلى أن تقاعد في الستينات. حينها كان المستقبل غامضا، ومعسكرات الفرنسيين والأميركيين والإنجليز منتشرة في عدة مواقع ليبية، كما أن البلاد كانت قاحلة ولم يكن فيها أي إمكانيات للحياة، مقارنة بمصر التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت. وكان الأطفال في سبها لا يتورعون عن الجري حفاة في ثيابهم البيضاء والمخططة وراء سيارات الجنود الفرنسيين وهم يصيحون في أثرهم وسط سحب التراب: أعوذ بالله منكم.
وفي ذلك الوقت كان معمر القذافي يقيم مع أسرته في صحراء جنوب سرت، لكنه انتقل مع والده ووالدته إلى سبها لاستكمال دراسته، وأقاموا جميعا في منزل أسرة قذاف الدم بحكم القرابة التي بينهما. ويقول أحمد قذاف الدم: كان أهل سرت، في الشمال، يأتون إلى سبها لأن فيها مدرسة.. يأتون لتلقي التعليم. أهلنا منتشرون في تلك المنطقة؛ منطقة الوسط.. وجاء معمر هو وأبوه ووالدته.. هو أصلا كان في الصف الثالث الابتدائي، لكن حين وجد الأساتذة أنه متقدم في دراسته، قاموا بنقله إلى الصف الخامس مباشرة، وذلك بعد أن أجروا له اختبارات خاصة. وكانت مدرسة سبها المركزية تضم المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
الضابط قذاف الدم، كان يعامل معمر معاملة خاصة ربما لأنه ضيف أو لأنه صموت ويختفي ويظهر دون أن تشعر به، ويحب قراءة ما يصل للبيت من صحف وكتب. كما كانت تجتذب هذا التلميذ الخطب التي تتردد من «صوت العرب» عبر المذياع، وهو جهاز لم يكن يوجد مثله في بيوت الأسر العادية. ويقول قذاف الدم: «معمر جاء، وبقي معنا في بيتنا.. عاش معنا فترة بحكم القرابة، وكان والدي يعامله معاملة خاصة، لأنه كان شابا محترما، ومتدينا.. وبرغم صغر سنه كان لافتا للانتباه.. لأنه لم يكن كغيره من أقرانه.. يعني كان خجولا، وشديد الأدب، وخدوما.. ويعكف على مذاكرة دروسه، ولا يهتم باستهتار الأولاد الآخرين ولا يفعل مثلهم».
ولو مررت على سبها سنة 1955 فلا بد أنك سترى القلعة التي تعود للعهد العثماني، من بعيد. وفي الجانب الآخر المدرسة المركزية التي تشبه الثكنة العسكرية. ومن الباب يدخل مجموعات من الطلاب يرتدون ثيابهم وعلى بعضها صدريات داكنة بينما الجرس يدق من الداخل. ويمكن أن ترى من هناك أبراج الاتصالات لقواعد الجيش الفرنسي من على بعد، وهو جيش تحارب معه القذافي فيما بعد في تشاد لسنوات.
ويضيف قذاف الدم وهو يتذكر فترة إقامة معمر في منزل أسرته: هو تعرف على شخصية عبد الناصر عندنا في البيت، من خلال المذياع.. كان المذياع في تلك الفترة شيئا نادرا وكان عبارة عن جهاز له صندوق خشبي كبير.. وبحكم أن والدي كان في مصر فكانت توجد لدينا في البيت أيضا صورة عبد الناصر معلقة على الجدار، وكان معمر يستمع لخطب تتحدث عن القضايا القومية والوطنية وثورة الجزائر وثورة مصر، حتى أثرت بشكل كبير في تكوينه وتكوين جيلنا كله تقريبا.
أمضى معمر نحو 5 سنوات في سبها.. كان منزل الأسرة يقع في المنطقة الأكثر تمدنا في إقليم فزان كله. كانت ليبيا مقسمة إلى 3 أقاليم إدارية.. إقليم فزان وتوجد فيه قواعد فرنسية، وإقليم برقة وتوجد فيه قواعد إنجليزية، وإقليم طرابلس وتوجد فيه قواعد أميركية وإيطالية.. «كانت ليبيا فقيرة، لكن سبها كانت الأفقر.. وهناك تقف القلعة وبجوارها المطار، وبعض المساكن الحديثة في ذلك الوقت، حيث كان الفرنسيون يسكنون بجوار مساكننا، وكانت من المساكن النادرة التي فيها كهرباء وثلاجة (مبرد) وكان لدينا سيارة.. كانت هذه المنطقة السكنية تبعد قليلا عن قلب سبها، لكن الآن بطبيعة الحال، اختلطت المدينة وامتدت حتى حدود القلعة نفسها».
ويقول إن والد معمر ووالدته وشقيقاته الـ3 أقاموا لديهم أيضا فترات من الوقت أثناء زيارتهم لسبها. فوالده كان يرعى إبله وأغنامه في بادية سرت، ككل البادية، و«في الصيف يتوجهون إلى الجنوب لأخذ التمر وبيع بعض السلع والتبادل بالمقايضة، وفي الشتاء، وهذا كان ديدنهم، يعودون إلى سرت لرعاية الأغنام والاستفادة من الأمطار التي تنزل في تلك المنطقة من الصحراء والوديان المحيطة بسرت، ويستفيدون من الربيع هناك».
ويلتقي أحمد قذاف الدم ومعمر القذافي، في درجة القرابة، عند الجد الثالث. ويقول ردا على سؤال حول ما أثير من لغط عن أن والدة معمر يهودية في السنوات الأخيرة من حكمه لليبيا، إنه كلام لا يستحق الرد عليه. وكان البعض من المتطرفين في ليبيا قد عدوا هذه القصة من مبررات الانتفاضة المسلحة على القذافي. ويضيف قذاف الدم: نحن بادية، ولا يستطيع أي أحد أن يخفي أي شيء داخل المجتمع البدوي.. فنحن لم نكن نعيش في مدينة أو في عمارات أو ناطحات سحاب بحيث لا يعرف أحدنا أحدا. والدة معمر، ووالده وعائلته، كلهم أقاربنا، ونعرفهم بالاسم ونعرف ما يقومون به. هذه طبيعة البادية.
ويتابع قائلا إنه عندما جاء إلى سبها في الخمسينات، لم نستقبل شخصا لا نعرفه أو عائلة لا نعرفها. كان معه والده ووالدته التي تعاملت معها وهي من قبيلة ليبية وكنت أراها وهي تصلي في البيت أوقات الصلاة.. كان معه أيضا شقيقاته الـ3. وكان لمعمر شقيقان أصغر منه، لكنهما توفيا في وقت مبكر، حتى قبل أن يولد، وذلك في أيام الحرب العالمية الثانية، حين اجتاحت ليبيا الأوبئة والأمراض التي كانت تقضي على آلاف الليبيين، ومات شقيقاه في ذلك الوقت من الحمى.
ولقبيلة القذاذفة انتشار في ليبيا بسبب الترحال والدراسة والتزاوج، وأسهم هذا في سهولة حركة معمر سواء حين انتقل للدراسة في مصراتة أو بنغازي، أو حتى حين كان يستكشف طرابلس وهو في المرحلة الثانوية.. وتعد منطقة غريان، في غرب البلاد، أول منطقة يستوطن فيها الجد الكبير لمعمر وللقذاذفة قبل نحو 600 سنة، وكان من ضمن العرب العائدين لشمال أفريقيا عقب سقوط الأندلس.. «وتزوج جدنا الكبير في غريان، وأنجب 5 أولاد أصبحوا فيما بعد سلالة قذاف الدم». وكان معمر يضع اعتبارا خاصا للتقاليد البدوية والقبلية، وهي من الخصائص التي يتميز بها أبناء البادية في سبها وسرت وغيرهما. وحين كان ينتقل إلى أسرته في الإجازة في بداية الربيع في سرت، لوحظ أن معمر لم يعد يرتدي الثوب البدوي كثيرا، كما كان يفعل في البداية، وأصبح يفضل البنطلون والجاكيت والبالطو الأسود.. أما إذا كان الجو حارا فكان يخلع الجاكيت ويتركه في الخيمة ويحمل البالطو على ذراعه، وحين يجلس على حافة الوادي يرى النوق بأعناقها الطويلة وهي تمضغ الشوك.. ففي أي شيء كان يفكر هذا الطالب وهو يختلي بنفسه هنا؟ وهل كان يتوقع أن يرى كل ما رآه في حياته بعد ذلك، بداية من حكم ليبيا سنة 1969. وحتى الإطاحة به وقتله في نفس هذا المكان سنة 2011، حيث النوق ما زالت كما هي، ترفع أعناقها تحت الشمس وتمضغ الشوك.
مع حلول المساء ينهض.. ويمشي بجسده النحيف ووجهه الضامر، حتى ينضم لرجال النجع أمام الخيمة. هنا يجتمع حول النار وفناجين الشاي تدور وسط رائحة الشيح، بينما مصابيح الكيروسين معلقة على عمود الخيمة. وبعد نصف نهار من الصمت، يختلي معمر بعدد من شبان النجوع لأنه لا يريد أن يترك مسقط رأسه دون خلايا تتبعه، وربما كان قد انتهى من تكوين عدة خلايا أخرى دون أن تعرف كل خلية عن الأخرى شيئا. ومع بداية العام الدراسي تبدأ رحلة السفر إلى الجنوب؛ سبها.
لم يكن المذياع والخطب وبعض الصحف وما تيسر من الكتب هي فقط التي تسببت في الوعي السياسي لتلاميذ وطلاب مدرسة سبها المركزية. كان هناك معلمو المدرسة نفسها، وغالبيتهم من المصريين وبعض الفلسطينيين القادمين من بلاد تعج بالمتغيرات السياسية والجغرافية.. ثورات وحروب وهزائم وغربة.
ويوضح قذاف الدم قائلا: ليبيا بعد الاستقلال اعتمدت كثيرا على مصر، ومعظم المعلمين الذين كانوا لدينا في الجنوب، وفي عموم ليبيا أيضا، مصريون.. وبسبب ثورة 1952 أصبح غالبيتهم رسلا يحملون على أكتافهم قضية التحرر من الاستعمار والوحدة العربية. كان لديهم احترام كبير لدى الناس وتأثير كبير على جيلنا في نشر الوعي.. «جيلنا عاش هذه المرحلة وهذا المخاض، ولهذا كان وعينا غير وعي الأجيال التي جاءت بعدنا».

الحلقة (5): سلمنا برنامجنا النووي للغرب كي نتجنب مؤامرة كبيرة ضدنا.. ولم نسدد مستحقات ضحايا لوكيربي بالكامل
الحلقة (4): تعاملت مع إخوان مصر بالحسنى فباعوني لإخوان ليبيا بملياري دولار
قذاف الدم يتذكر الحلقة (3): علاقتنا بفرنسا ظلت بين شد وجذب لسنوات بسبب أفريقيا.. و«سوء تفاهم» أفشل مصالحة بشار ومبارك في
الحلقة (2) قذاف الدم يتذكر: الحسن الثاني وضع مبارك والقذافي في غرفة وأغلق عليهما الباب لتسوية خلافاتهما
لحلقة (1): قذاف الدم يروي لـ«الشرق الأوسط» بداية التوتر بين السادات والقذافي.. واجتماع ميت أبو الكوم


زعيم الحوثيين يتبنّى مهاجمة 98 سفينة منذ بدء التصعيد البحري

صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)
صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)
TT

زعيم الحوثيين يتبنّى مهاجمة 98 سفينة منذ بدء التصعيد البحري

صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)
صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)

تبنّى زعيم الجماعة الحوثية في اليمن عبد الملك الحوثي، الخميس، مهاجمة 98 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتباهى بالرد الإيراني على إسرائيل، مهدداً باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.

وفيما يدعي الحوثي أن هجمات جماعته نصرة للفلسطينيين في غزة، جدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي تفنيد هذه السردية الحوثية، متهماً الجماعة وحلفاءها في لبنان والعراق بتنفيذ أجندة إيران.

الجماعة الحوثية سخرت الموارد والأموال للتعبئة العسكرية على حساب ملايين الجوعى (إعلام حوثي)

وفي خطبة بثها تلفزيون المسيرة (الذراع الإعلامية للجماعة)، تبنى الحوثي تنفيذ 14 هجوماً في البحر الأحمر وصولاً إلى المحيط الهندي، وفق زعمه باستخدام 36 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيرة، قال إنها استهدفت 8 سفن، ما يرفع عدد السفن المستهدفة إلى 98 سفينة.

وخصص الحوثي مساحة واسعة من خطبته لمديح الرد الإيراني على إسرائيل، مدعياً مشاركة ما يسمى «محور المقاومة» في هذا الرد في إشارة إلى جماعته «حزب الله» اللبناني، والفصائل العراقية الموالية لطهران.

وبخلاف الرواية الإيرانية الرسمية التي أكدت أن ردها على إسرائيل كان بسبب مقتل جنرالاتها في الضربة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، زعم الحوثي أن الرد كان من أجل مناصرة فلسطين.

وشدّد الحوثي على أتباعه للتظاهر والاحتشاد في صنعاء والمناطق الخاضعة للجماعة، الجمعة، كما دعا إلى استمرار عمليات التعبئة والتجنيد، بعد توقفها خلال إجازة عيد الفطر.

ويقول الجيش الأميركي إن الحوثيين هاجموا السفن في 122 مناسبة، وإن قواته نفذت قرابة 50 ضربة على الأرض لتقليص قدرات الحوثيين ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي.

مقاتلة من طراز «إف 18» على متن حاملة طائرات مشاركة في حماية الملاحة من هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

وطبقاً للقيادة المركزية الأميركية، أثرت هجمات الحوثيين على مصالح أكثر من 55 دولة، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، الذي هو حجر الأساس للاقتصاد العالمي، حيث دفعت الهجمات أكثر من عشر شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة.

وكانت واشنطن أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض. وانضم لها الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حماية السفن دون توجيه ضربات مباشرة للحوثيين.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفَّذت أكثر من 400 غارة على الأرض ابتداء من 12 يناير الماضي لتحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.

في مقابل ذلك، أُصيبت 16 سفينة على الأقل خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر»، واحتجاز طاقمها، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما تسبب هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي في مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

نفي سردية الحوثيين

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في تصريحات لوسائل إعلام مصرية، عدم وجود أي علاقة بين الحوثيين في البحر الأحمر وادعاءاتهم بمناصرة غزة.

وقال العليمي إن «المليشيات الحوثية وحلفاءها في العراق ولبنان والمنطقة يستخدمون قميص غزة لخدمة المصالح والأجندة الإيرانية، مدللاً على ذلك بالتناغم بين النشاط الذي تقوم به الميليشيات في العراق والنشاط الذي تقوم به الميليشيات في سوريا ولبنان واليمن، وفقاً لمصالح إيران والحوارات غير المعلنة بينها وبين المجتمع الغربي».

رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف: «نحن نعرف أن هناك حوارات مستمرة بين الغرب، وبين إيران وهي تطرح شروطها بوضوح بما فيها رفع العقوبات مقابل وقف التصعيد».

وأشار إلى حرص بلاده على إحداث تحول في الاستراتيجيات لصالح المنطقة ولصالح اليمنيين، وضد المشاريع التخريبية والتدميرية في المنطقة، إلى جانب الحرص على تماسك المجتمع الدولي في مجلس الأمن، وإبقاء العلاقات جيدة مع كل الأطراف.

وتابع: «لا نريد أن يدخل اليمن في صراع أو طرف في الصراعات الدولية، فنحن لدينا من الهموم ما يكفي، وبالتالي نحاول أن نحقق نوعاً من التوازن في علاقتنا الخارجية لكي نحقق أهدافنا في استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط الانقلاب، وتحقيق سلام شامل وعادل يعتمد على المرجعيات».

وأوضح العليمي أن الجماعة الحوثية بدأت منذ نشأتها في الثمانينات القيام بأعمال إرهابية، ثم شكلت بعد ذلك ما أطلق عليه الشباب المؤمن، ثم حشدت عناصرها ومونتهم بالأسلحة والأموال من إيران، وبدأت بمواجهة الدولة في عام 2004.

وتعرض رئيس مجلس الحكم اليمني لمشروع الحوثيين السياسي، المتمثل في أحقيتهم بالحكم سواء في اليمن أو في المنطقة العربية، ووصفه بـ«العنصر العقائدي في مشروعهم السياسي»، مشيراً إلى سعيهم إلى إعادة نظام الإمامة في اليمن بدعم إيراني.

مدمرة غربية تشارك في التصدي للهجمات الحوثية (الجيش الإيطالي)

وأعاد التذكير باستغلال الحوثيين لما عرف بالربيع العربي وما تلاه من ترتيبات لمرحلة الانتقال السياسي في اليمن من أجل الانقلاب على الدولة ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت إليه المبادرة الخليجية، وشارك فيه الحوثيون بنحو 36 عضواً، وصولاً إلى مشاركتهم في إعداد مشروع مسودة دستور اليمن الجديد.

وقال العليمي إن إيران حققت عبر الحوثيين أهدافها بالقضاء على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، وأدخلت اليمن في النفق المظلم والصراع والحرب الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.

واتهم إيران بأنها تستخدم القضايا العربية العادلة لأغراض غير عادلة وغير أخلاقية بما في ذلك زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية، مشيراً إلى أن القضية اليمنية واحدة من هذه القضايا التي تستخدمها إيران لتحقيق مصالحها على حساب مصلحة الشعب اليمني والمصلحة العربية عموماً.

وقال العليمي: «نحن لدينا معلومات عن كيفية استغلال إيران لميليشياتها سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق أو في لبنان لتحقيق مصالحها سواء فيما يتعلق بالعقوبات، وفك الحظر عن الأرصدة، أو فيما يتعلق ببرنامجها النووي، ومستقبل نفوذها في المنطقة».

وأضاف «أعتقد أن المصالح الإيرانية اليوم هي التي تتحكم بميليشياتها في المنطقة ومنها اليمن، حيث تغلب مصلحة إيران على مصالح هذه الشعوب، وهي الكارثة الكبرى التي يجب أن نواجهها اليوم جميعا». وفق تعبيره.


زعيم الحوثيين: نفّذنا 14 عملية في أسبوعين وصولاً إلى المحيط الهندي

مروحية عسكرية تابعة للحوثيين تحلّق فوق سفينة الشحن «غالاكسي ليدر» في البحر الأحمر يوم 20 نوفمبر 2023 (رويترز)
مروحية عسكرية تابعة للحوثيين تحلّق فوق سفينة الشحن «غالاكسي ليدر» في البحر الأحمر يوم 20 نوفمبر 2023 (رويترز)
TT

زعيم الحوثيين: نفّذنا 14 عملية في أسبوعين وصولاً إلى المحيط الهندي

مروحية عسكرية تابعة للحوثيين تحلّق فوق سفينة الشحن «غالاكسي ليدر» في البحر الأحمر يوم 20 نوفمبر 2023 (رويترز)
مروحية عسكرية تابعة للحوثيين تحلّق فوق سفينة الشحن «غالاكسي ليدر» في البحر الأحمر يوم 20 نوفمبر 2023 (رويترز)

قال عبد الملك بدر الدين الحوثي، زعيم جماعة الحوثي اليمنية الموالية لإيران، اليوم (الخميس)، إن الحوثيين نفّذوا 14 عملية بالبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وصولاً إلى المحيط الهندي في غضون أسبوعين، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضاف في خطاب بثه التلفزيون: «لا خطر على الملاحة التابعة للدول الأوروبية التي لا تتجه إلى العدو الإسرائيلي ويمكنها المرور بأمان وسلام».


اليمن: حملات الانقلابيين استهدفت 3200 منشأة تجارية في 40 يوماً

متجر في صنعاء لبيع المكسرات والحلويات (أ.ف.ب)
متجر في صنعاء لبيع المكسرات والحلويات (أ.ف.ب)
TT

اليمن: حملات الانقلابيين استهدفت 3200 منشأة تجارية في 40 يوماً

متجر في صنعاء لبيع المكسرات والحلويات (أ.ف.ب)
متجر في صنعاء لبيع المكسرات والحلويات (أ.ف.ب)

شنت الجماعة الحوثية خلال 40 يوماً حملات استهدفت نحو 3200 منشأة تجارية في صنعاء ومدن أخرى، بهدف الابتزاز وفرض الجبايات، وتمكين أتباعها من مفاصل العمل التجاري في مقابل التنغيص على غير الموالين لها.

وكشف تقرير صادر عن مسؤولي الجماعة المعينين في وزارة الصناعة ومكاتبها في المحافظات الخاضعة لهم، عن نزول فرق ميدانية في شهر رمضان الماضي استهدفت أكثر من 2237 منشأة تجارية، بينما استهدفت خلال إجازة عيد الفطر نحو 965 منشأة بحجة تسجيل مُلاكها مخالفات ورفضهم للتعليمات، وعدم التزامهم بقائمة الأسعار التي فرضتها الجماعة.

مركز جباية استحدثه الحوثيون على مقربة من إحدى المدن الخاضعة لهم (إعلام محلي)

وحلت العاصمة المختطفة صنعاء في المرتبة الأولى من حيث عدد المنشآت التجارية التي ضربتها موجة الاستهداف الحوثي بواقع 1672 عملية دهم، تلتها محافظتا الحديدة وعمران بواقع 169عملية استهداف لكل منهما، فيما حلت صعدة (معقل الجماعة) بالترتيب الثالث بعدد 66 عملية استهداف بالجباية خلال إجازة العيد ضد ملاك منشآت تجارية، لتأتي بعدها تباعاً بقية المدن والمحافظات الخاضعة تحت سيطرة الجماعة.

ونقلت وسائل إعلام الجماعة تصريحات للقيادي نجيب العذري المعين في منصب مدير العمليات المركزية بوزارة الصناعة والتجارة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، يؤكد فيها أن الحملة الميدانية في رمضان وإجازة عيد الفطر ضبطت أكثر من 3202 مخالفة بمنشآت تجارية متنوعة في عدة مناطق تحت سيطرتهم. زاعماً أن تلك المخالفات التي قيدتها الجماعة تركز أغلبها على عدم إشهار قائمة الأسعار.

لا استثناءات

في ظل استمرار حملات الابتزاز الحوثية، أفادت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأن الجماعة تنفذ منذ أيام أعمال جباية لم تستثنِ أحداً من التجار وملاك الأسواق والمطاعم والباعة المتجولين بمناطق متفرقة من صنعاء وضواحيها.

وطالت الحملات الحوثية في اليومين الماضين، عشرات المنشآت التجارية الكبيرة والمتوسطة والأصغر في صنعاء، حيث أفاد تجار لـ«الشرق الأوسط» بأن فرقاً حوثية ميدانية شنت حملات لجمع إتاوات نقدية وأخرى عينية بالقوة، تحت عناوين متعددة؛ أبرزها تمويل مشروعات الجماعة وجبهاتها القتالية.

حوثيون يداهمون مخزناً للأدوية في صنعاء (إعلام محلي)

وأكد نبيل، وهو اسم مستعار لأحد التجار في صنعاء أن ما وصفها بـ«فرق البطش الحوثية» داهمت في الأيام القليلة الماضية عدة محالّ وأسواق تجارية بمناطق متفرقة من المدينة، وباشر عناصرها بالاعتداء على عدد من الملاك واختطاف آخرين، إلى جانب فرض مبالغ مالية بحق مجموعة ثالثة من التجار.

واتهم التاجر وزير الصناعة بحكومة الحوثيين غير المعترف بها محمد شرف المطهر بالوقوف خلف جرائم التعسف والابتزاز والنهب المنظم الذي يتعرض له التجار ولا يزالون.

تعطيل الاقتصاد

مع مواصلة الجماعة الحوثية تعطيل ما تبقى من فاعلية الاقتصاد المحلي ووضع العراقيل أمام ما تبقى من منتسبي القطاع الخاص بمناطق سيطرتها بغية فرض كامل السيطرة عليه، أوضحت المصادر التجارية أن حملات الاستهداف الأخيرة ضد التجار، نُفذت بإشراف مباشر من قادة الجماعة المسؤولين عن قطاع الصناعة والتجارة في صنعاء وبقية المحافظات.

وأكدت المصادر أن حملات الاستهداف بالإغلاق وفرض الجبايات على ما تبقى من النشاط التجاري بمختلف أشكاله في مناطق سيطرة الجماعة يندرج في إطار النهج المنظم والواسع للقضاء على ما بقي من القطاعات الحيوية، وتمكين موالين للجماعة من الهيمنة التجارية.

وجاء تكثيف حملات الابتزاز في مناطق سيطرة الجماعة بالتوازي مع تحذيرات أممية بأن ملايين اليمنيين لا يزالون يعانون من الآثار المعقدة للعنف المسلح والأزمة الاقتصادية المستمرة، وتعطل مختلف الخدمات العامة، واحتياج نحو 21 مليون شخص إلى مساعدة إنسانية وخدمات حماية عاجلة.

العاملون في مختلف المهن يجبرهم الحوثيون على دفع الإتاوات (الشرق الأوسط)

وكان البنك الدولي وضع اليمن في أحدث تقرير له ضمن أكثر البلدان فقراً على مستوى العالم. وذكر أن بيانات الأمن الغذائي المتكامل تضع هذا البلد في مرتبة واحدة مع أفغانستان وهايتي والصومال وجنوب السودان والسودان ودول الساحل الأفريقي.

ووفقاً للتقرير الخاص بتقييم مستوى الفقر، فإن اليمن كان في الأساس بلداً فقيراً قبل اندلاع الحرب، ولهذا خلفت عشر سنوات من الصراع والأزمات آثاراً وخيمة على الظروف المعيشية، حيث يعاني الملايين من الجوع والفقر.


توجّه حوثي لمحاصرة البضائع المقبلة من المناطق المحررة

منذ أربعة أعوام يحاول الحوثيون ضرب ميناء عدن وإجبار المستوردين على مغادرته (إعلام حكومي)
منذ أربعة أعوام يحاول الحوثيون ضرب ميناء عدن وإجبار المستوردين على مغادرته (إعلام حكومي)
TT

توجّه حوثي لمحاصرة البضائع المقبلة من المناطق المحررة

منذ أربعة أعوام يحاول الحوثيون ضرب ميناء عدن وإجبار المستوردين على مغادرته (إعلام حكومي)
منذ أربعة أعوام يحاول الحوثيون ضرب ميناء عدن وإجبار المستوردين على مغادرته (إعلام حكومي)

يعكف الحوثيون على تفعيل قرار سابق بفرض رسوم جمركية على كل البضائع المقبلة من الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة بنسبة 100 في المائة لإرغام المستوردين على تحويل بضائعهم إلى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرتهم، وفقاً لمصادر يمنية مطلعة.

تأتي الخطوة الحوثية في الوقت الذي يعمل فيه مبعوث الأمم المتحدة والوسطاء من الإقليم على احتواء تداعيات خطوة الجماعة المتمثلة في سك عملة معدنية غير قانونية من فئة 100 ريال يمني.

وذكرت مصادر في القطاع التجاري لـ«الشرق الأوسط» أن الوسطاء من السعودية وسلطنة عمان يعملون على احتواء تداعيات الحرب الاقتصادية بين الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين عقب قيام الأخيرة بإصدار العملة المعدنية من طرف واحد، ورد البنك المركزي في عدن على ذلك بمنع تداول هذه الفئة، وتوجيهه البنوك التجارية بنقل إداراتها المركزية من صنعاء إلى عدن خلال شهرين.

عائدات ميناء الحديدة يستحوذ عليها الحوثيون بينما يعاني سكان المدينة من الفقر (إعلام محلي)

وبينت هذه المصادر أن جهود الوسطاء مستمرة، وأن هناك أفكاراً تناقش وبمشاركة من الأمم المتحدة لاحتواء المواجهة الاقتصادية بين الحكومة والحوثيين، وتشمل هذه النقاشات جوانب كثيرة من الوضع الاقتصادي بما فيها استئناف تصدير النفط الذي توقف بسبب استهداف الحوثيين موانئ تصديره، وقالت إنه لم يتم التوصل بعد إلى تفاهمات واضحة بهذا الخصوص.

وبالتزامن مع هذه الجهود ذكرت مصادر القطاع التجاري أن رشيد أبو لحوم وزير المالية في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، وجه المنافذ الجمركية التي استحدثت في مناطق التماس مع مناطق سيطرة الحكومة الاستعداد لبدء تنفيذ قرار سابق برفع الرسوم الجمركية بنسبة 100 في المائة، على كل البضائع المقبلة من الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة، وهو القرار الذي أعلن عنه قبل ستة أشهر ومنح بموجبه التجار هذه الفترة لاستكمال تحويل استيراد البضائع إلى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الجماعة.

وذكرت المصادر أن القيادي الحوثي أبو لحوم يسعى ومنذ انتهاء فترة الأشهر الستة لتطبيق هذه الخطوة التي تهدف إلى رفع أسعار البضائع والسلع التي يتم استيرادها عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة لصالح البضائع التي يتم استيرادها عبر الموانئ التي تخضع لسيطرة الحوثيين، مع أن القانون اليمني لا يعطي الوزير ولا الحكومة غير المعترف بها حق فرض أي رسوم أو زيادة في الضرائب إلا بقانون، كما يمنع منح الإعفاءات إلا في حالات محددة وبشروط مشددة.

رفض للقرار

وفق المصادر اليمنية، فإن القطاع التجاري في مناطق سيطرة الحوثيين أكد أنه لن يرضخ لهذه الإجراءات التي وصفها بالتعسفية وغير القانونية، حيث يتهم القيادي الحوثي أبو لحوم بأنه كان السبب في ارتفاع أسعار جميع السلع من خلال مضاعفته رسوم ما يسمى بالنظافة والتحسين إلى أكثر من عشرة أضعافها خلال عام واحد، وأنه مستمر في مضاعفتها بمقدار مرتين كل عام، إلى جانب غيرها من الجبايات المرتبطة بالسلع والخدمات.

الحوثيون أغلقوا الطرق الرئيسية مع المناطق المحررة لإرغام التجار على الاستيراد عبر الحديدة (إعلام محلي)

ونبهت المصادر إلى أن قطاعاً كبيراً من التجار غادر إلى مناطق سيطرة الحكومة أو إلى الخارج، وأن هناك ممارسات يومية هدفها خلق طبقة جديدة من التجار مستفيدين من التسهيلات والامتيازات والإعفاءات التي يمنحها الحوثيون لهؤلاء التجار، وغالبيتهم ينحدرون من محافظة صعدة المعقل الرئيسي للجماعة.

واتهمت المصادر في القطاع التجاري أبو لحوم ومعه القيادي الآخر محمد المطهر المعين في منصب وزير الصناعة والتجارة في حكومة الانقلاب الحوثية إلى جانب القيادي أحمد حامد الذي يشغل منصب مدير مكتب مجلس الحكم الحوثي، بالعمل على تدمير القطاع الخاص.

ويأتي التدمير الممنهج - وفق المصادر - من خلال فرض الرسوم والجبايات المضاعفة ومصادرة البضائع بحجة مقاطعة الشركات الغربية، بينما يعمل هؤلاء على تقديم التسهيلات والإعفاءات من الرسوم القانونية والجبايات لمجموعة من التجار الذين يعملون لصالح الجماعة أو بالشراكة مع قيادات فيها.

ووفق ما ذكرته المصادر التجارية اليمنية، فإن الخطوة الحوثية المتوقعة ستسبب حالة من الفوضى، وتراكم السلع في المنافذ مع نقص المعروض منها في الأسواق، وإنها لن تجبرهم على الاستيراد عبر موانئ الحديدة، كما أن كميات كبيرة تأتي من دول الجوار عبر البر، وبالضرورة أن تمر عبر مناطق سيطرة الحكومة التي تسيطر على كل المنافذ البرية.

مسلحون حوثيون في تجمع دعا له زعيم الجماعة بصنعاء (رويترز)

وكان الحوثيون أعلنوا في مطلع أغسطس (آب) الماضي رفع الرسوم الضريبية على السلع المقبلة عبر المنافذ البرية مع مناطق سيطرة الحكومة بنسبة 100 في المائة من إجمالي القيمة الجمركية، بعد أن فشلت الجماعة في إقناع المستوردين بالتحول نحو ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم، وبهدف زيادة الأموال التي يتحصلون عليها، والضغط على الجانب الحكومي مالياً بعد أن منعته من تصدير النفط منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عند استهداف موانئ التصدير بعدة هجمات.


البحر متنفس النازحين في غزة رغم القصف والدمار

أهل غزة يقولون «البحر متنفسنا» بعيداً عن خيم النزوح (أ.ف.ب)
أهل غزة يقولون «البحر متنفسنا» بعيداً عن خيم النزوح (أ.ف.ب)
TT

البحر متنفس النازحين في غزة رغم القصف والدمار

أهل غزة يقولون «البحر متنفسنا» بعيداً عن خيم النزوح (أ.ف.ب)
أهل غزة يقولون «البحر متنفسنا» بعيداً عن خيم النزوح (أ.ف.ب)

دفع ارتفاع درجات الحرارة في دير البلح في قطاع غزة ناجي أبو وسيم وأسرته للهرب إلى البحر وقضاء بعض الوقت بعيداً عن خيم النزوح بعد أكثر من ستة أشهر من حرب مدمّرة متواصلة.

رصد تقرير لوكالة «الصحافة الفرنسية» وصول الآلاف الأربعاء إلى شاطئ بحر دير البلح في وسط قطاع غزة، بعضهم نزل إلى البحر للسباحة، فيما فضل آخرون البقاء على الشاطئ، واصطحب أحدهم حصاناً ركبوه، وأمكن رؤية جمل مع شبان آخرين.

وقال أبو وسيم «البحر متنفسنا الوحيد، أمضيت مع أسرتي ست ساعات على البحر، الأطفال كانوا فرحين».

وأضاف «هذا هدفنا الأول أن نخرجهم من أجواء الدمار، والقتل، والحرب، رغم أنهم يسمعون انفجارات في كل لحظة، والطائرات تجوب الأجواء».

وتابع «إن شاء الله تنتهي هذه الحرب، ونرجع إلى مدينة غزة حتى لو على الركام».

أما محمود الخطيب (28 عاماً) النازح من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة قرب دير البلح، فوصف الخيمة بأنها «مثل الفرن»، في إشارة إلى الحر الشديد.

وأضاف «اليوم كانت فرصة أمامنا أن نتوجه إلى البحر بسبب الحرارة المرتفعة، اصطحبت زوجتي وأولادي... أفضل من الخيمة».

وتخوّف من فصل الصيف المقبل. «نحن مقبلون على فصل صيف حار. درجات الحرارة تقتلنا إلى جانب الحرب. ليس أمامنا سوى شاطئ البحر».

واستدرك «يكفي سبعة شهور من الحرب، لم يبق شيء، لا بيوت، ولا مال، ولا بنية تحتية، لا شكل للحياة، كل شيء معدوم».

ورصدت عدسة وكالة «الصحافة الفرنسية» أطفالاً يلهون على الشاطئ، وآخرين على الرمال، بينما كانت نسوة محجبات يلتقطن الصور.

علبة سردين

بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس، قتل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 33899 شخصاً في قطاع غزة، أكثر من 70 في المائة منهم من النساء والأطفال.

واندلعت الحرب عقب هجوم غير مسبوق نفذته حركة «حماس» على الأراضي الإسرائيلية، وأدى إلى مقتل 1170 شخصاً، معظمهم من المدنيين. فيما خطف أكثر من 250 شخصاً، ما زال 129 منهم محتجزين في غزة، توفي 34 منهم، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.

ورداً على ذلك، توعدت إسرائيل بـ«القضاء» على «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة منذ العام 2007 وتصنّفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «إرهابية».

ومن بين الذين هربوا إلى البحر، يونس أبو رمضان الذي اصطحب زوجته وأولاده.

وقال «لا مفرّ أمامنا سوى التوجه إلى البحر، حاولنا أن ننسى ما نحن فيه، لكن الظرف صعب، إطلاق النار والقصف في كل مكان».

وأضاف أبو رمضان الذي نزح مع عائلته المؤلفة من عشرين شخصاً، بينهم أطفال من حي النصر في شمال قطاع غزة إلى دير البلح «نعيش في خوف، ورعب، ونتمنى أن نعود إلى بيوتنا في غزة».

أما زوجته أم رمضان فقالت إن خيم النزوح «مثل علبة السردين، تكدّس، وازدحام. لا نعرف الراحة، ولا الهدوء، الطيران من جانب، وقلق الأطفال من جهة ثانية».

وأضافت «البحر متنفسنا... شاهدنا كل الناس الموجودة في الخيم وقد نزلوا إلى البحر مثلنا، لأن الجو حار جداً».

ولم تخف السيدة خوفها من القصف الإسرائيلي. وتقول «نحن خائفون أن يتم قصفنا من البحر أيضاً، الزوارق الحربية الإسرائيلية قريبة من الشاطئ، لكن الله سلمنا، ونأمل أن تنتهي الحرب، ونعود إلى منازلنا».


ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيئ في سلطنة عمان إلى 21

غرق يعض السيارات في إمارة دبي جراء الطقس السيئ (أ.ف.ب)
غرق يعض السيارات في إمارة دبي جراء الطقس السيئ (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيئ في سلطنة عمان إلى 21

غرق يعض السيارات في إمارة دبي جراء الطقس السيئ (أ.ف.ب)
غرق يعض السيارات في إمارة دبي جراء الطقس السيئ (أ.ف.ب)

قالت وكالة الأنباء العمانية، اليوم (الخميس)، إن عدد الوفيات جراء المنخفض الجوي الذي ضرب السلطنة ارتفع إلى 21، بعد العثور على امرأة عمانية مفقودة في منطقة الشريخة بولاية محوت، ورجل يحمل جنسية دولة آسيوية في ولاية صحم وقد فارقا الحياة.

وأضافت الوكالة الرسمية أن البحث لا يزال جارياً عن مفقودين اثنين آخرين.

كانت اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة في عمان قد أعلنت في وقت سابق من الأسبوع الحالي تعليق العمل في المدارس في أغلب أنحاء البلاد، واعتمدت حكومة دبي في الإمارات العمل عن بُعد لثلاثة أيام بعد موجة من الطقس السيئ ضربت المنطقة، وشهدت عواصف عاتية وأمطاراً غزيرة غير مسبوقة.

وعطل المنخفض الجوي مناطق واسعة في سلطنة عمان والإمارات وامتد تأثيره أيضاً إلى اليمن.

وأعلنت عمان والإمارات، أمس، انتهاء موجة الطقس السيئ، وأعاد مطار دبي الدولي تدريجياً فتح إجراءات تسجيل المسافرين المغادرين لرحلات طيران الإمارات وفلاي دبي بعد تعليقها بسبب الطقس.


وفرة الموارد الطبيعية في باكستان تفتح الباب لاستثمارات سعودية جديدة

وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
TT

وفرة الموارد الطبيعية في باكستان تفتح الباب لاستثمارات سعودية جديدة

وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)

قال نواف المالكي السفير السعودي لدى باكستان، إن اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص»، الذي عُقد أمس (الثلاثاء) بين الجانبين السعودي والباكستاني، أكّد على «ما تختص به باكستان من وفرة في الموارد الطبيعية مما يجعلها دولة مستهدفة للاستثمار في كثير من القطاعات المتاحة من خلال دراسة العروض المقترحة لإقامة استثمارات مشتركة بين السعودية وباكستان».

ووصل وزير الخارجية السعودي إلى باكستان (الاثنين)، في زيارة استمرت ليومين، على رأس وفد رفيع المستوى يتألّف من وزراء من القطاعات الرئيسية بما في ذلك الاستثمار، والمياه والزراعة، والبيئة، والصناعة، والموارد المعدنية، والطاقة، وقطاعات أخرى، لتسريع متابعة التفاهم الذي تم التوصل إليه بين رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي خلال اجتماعهما الأخير في السابع من أبريل (نيسان) الحالي في مكة المكرمة، ولتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين، والتقى خلال زيارته الرئيس الباكستاني، ورئيس الوزراء؛ ووزير الخارجية، ورئيس الجيش الباكستاني. كما ترأس مع نظيره الباكستاني اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين».

وأضاف المالكي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الزيارة تأتي «امتداداً للعلاقات الدائمة مع دولة باكستان الشقيقة، وهي تأكيد على عمق العلاقات بين البلدين وتطورها بشكل مستمر، ولتعزيز التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري، ودعم المستثمرين من البلدين لتوسيع أعمالهم التجارية في القطاعات كافة». وتابع أن زيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان والوفد المرافق له «جاءت لاستعراض سبل تعزيز علاقات التعاون المتينة في كثير من المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تكثيف التعاون الأمني والاستراتيجي بين البلدين بما يسهم في الأمن والسلم الدوليين».

وتتجه السعودية وباكستان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري ودعم المستثمرين لتوسيع أعمالهم في البلدين، وذلك خلال اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص»، الذي عقد في إسلام آباد، (الثلاثاء)، برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، ونظيره الباكستاني إسحاق دار.

القطاعات المستهدفة

وأكد وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، على الروابط العميقة والمصالح الاستراتيجية المتبادلة بين باكستان والسعودية، وأبرز أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية الثنائية والدور الحيوي للاستثمارات السعودية في تعزيز هذه العلاقة.

وشرح كيف تهدف باكستان من خلال منصة «إس آي إف سي» إلى تبسيط عمليات الاستثمار وضمان اتخاذ القرارات بسرعة، وتعزيز بيئة استثمارية مزدهرة في باكستان.

وعرض فرص باكستان الوفيرة في قطاعات الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والتعدين، داعياً المستثمرين السعوديين إلى المشاركة في شراكات مفيدة للجانبين.

وتحدث وزير الخارجية الباكستاني أيضاً عن ثقته بتعزيز الروابط بين البلدين، متصوراً نمواً اقتصادياً كبيراً وفوائد دائمة.

جانب من لقاء وزير الخارجية السعودي والوفد المرافق رفيع المستوى برئيس أركان الجيش الباكستاني (واس)

تحديد الفرص الاستثمارية

إلى ذلك، قدم المسؤولون في «إس آي إف سي» شروحات شاملة تشمل الإمكانيات والفرص الاستثمارية في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الباكستاني، وعقد الجانبان جلسات نقاش مكثفة على مستوى الأداء لتحديد فرص الاستثمار في باكستان.

وكشف الجانب السعودي عن أهمية كبيرة واهتمام في تحسين بيئة الاستثمار في باكستان، وقدر دور «إس آي إف سي» في تسوية قضايا الاستثمار / الأعمال السابقة للسعودية بطريقة ودية، مبدياً اهتماماً كبيراً بالاستثمار في القطاعات الرئيسية في باكستان.

أما الجانب الباكستاني فأبدى دعمه وتسهيلاته في تسريع الاستثمارات متعددة المليارات من المملكة في إسلام آباد.

ووضع الجانبان آلية تنفيذ ثنائية لتنسيق وتنفيذ الشؤون المتعلقة بالاستثمار على مستوى الأداء لتحويل التزاماتهما السيادية إلى نتائج اقتصادية ملموسة.


لماذا يثير وجود الحكومة اليمنية في الداخل قلق الحوثيين؟

جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
TT

لماذا يثير وجود الحكومة اليمنية في الداخل قلق الحوثيين؟

جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)

ضمن سلسلة جولات عديدة، زار رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك بشكل مفاجئ مؤسسة الكهرباء بمديرية المنصورة في عدن قبل يومين، وفي التوقيت نفسه كان رئيس مجلس القضاء الأعلى، يتفقد العمل بديوان النيابة العامة، ومجمع النيابات الابتدائية في المدينة نفسها.

خلال الشهرين الأخيرين، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن حضوراً لافتاً للصف الأول من قيادات الدولة بدءاً بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس ونواب البرلمان، إلى جانب رئيس وأعضاء هيئة التشاور والمصالحة، وصولاً لرئيس وأعضاء الحكومة اليمنية.

رئيس مجلس القيادة يؤدي صلاة العيد في عدن برفقة أعضاء المجلس والحكومة والبرلمان (سبأ)

ويعتقد مسؤولون ومحللون أن عودة قيادات الدولة اليمنية وممارسة أعمالهم من الداخل، تمثل أولى خطوات الانتصار على جماعة الحوثي الانقلابية، وتقديم نموذج إيجابي في المناطق المحررة على امتداد الجغرافيا اليمنية.

«عودة جميع مسؤولي الدولة إلى الداخل ومشاركة المواطنين المعاناة استراتيجية أساسية لدى مجلس القيادة الرئاسي، تعطي انطباعاً حقيقياً بوجود الدولة ومواجهة الميليشيات الحوثية»، هذا ما يقوله فهد الخليفي وكيل محافظة شبوة.

وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني قد وجه، في أوائل أغسطس (آب) الماضي، جميع مسؤولي الدولة للعودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، لاستئناف أعمالهم من مقارها في المدينة وفي بقية المحافظات.

وأضاف الخليفي لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «هذه العودة تعد من ثمار المشاورات اليمنية التي عقدت في الرياض، ولا شك سوف تؤدي لمواجهة التحديات الاقتصادية وهي أولوية مجلس القيادة والحكومة في الفترة الحالية، وسيكون لها أثر إيجابي على المستوى الاقتصادي».

ولفت وكيل محافظة شبوة إلى أن «جماعة الحوثي لطالما استخدمت وجود قيادات الشرعية في الخارج لاستعطاف المواطنين والترويج بأنهم هاربون ولا يوجد لهم قبول في الداخل، لكن الأمر خلاف ذلك تماماً، اليوم نرى عدن تحتوي الجميع للعمل في منظومة واحدة لخدمة الناس». وتابع: «أعتقد أن الوجود في الداخل يمثل أولى خطوات الانتصار على الحوثيين، ويدفع باتجاه توحيد اللحمة الداخلية لمواجهة التحديات كافة».

الاقتراب من هموم الناس

أعطت تحركات رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك وزياراته الميدانية لمؤسسات الدولة وبعض المحافظات اليمنية آخرها حضرموت، انطباعاً إيجابياً لدى السكان، بحسب مراقبين.

يرى لطفي نعمان، وهو مستشار سياسي وإعلامي يمني، أن عودة قيادات الدولة للداخل «خطوة ضرورية ومطلوبة؛ خصوصاً أنها تقارب هموم الناس ومتطلباتهم المعيشية». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفارق يتضح بمرور الوقت، فمعالجة المشكلات لا تتم بمجرد لقاء وزيارة ميدانية واحدة».

ولا يعتقد المستشار السياسي أن جسامة ما خلقته النزاعات والصراعات قد تهدأ بمسكنات، ويرى أن الحل يأتي «بمعالجات أقوى في مجالات كثيرة؛ أهمها الاقتصاد ومسارعة إعادة إعمار البنى التحتية الضرورية، بما يخفف عن الناس معاناتهم في مناطق الحكومة ومجلس القيادة على أقل تقدير».

قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي الفريق بحري عبد الله النخعي خلال زيارته المواقع العسكرية في باب المندب وجزيرة ميون (سبأ)

وتعليقاً على خشية الحوثيين عودة قيادات الشرعية للبلاد، يرى لطفي نعمان أن «محاولة الوصول إلى خلق نموذج إيجابي هو أفضل سبيل للمواجهة». وأضاف قائلاً: «من الطبيعي أن يخشى ويتحسب من يقع في الجانب الآخر، لمثل هذا الأمر، لا سيما وهو يراهن على فشل الآخرين لئلا يكون الفاشل الوحيد في خلق نموذج (ينفع الناس ويمكث في الأرض) ما دام يقارب ويحاول بصدق وإخلاص معالجة همومهم الأساسية بعيداً عن المزايدات والبروباغندا الإعلامية».

بدوره، يرى الدكتور عبد العزيز جابر، الباحث اليمني في الإعلام السياسي، أن الحراك الأخير لرئيس الحكومة وزيارة حضرموت يعطيان رسالة بحضور الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية الأمنية.

وأشار جابر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مثل هذه الزيارات وحراك قيادات الشرعية «يغيظ ميليشيات الحوثي الانقلابية ويرسل رسالة قوية بأن مشروع الحوثي الإيراني الذي جلب الدمار والخراب مصيره إلى الزوال، وأن الشعب اليمني يتوق للتخلص منه».

وتابع: «أعتقد أن زيارة بن مبارك لحضرموت تعد خطوة في مسافة الألف ميل في سبيل تثبيت مداميك حضور الدولة مدنياً وأمنياً وعسكرياً».


واشنطن تتبنّى غارتين استباقيتين ضد الحوثيين في الحديدة

مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تتبنّى غارتين استباقيتين ضد الحوثيين في الحديدة

مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

تبنّى الجيش الأميركي تدمير طائرتين حوثيتين من دون طيار في محافظة الحديدة الساحلية الخاضعة للجماعة الموالية لإيران في اليمن، وذلك في سياق الضربات الاستباقية التي قلصت في الآونة الأخيرة من خطورة الهجمات ضد السفن في البحر الأحمر، وخليج عدن.

وتزعم الجماعة الحوثية أنها تساند بهجماتها البحرية الفلسطينيين في غزة، وتربط وقف الهجمات بانتهاء الحرب، وإنهاء حصار إسرائيل للقطاع، فيما تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أوامر إيران خدمة لأجندة الأخيرة في المنطقة.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية في بيان، الأربعاء، بأن قواتها نجحت بين الساعة 10:50 صباحاً و11:30 صباحاً (بتوقيت صنعاء) في 16 أبريل (نيسان) في الاشتباك مع طائرتين من دون طيار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الإرهابيون، والمدعومون من إيران في اليمن.

وفي حين لم يتم -وفق البيان- الإبلاغ عن وقوع إصابات، أو أضرار من قبل السفن الأميركية، أو التحالف، أو السفن التجارية، أوضح أنه تقرر أن هذه الطائرات من دون طيار كانت تمثل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة، والتحالف، والسفن التجارية في المنطقة، وأنه يتم اتخاذ هذه الإجراءات لحماية حرية الملاحة، وجعل المياه الدولية أكثر أماناً.

ولم يشر البيان الأميركي إلى مكان الضربات، إلا أن الجماعة الحوثية أقرت عبر وسائل إعلامها بتلقي غارتين وصفتا بـ«الأميركية، والبريطانية» في أحد المواقع التابعة لمديرية باجل شمال مدينة الحديدة.

ويقول الجيش الأميركي إن ضرباته الاستباقية أدت إلى تقليص خطر الهجمات الحوثية على السفن، في وقت تزعم فيه الجماعة أن هجماتها باتت أكثر تطوراً، ودقة، وأنها تطور من قدراتها باستمرار لاستهداف السفن.

سفينة شحن متجهة إلى اليمن تخضع لآلية التفتيش الأممية (السفارة البريطانية لدى اليمن)

وفي وقت سابق أوضحت القوات الأميركية أن واشنطن تتخذ، وبالتنسيق مع الحلفاء والشركاء، خطوات عسكرية، ودبلوماسية، واقتصادية لتشكيل عملية ضغط على قيادة الحوثيين، وتقليص قدرتهم على شن هجمات على خطوط الشحن التجاري.

وقالت القيادة المركزية الأميركية إنه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وحتى 11 من أبريل الحالي قام المسلحون الحوثيون بمهاجمة أو تهديد السفن التجارية، والسفن البحرية الأميركية 122 مرة. وفي خلال الفترة نفسها قامت البحرية الأميركية بـ50 ضربة للدفاع عن النفس، حيث استخدمت الجماعة في هجماتها صواريخ باليستية، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وأنظمة جوية من دون طيار لاستهداف السفن.

وطبقاً للجيش الأميركي، أثرت هجمات الحوثيين على مصالح أكثر من 55 دولة، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، الذي هو حجر الأساس للاقتصاد العالمي. ودفعت هذه الهجمات أكثر من عشر شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة، والأهم من ذلك تعريض حياة البحارة الأبرياء، وأفراد الخدمة الأميركية للخطر.

ثبات الموقف الحكومي

لم يتغير موقف الحكومة اليمنية من التصعيد البحري الحوثي، والضربات الغربية التي ترى أنها غير مجدية، وأن الحل هو دعم قواتها الشرعية لاستعادة كامل الأراضي اليمنية، بما فيها الحديدة وموانئها.

وفي أحدث تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، قال إن الحل الوحيد لإيقاف التهديدات وتأمين البحر الأحمر هو دعم الحكومة الشرعية اليمنية، وقدراتها، لكي تستعيد المناطق الواقعة تحت سيطرة من وصفها بـ«الميليشيات الإيرانية التي تهاجم اليوم الملاحة الدولية»، في إشارة إلى الحوثيين.

قوات من خفر السواحل اليمنية الحكومية قبالة ميناء المخا على البحر الأحمر (أ.ف.ب)

وتجدد الموقف خلال كلمة المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي، الاثنين الماضي، أمام مجلس الأمن، حيث اتهم الجماعة الحوثية بالهروب من التزامات السلام، وبتقويض العملية السياسية من خلال قيامها بما وصفه بـ«تصعيد مدمّر في البحر الأحمر بذريعة مساندة غزة».

وقال السعدي «إن الميليشيات قامت بمضاعفة قيودها، وانتهاكاتها الجسيمة، وتصعيدها العسكري على مختلف الجبهات، رغم وجود هدنة هشة لم تلتزم بتنفيذ بنودها، لأنها لا تستطع العيش إلا في مستنقع الصراع، ومشروعها هو مشروع حرب، وتدمير، وليس مشروع سلام، ولا يمكن أن تتعايش مع المجتمع بسلام». وفق تعبيره.

وكانت واشنطن أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض. وانضم لها الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حماية السفن دون توجيه ضربات مباشرة للحوثيين.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفَّذت أكثر من 400 غارة على الأرض ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي لتحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.

وتعهد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بالاستمرار في شن الهجمات في البحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، وتبنت جماعته مهاجمة نحو 100 سفينة منذ بدء التصعيد في 19 نوفمبر الماضي، واعترفت بمقتل 37 عنصراً من مسلحيها، وجرح 30 غيرهم.

مسيّرة حوثية لحظة إطلاقها من مكان غير معروف لاستهداف السفن (رويترز)

في مقابل ذلك، أُصيبت 16 سفينة على الأقل خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر»، واحتجاز طاقمها، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما تسبب هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي في مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

ومع مخاوف المبعوث الأممي هانس غروندبرغ من عودة القتال بين القوات الحكومية وقوات الانقلابيين الحوثيين، دعا في أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن إلى فصل الأزمة اليمنية عن قضايا الصراع في المنطقة، أملا في التوصل إلى خريطة سلام تطوي نحو 10 سنوات من الصراع في البلد المنهك.


اليمن يستنفر لمواجهة المنخفض الجوي في المحافظات الشرقية

السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
TT

اليمن يستنفر لمواجهة المنخفض الجوي في المحافظات الشرقية

السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)

استنفرت الحكومة اليمنية والسلطات المحلية في المحافظات الشرقية؛ استعداداً لمواجهة المنخفض الجوي المرتقب، وسط تشديد رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك على التأهب لكل الاحتمالات.

ومع تغيرات المناخ في العالم، تعرّض اليمن، في السنوات الأخيرة، لموجات موسمية من الأعاصير والأمطار التي تسببت في فيضانات وأدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، ولا سيما في محافظات حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى، كان آخِرها، العام الماضي، العاصفة المدارية «تيج».

رئيس الحكومة اليمنية شدّد على الاستعداد لمواجهة المنخفض الجوي شرق البلاد (سبأ)

وذكر الإعلام الرسمي أن رئيس مجلس الوزراء أحمد عوض بن مبارك تابع مسار المنخفض الجوي المتوقع أن يتوجه إلى المحافظات الشرقية، وأبرزها المهرة ومديريات الوادي والصحراء بمحافظة حضرموت، ومدى استعداد السلطات المحلية وغرف الطوارئ للتعامل مع التداعيات المحتملة للمنخفض.

وأجرى بن مبارك - وفق وكالة «سبأ» الحكومية - اتصالات مع محافظ المهرة محمد علي ياسر، ووكيل محافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء عامر العامري، واستمع إلى شرح حول تطورات المنخفض الجوي، والتوقعات على ضوء تقارير الأرصاد الجوية، والاستعدادات القائمة للتعامل مع كل الاحتمالات والإجراءات التي جرى اتخاذها، بما في ذلك تعليق الدراسة بالمهرة، ومنع الصيادين من الدخول إلى البحر، وتشكيل لجان طوارئ فرعية بمديريات الوادي والصحراء.

وشدد رئيس الوزراء اليمني على أهمية تكثيف الجهود لتجاوز تداعيات المنخفض الجوي المحتملة، والتركيز، في المقام الأول، على حماية السكان، وتحذيرهم بالابتعاد عن الأودية ومجاري السيول، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، منوهاً بالإجراءات الاستباقية المتخَذة وضرورة الإسناد المجتمعي لهذه الجهود.

تدابير محلية

في سياق الاستعداد للمنخفض الجوي، الذي يتوقع أن يستمر حتى السبت المقبل، أقرّت لجنة الطوارئ، برئاسة وكيل محافظة حضرموت لشؤون مديريات الوادي والصحراء، عامر العامري، جملة من الإجراءات والتوجيهات بشأن تنسيق الجهود، ووضع الترتيبات اللازمة لأخذ الاحتياطات الاحترازية لأي تطورات متوقعة بشأن المنخفض الجوي المتوقع أن تتأثر به مديريات الوادي والصحراء.

تقلب المناخ أدى إلى معاناة اليمن خلال السنوات الأخيرة من الفيضانات (إ.ب.أ)

ونقل الإعلام الرسمي عن الوكيل العامري تأكيده ضرورة متابعة سير الحالة المناخية، وأخذ الحيطة والحذر، والتأكد من جاهزية المُعدات والأدوات التابعة لعدد من المرافق، ووضعها تحت طلبات لجنة الطوارئ، وتوجيه مديري عموم المديريات بتشكيل لجان طوارئ فرعية بالمديريات.

وشدد العامري على أن تتحمل كل الأجهزة التنفيذية مسؤوليتها المشتركة في هذا الظرف، ومضاعفة الجهود لمواجهة أية تطورات محتملة لهذا المنخفض.

في السياق نفسه، استمعت لجنة الطوارئ من مدير عام مطار سيئون الدولي، علي باكثير، إلى صورة موجزة لما تتضمنه النشرات الجوية الصادرة عن مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر، ومدى تأثر مديريات وادي حضرموت والصحراء بالمنخفض الجوي الذي يتوقع أن يستمر حتى السبت المقبل.

وأكدت لجنة الطوارئ العمل وفق المهام المُلقاة على عاتق كل الجهات الحكومية والأهلية بحسب الإمكانيات المتوفرة لديهم، والاستفادة منها إذا اقتضت الحاجة ذلك. وشددت اللجنة على أهمية إزالة أية عوائق تتسبب في انسدادات بالأودية الفرعية.

وكان مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر قد حذّر من تأثر اليمن بأمطار رعدية متفاوتة الشدة على سواحل ومرتفعات وصحاري محافظتي المهرة وحضرموت.

ووفق بلاغ للمركز، أظهرت صور الأقمار الصناعية تأثر اليمن بأمطار رعدية، مع توقع استمرار هطول الأمطار على المرتفعات والمنحدرات الغربية، من صعدة شمالاً حتى الضالع وتعز، وتمتد حتى لحج جنوباً، وشرقاً حتى محافظات أبين وشبوة والجوف ومأرب.

أمطار غزيرة في صنعاء أدت إلى فيضان الشوارع (إ.ب.أ)

وشدد المركز على السكان وسائقي المركبات أهمية الابتعاد عن بطون الأودية ومجاري السيول، وعن السير في الطرق الطينية الزلقة بالمناطق المتوقع هطول أمطار فيها، وحذّر من الاقتراب من أعمدة الكهرباء واللوحات الإعلانية والأشجار، ودعا إلى إغلاق الهواتف النقالة أثناء العواصف الرعدية، كما حذّر من نشاط الرياح أثناء العواصف الرعدية.

وفي حين لفت المركز إلى أنه يتابع تطورات الحالة الجوية على مدار 24 ساعة، وأنه ستجري موافاة وسائل الإعلام بآخِر المستجدّات لها، كان مكتب التربية والتعليم بمحافظة المهرة (شرق) قد علّق الدراسة، أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس؛ حرصاً على سلامة الطلاب والطالبات، على أن يجري استئناف الدراسة الأحد المقبل.

ووجّه المكتب الإدارات التعليمية والمدرسية بأخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع التغيرات المناخية، وتجهيز المدارس لإيواء المتضررين خلال الأيام المقبلة.