على مدى نصف قرن من الزمن، استطاع المطرب محمد منير، أن يكون محطة مهمة وفريدة في تاريخ الغناء المصري، منذ بداية رحلته الغنائية والفنية مطلع سبعينات القرن الماضي، وحتى آخر ألبوماته «وطن»، الذي طرح منه حتى الآن 6 أغنيات بشكل منفرد عبر قناته الرسمية بموقع «يوتيوب»، كان آخرها أغنية «مهموم» كلمات أمير طعيمة وألحان وليد سعد.
يقول محمد منير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه يعتبر أغنية «مهموم»، رسالة للمجتمع، بعد ملاحظته أن الشعب المصري أصبح مهموماً دون أن يجتهد ويبحث عن إجابة للحالة التي يمر بها، نافياً في الوقت نفسه أن يكون للأغنية أي أبعاد تتعلق بالجوانب الاقتصادية؛ لأنه يستهدف المواطن بشكل أساسي، لحثه على عدم الاستسلام للظروف والأشياء التي قد تجعله مهموماً، وبخاصة أنه يملك القدرة على أن يساهم في إصلاح حاله، عن طريق البناء وإعادة صياغة الإنسان المصري مرة أخرى.
ورأى منير في حديثه أنه «أول المهمومين في الشعب المصري، لكني مهموم بوطني وليس بشيء شخصي»، لافتاً إلى أنه مهموم بالتعليم والصحة، وكل شيء يمكن أن يساهم في تقدم بلده خطوات للأمام، متمنياً أن تكون مصر في أعلى درجات التقدم والازدهار والقوة.
وعن سبب إطلاق اسم «وطن» على الألبوم، قال محمد منير، إنه يعتبر هذا الألبوم امتداداً طبيعياً لمشروعه في الغناء للوطن؛ فقد سبقه بعدد كبير من الأغنيات منها «بلاد طيبة»، و«يا مصر وإنت الحبيبة»، و«مالك خايفة ليه»، و«إزاي»، و«أنا منك اتعلمت»، و«عروسة النيل»، و«قلب الوطن المجروح»، و«اتكلمي»، و«شمس المغيب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن مصر حالياً تمر بمرحلة بناء، وهي مرحلة صعبة جداً، ودائماً ما يكون للأغنية دور مهم في مثل هذه الأوقات التي تتطلب من الجميع التوحد والتكاتف.
محمد منير الذي قدم أكثر من 30 ألبوماً في مسيرة فنية مثيرة للاهتمام تمتد لأكثر من نصف قرن، استحق عليها أن يلقبه الجمهور بـ«الكينج» تطرق خلال حديثه لأزمة اختيار أغنيات جيدة خلال السنوات الأخيرة، وقال إن «الموسيقى في مصر حالياً تمر بحالة اضمحلال شديدة» إلى درجة أنه «أصبح من الصعب على المطرب إيجاد عمل جيد بسهولة ليقدمه للجمهور، عكس الماضي الذي كان يختار فيه المطرب من بين عشرات الأغنيات لكبار المبدعين».
وعبّر عن معاناته الشخصية في عملية البحث عن أغنيات جيدة، بقوله «نعم، أعاني... فعملية البحث عن كلمات وموسيقى تحمل رؤية جديدة وجيدة، تعطل محمد منير كثيراً».
وأكد منير أن الموسيقى التي يسمعها حالياً ضعيفة، ليس فقط بالمقارنة مع ما قدمه من قبل على مدار تاريخه، لكنها أيضاً أصبحت ضعيفة بمقياس الموسيقى في كل الدول، لافتاً إلى أنه كان يغني في مدينة دورتموند الألمانية وبعدها في مهرجان جرش بالأردن أخيراً، ولا يلاحظ أن العالم يعاني من غياب الموسيقى الجيدة، أو في صناعة الأغنية بشكل عام كما هو الحال في مصر خلال السنوات الأخيرة.
محمد منير، عرف بموسيقاه، التي تقدم مزيجاً نادراً بين الموسيقى النوبية والسلم الخماسي مع الموسيقى الشرقية والغربية، حقق المعادلة الصعبة، فلم يكتف بأن يكون صوتاً للنخبة كما كان في البدايات، لكنه تمكن من كسر هذا الحاجز في التسعينات ليكون صوتاً للجمهور العام، ويحتل مكانة في صدارة المشهد الموسيقي بمصر، وتصبح ألبوماته محط أنظار الموسيقيين أنفسهم وليس فقط الجمهور.
«الأجيال الجديدة في عالم الغناء حظهم سيئ؛ فهم لديهم طموحات عالية جداً، لكنها تصطدم عادة بالمضمون الذي يتم تقديمه»، حسب محمد منير، الذي أكد أيضاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه يستمع لمزيكا وفكر الفرق الجديدة، لكنها من وجهة نظره تحتاج بالتعبير المصري إلى «قرصة ودن» لتهتم بتقديم محتوى جاد، مشدداً على أن المضمون المقدم حالياً يحتاج إلى رؤية، والحقيقة أن عمق الرؤية يغيب عن الأعمال التي تقدمها كثير من هذه الفرق الجديدة، حسب منير.
ورغم انتقاده حال الموسيقى المصرية في الوقت الحالي، فإن منير يرى أملاً في تغير هذا الواقع للأفضل خلال الفترة المقبلة، قائلاً: «أستند إلى هذا التفاؤل مجهول المصدر من خلال خبرت طويلة».
وحول معاييره لقياس نجاح الأغنية في ظل حسابات «السوشيال ميديا» وأرقام نسب الاستماع على موقع «يوتيوب» التي يعتبرها البعض مضللة ولا تعبر عن الواقع، قال منير، إن «الأغنية لا بد أن يغنيها شعب كامل، حتى يقال إنها نجحت، ولا توجه لفئة أو منطقة بعينها، فإذا غنى الشعب لمطرب بكثافة سيكون هذا عنوان النجاح الحقيقي، وهو ما لا بد أن تبحث عنه الأجيال الجديدة»، مؤكداً أنه سيكون أكثر الناس سعادة بنجاحهم إذا استطاعوا تحقيق ذلك.
وعن أسباب انخفاض عدد حفلاته في مصر أخيراً مقارنة بالسنوات السابقة، رغم الإقبال الجماهيري عليها، قال منير إنه «لا يتوقف عن الغناء»، مشيراً إلى أنه خلال الفترة الأخيرة، أحيا أكثر من حفل في عواصم مختلفة حول العالم، منها حفل كبير في مدينة دورتموند الألمانية، وآخر في مدينة جرش الأردنية، وكذلك حفل في القاهرة بالجامعة الأميركية، وهذا معدل يراه مناسباً، ووعد جمهوره في القاهرة، بتقديم حفلات أكثر خلال الفترة المقبلة.
المطرب الكبير محمد منير، تخرج في قسم الفوتوغرافيا والسينما والتلفزيون بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، وعمل مع المخرج المصري الكبير يوسف شاهين عام 1982 في فيلم «حدوتة مصرية»، وكذلك عام 1986 في فيلم «اليوم السادس» مع الراحلة داليدا، كما تعاون في العام نفسه مع المخرج خيري بشارة في فيلم «الطوق والأسورة» مع الفنانة شريهان، وكرر التعاون مع يوسف شاهين في فيلم «المصير» عام 1997، بالإضافة إلى مساهمات على شاشة التلفزيون آخرها «المغني» عام 2016، وأخرى على خشبة المسرح منها «الملك هو الملك»، و«ملك الشحاتين».
حصل محمد منير خلال رحلته على عدد كبير من الجوائز المحلية والعالمية، منها، جائزة «السلام» من قناة CNN عن ألبوم «الأرض السلام»، والجائزة الماسية من «باما أووردز»، وجائزة أفضل مطرب في مسابقة MEMA 2008، والجائزة البلاتينية لأحسن مطرب مصري وعربي عن أغنية «ياسمينا»، وجائزة شركة يونيفرسال العالمية عن توزيع الأسطوانة التي تضم أغنية «تحت الياسمينا» 700 ألف نسخة، محققة أعلى نسبة توزيع في ألمانيا، كما فازت أغنية «الليلة يا سمرة» في استفتاء قناة BBC لأفضل 50 أغنية أفريقية في القرن العشرين.
محمد منير: الموسيقى المصرية في اضمحلال... لكن هناك أملاً
قال لـ«الشرق الأوسط» إن ألبومه الأخير امتداد لمشروعه في الغناء للوطن
محمد منير: الموسيقى المصرية في اضمحلال... لكن هناك أملاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة