عندما تتآمر الشركات والسلطات عليهم... من يحمي حماة البيئة؟

عندما تتآمر الشركات والسلطات عليهم... من يحمي حماة البيئة؟
TT

عندما تتآمر الشركات والسلطات عليهم... من يحمي حماة البيئة؟

عندما تتآمر الشركات والسلطات عليهم... من يحمي حماة البيئة؟

تحوّلت حماية البيئة إلى ساحة معركة جديدة لحقوق الإنسان. فمع تزايد الطلب على الأراضي والموارد، تندفع الشركات إلى مناطق جديدة توسّع فيها أنشطتها في إطار صفقات تبرمها مع مسؤولين حكوميين يبحثون عن مصالحهم الشخصية في كثير من الحالات.
وفي الأماكن التي تتلاشى فيها سلطة القانون، وتصبح الموارد الطبيعية مصدراً للسلطة والثروة، تزداد الأمور سوءاً يوماً بعد يوم. هذا ما تؤكده الأخبار المتواترة من مختلف أنحاء العالم، وآخرها تقرير «أعداء الدولة؟» الذي صدر عن منظمة «غلوبال ويتنس» حول العنف والتهديد الذي يلقاه الناشطون في الميدان البيئي، وكذلك الدراسة الاستقصائية التي تواصل منظمة «فوربيدن ستوريز» نشرها في بعض وسائل الإعلام العالمية عن الانتهاكات التي تطال الصحافيين البيئيين.

الإعلام الحربي والإعلام البيئي

خلال السنوات العشر الأخيرة، أدّت التحقيقات الصحافية حول الضرر الذي تتعرض له البيئة إلى مقتل 13 صحافياً، فيما عانى كثيرون غيرهم من العنف والمضايقات والتهديد والترهيب والدعاوى القضائية الكيدية. وتحقق لجنة حماية الصحافيين، التي يقع مقرها في نيويورك، في 16 حالة وفاة أخرى لصحافيين حول العالم، ما قد يرفع عدد جرائم القتل إلى 29 جريمة، ويجعل الصحافة البيئية أخطر مجال للعمل الصحافي بعد الإعلام الحربي.
يمكن أن يضع الاصطدام مع أصحاب السلطة، الذين لا تردعهم القوانين، الصحافي، في مواجهة العنف والمضايقة والتهديد. وهذا ما اختبره صحافيون روس نتيجة عملهم في كشف حالات الفساد المرتبطة بشقّ طريق سريعة تربط بين مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ، وتخترق غابة خيمكي التي تعد جنة للطيور وتضم مناطق مستنقعات محمية. كما عانى صحافيون برازيليون من إساءات مشابهة بسبب فضحهم للتوسع السريع في مزارع فول الصويا في منطقة الأمازون. وفي تنزانيا، أدّت التحقيقات الصحافية حول ادعاءات بالقتل والاغتصاب وتلويت البيئة في منجم للذهب إلى طرد صحافيين من أماكن عملهم وسحب رخصة صحيفتين محليتين.
ووصلت الانتهاكات بحق الصحافيين البيئيين إلى حد القتل، لا سيما في جنوب الهند، حيث يتم استخراج الرمال الشاطئية النقية التي تستخدم في صناعة تدرّ مليارات الدولارات، وتشمل طيفاً واسعاً من المنتجات، بدءاً بمستحضرات التجميل وانتهاءً بالإلكترونيات. وتعدّ الهند من أخطر الأماكن لعمل الصحافيين البيئيين، حيث قضى ثلاثة منهم خلال السنوات الست الماضية على خلفية التحقيق في أعمال التنقيب غير القانونية والفساد المتصل بالخدمات الأساسية.
إلى جانب الهند، شهدت الفلبين مقتل ثلاثة صحافيين نتيجة تحقيقاتهم حول قطع الأشجار وإزالة الغابات ومشروعات شبكات الطاقة الكهربائية والتنقيب عن الثروات الباطنية. وتضم قائمة وفيات الإعلام البيئي، خلال السنوات العشر الماضية، صحافيين من بنما وكولومبيا وروسيا وكمبوديا وميانمار وتايلاند وإندونيسيا.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب الصين، الأسوأ في العالم للعمل الصحافي، وكثيراً ما تفشل محاولات التحقيق الصحافي في قضايا الفساد البيئي تحت تهديد الاتهام بنشر الأخبار الكاذبة أو النيل من هيبة الدولة.

شهداء البيئة
الثابت أن الشركات الغربية المدرجة في البورصات من أكبر مرتكبي المخالفات البيئية، لا سيما في مناطق عملها التي تكون بعيدة عن مقراتها الرسمية. وكمشترٍ للمواد الأولية، بما فيها المعادن والأخشاب ومنتجات الصناعات الاستخراجية، غالباً ما تؤدي سلاسل التوريد الطويلة الخاصة بهذه الشركات إلى تدهور الوضع البيئي للنظم الطبيعية، بما فيها مصادر المياه العذبة والموائل الأصلية والغابات العذراء.
وتفضل الشركات الغربية ممارسة نشاطاتها في أماكن تتسامح مع الارتكابات البيئية غير السليمة، وتغيب فيها الشفافية، وتكون فيها السلطة للنفوذ والمال، وهذا بطبيعة الحال لا يتوفر في مواطنها. وقد وافقت بعض الشركات تحت الضغط على تطبيق مراقبة مستقلة لظروف العمل في مصانعها الخارجية، ولكن لا توجد رقابة مماثلة على التدمير البيئي الذي يترافق غالباً مع أعمال التعدين وإزالة الغابات وأنشطة الصيد الجائرة؛ حيث تصبح الصحافة البيئية ومساهمات المتطوعين واحتجاجات المواطنين المصدر الوحيد لكشف التجاوزات.
في غياب المساءلة الجدية، تُركت المجتمعات المحلية في أكثر من مكان وحيدة في مواجهة الشركات المدعومة بسلطة حكومية واسعة وعشرات المرتزقة المأجورين. ومع تنامي المشكلات البيئية وازدياد حالات الإفلات من العقاب، يشهد العالم مقتل ثلاثة ناشطين بيئيين أسبوعياً، إلى جانب كثيرين غيرهم تعرضوا للتهديد أو الاعتقال لجرأتهم في معارضة الحكومات أو الشركات التي تسعى إلى استغلال أراضيهم.
وفي مفارقة غريبة، يجري إطلاق سراح القتلة فيما يوصف المدافعون عن البيئة بالمجرمين. واللافت أن التهديدات التي تطال حماة البيئة غالباً ما تمثل أمراً عابراً لا يعرف طريقه إلى وسائل الإعلام، مما يجعل هذه التهديدات وسيلة فعالة في إسكات المعارضين.
منظمة «غلوبال ويتنس»، التي سجّلت بعض الانتهاكات بحق نشطاء البيئة في تقريرها الأخير «أعداء الدولة؟»، تعتقد أن العدد الحقيقي لعمليات القتل هو على الأرجح أعلى بكثير من معطياتها التي تشير إلى مقتل 164 شخصاً في سنة 2018، وذلك لأن الكثير من الحالات لا يتم توثيقها أو حتى التحقيق فيها.
ووفقاً للمنظمة، شهدت الفلبين أكبر عدد من جرائم القتل البيئي عالمياً، حيث قتل 30 مدافعاً عن البيئة في سنة 2018 وحدها. وكان قطاع التعدين هو الأكثر تسبباً بجرائم القتل، حيث أدى إلى 43 حالة وفاة، على الرغم من ارتفاع عدد الوفيات المرتبطة بالنزاعات على مصادر المياه، واستمرار الاعتداءات التي تحركها الأنشطة الزراعية وقطع الأشجار والطاقة الكهرومائية.
وتشير المنظمة إلى استخدام الدول التهديد بالتجريم والقضايا المدنية الكيدية من أجل خنق النشاط البيئي، واستلاب حقوق الأراضي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. كانت نصف جرائم القتل في 2018 حصلت في أميركا اللاتينية، التي ظلت باستمرار المنطقة الأكثر عنفاً تجاه المدافعين عن البيئة، منذ بدأت «غلوبال ويتنس» في نشر بياناتها عام 2012. وكان الرئيس البرازيلي بولسونارو هاجم أخيراً وكالة الفضاء في بلده لنشرها صوراً تفضح ازدياد وتيرة قطع غابات الأمازون على نحو غير مسبوق، واتهمها بالعمل ضد المصلحة العليا للدولة، ما دفع رئيس الوكالة إلى الاستقالة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، كانت هناك 6 حالات قتل في إيران، من بينها وفاة الأكاديمي المشهور كافوس سيد إمامي في السجن في ظروف مريبة، وهو أحد السجناء البيئيين التسعة الذين جرى اعتقالهم بتهمة استخدام عملهم في حماية الفهود كغطاء للتجسس.
ولا تورد «غلوبال ويتنس»، في تقريرها، أي انتهاكات تخص المدافعين عن البيئة في البلدان العربية، ولعل ذلك ناتج نسبياً عن تراجع الاهتمام بقضايا البيئة في العالم العربي، تحت وطأة النزاعات المسلحة التي تطغى على أغلب الأحداث في هذه المنطقة. وينظر البعض إلى عمل الناشطين البيئيين العرب بعين الريبة، ويُتّهمون في كثير من الأحيان بتلقي التمويل من السفارات الأجنبية، وهذا اتهام خطير لا يعني فقط التربح من العمل التطوعي.
وغالباً ما تواجه المنظمات البيئية غير الحكومية في العالم العربي ضغوطاً لتقييد أنشطتها، وجعلها تحت المراقبة، بعد أن أدركت السلطات الرسمية أن العمل البيئي يملك القدرة على الحشد وتوجيه الرأي العام بشكل يتجاوز بكثير قدرة الأحزاب والمنظمات السياسية التي جرى تهميشها طيلة عقود.


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد رئيس وزراء منغوليا يتحدث إلى الحضور خلال «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس وزراء منغوليا من الرياض: مشاريع سعودية تستهدف الانتقال للطاقة النظيفة

أوضح رئيس وزراء منغوليا أويون إردين لوفسانامسراي أن مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16» المنعقد حالياً في الرياض يتمحور حول مستقبل الأرض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد إحدى المناطق الخضراء في السعودية (الشرق الأوسط)

العبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «كوب 16» سيدعو إلى تبني استراتيجيات تكافح التصحر

أكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر السعودي، الدكتور خالد العبد القادر، أن مؤتمر «كوب 16» سيدعو إلى تبني استراتيجيات للتصحر.

آيات نور (الرياض)
يوميات الشرق الصورة المصاحبة لبوستر الفيلم الوثائقي (نتفليكس)

«اشترِ الآن!»... وثائقي «نتفليكس» الجديد يكشف دهاليز مؤامرة التسوق

تُغري عبارة «اشترِ الآن» ملايين المستهلكين من حول العالم، لتبضع الكثير من السلع الاستهلاكية التي غالباً لا يحتاجون إليها، خصوصاً في فترة نهاية العام.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

حذر علماء من أن الأنشطة المنزلية اليومية مثل طي الملابس والجلوس على الأريكة قد تنبعث منها سحب من البلاستيك الدقيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».