حتى وقت قريب، كان الإقبال على تعلم الحرف اليدوية، والفنون التراثية المصرية، يكاد يقتصر على الأحياء العتيقة والشعبية، بوصفها موطنها الأصلي الذي احتضنها وحافظ عليها على مر العقود، إلا أنه الفترة الأخيرة حدثت انتعاشة حقيقية للتعلم والتدريب في هذا المجال بالمناطق السكنية الراقية أيضاً، حيث تشهد ورش العمل التي تنظمها المراكز المتخصصة في الحرف اليدوية بها إقبالاً كبيراً متزايداً من جانب قاطنيها من مختلف الأعمار والفئات.
ويعد إحياء الحرف اليدوية القديمة التي انقرض بعضها، وتوفير فرص عمل جديدة، وإشباع الشغف المتزايد لدى المصريين باستعادة فنونهم التراثية، من أبرز أسباب إقامة هذه المراكز المتخصصة المعنية بتعلم الحرف التقليدية في هذه الأحياء، وفق الفنان محسن عبد الخالق مدير، «أكاديمية تراث وفنون» بحي التجمع الخامس (شرق القاهرة)، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما أنشأت الأكاديمية، لم أتوقع هذا الإقبال الشديد على تعلم الحرف التقليدية في منطقة أغلب سكانها يقطنون فيلات فاخرة؛ كنت أهدف فقط في البداية إلى توجيه الأنظار إليها، وإلى دعوة الجمهور إلى اقتناء قطع فنية يدوية مصرية من إنتاج مجموعة متميزة من الحرفيين».
وأضاف: «اعتقدت أن الإقبال سيكون على تعلم الرسم، لكني فوجئت باهتمام متزايد بالالتحاق بورش الخزف التي قمت بتنظيمها، مما دفعني للتوسع في أنواع الورش».
وتستقطب هذه المراكز كثيراً من الزوار الذين يطرقون أبوابها للاطلاع على التراث المصري، أو للالتحاق بالورش التدريبية الخاصة بالحرف، ومنها مركز «ربع السلام»، في فرعه بحي المهندسين بالجيزة (غرب القاهرة)، الذي يقدم ورش عمل لأكثر من 87 حرفة، يقدمها نخبة من الفنانين، إذ اعتمد مصطفى جاد، مؤسس المركز، جملة: «صنع في مصر» شعاراً للمركز الذي يعمل على تنمية الجانب الفني في المجتمع المصري، بالإضافة إلى إعادة إحياء الحرف المصرية، وإضافة الفنون العالمية النادرة إليها، والذي يضم ورش تعلم فن الديكوباج، وفنون دهانات الأخشاب، والزخارف الإسلامية على الخشب، والإيبوكسي، والماندلا على الفخار، والزجاج المعشق والموزاييك، والطرق على النحاس والخزف والشروازيه والتعتيق، وعرائس الكورشيه والجوخ، وتصنيع منتجات من الجلد الطبيعي وتابلوهات من النسيج السيناوي على النول والفخار والإيتامين، والتطريز على الطارات بالخيوط والساتان، وغير ذلك من فنون تراثية.
وفي شارع مصدق، بحي الدقي، يبرز اسم مركز «أزرق وبني» الذي يتبنى مفهوم التكامل والدمج بين الفنون التطبيقية والرسم والموسيقى، إذ يمكن للمتدربين في ورش قشرة الخشب ومنتجات النسيج والتطريز والفخار والسيراميك الاستماع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية يؤديها عازفون هواة في فصول المركز، أو الاستلهام من لوحات فنية يبدعها فنانون هواة من الملتحقين بورش الرسم، ويبقى أن اللونين الأزرق والبني هما القاسم المشترك بين الأعمال الفنية بوصفهما من الألوان الطبيعة، لذلك تم اختيارهما ليشكلا معاً اسم المركز الذي يتردد عليه أبناء الطبقة الغنية من سكان حي الدقي، إلى جانب السكان الأجانب المقيمين به، والمهتمين بالتعرف على الحرف اليدوية المصرية.
وتقول جميلة سامي، الطالبة بالجامعة الألمانية بالقاهرة، وإحدى المتدربات على فنون التطريز، لـ«الشرق الأوسط»: «التسويق الإلكتروني أنعش في الآونة الأخيرة منتجات الحرف اليدوية، إذ إنه يغني عن وجود محل تجاري، بكل أعبائه ومسؤولياته، وبالتالي لم يتبقَ سوى خطوة واحدة أمام محبي هذا النوع من الفنون، وهي تعلم هذه الحرف اليدوية، والحصول على قسط وافر من التدريب العملي؛ ربما كان ذلك من أهم أسباب إنشاء مثل هذه المراكز في الأحياء الراقية».
وبداخل «بيت الخزف المصري» في حي الزمالك الشهير (وسط القاهرة)، يلتحق أبناء الحي بورش عمل ودورات تدريبية لتعلم فنون الخزف والرسم والنحت، والمصنوعات الجلدية والحي، والزجاج والموزاييك، إلى جانب برنامج الخزاف الصغير.
وإلى جانب هذه المراكز، تواصل أكاديميات أخرى، شهدت الأحياء الراقية خلال السنوات الماضية ميلادها لكنها توسعت أخيراً في أنشطتها من حيث الكم والكيف، تلبية احتياجات الجمهور وشغفه بتعلم الحرف اليدوية، خصوصاً في حي مصر الجديدة والمعادي.
وفي فرعيه بالمعادي (جنوب القاهرة) والشيخ زايد (غرب القاهرة)، يقدم مركز «آرت كافيه» ورشاً لتعلم مهارات فنية جديدة في مجال الحرف اليدوية، فعندما قرر مؤسسوه إقامته كان بهدف العمل على ازدهار هذه الحرف، من خلال خلق حالة من الاهتمام بها، عبر ورش متخصصة يقدمها نخبة من الحرفيين والمهندسين، في عالم رائع من الألوان والإبداع، وفي أجواء أقرب ما تكون لأجواء المنزل، وفق مديري المركز.
فنون الحرف التقليدية تجتذب أبناء المناطق الراقية في مصر
التسويق الإلكتروني ساعد على انتشارها
فنون الحرف التقليدية تجتذب أبناء المناطق الراقية في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة