البحث العلمي المصري على طريق المنافسة

16 تحالفاً لتوطين التكنولوجيا واقتراب حلم «الأوتوثانية»

دكتور محمد ثروت حسن صاحب اختراع الأوتوثانية
دكتور محمد ثروت حسن صاحب اختراع الأوتوثانية
TT

البحث العلمي المصري على طريق المنافسة

دكتور محمد ثروت حسن صاحب اختراع الأوتوثانية
دكتور محمد ثروت حسن صاحب اختراع الأوتوثانية

ما بين محاولة اللحاق بما توصل له الآخرون من ناحية، والسعي للقفز بأفكار جديدة تلائم البيئة المصرية، من ناحية أخرى، يسير البحث العلمي المصري في مسارين متوازيين. ورغم شكوى باحثين من أن مناخ البحث العلمي في مصر ليس مثاليا، إلا أن الأبحاث التي نشرت خلال الأعوام القليلة الماضية تشير إلى أن هناك تقدماً يحتاج بعض الوقت حتى يشعر المواطن بانعكاسه على حياته.
إحدى الأفكار الرائدة التي يعول عليها مجتمع البحث العلمي كثيرا، هي التحالفات البحثية التي أطلقتها أكاديمية البحث العلمي المصرية، قبل ثلاثة أعوام، بهدف الربط بين البحث العلمي والصناعة، واستطاعت تحقيق نتائج ملموسة على طريق توطين التكنولوجيا أو تمصيرها، كما يحب البعض أن يسميها.
يقول الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية لـ«الشرق الـوسط»: «كانت إحدى المشاكل التي تتعلق بالبحث العلمي هي ما يسمى بـ(الجزر المنعزلة)، حيث تعمل مراكز الأبحاث المختلفة بمعزل عن بعضها، وكل مركز يغرد في بعض الأحيان خارج سرب احتياجات المجتمع والصناعة، وهي المشكلة التي تحلها التحالفات البحثية التي تم إطلاقها ووصل عددها إلى 16 تحالفا».
وتضع هذه التحالفات أمامها هدفا كبيرا تسعى لتحقيقه بمساعدة كل الباحثين، وتضم إلى جانب الباحثين أيضا رجال الصناعة المعنيين بنفس الموضوع، وحقق هذا الربط نتائج إيجابية أعلن عنها أكثر من تحالف خلال الفترة الأخيرة.
ويوضح صقر، أن تحالف الإلكترونيات على سبيل المثال، ومقره الرئيسي معهد بحوث الإلكترونيات، نجح في إنتاج عدادات الكهرباء والمياه مسبوقة الدفع محليا، كانت مصر تستوردها من الخارج، ويجري حاليا تصنيعها بمصانع الإنتاج الحربي بمصر.
ومن القصص الناجحة في نشاط التحالفات البحثية، هو السعي نحو التوصل إلى تكنولوجيا محلية لإنتاج أغشية تحلية مياه البحر، وتمكن هذا التحالف من تصنيع أغشية صغيرة تقوم بتحلية 187 لترا في اليوم بكفاءة تصل إلى 92 في المائة في احتجاز الأملاح، لكن الوصول إلى تصنيع الأغشية بالحجم الكبير الذي يسمح بالاستخدام على نطاق واسع لم يتم بعد.
ويقول صقر «كانت هناك الكثير من الفرق البحثية المتفرقة التي تعمل على مجال تصنيع أغشية التحلية، فتم جمعها في تحالف واحد مقره مركز بحوث الصحراء، وهو ما مكنهم خلال وقت قصير جدا من الوصول لهذه النتائج الملموسة، والتي من المتوقع أن تظهر على نطاق واسع قريبا».
وبينما تسعى هذه التحالفات إلى توطين التكنولوجيات التي يتم استيرادها من الخارج، يسعى آخرون إلى التميز من خلال ابتكار قد يكون مفيدا ليس على النطاق المحلي فقط، ولكن العالمي أيضا.
وكما نجح العالم المصري أحمد زويل في تطوير ما يعرف بـ«الميكروسكوب رباعي الأبعاد» ليعمل بسرعة «الفيمتوثانية»، وأصبح هذا الاختراع هو الأساس الذي تستخدمه كثير من الأبحاث، يسعى باحثون من المدينة التي تحمل اسمه في مصر لتجاوز هذه السرعة إلى سرعة أكبر تعرف باسم «الأوتوثانية».
وشعاع الليزر المستخدم في التصوير يتكون من مجموعة من النبضات، ويؤثر المدى الزمني للنبضة على سرعة التقاط الصورة، فكلما كان هذا المدى الزمني قصيرا، كلما أدى إلى زيادة السرعة، بما يسمح بتصوير الأجسام الصغيرة والحركات السريعة.
وقبل التقنية التي ابتكرها زويل كان البحث العلمي يقف عاجزا عن معرفة ميكانيكية التفاعلات السريعة بين المركبات المختلفة وزمنها، والآن يسعى تلاميذه بمدينته إلى الوصول إلى ما هو أبعد وهو تصوير حركة الإلكترونات داخل المادة، عن طريق اختصار المدى الزمني لنبضة شعاع الليزر إلى زمن «الأوتوثانية».
يقول دكتور محمد ثروت حسن، القائم بأعمال مدير مركز التصوير والميكروسكوب بجامعة العلوم والتكنولوجيا في مدينة زويل وأحد تلاميذ العالم الراحل لـ«الشرق الأوسط»: «نجحنا في الوصول إلى هذا الزمن من خلال بحث تم نشره في دورية نيتشر فوتونيكس nature photonics في مايو (أيار) 2017. ونسعى حاليا لتطوير الميكروسكوب رباعي الأبعاد فائق السرعة باستخدام هذا المدى الزمني، بما سيسمح بتصوير حركة الإلكترونات داخل المادة».
وسيفيد هذا الاختراع حال نجاح الفريق البحثي في الوصول إليه في إحداث ما يمكن تسميته بـ«الثورة في عالم المواد متناهية الصغر». ويضيف «ببساطة سنتمكن من فهم خواص أي مادة، ومن ثم نستطيع تعديلها وتغيير خصائصها لتوسيع نطاق استخداماتها».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
TT

حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

طوّر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة روبوتات صغيرة بحجم الحشرات، قادرة على الطيران لفترات طويلة، مما يمهد الطريق لاستخدامها في التلقيح الميكانيكي للمحاصيل.

وأوضح الباحثون أن هذه الابتكارات تهدف إلى مساعدة المزارعين في مزارع متعددة المستويات، مما يعزز الإنتاجية ويقلل من الأثر البيئي للزراعة التقليدية، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Science Robotics).

ويُعد تلقيح المحاصيل عملية أساسية لضمان إنتاج الفواكه والخضراوات، ويعتمد عادةً على الحشرات الطبيعية مثل النحل. إلا أن التغيرات البيئية واستخدام المبيدات أدّيا إلى تراجع أعداد النحل بشكل ملحوظ؛ مما يبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة.

في هذا السياق، يشير الفريق إلى أن الروبوتات الطائرة يمكن أن تأتي بديلاً واعداً، حيث يمكنها محاكاة وظائف النحل بدقة وسرعة في تلقيح النباتات بفضل تقنيات متقدمة تشمل الأجنحة المرنة والمحركات الاصطناعية، تمكّن هذه الروبوتات من أداء مناورات معقدة والطيران لفترات طويلة.

وأوضح الفريق أن الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق، ويتميز بقدرته على الطيران لمدة 17 دقيقة، وهو رقم قياسي يزيد بمائة مرة عن التصاميم السابقة. كما يمكنه الطيران بسرعة تصل إلى 35 سم/ثانية، وأداء مناورات هوائية مثل الدوران المزدوج في الهواء.

ويتكون الروبوت من أربع وحدات بأجنحة مستقلة، مما يحسن من قوة الرفع ويقلل الإجهاد الميكانيكي. ويتيح التصميم مساحة لإضافة بطاريات وأجهزة استشعار صغيرة مستقبلاً، ما يعزز إمكانيات الروبوت للاستخدام خارج المختبر.

وأشار الباحثون إلى أن العضلات الاصطناعية التي تحرك أجنحة الروبوت صُنعت باستخدام مواد مرنة مدعومة بالكربون النانوي، الأمر الذي يمنحها كفاءة أكبر. كما تم تطوير مفصل جناح طويل يقلل الإجهاد في أثناء الحركة، باستخدام تقنية تصنيع دقيقة تعتمد على القطع بالليزر.

ونوّه الفريق بأن هذه الروبوتات تُعَد خطوة كبيرة نحو تعويض نقص الملقحات الطبيعية مثل النحل، خصوصاً في ظل التراجع العالمي في أعدادها.

ويأمل الباحثون في تحسين دقة الروبوتات لتتمكن من الهبوط على الأزهار والتقاط الرحيق، إلى جانب تطوير بطاريات وأجهزة استشعار تجعلها قادرة على الطيران في البيئة الخارجية.

كما يعمل الباحثون على إطالة مدة طيران الروبوتات لتتجاوز ساعتين ونصف ساعة؛ لتعزيز استخدامها في التطبيقات الزراعية وتحقيق الزراعة المستدامة.