فيروسات فتاكة مضادة للبكتيريا المقاومة

«العاثيات» تستهدف أنواعاً محددة وتلتهمها

شكل مجسم للعاثيات التي تصيب البكتريا للقضاء عليها
شكل مجسم للعاثيات التي تصيب البكتريا للقضاء عليها
TT

فيروسات فتاكة مضادة للبكتيريا المقاومة

شكل مجسم للعاثيات التي تصيب البكتريا للقضاء عليها
شكل مجسم للعاثيات التي تصيب البكتريا للقضاء عليها

يطور العلماء فيروسات فتاكة موجهة ضد البكتيريا الفائقة التي لا تتمكن المضادات الحيوية الحالية من القضاء عليها، وتقوم تلك الفيروسات بالتهام البكتيريا وإزالتها من الجسم البشري، ويطلق على تلك الفيروسات مصطلح «العاثيات».
ولا تزال الفيروسات تلعب دوراً رئيسياً في جميع جوانب البحوث الطبية الحية نظراً لتأثيرها العالمي على صحة الإنسان والحيوان والنبات وفائدتها كنظم نموذجية يمكن تتبعها، بدءاً من البيولوجيا الجزيئية والبيولوجية الخلوية، والبيولوجيا الهيكلية، والمناعة، وعلم الأوبئة والمعلوماتية الحيوية.
«ملتهمات البكتيريا»
جاءت تسمية العاثيات أو البكتيريوفاج Bacteriophage من اليونانية وتعني «ملتهمات البكتيريا» وهي فيروسات لها القدرة على قتل البكتيريا عندما تتضاعف بداخلها مؤدية في كثير من الأحيان إلى انحلالها. والعاثيات من أكثر الكائنات الحية شيوعاً على سطح الأرض، وهي التي تسيطر على أعداد البكتيريا وتحافظ على التوازن البيئي في الطبيعة. وتوجد الملايين منها في أمعاء الإنسان، إذ تساعده في مكافحة البكتيريا الضارة التي تهاجمه، وتوفر أمعاء الإنسان وسطاً معيشياً مناسباً لها، فتساعد على استمرار حياتها والقيام بمهمتها في حماية الإنسان من البكتيريا الضارة إن أصابت أمعاءه.
وكان الأطباء يعتمدون عليها في الأدوية التي يُقدمونها للمرضى، ففي عام 1920 تعامل الأطباء مع العاثيات لمواجهة بعض العدوى، لكن لم يكن الكثير قد اكتشف عن العاثيات بعد، مما جعل طرق العلاج خاطئة بشكل كبير بل وتؤثر بشكل سلبي على المرضى وقد تسبب ذلك في جعل العلاج بالعاثيات غير موثوق به.
- العاثيات والمضادات الحيوية
> نظرة تاريخية على العاثيات. بدأ إنتاج المُضادات الحيوية المُصنعة يزداد وينتشر بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية بسبب فاعليتها الأكبر. والمضاد الحيوي عبارة عن مركب كيميائي يقتل أو يضعف من نمو الجراثيم، وأصبح هذا النوع من العلاج أكثر موثوقية من التعامل مع العاثيات للعلاج، إلى الحد الذي دفع التعامل مع العاثيات في الولايات المتحدة الأميركية إلى طي النسيان، لكنها لم تكن كذلك في الاتحاد السوفياتي السابق، الذي أثرت تبعات الحرب على وصول المضادات الحيوية له مما دفع السوفيات للتعامل مع العاثيات وتطوير التعامل معها، بحيث أصبحت أكثر فاعلية من ذي قبل، وفي العصر الحديث يُقدم العلاج بالعاثيات بعدة طرق مثل الأقراص والسوائل والحقن والكريمات، كما أنها تعد أحد أشكال العلاج الرئيسي في بولندا وجورجيا وروسيا.
> ظهور البكتيريا المقاومة. أدى الإفراط في استخدامِ المضادات الحيوية إلى ظهور سلالاتٍ بكتيرية مُقاومِة مما شكَل تهديدا وخطورة أكبر على حياة الملايين من البشر عبر العالم. وإذا كان عدد تلك الأنواع المقاوِمة للمضادات الحيوية قد وصل إلى مئات الآلاف من البكتيريا والفيروسات، فإنه وبحلول سنة 2050 يُقدر العلماء وصول هذا الرقم إلى عشرة ملايين بكتيريا وفيروسٍ مقاومٍ تقريباً. مما سيهدد حياة الملايين عبر العالم؛ خاصة الأطفال وكبارَ السّن وضعيفي المناعة.
تكمن خطورة المضادات الحيوية في كونها لا تميز ولا تفرّق بين البكتيريا النافعة والبكتيريا الضارة للإنسان، وبالتالي فهي تقتل جميع أنواع البكتيريا التي تصادفها داخل جسم الإنسان، ومن جهة أخرى يؤدي سوء استعمال هذه المضادات إلى تمكين البكتيريا من تقوية مناعتها ضد هذه المضادات الحيوية؛ فيصبح الميكروب أقوى وأشد مقاومة لها. وقد شارك 225 من الأخصائيين في الفيروسات من 33 دوله حول العالم في مؤتمر بعنوان «اختراقات في تضاعف الفيروس» في برشلونة، إسبانيا في فبراير (شباط) عام 2018 وناقشوا آخر التطورات في حقل تضاعف الفيروسات برئاسة أريك فريد رئيس تحرير مجلة الفيروسات وألبرت بوش من جامعة برشلونة. وسوف يلتقي ذوو الاختصاص مرة أخرى في العام القادم 2020 في الفتره 5 - 7 فبراير (شباط) أيضا في برشلونة بإسبانيا في مؤتمر بعنوان «مفاهيم جديده في علم الفيروسات».
- العلاج بالعاثيات
> ما هو مفهوم العلاج بالعاثية؟ يشير مفهوم العلاج بالعاثية إلى استخدام الفيروسات الملتهمة للبكتيريا في علاج الإصابات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية. وغالبا ما تكون العاثيات محددة لنوع واحد من البكتيريا وبذلك تكون أقل ضررا على بكتيريا الفلورا (النبيت الجرثومي في الجسم) الطبيعية للجسم مقارنة بالمضادات الحيوية الشائعة الاستخدام التي غالبا ما تؤدي إلى قتل الفلورا المعوية الطبيعية. وقد يسبب ذلك عدوى ثانوية انتهازية من قبل كائنات أخرى.
ومن المثير للاهتمام أن العاثيات تتوقف عن التضاعف بمجرد القضاء على البكتيريا المستهدفة كما لا تسبب العاثيات مقاومة ثانوية مثل المضادات الحيوية. ومع تزايد حالات البكتيريا المقاومة والعجز في تطوير فئات جديدة من المضادات تولدت الحاجة لاستخدام العاثيات في مجموعة كبيرة من الالتهابات.
وتعتبر تركيبة العاثيات في غاية البساطة، فبعض الأنواع تتكون من رأس مكعب وذيل منقبض، وهذا الأخير مزود بألياف وظيفتها تحسس الطريق بحثا عن البكتيريا، وعندما تصل إليه، ترتبط به عن طريق مستقبلات خاصة، ويبدأ الذيل في الانقباض ليحقن الحامض النووي الموجود في الرأس إلى داخل خلية البكتيريا. وعندما يصبح الحامض النووي داخل البكتيريا يسيطر عليها تماما ويعمل على استنساخ ملايين النسخ منه، وبعد إتمام عملية الاستنساخ التي تصل إلى ملايين النسخ، تنفجر البكتيريا وتخرج العاثيات الجديدة لتكرار إصابة بكتيريا أخرى.
أفضلية العاثيات في الدراسة التي قام بها مركز العلاج بالعاثيات في تبليسي، جورجيا والذي نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 في مجلة Infectious Disease News وجد أن العلاج بالعاثيات كان أفضل من العلاج بالمضادات في بعض الإصابات البشرية والحيوانات المصابة مختبريا، ففي تلك الدراسة استخدمت عاثيات لعلاج المرضى الذين يعانون من مرض قيحي بسبب المكورات العنقودية الذهبية.
تم تقسيم المرضى إلى مجموعتين، المجموعة الأولى وتضم 223 مريضا استخدمت العاثيات في علاجهم والمجموعة الثانية وضمت 117 مريضا تم علاجهم بالمضادات الحيوية وتم تقييم النتائج اعتمادا على العديد من الاختبارات بما فيها عينات الدم والبلغم. وقد شفي 82 في المائة من المجموعة الأولى مقارنة بنسبة 64 في المائة من المجموعة الثانية وارتفعت نسبة الشفاء إلى 95 في المائة لمن كان علاجهم بالعاثيات التي حقنت بالوريد.
وفي فنلندا يقول ميكائيل سكونيك من جامعة هلسنكي، بأن الباحثين في الجامعة جمعوا منذ عام 2013 العاثيات التي تكافح البكتيريا المقاومة ويأملون في بدء تجارب علاج التهاب الجروح أو القضاء على بكتيريا الاشريشيا القولونية المقاومة للمضادات الحيوية في الأمعاء.
وقد أجريت حديثا أولى التجارب السريرية التي يتم التحكم فيها باستخدام علاج العاثيات في الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وركزت التجارب بشكل أساسي على إثبات سلامة العلاج ولم تلاحظ أي آثار سلبية على من تلقى العلاج. وقام الاتحاد الأوروبي أيضا بتمويل مشروع يسمى «فاغوبرن» PhagoBurn لعلاج جروح الحروق باستخدام مزيج من العاثيات.
- العلاج بالعاثيات لمنع الإصابة بالبكتيريا المقاومة
> يقول أندرو غاملي من جامعة تافتس في الولايات المتحدة في البحث الذي نشر في17 مايو (أيار) 2019 في مجلة Conversation بأن مجموعة من العاثيات نجحت في علاج مريض مصاب بالتليف الكيسي الذي يعاني من عدوى قاتلة ناجمة عن أحد مسببات الأمراض المقاومة للعديد من المضادات الحيوية والتي تسمى «البكتيريا الفائقة «superbugs. والتوجه الحديث في العلاج بالعاثية يركز على المرضى المعرضين لمخاطر العدوى، وأن الوقاية من العدوى توقف المرض قبل أن يبدأ ومنع انتشار البكتيريا قبل وصولها للآخرين.
أدى اختراع المضادات الحيوية في البلدان الغربية إلى إنهاء اهتمام العلماء بالمعالجة بالعاثيات لعدة عقود ومع ذلك لم يكن هذا هو الحال في أوروبا الشرقية وخاصة في الاتحاد السوفياتي السابق إذ لا يزال معهد آليافا Eliava Institute في تبليسي، جورجيا هو أحد أكثر مراكز العلاج بالعاثيات شهرة في العالم في الألفية الجديدة. وقد أدركت الدول الغربية التهديد المتزايد لمقاومة المضادات الحيوية وظهر الاهتمام الجديد باستخدام العلاج بالعاثية.
والآن وفي مواجهة النمو المزعج لمجموعة متنوعة من الالتهابات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية، يقدم الباحثون الغربيون والحكومات أيضا نظرة جادة حول العاثيات لأنها تعتبر في أيامنا هذه بمثابة علاج ممكن ضد سلالات البكتيريا المقاومة للعديد من العقاقير. وقد تولت شركة مايكروجين Microgen في المملكة المتحدة وهي إحدى الشركات الكبرى لتطوير وتصنيع المنتجات التشخيصية الآن جميع منتجات العاثية التجارية وتتوفر مجموعة كبيرة من مستحضرات العاثيات في الصيدليات هذه الأيام.


مقالات ذات صلة

بحث: تناول فيتامين «د» يقلل خطر الإصابة بالخرف

صحتك سيدة مصابة بالخرف (رويترز)

بحث: تناول فيتامين «د» يقلل خطر الإصابة بالخرف

يؤثر الخرف على الملايين من كبار السن، لكن الباحثين لا يزالون يتعلمون كيف يمكن الوقاية من هذه الحالة. ويشير أحد الأبحاث إلى أن زيادة تناول فيتامين معين قد يساعد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

صحتك دراسة تحذر من أضرار الجلوس لفترة طويلة حتى لو كنت من ممارسي الرياضة

دراسة تحذر من أضرار الجلوس لفترة طويلة حتى لو كنت من ممارسي الرياضة

لفت موقع «ساينس أليرت» إلى شيوع معرفة أضرار الجلوس لفترة طويلة، لكنه ذكر أن دراسة جديدة كشفت عن معلومة مهمة، هي أنك إذا كنت تقضي أكثر من 10 ساعات ونصف في اليوم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك صعود السلالم يرتبط بتقليل خطر الوفاة (رويترز)

7 عادات بسيطة لتجديد نشاطك والتخلص من الإرهاق

قدم خبراء لصحيفة إندبندنت البريطانية عادات صحية يمكن ممارستها بسهولة تساعد على تجديد النشاط والتخلص من الإرهاق.  

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 5 حقائق طبية عن التهابات المسالك البولية لدى النساء

5 حقائق طبية عن التهابات المسالك البولية لدى النساء

ألم التبول الحارق يمكن أن يجعل الذهاب إلى الحمام أمراً مزعجاً، وقد لا يطاق، للمرأة عند إصابتها بالتهابات المسالك البولية.

د. عبير مبارك (الرياض)

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025
TT

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

2025

كان هذا العام مهماً جداً لقضايا المناخ، حيث تميز ببعض الانتصارات الكبرى.

سياسات المناخ تهدد حقوق الإنسان

وعلى سبيل المثال قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) الماضي، بأن سياسات المناخ الضعيفة في سويسرا تهدد حقوق الإنسان لمواطنيها، ما مهد الطريق لدعاوى قضائية مماثلة فيما يقرب من 50 دولة أخرى.

وحديثاً، دعمت المحكمة العليا في مونتانا بالولايات المتحدة 16 ناشطاً من نشطاء المناخ الشباب في دعواهم القضائية ضد الدولة لانتهاك حقهم في بيئة نظيفة.

ولكن كانت هناك أيضاً بعض الخسائر الكبيرة، مثل جهود شركة «شل» الناجحة للتملص من قاعدة تلزمها بخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.

قضايا المناخ أمام المحاكم

ماذا سيجلب عام 2025؟ فيما يلي حفنة من القضايا المهمة التي قد تكون على جدول الأعمال:

القضية الأولى قد تشكل قواعد المناخ الدولية. إذ تنظر محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تسمى أحياناً «محكمة العالم»، في قضية المناخ التي قد يكون لها أكبر تأثير محتمل. وفي قلب هذه القضية التاريخية سؤالان رئيسان: ما الواجبات التي تقع على عاتق الدول لمكافحة تغير المناخ؟ وما العواقب القانونية التي يجب أن تترتب على الدول إذا خانت هذه الواجبات بطريقة تضر بالمناخ؟

لن يكون رأي المحكمة بشأن هذه القضايا ملزماً قانوناً، ولكنه قد يشكل قواعد القانون الدولي ويمهد الطريق لمقاضاة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات لدورها في تفاقم أزمة المناخ.

رفعت القضية دولة فانواتو في المحيط الهادئ، وهي أكبر قضية للمحكمة على الإطلاق. وعلى مدى أسبوعين في نهاية عام 2024، استمعت اللجنة المكونة من 15 عضواً إلى شهادات مما يقرب من 100 دولة والعديد من الخبراء والجماعات المناصرة الذين يجادلون لصالح وضد القواعد الدولية الجديدة لمحاسبة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري العالمي.

الدول الفقيرة تقاضي الغنية

ويدعي عدد من الدول الفقيرة والجزر الصغيرة أن الدول الغنية مسؤولة عن معظم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، ومع ذلك فإن الدول النامية، التي تنتج انبعاثات منخفضة نسبياً، هي التي تخضع لأشد العواقب تطرفاً، وحتى وجودية. وتقول إن إطار تغير المناخ الحالي -أي اتفاق باريس- يعتمد على التزامات طوعية يصعب فرضها، وأن هناك حاجة إلى قواعد دولية أكثر صرامة وملزمة قانوناً لمعالجة التهديد المتزايد المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة.

وزعمت الدول الغنية، بما في ذلك الدول الملوثة الرئيسة مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا، العكس من ذلك، وأصرت على أن القواعد الحالية كافية. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري في عام 2025. وقال الدكتور دلتا ميرنر، العالم الرائد في مركز العلوم لقضايا المناخ في اتحاد العلماء المعنيين: «إنها (المحكمة) لديها القدرة على إعادة تشكيل حوكمة المناخ الدولية من خلال تقديم إرشادات واضحة وموثوقة بشأن التزامات الدول بموجب القانون الحالي».

قضية لولايات أميركية مناهضة للبيئة

القضية الثانية تهدد الاستثمار البيئي والاجتماعي المتوازن والحوكمة. في قضية «ولاية تكساس ضد شركة (بلاك روك)»، أقامت دعوى قضائية على بعض أكبر مديري الأموال في العالم من قبل 11 ولاية يقودها الجمهوريون بتهمة التآمر لخفض إنتاج الفحم العالمي والترويج لـ«أجندة بيئية مسيسة».

تستهدف الدعوى القضائية، التي تم رفعها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شركات الاستثمار «بلاك روك»، و«ستيت ستريت كوربوريشن»، و«فانغارد غروب»، ويقودها المدعي العام لولاية تكساس كين باكستون، الذي قال إن الشركات «شكلت كارتلاً للتلاعب بسوق الفحم، وتقليل إمدادات الطاقة بشكل مصطنع، ورفع الأسعار»، كل ذلك في محاولة لتعزيز أهداف خفض انبعاثات الكربون.

في الواقع، تستهدف القضية ما يسمى استراتيجيات الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. شاركت المجموعات الاستثمارية الثلاث في مبادرات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.

وقد وصف المحافظون مثل هذه الجهود بأنها «رأسمالية متيقّظة» وشنوا حرباً باستخدام قوانين مكافحة الاحتكار، وهو سلاحهم المفضل. وتتولى محكمة الاستئناف بالدائرة الخامسة، التي تضم عدداً كبيراً من القضاة الذين عينهم الرئيس الجديد دونالد ترمب، النظر في القضية، ويُنظر إليها باعتبارها «قوة محافظة للغاية». وقد تؤثر النتيجة على كيفية إدارة الأموال ومستقبل الاستثمار المراعي للمناخ.

قضية ضد مرافق تجهيز الطاقة

القضية الثالثة قد تكلف مزودي الطاقة الكثير من المال. إذ تتولى بلدة كاربورو الصغيرة في ولاية كارولينا الشمالية دعوى قضائية ضد شركة «ديوك إنرجي»، حيث تقاضي الشركة بتهمة إخفاء المخاطر المناخية المرتبطة بحرق الوقود الأحفوري عن صناع السياسات والجمهور. وتقول الدعوى: «لقد أدت حملة الخداع التي شنتها (ديوك) إلى تأخير التحول الحاسم بعيداً عن الوقود الأحفوري وبالتالي تفاقم أزمة المناخ بشكل ملموس».

إن قضية بلدة كاربورو ضد شركة «ديوك إنرجي» مثيرة للاهتمام لأنها تستهدف شركة مرافق بدلاً من شركة نفط، حيث يتزايد الضغط على شركات المرافق لتتولى زمام المبادرة في التحول في مجال الطاقة.

لا تهدف كاربورو إلى الحد من انبعاثات «ديوك» رغم أن هذا سيكون ممتازاً أيضاً، إذ ووفقاً لمؤشر التلوث المسبب للاحتباس الحراري Greenhouse 100 Polluters Index، تحتل «ديوك» المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الشركات المسببة للانبعاثات في أميركا.

ويؤدي «تحميل الشركة (المسؤولية) إلى الحصول على تعويض للمساعدة في دفع ثمن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مثل إصلاحات البنية التحتية وتحسيناتها لجعل المدينة أكثر قابلية للسكن ومرونة في مواجهة الطقس القاسي. لا أحد يعرف كم ستدفع شركة (ديوك)، لكن نحن نعلم أن المدينة قد تحصل على ما يصل إلى 60 مليون دولار كتعويضات في السنوات المقبلة»، كما قالت رئيسة بلدية كاربورو باربرا فوشي. وكانت الدعاوى القضائية التي تستند إلى مطالبات مماثلة تتزايد منذ عام 2017، لكن لم يتم تقديم أي منها للمحاكمة بعد.

مشاريع سكك حديدية تهدد البيئة

القضية الرابعة مهددة للبيئة، إذ قد تسهل الحصول على موافقة لإنشاء بنية تحتية كارثية من الناحية البيئية.

كانت المحكمة العليا تستمع إلى حجج حول ما إذا كان خط السكة الحديد المقترح بطول 88 ميلاً في ولاية يوتا الأميركية يمكن أن يمضي قدماً رغم تأثيراته البيئية المحتملة.

سينقل خط القطار هذا كميات كبيرة من النفط إلى ساحل الخليج، لكن بناءه كان معلقاً منذ أن قالت محكمة الاستئناف في الأساس إن الجهات التنظيمية لم تأخذ في الاعتبار التأثيرات المناخية والبيئية للمشروع في المنبع أو في المصب الناجمة عن زيادة حركة السكك الحديدية -جوانب مثل الانسكابات النفطية المحتملة، وخروج القطارات عن مسارها، وحرائق الغابات.

وبموجب قانون السياسة البيئية الوطنية (NEPA) القائم منذ فترة طويلة، يتعين على الوكالات الفيدرالية إجراء تقييمات بيئية لمشاريع البنية التحتية مثل هذه، ولكن قد تقرر المحكمة العليا أن التأثيرات البيئية المباشرة للمشروع نفسه فقط -في هذه الحالة، جوانب مثل استخدام الأراضي وجودة المياه- يجب أن تؤخذ في الاعتبار للموافقة على المشروع.

تهديد معايير الهواء النقي في كاليفورنيا

القضية الخامسة هي القرار الذي قد يضع معايير الهواء النظيف في كاليفورنيا في مرمى النيران. إذ ستدرس المحكمة العليا ما إذا كانت مجموعات الأعمال (شركات الوقود الأحفوري) يمكنها الطعن في برنامج الإعفاء الذي يسمح لكاليفورنيا بوضع قواعدها الخاصة بشأن انبعاثات المركبات.

وقد سمح الإعفاء، الذي منحته وكالة حماية البيئة، للولاية بوضع قواعد لعوادم السيارات أكثر صرامة من تلك التي فرضتها الحكومة الفيدرالية، ما أدى إلى تحسين جودة الهواء. كما تلتزم نحو اثنتي عشرة ولاية أخرى بمعايير كاليفورنيا، وكذلك تفعل حفنة من شركات تصنيع السيارات الكبرى، ما يجعل الإعفاء أداة قوية في كبح التلوث الضار ودفع شركات السيارات إلى التحول نحو المركبات الكهربائية.

وتزعم مجموعات صناعة الوقود الأحفوري أن القواعد تسببت في ضرر لها، ويجب إلغاء الإعفاء. ولكن في هذه الحالة بالذات ستقرر المحكمة العليا فقط ما إذا كانت هذه المجموعات تتمتع بالوضع القانوني لتحدي الإعفاء. وفي كلتا الحالتين، تعهد الرئيس المنتخب ترمب بالتخلص من هذا الإعفاء.

مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً