مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

تحالفات تخلط الأوراق وتهدّد مصير «الزعماء»

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي
TT

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

بعد وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أكد الرئيس المؤقت محمد الناصر ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بافون، وكل زعماء الأحزاب والنقابات التونسية على استمرارية المسار الانتخابي والدولة التونسية ومؤسساتها، رغم التعديل الجزئي المرتقب في تواريخ الاقتراع العام. فكيف سيتطور المشهد السياسي التونسي بعد وفاة الرئيس قائد السبسي؟ وهل ستثبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة للشعب التونسي ولدول المنطقة قابلية «الاستثناء الديمقراطي التونسي» على الصمود في واقع عربي ودولي متأزم أو العكس؟ وهل تقنع حرب ليبيا وأحداث الجزائر وبقية أزمات المنطقة ملايين الناخبين بالدفاع عن مسارهم السياسي السلمي والتوافقي، أم تنتقل إليهم عدوى العنف اللفظي والمادي الذي انتشر في كثير من دول المنطقة؟
تكشف المعطيات الأولية التي أعلنت عنها قيادات الأحزاب ورئاسة الهيئة العليا للانتخابات في تونس أن البلاد مقبلة على «فسيفساء سياسية جديدة» يرجح أن تزيد من خلط الأوراق وإرباك المشهد العام. وخلافاً لانتخابات 2011 و2014 حيث أثر «الاصطفاف الآيديولوجي» والموقف من «الإسلام السياسي» في سلوكيات غالبية الناخبين والشباب، يوشك المسار الانتخابي الحالي أن يفرز أقطاباً حسب أولويات جديدة، من بينها المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.

تحذيرات من «المافيات»
ولقد شهدت الأسابيع القلية الماضية تصعيداً غير مسبوق في الاتهامات السياسية والعنف اللفظي بين معظم كبار الفاعلين السياسيين. وانخرط رسميون كبار وقياديون في الائتلاف الحكومي وفي حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد في التصعيد والتحذيرات من الدور السياسي لما يُوصَف بـ«المافيا» المالية وبعض «رموز الفساد وتبييض الأموال والتهرّب من الضرائب» و«العائلات التي تحتكر الثروات والنفوذ»، ومن محاولتها توجيه المشهد السياسي. وانخرط شباب مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» وغيره، في المعركة المحتدمة.
وفي هذا السياق، اعتبر محسن مرزوق، رئيس حزب «حركة مشروع تونس» والوزير المستشار السابق لرئاسة الجمهورية، أن «الشكل المافيوي للحكم أصبح واضحاً». وانتقد مرزوق، بالخصوص، رجل الأعمال البارز ورئيس حزب «قلب تونس» نبيل القروي، إذ اتهمه باستغلال قناته التلفزيونية «نسمة» لتصوير نفسه على أنه المدافع عن الفقراء والمهمّشين اجتماعياً والأعمال الخيرية... تمهيداً لدفع البلاد نحو «حكم المافيا» و«اليمين المتوحّش»، وفق زعمه.
كذلك انتقد مرزوق عدداً من المرشحين الذين اتهمهم بـ«الشعبوية» بعدما جعلتهم استطلاعات الرأي في المراتب العليا المتقدمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، متقدمين على مرشحي الأحزاب الحاكمة والمعارضة الكبرى، كالمحامية عبير موسي زعيمه الحزب الحرّ الدستوري، والمرشح الحقوقي المستقل قيس سعيد. واستطرد مرزوق قائلاً: «إن وصول هؤلاء الشعبويين إلى الحكم سيقود البلاد إلى صراعات لا نهاية لها، وسيعني تسليم البلاد إلى مافيا المال السياسي والفساد».

مع الشاهد وضده
يُذكر أن المكتب السياسي الموسّع لحزب «تحيا تونس» الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد عقد اجتماعاً بحضور نحو 70 من كوادره، وأصدر بياناً في التوجّه نفسه. واتهم الحزب، بالمناسبة، مجدداً حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية الراحل، الباجي قائد السبسي، وعدداً من المقرّبين منه، بينهم رجل الأعمال القروي، بـ«الفساد، وبالتحضير لإبرام صفقة مالية سياسية تؤثر سلباً على الانتخابات، وعلى مصداقية المسار الديمقراطي التعددي في البلاد».
كذلك اعتبر البرلماني الصحبي بن فرج، القيادي في «تحيا تونس»، أن ملفات التنمية الشاملة والحرب على الفساد ستتصدّر الحملات الانتخابية، ومن ثم، اتهم نجل الرئيس بالتسبب في انشقاق غالبية الحزب الحاكم السابق (أي حزب «نداء تونس»)، لأسباب كثيرة، من بينها تحالفه مع من يزعم أنهم متهمون بـ«الفساد المالي»، مثل المرشح للرئاسة نبيل القروي، وشقيقه غازي. وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الأخوين القروي كانا قد مثلا قبل أيام، مجدداً، أمام قاضي التحقيق في القضايا الاقتصادية، وجرى الاستماع إليهما لمدة ساعات، ووجه إليهما الادعاء القضائي التونسي للمرشح الرئاسي اتهامات، من بينها تبييض الأموال والتهرب من الضرائب.
وهنا نشير إلى أن الشاهد باشر قبل سنتين حملة ملاحقة ضد عدد من رجال الأعمال والسياسيين وُجهت إليهم تهم بالفساد والتهرّب الضريبي والتهريب والتآمر على آمن الدولة، بينهم شفيق جراية، هو أحد أبرز أصدقاء نبيل القروي، وبعض السياسيين ورجال الأعمال الليبيين، مثل عبد الحكيم بالحاج زعيم حزب «الوطن» في ليبيا وصاحب قناة «النبأ» الليبية.
وفي حينه، لقي فريق الشاهد دعماً سياسياً وإعلامياً من قبل تيار من المعارضة والحقوقيين عند فتح ملفات الفساد، إلا أنه أصبح بدوره عرضة لاتهامات باعتماد «سياسة الكيل بمكيالين» وأيضاً التعامل بطريقة انتقائية مع المتهمين بالتهريب والتهرب الضريبي.
وفي كل الحالات، يرى مراقبون أن إعادة فتح هذه الملفات اليوم تعني أن الشاهد وأنصاره يلعبون في هذه الانتخابات بورقة محاربة الفساد والتهريب، ويدفعون الناخبين بين المفاضلة بين جبهة انتخابية مع الشاهد وأخرى ضدها، حسب الموقف من الحرب على الفساد.

حلفاء الشاهد من خارج حزبه
ورغم تعطيل المقربين من رئيس الجمهورية الراحل القانون الانتخابي الجديد، الذي يمنع رؤساء الجمعيات الخيرية والمتهمين بالفساد المالي من الترشح للرئاسة والبرلمان، فإنه كان مدخلاً لتشكيل تحالف سياسي حول الشاهد من داخل الائتلاف الحاكم والمعارضة وآخر ضده.
في هذا السياق، انخرطت قيادات حزب «حركة النهضة» وحزب «مشروع تونس» وحزب «التيار الديمقراطي» وبرلمانيون مستقلون في الجبهة القريبة للشاهد، التي تسعى لإقصاء مَن تصفهم بـ«رموز الفساد والاستبداد» من السباق نحو قصر الرئاسة في قرطاج، وأيضاً باتجاه البرلمان المقبل. ولقد دافع محمد عبو زعيم «التيار الديمقراطي» المعارض عن هذا الموقف الذي وصفه بـ«المبدئي»، دعماً للحرب على الفساد التي انخرط فيها رئيس الحكومة ومقربون منه. كما اتهم البرلماني المعارض غازي الشواشي بقوة رموز الجبهة المنافسة للشاهد التي يتزعمها راهناً حافظ قائد السبسي ونبيل القروي. وبرّر الشواشي موقفه بـ«إيمان حزبه بواجب إعطاء الأولوية لمطلب تحقيق الشفافية ومحاربة الفساد، عند انتخاب رئيس الدولة والبرلمان الجديدين».

تزايد تأثير «الشعبويين»
في المقابل، نفى أنصار الحزب الحر الدستوري، بزعامة عبير موسي، وحزب «قلب تونس»، بزعامة القروي والناشط الحقوقي المستقل قيس سعيد، وكذلك المرشح العروبي المثير للجدل الصافي سعيد عن أنفسهم الصبغة «الشعبوية». واعتبر هؤلاء أنهم «يدافعون عن الشعب وليس عن الشعبويين». بيد أن الوزير المستشار السابق محسن مرزوق عاد ليشن حملات عليهم في سلسلة من التصريحات أدلى بها إلى وسائل الإعلام التونسية. وطعن مرزوق في مصداقية بعض المثقفين وممثلي النخبة السياسية الذين ينحازون إلى مَن وصفهم بـ«المرشحين الشعبويين»، ويساندون وصولهم إلى الحكم «بحجة أن ذلك ضد يوسف الشاهد وحزبه وحركة النهضة أو الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم».
وتابع مرزوق قوله: «البعض اليوم مستعد لأي شيء لمجرد أنه يظن أن هذا يضرّ انتخابياً بيوسف الشاهد... وأنا لا أتفق مع الشاهد، ولا حركته، لكنني لا أقبل بهذا، لأنه يضرّ بمصلحة تونس أولاً».

مشاركة الوزراء والرسميين
وفي السياق ذاته، طالب عدد من السياسيين قيادات فريقي الحكم والمعارضة، مثل زهير المغزاوي، زعيم حزب «الشعب» المعارض، ورئيس الحكومة الشاهد، والوزراء الحاليين، بالاستقالة من مسؤولياتهم الحكومية إذا ما قرّروا الترشح للانتخابات المقبلة. كذلك طالب البرلماني والقيادي في حزب «حراك تونس - الإرادة» عماد الدايمي الوزراء والمحافظين وبقية كبار المسؤولين في الدولة «باحترام قاعدة حياد الإدارة» والانسحاب من وظائفهم إذا قرروا الترشح للانتخابات. ناهيك باعتبار الزعيم المعارض غازي الشواشي أن «من يرغب في الترشح عليه أن يترك منصبه، إذ لا يُعقل أن يترشح وزير للانتخابات... ونحن تطالب بالحياد التام في إدارتها». وأردف: «ما دفع بعض التونسيين إلى الشعبوية هو سلوك بعض المسؤولين وأداؤهم السيئ وتعمدهم الخلط بين الحكم والمشاركة في السباق الانتخابي والسياسي».

تأثير المال السياسي
من ناحية أخرى، تشكلت أخيراً جبهات سياسية انتخابية تتحكّم فيها بعض «اللوبيات» المالية والإعلامية والسياسية، في وقت بدأت تتضح فيه ملامح مشهد سياسي جديد يتحكم فيه أساساً أرباب المصالح والبراغماتيون والمتمردون على الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ نحو 9 سنوات، ولا سيما، بعد تراجع تأثير الزعامات الحزبية والآيديولوجية التي تعلن وفاءها لشعارات ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 و«الربيع العربي».
وفي هذا السياق العام، ثمة مَن يتساءل عن مصير الاستقطاب الثنائي الذي تعاني منه تونس منذ عشرات السنين بين ما يُسمى بجبهتي الحداثيين وأنصار الإسلام السياسي؟ وهل سيتوقف مسلسل الصراعات الآيديولوجية الحادة التي عاشتها تونس وكل محطاتها الانتخابية منذ أكثر من 60 سنة بين العلمانيين والإسلاميين؟
المهدي جمعة، رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب «البديل»، يعتبر أن الناخبين التونسيين «سئموا الجدل الآيديولوجي العقيم، والمعارك بين الجبهات التقليدية التي تهمّش الملفات الاقتصادية والاجتماعية وتضخّم الخلافات حول المسائل العقائدية والتراثية والنظريات».
ويعتبر جمعة أن مرشحي حزبه في صدارة المتنافسين في الرئاسيات والانتخابات البرلمانية المقبلة، ويستدل على ذلك باحتلال مرشحيه المرتبة الثانية في الانتخابات البلدية الجزئية الرمزية التي نظمت قبل أسبوعين في بلدية باردو بالعاصمة، تونس، حيث مقر البرلمان وعدد من مؤسسات السيادة.

البراغماتية أولاً
وفي هذه الأثناء، أكد علي العريض، رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس «حزب النهضة» على أولوية البرنامج الانتخابي لحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وتابع قائلاً: «خطابنا لن يكون آيديولوجياً ولا مسانداً للإسلام السياسي، بل سيكون اقتصادياً اجتماعياً براغماتياً». وكان قد أكد التوجه نفسه رئيس «النهضة»، راشد الغنوشي، في كلمة خلال الندوة السنوية للتكنوقراط والكوادر الاقتصادية والإدارية للحزب.
إذ اعتبر الغنوشي أن الطبقة السياسية «نجحت خلال السنوات الماضية في صياغة دستور تقدمي وقوانين دعمت دولة المؤسسات والحريات العامة والفردية، وأصبحت الأولوية اليوم للمشاغل الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية والوسطى»... ومن وصفهم بـ«المستضعفين».
هذا، وتكشف تصريحات رئيس المكتب السياسي لـ«النهضة» نور الدين العرباوي، الذي سيرأس القائمة الانتخابية للحزب في محافظة القصرين الفقيرة أن «الوقت حان لوقف استنزاف الطاقات في المعارك الآيديولوجية والسياسوية، ولإعطاء الأولوية لمشاغل الشباب ومشاكله وللعمل المشترك خلال العملية الانتخابية وبعدها مع الأطراف التي تضع على رأس أولوياتها ملفات التنمية».
وإجمالاً، يبدو أن من أبرز المستفيدين من غياب الرئيس قائد السبسي، في قصر قرطاج وفي قيادة حزب «نداء تونس»، المنشقين عنه الذين التحقوا بحزب الشاهد «تحيا تونس» أو بحزب رئيس حكومة التكنوقراط في 2014، المهدي جمعة.
ولئن نوه قادة معظم الدول الغربية بالوقت القياسي لنقل السلطات سلمياً بعد ساعات من وفاة الرئيس قائد السبسي، فقد تبين أن تونس نجحت حقاً في بناء مؤسسات وقانون لعبة سياسية وانتخابية يحميه الدستور.

ورقة «التطبيع» مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا
> يعتقد كثيرون من صُناع القرار في تونس أن من بين ضمانات الاستقرار في المشهد السياسي الحالي في تونس ما لقيته الحكومات المتعقبة منذ «ثورة يناير» 2011، وأبرز الأحزاب العلمانية والإسلامية من دعم أميركي وأوروبي ودولي.
وفي ظل تمديد الحرب في ليبيا وتعقد الأوضاع في الجزائر، وفي عدد من الدول المغاربية والأفريقية التي تزايد فيها خطر الميليشيات المسلحة والعصابات الإرهابية، قامت باريس وروما وبرلين ولندن وواشنطن بخطوات جديدة في اتجاه تطبيع علاقاتها مع أبرز القيادات السياسية التونسية، بما في ذلك قيادة حزب «حركة النهضة» الذي استقبل وفق قيادي منه خلال الأسابيع الماضية في البرلمانات ووزارات الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
وأعلم الرسميون والساسة الفرنسيون والألمان والإيطاليون قيادة «النهضة» أنهم يراهنون على أن تلعب دوراً في تهدئة الأوضاع في ليبيا، وفي إقناع ساستها المحسوبين على التيار الإسلامي بتطبيع علاقاتهم مع الدول الغربية، وبوقف كل أشكال التعامل مع الميليشيات المتهمة بالإرهاب.

من هم أبرز زعماء الكتل السياسية والانتخابية؟
> يوسف الشاهد: رئيس الحكومة منذ سنتين ونصف السنة، وهو سياسي شاب عمره 43 سنة. كان مقرباً جداً من الباجي قائد السبسي، إلا أنه تمرَّد عليه قبل سنة وأسس حزب «تحيا تونس»، واعتمد خاصة على المنشقين عن حزب «النداء»، بسبب خلافاته مع أفراد من عائلة الرئيس، خصوصاً مع نجله حافظ.
> سليم العزابي: الأمين العام لحزب «تحيا تونس» الذي يرأسه يوسف الشاهد. سياسي شاب في الـ42 من العمر. كان كاتباً عاماً للرئاسة، ثم وزيراً مديراً لمكتب الرئيس، لكنه انشق بدوره عن السبسي بسبب خلافات مع نجله وأفراد عائلته الذين اتهموا بكثرة التدخل في شؤون المال والحكم.
> راشد الغنّوشي: رئيس حزب «حركة النهضة» الإسلامي منذ تأسيسه قبل نحو 50 سنة تحت تسمية «الجماعة الإسلامية» عام 1972، ثم «حركة الاتجاه الإسلامي» عام 1981، وصولاً إلى التسمية الحالية منذ 1989. أعلن أنه سيترشح لعضوية البرلمان وقد يترشح لرئاسته إذا فاز «حركة النهضة» وحلفاؤه بالغالبية.
> محمد عبو: زعيم حزب «التيار الديمقراطي» (يسار الوسط) المعارض، وهو حقوقي شاب كان قيادياً في حزب «المؤتمر» (يسار الوسط) بزعامة الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي ودخل حكومة «الترويكا» عام 2012. لكنه سرعان ما استقال منها بعد أن اتهمها بالتسامح مع المتورّطين بالفساد والاستبداد.
> الدكتور منصف المرزوقي: الرئيس السابق للجمهورية ولحزب «الحراك» (يسار الوسط) المعارض. طبيب ومثقف كان في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي رئيساً للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشطاً سياسياً معارضاً. أعلن أخيراً عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بالتحالف مع رئيس الحكومة الأسبق حمّادي الجبالي (حركة النهضة) وعدد من الحقوقيين السابقين، بينهم المحامي عبد الرؤوف العيادي الأمين العام لحركة «وفاء». ويحاول المرزوقي والجبالي والعيادي وأنصارهم تزعم السياسيين والناخبين المعارضين لمنظومة الحكم الحالية، والمتمسكين بشعار تغيير كامل الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 5 سنوات.
> عبير موسي: محامية مناوئة للتيار الإسلامي، كانت أمينة عامة مساعدة للحزب الحاكم قبل «ثورة يناير» 2011. تميّزت عبير موسي منذ مطلع 2011 بمعارضتها القوية للذين اتهمتهم بـ«الانقلاب» على بن علي. وأصبحت منذ سنتين زعيمة للحزب الدستوري، الذي وضع على رأس أولوياته تكوين جبهة معادية لـ«حركة النهضة» ولمَن تصفهم بقوى «الإسلام السياسي». ولقد رجّحت استطلاعات الرأي فوز موسي وحزبها بما لا يقل عن 10 في المائة من الأصوات في الانتخابات.
> نبيل القروي: رجل إعلام وأعمال وصاحب قناة «نسمة» الخاصة التي أسسها مع رجال أعمال من أوروبا والعالم العربي، بينهم رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلسكوني، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. أعلن قبل أسابيع عن تأسيس حزب «قلب تونس»، ونيته الترشح، قائلاً إن حزبه سيخوض التنافس في كل الدوائر الانتخابية.
تعطيه استطلاعات الرأي المرتبة الأولى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية رغم الملاحقات القضائية التي تستهدفه مع شركاته بتهم كثيرة، منها تبييض الأموال والتهرّب من الضرائب.
> حمّة الهمّامي: الأمين العام لحزب العمال الشيوعي ورئيس «الجبهة الشعبية» اليسارية التي فازت في انتخابات 2014 بـ15 مقعداً. ترشّح الهمامي في الانتخابات الرئاسية الماضية وحلّ في المرتبة الرابعة، غير أن الانقسامات والانشقاقات داخل تحالفه الانتخابي السياسي «الجبهة الشعبية» استفحلت، وتطوّرت إلى معارك قانونية وسياسية علنية، ما قد يُضعف من حظوظها وحظوظ زعيمها في الانتخابات المقبلة.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.