«تشرد»، «تشتت»، «آلام»، «حقوق إنسانية منتهكة»... إذا كانت «الصورة بألف كلمة»؛ فإنها في المعرض الجماعي «سرديات المدن» ذات دلالات وتأثيرات تتعدى آلاف الكلمات، بعدما أجبرت اللقطات أن «تنطق» لكي تعبر عن الأوضاع الكارثية في المدن العراقية تحت قبضة تنظيم داعش الإرهابي، وأن «تصرخ» ليسمع المتلقي أنين العراقيين تحت أنقاض التدمير.
المعرض، الذي يضم 60 صورة فوتوغرافية، تنظمه نقابة الفنانين التشكيليين المصريين بالتعاون مع الجمعية العراقية للتصوير فرع نينوى، وتستضيفه دار الأوبرا المصرية، بمشاركة 6 مصورين ينتمون لمحافظة نينوى وتحديداً مدينة الموصل، ومحافظة الأنبار وتحديداً مدينة الرمادي، يرصدون بعدساتهم ما آلت إليه الأوضاع بالمدينتين.
يقول الفنان أنور الدرويش، عضو الجمعية العراقية للتصوير فرع نينوى ومسؤول الإعلام بها: «يهدف المعرض إلى نقل صورة واضحة عما جرى من أحداث وتدمير للمدن العراقية خاصة مدينتي الموصل والأنبار، حيث كانت الحرب بهما أكثر قسوة مما عليه في مدن أخرى، حيث دمر 90 في المائة من الموصل و80 في المائة من الرمادي».
ويلفت إلى «أن المصورين وثّقوا بعدساتهم هذه المرحلة القاسية، ووضعوا بصماتهم الإبداعية لإيصال تاريخ الموصل المؤلم إلى الجمهور المصري والعربي بالقاهرة، وهذه البصمة وجدت ردود أفعال طيبة، خاصة من جانب الفنانين المتخصصين والأكاديميين الذين فوجئوا بمستوى العرض، مؤكدين على أن «هناك مستوى راقيا يجمع المصورين المشاركين».
ويوضح الدرويش أن أعماله بالمعرض «تحمل دلالات رمزية ورسائل تنقل ما جرى على الأرض في المدينتين، مشيراً إلى اهتمامه باللونين الأبيض والأسود وكذلك «إبراز التضاد والتباين اللوني بالتركيز على لون ما وسط أجواء محايدة».
بالتجول في المعرض يتوقف الزائر أمام صورتين من الموصل، يعكسان مدى المعاناة التي لحقت بالمدينة، من خلال ما وثّقه المصور معن الطائي عن انهيار «منارة الحدباء»، أو مئذنة جامع النوري الكبير، التي تعود للقرن السادس الهجري وتعرف بـ«أيقونة الموصل».
يقول: «أفخر أنني قمت بتصوير هذه المئذنة التاريخية في 17 يونيو (حزيران) 2017. قبل أن تقصف في 22 يونيو وتنهار، حيث كان حدثاً له تأثير على المدينة بأكملها وأصابها بالحزن، بعد أن كانت شامخة تطل على كل المدينة». اللقطات الأخرى لمعن، بالمعرض تعكس صعوبة ومرارة ما شهدته مدينته خاصة في فترة تحريرها من «داعش»، يقول: «أردت أن أنقل جزءا من الملحمة داخل الموصل وخاصة بالمنطقة القديمة الأثرية التي عمرها مئات السنين، مبيناً المأساة والإجرام بحق هذه المدينة، وتوثيق المعارك وبعد ما آلت إليه الأوضاع، لكي يرى الجميع مظاهر الدمار على الطبيعة».
من الصور التي تجذب عين الزائر للمعرض أيضاً، صورة طفل خلف قضبان نافذة في أحد مخيمات النازحين، حيث تعبر نظرة عينيه عن تطلعه للحرية والحلم بالرجوع لدياره، وأخرى لمسنة عراقية بملامح الحزن خلف الأسلاك الشائكة بقلعة هيت (170 كلم غرب العاصمة بغداد)، اللوحتان من أعمال المصور مثنى الحديثي، الذي يوضح أن لقطاته بالمعرض تركزت على بيان قسوة التهجير والحرب التي عاشتها مدينته الأنبار، وإبراز تطلع العراقيين بمختلف أعمارهم وفئاتهم إلى الحرية.
أما المصور كاظم البغدادي، فقد اختار الأطفال ليكونوا أبطالاً للقطاته داخل مدينة الأنبار بعد دخول تنظيم داعش لها، يقول: «اخترت الأطفال ليكونوا أبطالاً لهذه الحكايات، فهم أكثر الفئات التي دفعت الثمن رغم أنه لا علاقة لهم بالسياسة أو المصالح أو الصراعات، حيث أثر التهجير على الأطفال بشكل خاص، بعد أن تركوا مدارسهم ومنازلهم، وحرموا من طفولتهم بالسكن داخل المخيمات، وبعد 4 سنوات عادوا ليجدوا مدنهم ومدارسهم قد دمرت نهائياً وبيوتهم لا تصلح للسكن».
ويلفت إلى أنه اعتمد على ثيمة الأبيض والأسود، لأنهما في رأيه الأفضل في سرد التفاصيل، مؤكداً أنه اختار لغة بصرية تفهمها كل الشعوب لإيضاح ما حدث على يد «داعش».
«سرديات المدن»... عندما تبوح الصورة بمعاناة العراقيين
القاهرة تستضيف معرضاً لـ6 مصورين من نينوى والأنبار
«سرديات المدن»... عندما تبوح الصورة بمعاناة العراقيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة