رحيل الساخر أحمد رجب وعاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق أكثر من اكتوى بناره

فرقتهما السياسة وطواهما الموت في عباءته

عاطف عبيد  -  أحمد رجب
عاطف عبيد - أحمد رجب
TT

رحيل الساخر أحمد رجب وعاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق أكثر من اكتوى بناره

عاطف عبيد  -  أحمد رجب
عاطف عبيد - أحمد رجب

«للحياة مفارقاتها.. وللموت أيضا».. تحت مظلة هذه العبارة ودعت مصر اليوم اثنين من رجالاتها المخضرمين، الأول الكاتب الصحافي أحمد رجب، أحد نجوم عالم الصحافة والأدب الساخر، والثاني الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق، أحد نجوم عالم إدارة الأعمال وشؤون الدولة. ومثلما تباينت أمور الحياة بينهما، تباينت أيضا لحظة الوداع، بل اتسعت الهوة قليلا في مسافة الأسى والحزن على رحيلهما، وهما يلحقان بفقيد آخر رحل قبل نحو شهر، هو رسام الكاريكاتير الشهير مصطفى حسين، ليشكل الثلاثة، ولسنوات عديدة أضلاع مثلث، اختلط فيه النقد الاجتماعي والسياسي بروح السخرية والفكاهة التي يتمتع بها المصريون.
وشيعت جنازة عاطف عبيد من مسجد التقوى بحي الدقي (غرب القاهرة) أمس، فيما تشيع جنازة رجب اليوم من دار أخبار اليوم بحسب وصيته. فبعد صراع مع المرض غيب الموت أمس الكاتب الصحافي المرموق عن عمر يناهز 86 عاما، ونعته مؤسسة «أخبار اليوم» التي ظل يعمل بها حتى آخر أيامه، عبر موقعها الإلكتروني، واصفة إياه بأنه «أشهر الكتاب الساخرين في تاريخ الصحافة المصرية والعربية». ولد أحمد رجب بمنطقة حي الرمل الشهير بالإسكندرية، في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1928، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية في عام 1951، ثم عمل محررا بـ«دار أخبار اليوم» بالإسكندرية، وتزوج عام 1961 ولم ينجب من زوجته التي كان يحبها للغاية، حيث ظهر هذا جليا في إهداءاته الشجية لها التي تصدرت أولى صفحات أغلب كتبه.
وتوفي عاطف عبيد عن عمر يناهز 82 عاما وبعد صراع مع أمراض الشيخوخة. وكان عبيد، قد شغل منصب رئيس وزراء مصر لمدة 5 سنوات في الفترة من 1999 وحتى 2004، إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقبلها تقلد العديد من المناصب، في وزارتي الدكتور عاطف صدقي، والدكتور كمال الجنزوري، من بينها وزير قطاع الأعمال العام، ووزير التنمية الإدارية وشؤون الدولة والبيئة، ووزير التخطيط.
وعبيد من مواليد 14 أبريل (نيسان) 1932 بمدينة طنطا محافظة الغربية (بوسط دلتا مصر)، وحصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة 1952، ثم حصل على الماجستير 1956، والدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة إلينوي الأميركية 1962، وعمل أستاذا لإدارة الأعمال بجامعة القاهرة 1962-1984، وهو متزوج وله ولد وبنت، وزوجته ابنة وكيل سابق لجماعة الإخوان المسلمين.
اشتهر أحمد رجب بكتاباته الساخرة، وظل يقدم لقرائه عموده الشهير «1/2 كلمة» في صحيفة الأخبار، على مدى نحو 50 عامًا، ورغم أن العمود كان لا يتجاوز بضعة أسطر، لكنه كان بمثابة بسمة تجدد نفسها كل يوم على شفاه قراء الصحيفة، لما يتضمنه من نقد مغلف بسخرية لاذعة لشتى الأوضاع في مصر والعالم أيضا.
وطيلة عمله الصحافي استطاع رجب أن يحفر اسمه بحب واحترام في قلوب قرائه، وأن يكون أحد النظار المقتدرين في مدرسة فن السخرية المصري، التي لا تقف عند حدود الإفيهات، ولا تهدف لتسلية القارئ أو نفاقه، لكنها تقدم نقدا سياسيا واجتماعيا بنّاء، على غرار رواد النقد الاجتماعي في مصر من أمثال: عبد الله النديم، وبيرم التونسي، ومحمد عفيفي، حيث يوظف الكاتب أفكاره وثقافته، ويمزجهما برأي عام ليصل إلى أقصى درجات النقد، ، تجعله حيا في الذاكرة الجماعية، وقادرا على أن يجدد نفسه في كل وقت.
وبصحبة صديقه ورفيق دربه رسام الكاريكاتير الشهير الفنان مصطفى حسين، اخترع أحمد رجب عددا من الشخصيات الكاريكاتيرية، استطاع من خلالها أن يجسدا الكثير من النماذج السلبية في المجتمع، التي لا تزال تعيش حتى الآن، فيضرب بها الناس المثل إذا أرادوا التعبير عن أوضاع مقلوبة؛ المنافق بشخصية «عباس العرسة» في الحكومة والسياسة، و«عبد الروتين» للدلالة على سطوة البيروقراطية، و«عبده مشتاق» لانتظار المنصب بأي ثمن.. أيضا ديالوجات «عزيز بيه» المليونير المنعزل مع «الكحيت» المدعي، وشخصية «كمبورة» السياسي الفاسد، و«جنجح» البرلماني الجاهل الغبي، و«عقدة» واضع الامتحانات وقاهر التلاميذ. و«فهامة» المدعي للعبقرية، و«خاميس فجلة»، مخرج أفلام المقاولات.
أحب أحمد رجب عمله وكان الإخلاص والحب، هما الركيزة الأساسية في نجاحه، وعلى صخرتهما لم يتخل عن نقده الاجتماعي البناء حتى في كتبه، ومن أشهرها «صور مقلوبة» و«الحب وسنينه» و«ضربة في قلبك»، و«نهارك سعيد»، و«كلام فارغ»، و«فوزية البرجوازية»، الذي تحول إلى فيلم تلفزيوني شهير، إضافة لممارسته الكتابة للأطفال، حيث حول كتاب «كليلة ودمنة» إلى قصص للأطفال، ونشرها في مجلة الأولاد، وبقيت دائما بداخله رغبة أن يكون كاتبا للأطفال.
وعلى الضفة الأخرى، قدم عاطف عبيد إلى المحكمة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، في قضايا فساد ورشوة وإهدار المال العام، وقضت محكمة جنايات الجيزة بمعاقبته، هو ووزير الزارعة الأسبق يوسف والي، بالحبس المشدد لمدة 10 سنوات، لاتهامهم بتسهيل استيلاء رجل الأعمال الهارب حسين سالم ونجله على أرض محمية «جزيرة البياضية» بمحافظة الأقصر، بسعر زهيد، مما تسبب في إهدار 700 مليون جنيه من المال العام، لكن محكمة النقض، ألغت الحكم وأعادت نظر القضية من جديد، وأفرج عنه على ذمتها إلى أن وافته المنية.
اشتهر عبيد خلال رئاسته للحكومة المصرية بأنه مهندس سياسة «الخصخصة» التي أنهت دور القطاع العام، وأدت - كما يقول خبراء - اقتصاديون - لانهيار الطبقة الوسطى عماد المجتمع، في مقابل صعود طبقة رجال الأعمال والقطاع الخاص، وهيمنتهم على دفة الاقتصاد، وتدهور أحوال الصناعة والزراعة في مصر.
هذا التدهور الذي لحق بالمجتمع إبان تولي عبيد رئاسة الحكومة في مصر لم ينج من نقد وسخرية أحمد رجب، فابتكر هو وصديقة رسام الكاريكاتير مصطفى حسين واحدة من أهم شخصياتهما الساخرة والأكثر جاذبية للقراء تحت اسم «فلاح كفر الهنادوة»، ليجسد بروح ساخرة أوجاع المواطن المصري الذي يخاطب رئيس الوزراء عاطف عبيد الذي كان يناديه بـ«البيه عاطف» ويحكي له عن مشاكل الفلاحين بلسانهم، لكن دون جدوى من رئيس الوزراء، الذي يعمل «ودنا من طين وأخرى من عجين» بحسب الأمثال الشعبية المصرية.. وذكر مقربون آنذاك من عاطف عبيد أنه ضاق ذرعا بهذه السخرية، فشكا للرئيس مبارك، الذي وجه بالتخفيف من حدة هذا النقد اللاذع.
كما كان خلافه مع رفيق عمره مصطفى حسين علامة مميزة في تاريخه، حيث انقطعا عن تقديم أفكارهما معا لمدة 5 سنوات، والتوقف عن تقديم أفكاره لرسم فلاح كفر الهنادوة ومقال «الفهامة» في الصفحة الأخيرة، أثناء تولي ممتاز القط رئاسة تحرير «أخبار اليوم».
وقع الخلاف عندما أرسل أحمد رجب تعليق كاريكاتير «فلاح كفر الهنادوة» متضمنا حديثا بين الفلاح والرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، فوجئ بعدها رجب ولأول مرة في تاريخ كتابته في «أخبار اليوم» بعدة اتصالات هاتفية من المسؤولين بالجريدة، يخبرونه أن هناك خطأ في التعليق حيث ورد اسم «جرجس أفندي» في عبارة، إلا أنه أكد عدم وجود أي خطأ، أعقبه اتصال من القط طلب فيه حذف هذه العبارة.
وكانت هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها أحد أيا كان فيما يكتبه رجب الذي رفض أي تعديل، حتى بعدما أوضح له رئيس التحرير أن الأمر ينطوي على فهم يضر بالوحدة الوطنية، أجابه رجب: «انت هتعلمني الوعي السياسي وازاي أحافظ على الوحدة الوطنية؟!».. ثم أغلق السماعة، وحذفت العبارة دون موافقته، الأمر الذي دفع أحمد رجب إلى الاعتذار عن عدم الكتابة في العدد الذي تلاه.
وبرى أدباء ونقاد أنه رغم قصر الفقرات، التي كتبها رجب وتميز بها في عرض آرائه، فإن الكتابة عنه تحتاج إلى كتب عدة لعرض أفكاره، التي يفرق في واحدة منها بين النكتة والسخرية، لذلك كان يقول دائما: «النكتة ضحكة أما السخرية فابتسامة ملفوفة بالحزن».
وعلى عكس عبيد الذي عشق لغة المال والأرقام والعمل بالبنوك منذ صباه، كره رجب هذه اللغة، وأحب الموسيقى، ويحكي في مذكراته، التي نشرها محمد توفيق في كتابه «ضحكة مصر»: «تعلمت في مدرسة رياض باشا الابتدائية، وكنت أحب حصة الموسيقى وأكره علم الحساب وبسببه قضيت طفولة سعيدة جدًا كلها ضرب في ضرب. وعندما كان المدرس الخصوصي يعلن أنني توصلت إلى حل مسألة جبر، كانت أمي تطلق الزغاريد وتوزع الشربات على الجيران».
ومن فرط عشقه للموسيقى، قرر رجب الالتحاق بمعهد «جيوفاني» لتعلم آلة الكمان، التي يحبها، وبعد الدرس الرابع اشترط عليه الخواجة جيوفاني أن يشتري كمنجة إذا أراد الاستمرار في دروسه في المعهد. ودخل رجب في اتفاق مع أبيه من أجل اقتناء الكمنجة، كاشفًا تفاصيله بقوله: «اتفقت مع والدي على أنني إذا نجحت في الجبر آخر السنة فسوف تكون الكمنجة هدية النجاح، ورحت أسهر الليالي في طلب المعالي، وطلب الكمنجة، حتى أصبحت نحيلا شاحبا، كل شيء، في جسمي صار رفيعًا إلا مخي، فقد ظل تخينا لا يستطيع الجبر اقتحامه، فضاعفت الجهد لأحقق، في النهاية، تفوقا رائعا إذ تمكنت من الحصول على أعلى درجة للنجاح في الجبر أيامها: 4 على 20».
لقد رحل أحمد رجب عن دنيانا، لكنه ترك كمنجته الطفلة، وتراثه الساخر، شمعة تضيء الطريق لأجيال عديدة في الصحافة والحياة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».