موفد أممي: اتفاق السلام أنقذ حياة الآلاف في جنوب السودان

تفاؤل بعودة رياك مشار إلى جوبا في نوفمبر ومطالب بمحاسبة الجناة على الجرائم

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان
TT

موفد أممي: اتفاق السلام أنقذ حياة الآلاف في جنوب السودان

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان

أكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان، ديفيد شيرر، لأعضاء مجلس الأمن أن اتفاق السلام في هذا البلد لا يزال صامداً، لافتاً إلى أن انخفاض العنف السياسي أدى إلى إنقاذ حياة المئات، بل الآلاف، من السكان، الذين يواجه الملايين بينهم خطر حصول أزمة غذائية بالغة السوء.
وأبلغ شيرر أعضاء المجلس، في نيويورك، أن العديد من العائلات النازحة «خلصت إلى أن العودة إلى ديارها أصبحت آمنة، وأن الوقت قد حان لذلك»، مشيراً إلى عودة «أكثر من نصف مليون شخص منذ توقيع اتفاق السلام الذي جرى إنعاشه». غير أنه نبه إلى أن «آخر تحليل حول الأمن الغذائي يظهر واقعاً قاتماً في ظل مواجهة نحو سبعة ملايين شخص مستويات أزمة غذائية أو ما هو أسوأ»، مضيفاً أنه «مع ذلك، وللمرة الأولى منذ سنوات، ستشهد بعض المقاطعات تحسينات طفيفة حيث مكّن الهدوء النسبي الأسر من استئناف الزراعة». ولاحظ أن «هذه الإشارات الإيجابية تأتي من قاعدة منخفضة للغاية، ولكنها تمثل بصيص أمل لما هو ممكن في ظل السلام»، مضيفاً أن «استمرار هذا الاتجاه أمر حيوي»، وشدد على أن «الرغبة في السلام في البلاد واضحة، وهناك نفور شديد من أي تجدد للقتال». ومع ذلك، لاحظ أيضاً أن «وتيرة الحوار وبناء السلام على المستوى الشعبي تتحرك بشكل أسرع بكثير مما هي عليه بين النخب التي تتفاوض على الصعيد الوطني». وقال: «يجب أن نكون صريحين. توقف القتال لأن القادة أمروا جنودهم بالتوقف. وإذا استؤنف القتال - على عكس إرادة الشعب - فذلك لأن هؤلاء القادة أنفسهم يريدون ذلك، وأمروا بأن يحدث». وإذ عبر عن «خيبة أمل» من إرجاء تشكيل حكومة انتقالية، رأى أن ذلك «سيمنح بعض الوقت لحل القضايا العالقة التي يمكن أن تؤدي إلى عرقلة اتفاق السلام» الذي يُعدّ «وثيقة حية، وليس أمراً متحجراً». وأكد أنه «لا توجد مهام ما قبل المرحلة الانتقالية لا يمكن تحقيقها داخل إدارة انتقالية موحدة. في الواقع، هناك مزايا للقرارات التي تُتخذ جماعياً داخل الحكومة الانتقالية، لأنها ستُتخذ جماعياً وبشكل شفاف وستكون أكثر قابلية للمساءلة من المواطنين». وأشار إلى أن جنوب السودان سيحتفل في غضون أسبوعين، بالذكرى الثامنة لاستقلاله، مضيفاً أنه «مع هذه السيادة، تأتي المسؤولية، وهو التزام نادراً ما يجري الاعتراف به، بما في ذلك استخدام القادة لموارد البلاد لتحقيق مصالح مواطنيهم، وليس لمصالحهم».
وتعمل الأمم المتحدة مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بشكل جماعي لدعم اتفاق السلام، مع التشديد على أن التمديد لمدة ستة أشهر يجب أن يكون الأخير.
وتحدث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أندرو غيلمور، داعياً الأطراف في جنوب السودان إلى «الوفاء بتنفيذ التزاماتها في شأن إنهاء الأعمال القتالية ووقف العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات». وأكد أن «الضمان الحقيقي للسلام الدائم في جنوب السودان يكمن في الجهود المبذولة لإنهاء الإفلات من العقاب». وأشار إلى أن التقارير تفيد بأن «هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والجرائم الدولية ارتُكِبت من قبل أطراف النزاع». وأضاف أنه «رغم كل هذه الأدلة، لم يتخذ أي إجراء ضد الجناة». ورأى أنه «من أجل كسر دائرة الإفلات من العقاب التي طال أمدها ومنع الانتهاكات في المستقبل، نعتقد أنه يتعين تطبيق آليات العدالة الانتقالية المحددة في اتفاق السلام»، ملاحظاً أن حكومة جنوب السودان «لم توقّع بعد على مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأفريقي لإنشاء المحكمة المختلطة».
وأوضحت مديرة المشاريع في مبادرة مراقبة تنفيذ السلام في جنوب السودان ليديا ميناجانو أن «النزاع متجذر بعمق في عدم المساواة بين الجنسين، مما أدى إلى انتهاك واسع النطاق لحقوق النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الجنسي والجنساني، والتهجير القسري، والحرمان من الوصول الأساسي إلى سبل العيش». وأضافت أن «النساء يشكلن غالبية سكان بلدي ولا يستطيع جنوب السودان تجاهلنا»، معتبرة أن «منحنا الموارد التي نحتاج إليها للمشاركة في مستقبل بلدنا سيساهم بشكل مباشر في السلام والاستقرار والتنمية في جنوب السودان».
أما سفير جنوب السودان أكوي بونا مالوال فشدد على إجراءات بناء الثقة بين الموقعين على اتفاق السلام. وقال: «فيما لا يوجد الدكتور رياك مشار في جوبا، يمكنني أن أؤكد للمجلس أن هناك اتصالات وثيقة بينه وبين الرئيس سلفا كير. لقد شعرنا جميعاً بطبيعة الحال بخيبة أمل من ذلك، كنا نأمل أن يسافرا معاً من روما إلى جوبا. ومع ذلك، نعتقد أنه سيكون في جوبا قريبا، قبل نوفمبر المقبل».



«كوب 29»: اتفاق على تمويل سنوي قدره 300 مليار دولار يثير خيبة الدول النامية

شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
TT

«كوب 29»: اتفاق على تمويل سنوي قدره 300 مليار دولار يثير خيبة الدول النامية

شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
شعار قمة «كوب 29» (رويترز)

تعهّدت الدول المُتقدّمة، يوم الأحد، في باكو، تقديم مزيد من التمويل للدول الفقيرة المهددة بتغير المناخ، وذلك في ختام مؤتمر للأمم المتحدة سادته الفوضى في أذربيجان وخرجت منه الدول النامية بخيبة أمل.

وبعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، وافقت دول العالم المجتمعة في باكو، الأحد، على اتفاق يوفر تمويلاً سنوياً لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية التي كانت تطالب بأكثر من ذلك بكثير لمكافحة التغير المناخي.

وأعرب الكيني علي محمد، متحدثاً باسم المجموعة الأفريقية، عن أسفه، لأن التمويل الموعود في مؤتمر «كوب 29» حتى عام 2035 «قليل جداً ومتأخر جداً وغامض جداً». أما نظيره من ملاوي إيفانز نجيوا الذي يمثل أفقر 45 دولة في العالم، فندد بالاتفاق ووصفه بأنه «غير طموح»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت المندوبة الهندية شاندني راينا في مؤتمر «كوب 29» في باكو: «المبلغ المقترح ضئيل جداً. إنه مبلغ زهيد»، مشيرة إلى أن الرئاسة الأذربيجانية لم توفر لها فرصة التحدث قبل الموافقة النهائية على النص.

مخيب للآمال

ويتمثل هذا الالتزام المالي من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا، تحت رعاية الأمم المتحدة، في زيادة القروض والمنح للدول النامية من 100 مليار إلى «300 مليار دولار على الأقل» سنوياً حتى عام 2035.

والأموال مخصصة لمساعدة هذه الدول على التكيف مع الفيضانات وموجات الحر والجفاف، وأيضاً للاستثمار في الطاقات منخفضة الكربون.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن مشاعر متباينة حيال الاتفاق بشأن تمويل المناخ الذي تم التوصل إليه في أذربيجان، فجر الأحد، حاضاً الدول على اعتباره «أساساً» يمكن البناء عليه.

وقال غوتيريش: «كنت آمل في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحاً... من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه»، داعياً «الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق أساساً لمواصلة البناء» عليه.

وأعربت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أنياس بانييه - روناشيه عن أسفها، لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الأحد، في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان «مخيب للآمال»، و«ليس على مستوى التحديات».

وقالت الوزيرة في بيان، إنه على الرغم من حصول «كثير من التقدّم»، بما في ذلك زيادة التمويل للبلدان الفقيرة المهددة بتغيّر المناخ إلى 3 أضعاف، فإنّ «النص المتعلّق بالتمويل قد اعتُمِد في جوّ من الارتباك واعترض عليه عدد من الدول».

اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة

في المقابل، أشاد المفوض الأوروبي فوبكه هوكسترا، الأحد، بـ«بداية حقبة جديدة» للتمويل المناخي. وقال المفوض المسؤول عن مفاوضات المناخ: «عملنا بجدّ معكم جميعاً لضمان توفير مزيد من الأموال على الطاولة. نحن نضاعف هدف الـ100 مليار دولار 3 مرات، ونعتقد أن هذا الهدف طموح. إنه ضروري وواقعي وقابل للتحقيق».

من جهته، رحب وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، واصفاً إياه بأنه «اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة من أجل المناخ». وقال ميليباند: «هذا ليس كل ما أردناه نحن أو الآخرون، لكنها خطوة إلى الأمام لنا جميعاً».

كما أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، باتفاق «كوب 29» بوصفه «خطوة مهمة» في مكافحة الاحترار المناخي، متعهداً بأن تواصل بلاده عملها رغم موقف خلفه دونالد ترمب المشكك بتغيّر المناخ.

وقال بايدن: «قد يسعى البعض إلى إنكار ثورة الطاقة النظيفة الجارية في أميركا وحول العالم أو إلى تأخيرها»، لكن «لا أحد يستطيع أن يعكس» هذا المسار.

وكانت الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي قد انسحبت، في وقت سابق السبت، من المشاورات مع رئاسة أذربيجان للمؤتمر، احتجاجاً على مسودة اتفاق لا تفي بمطالبها للحصول على مساعدات مالية.

وأعلن سيدريك شوستر من ساموا باسم مجموعة الدول الجزرية (Aosis) برفقة ممثل أفقر 45 دولة في العالم: «لقد غادرنا (...). نعدّ أنه لم يتم الإصغاء إلينا».

أجواء مثقلة

وبعد أكثر من 24 ساعة من التأخير، بدأت الجلسة الختامية لمؤتمر الأطراف «كوب 29»، مساء السبت، بينما دعا رئيس المؤتمر مختار بابايف، الدول إلى تخطي «انقساماتها».

وحاولت مسودة الاتفاق التوفيق بين مطالب الدول المتقدمة، لا سيما الاتحاد الأوروبي، ومطالب الدول النامية التي تحتاج إلى مزيد من الأموال للتكيف مع مناخ أكثر تدميراً.

ودعت أكثر من 350 منظمة غير حكومية، الدول النامية صباح السبت، للانسحاب من المفاوضات، قائلة إن عدم التوصل إلى اتفاق خير من التوصل إلى اتفاق سيئ.

وهي استراتيجية تتناقض مع الرسالة الطارئة التي وجهها كثير من البلدان النامية. وشدد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي لديه أولويات أخرى لمؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم العام المقبل، على «عدم تأجيل» مهمة باكو حتى عام 2025.

وقال الوزير الآيرلندي إيمون ريان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «علينا أن نعطي الأمل للعالم، وأن نثبت أن التعددية ناجحة».

وانتقد مفاوضون ومنظمات غير حكومية تنظيم أذربيجان للمؤتمر التي لم يسبق لها أن أشرفت على حدث العالمي كهذا.

وانعقد مؤتمر الأطراف في أجواء مثقلة. فقد هاجم الرئيس إلهام علييف فرنسا، حليف عدوه أرمينيا، واستدعى البلدان سفيريهما. وقال برلمانيان أميركيان إنهما تعرضا لمضايقات في باكو. وتم اعتقال كثير من نشطاء البيئة الأذربيجانيين.

قواعد تداول أرصدة الكربون

توازياً اعتمد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (كوب 29)، السبت، قواعد جديدة تتيح للدول الغنية تحقيق أهدافها المناخية من خلال تمويل مشروعات خضراء داعمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري في دول أفريقيا وآسيا.

ويأتي هذا القرار الذي اتخذته الدول المجتمعة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في باكو، مساء السبت، وقوبل بالتصفيق، بعد سنوات من الجدل الحاد حول تداول أرصدة الكربون للحد من الانبعاثات.

وهذا الإجراء منصوص عليه في اتفاق باريس لعام 2015، وقرار السبت يجعله ساري المفعول. وتعول البلدان النامية في أفريقيا وآسيا بشكل كبير على هذا الإجراء للحصول على تمويل دولي.

ويتعين على البلدان الغنية أن تمول أنشطة تعمل على تدعيم مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي في البلدان النامية: زراعة الأشجار، أو الاستبدال بالمركبات العاملة بالوقود، أخرى كهربائية، أو الحد من استخدام الفحم. ويحسب هذا الخفض في الانبعاثات في البصمة الكربونية للدول الممولة للمشروعات.

واستباقاً للضوء الأخضر الذي كان متوقعاً في باكو، تم التوقيع على 91 اتفاقاً ثنائياً، معظمها من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، لـ141 مشروعاً رائداً، وفق حصيلة وضعتها الأمم المتحدة حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني).