اشتباك نادر بين قوات فلسطينية وإسرائيلية

الأمن الوقائي رد على نيران الاحتلال... والسلطة تحذر من «مخطط للفوضى»

آثار الاشتباكات على إحدى نوافذ مقر الأمن الوقائي في نابلس أمس (أ.ف.ب)
آثار الاشتباكات على إحدى نوافذ مقر الأمن الوقائي في نابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

اشتباك نادر بين قوات فلسطينية وإسرائيلية

آثار الاشتباكات على إحدى نوافذ مقر الأمن الوقائي في نابلس أمس (أ.ف.ب)
آثار الاشتباكات على إحدى نوافذ مقر الأمن الوقائي في نابلس أمس (أ.ف.ب)

اشتبكت قوات إسرائيلية مع عناصر من جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في مدينة نابلس بالضفة الغربية، في حدث نادر لم تشهده الأراضي الفلسطينية منذ الانتفاضة الثانية.
واندلعت المواجهات فجر أمس، واستمرت نحو ساعتين مخلفة إصابتين بين أفراد الأمن الوقائي. وقال ضباط من الجهاز إنهم تصدوا لإطلاق نار عنيف من قبل القوات الإسرائيلية على مقر الأمن في نابلس نحو الساعة الثانية فجراً.
وبث فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات حية لتبادل إطلاق النار ووصول تعزيزات عسكرية إسرائيلية. وأظهرت صور من داخل المقر اختراق الرصاص كثيراً من النوافذ والجدران في طوابقه الثلاثة.
ولم يستطع أي مسؤول إسرائيلي أو فلسطيني إعطاء تفسير فوري لما حدث باعتبار أنه يوجد تنسيق أمني ولو في حدود دنيا، ولأن القوات الإسرائيلية تحرص على إخبار السلطة بأي نشاط لها في المدن الفلسطينية خشية الاشتباك مع قوات الأمن.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي لاحقاً إنه «خلال نشاط لقوات الجيش لاعتقال إرهابيين في مدينة نابلس، اندلع تبادل لإطلاق النار بين القوات وبين من رصد من قبلهم كمشتبه فيهم. واتضح فيما بعد أنهم عناصر في الأجهزة الأمنية الفلسطينية. لم تقع إصابات في صفوف قواتنا وسيتم التحقيق في الحادث».
ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الاشتباك بدأ من خلال قوات إسرائيلية خاصة كانت تعمل في مكان قريب، «فأطلق أحد الطرفين النار بعد أن أخفق في التعرف على الطرف الآخر».
واتضح لاحقاً أن رجال الأمن الوقائي حاولوا التحقق من سيارة مشتبه بها فأطلق أفراد القوة الخاصة الإسرائيلية النار عليهم فردوا على مصادر النار قبل أن تندلع اشتباكات أوسع.
ورفضت السلطة الفلسطينية الرواية الإسرائيلية حول وجود خطأ ما. وقال محافظ نابلس إبراهيم رمضان إن «ما حدث أمر خطير». وأضاف في تصريحات للصحافيين من أمام مقر الأمن الوقائي الذي تعرض لإطلاق النار: «هذا مستهجن وبحاجة إلى وقفة حقيقية. يقولون (الجيش الإسرائيلي) نحن سنفتح تحقيقاً في هذا الموضوع. افتحوا تحقيقاً مع جنودكم كيف تم إطلاق النار... لا يوجد أي مبرر لذلك».
وأكد رمضان أن السلطة الفلسطينية رفضت المشاركة في تحقيق مشترك اقترحه الإسرائيليون. وقال إن «مقر جهاز الأمن الوقائي موجود في نابلس وليس في تل أبيب. رفضنا اقتراحاً إسرائيلياً بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة حول ما جرى، وهذا الموقف واضح». وأضاف أن «كل ما يدعيه الاحتلال حول تعرضه لإطلاق نار في المنطقة غير صحيح. هم أطلقوا النار بهدف القتل لأن الرصاص اخترق النوافذ وأصاب المكاتب».
ومرت سنوات طويلة منذ آخر مواجهة مباشرة بين قوات الأمن الفلسطينية والإسرائيلية بعد أن شهدت الانتفاضة الثانية عام 2002 تدمير إسرائيل للمقرات الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية وحصار مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعدما اشتبكت القوات الفلسطينية مع الإسرائيلية، وهي تجربة يقول الرئيس محمود عباس إنه لا يريد تكرارها.
وينطلق عباس من قاعدة أنه لا يريد إعطاء الإسرائيليين مبرراً لإحداث الفوضى وتدمير مقدرات السلطة، وهو نهج ترفضه المعارضة الفلسطينية.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين إن «الاعتداء الاستفزازي الذي أقدمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد مقر الأمن الوقائي في مدينة نابلس صباح الثلاثاء، وأدى إلى إصابة أحد أفراد الجهاز برصاص جيش الاحتلال الحاقد دعوة صريحة للفوضى».
وأضافت أن «هذا الاعتداء امتداد للحرب المفتوحة التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا ومدنه وقراه وبلداته ومخيماته، بهدف تكريس الاحتلال والاستيطان عبر محاولات النيل من صمود شعبنا وإرادته الصلبة في التمسك بحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة، وضرب هيبة مؤسسات دولة فلسطين، وصولاً إلى خلق حالة من الفوضى الأمنية والسياسية، كمناخات مناسبة لتمرير ما يُسمى صفقة القرن التصفوية لحقوق شعبنا وقضيته، ومقدمة لفرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة».
ورأت أن «استباحة المناطق الفلسطينية المصنفة (أ)، (أي تلك الخاضعة لسيطرة السلطة الكاملة بموجب اتفاقات أوسلو) هي تدمير ممنهج لجميع الاتفاقيات الموقعة، وتنفيذ لمخطط استعماري توسعي على حساب الأرض الفلسطينية المحتلة، كما أنها حلقة من حلقات تقويض أي فرصة لتحقيق السلام على أساس مبدأ حل الدولتين، وبالتالي إغلاق الباب نهائياً أمام أي جهود لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة ومتصلة جغرافياً، بعاصمتها القدس الشرقية المحتلة».
وتعاملت حركة «حماس» مع الحادثة باعتبارها دليلاً على صحة موقفها من المواجهة. وقال عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران إن «ما جرى الليلة يستوجب وقفة جدية من السلطة للبدء بوحدة وطنية شاملة تقوم على أساس حماية الحقوق الفلسطينية ومواجهة الاحتلال الذي يحاصر الكل الفلسطيني في الضفة وغزة».
وأضاف: «نحن اليوم أمام تصعيد صهيوني يحمل رسائل سياسية الهدف منها التهديد بأنه لا مكان محصن ولا وجود لاتفاقيات أمنية، وأن الاحتلال يضرب عرض الحائط بكل ما يدعيه من التزامات، وعليه فإن العودة إلى خيار شعبنا في المقاومة والوحدة وتحصين الجبهة الداخلية أولوية وطنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية».
وطالب السلطة الفلسطينية بـ«وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال بشكل رسمي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين كافة من سجونها، كرد فعل أولي ومنطقي على استباحة جيش الاحتلال لمدن الضفة ومقرات السلطة الأمنية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».