أخو الزعيم الكوري الشمالي «تعامل» مع الاستخبارات الأميركية

بيونغ يانغ تحث واشنطن على تغيير «سياستها العدائية»

كيم جونغ نام (يسار) الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
كيم جونغ نام (يسار) الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
TT

أخو الزعيم الكوري الشمالي «تعامل» مع الاستخبارات الأميركية

كيم جونغ نام (يسار) الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)
كيم جونغ نام (يسار) الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب)

توفي كيم جونغ نام، الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي كان يعد في الماضي وريثاً محتملاً للسلطة، بعدما تعرض إلى هجوم لغاز الأعصاب «في إكس» أثناء انتظاره في مطار كوالالمبور الدولي في 13 فبراير (شباط) 2017، في عملية اغتيال بدت وكأنها من حقبة الحرب الباردة وشكلت صدمة للعالم. وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس (الثلاثاء)، إن تواجد كيم جونغ نام في ماليزيا في فبراير 2017 كان للقاء الشخص الذي يتواصل معه في وكالة الاستخبارات، بسبب صلاته وتعاونه مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). وقالت الصحيفة نقلاً عن «شخص مطلع على المسألة»، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية، إن كيم جونغ نام اجتمع مع عملاء في الـ«سي آي إيه» مرّات عدة.
واعتقلت السيدتان، إحداهما فيتنامية والأخرى إندونيسية، ووجهت إليهما اتهامات بالقتل. وأصرتا على أنهما خدعتا من قبل عملاء كوريين شماليين لتنفيذ العملية، مؤكدتين أنهما اعتقدتا أنهما كانتا تشاركان في مزحة بتلفزيون الواقع. وأسقط الادعاء الماليزي لاحقاً التهم الموجهة إليهما بالقتل وأطلق سراح الإندونيسية في مارس (آذار)، بينما أفرج عن الفيتنامية في مايو (أيار). واتهمت كوريا الجنوبية جارتها الشمالية بإصدار أمر بتنفيذ عملية القتل، وهو ما نفته بيونغ يانغ.
وتحدث مصدر «وول ستريت جورنال» عن وجود «رابط» بين كيم جونغ نام والـ«سي آي إيه»، لكن الصحيفة أشارت إلى أن الكثير من التفاصيل المتعلقة بصلته بوكالة الاستخبارات المركزية غير واضحة.
ويبدو أن كيم جونغ نام، تحول إلى شخص غير مرغوب فيه بالنسبة للنظام الكوري الشمالي بعدما تم ترحيله من اليابان عام 2001 لدى محاولته دخولها باستخدام جواز سفر مزوّر لزيارة «ديزني لاند».
ومنذ ذلك الحين كان يعيش في منفى فعلي؛ إذ يقضي معظم أوقاته في منطقة ماكاو الصينية. وتحدث إلى وسائل إعلام يابانية وغيرها بصراحة مفاجئة في مناسبات عدة، وقال لصحيفة يابانية في 2011 إنه يعارض فكرة انتقال السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة في كوريا الشمالية. وأوردت «وول ستريت جورنال» أن «عدداً من المسؤولين الأميركيين السابقين قالوا إن الأخ غير الشقيق (لكيم) الذي عاش خارج كوريا الشمالية لسنوات كثيرة لم تكن لديه أي سلطة في بيونغ يانغ، ويستبعد أنه كان بإمكانه تقديم تفاصيل عن أي أمور سرّية تتم داخل أروقة الدولة». ويأتي التقرير على وقع الجمود في المحادثات بين واشنطن وبيونغ يانغ بشأن أسلحة الأخيرة النووية. والتقى كيم جونغ أون الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قمة أولى تاريخية في سنغافورة العام الماضي، لكن لقاءهما الثاني في هانوي في فبراير هذا العام انهار عندما فشلا في التوصل إلى اتفاق على نزع الأسلحة النووية.
وفي سياق متصل، وجهت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية نداءً للولايات المتحدة أمس «بالتخلي عن سياستها العدائية» تجاه بيونغ يانغ، وإلا ربما أصبحت الاتفاقيات المبرمة خلال اجتماع قمة سنغافورة قبل عام «حبراً على ورق». والبيان الذي أذاعته وكالة الأنباء المركزية الكورية يشبه تحذيراً صدر الأسبوع الماضي، ويعكس حالة الجمود السائدة منذ انهيار القمة الثانية التي عقدها الرئيس ترمب والزعيم كيم في هانوي في فبراير.
وقالت وكالة الأنباء الكورية: «إن السياسة الأميركية المتغطرسة والفردية لن تنجح أبداً مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية التي تقدِّر السيادة». وأضافت: «الآن حان أوان أن تتخلى الولايات المتحدة عن سياستها العدائية تجاه جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية».
وصرح ترمب خلال زيارة دولة إلى فنلندا بأن محادثات تجري لعقد قمة ثالثة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة «ولا أعتقد أن الوضع يستدعي ترتيباً من قبل دولة ثالثة». وقال ترمب الأسبوع الماضي، إنه يتطلع للقاء كيم في الوقت المناسب.
وصرحت مورجان أورتاجوس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، بأن ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو سيحضران قمة مجموعة العشرين باليابان هذا الشهر ثم سيزوران كوريا الجنوبية للقاء مون وتنسيق الجهود لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي بشكل نهائي يمكن التحقق منه.


مقالات ذات صلة

بكين تتهم امرأة يابانية بالتجسس بسبب أنشطتها في طوكيو

آسيا يابانيون في شوارع العاصمة طوكيو (أ.ب)

بكين تتهم امرأة يابانية بالتجسس بسبب أنشطتها في طوكيو

اعتقلت الصين امرأة يابانية عام 2015 بتهمة التجسس لمصلحة طوكيو، فيما تمثل أول حالة معروفة صارت فيها الإجراءات المتخذة في طوكيو أساسية للملاحقة القضائية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
شؤون إقليمية صورة في 27 ديسمبر 2024 في هرتسليا بإسرائيل تُظهر أفراداً من الشرطة في موقع عملية طعن (د.ب.أ)

توقيف إسرائيلي للاشتباه بتجسسه لصالح إيران

أفاد تقرير إخباري بأن السلطات الإسرائيلية ألقت القبض على مواطن يُشتبه في عمله جاسوساً لصالح إيران.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم (رويترز)

سجن امرأة متهمة بالخيانة في القرم 15 عاماً

حُكم على امرأة في سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، بالسجن 15 عاماً بتهمة الخيانة؛ على خلفية عملها لحساب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جاء في الحكم على المواطن الأميركي جين سبيكتور أنه سيقضي عقوبته بـ«منشأة سجون بنظام صارم» بعد محاكمة جرت عبر جلسات مغلقة (رويترز)

الحكم على أميركي بالسجن 15 عاماً في روسيا بتهمة «التجسس»

قضت محكمة روسية، اليوم (الثلاثاء)، بسجن المواطن الأميركي جين سبيكتور، 15 عاماً في إطار قضية «تجسس» لا تزال تفاصيلها غامضة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أوكرانيا تكشف 12 عميلاً يتجسسون لصالح روسيا (أ.ف.ب)

أوكرانيا: كشفنا 12 عميلاً يتجسسون لصالح روسيا على دفاعنا الجوي

قال جهاز الأمن الأوكراني (إس بي يو)، الثلاثاء، إنه كشف 12 عميلاً يتجسسون لصالح روسيا لرصد مواقع مقاتلات «إف - 16» وأنظمة الدفاع الجوي في أنحاء أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟