دراما الصمت في المشهد الثقافي السعودي

تشكل العنوان الأبرز للحالة الثقافية في البلد بانتظار حالة يمكن التعامل معها

حرص رسمي على تطوير معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020 والارتقاء به
حرص رسمي على تطوير معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020 والارتقاء به
TT

دراما الصمت في المشهد الثقافي السعودي

حرص رسمي على تطوير معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020 والارتقاء به
حرص رسمي على تطوير معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020 والارتقاء به

الحديث عن الثقافة هو حديث عن التنمية الثقافية بالضرورة، وفي الآن نفسه هو حديث عن التوازنات المتعددة، المتعارضة والمتكاملة داخل فضاء اجتماعي واحد، حيث الرغبة الأكيدة لتجسير الهوة بين الثقافة الفردية وثقافة الجمهور. وهذا هو جوهر التحولات الدرامية التي تباغت بها وزارة الثقافة عمق المشهد الثقافي في السعودية، حيث تتوالى الأخبار المتعلقة بإعادة هيكلة الوزارة بشكل غير مسبوق، إذ لا يمر أسبوع من دون إعلان عن مبادرة ثقافية، أو استحداث قطاع، أو تعيين أحد الكوادر الثقافية في منصب من مناصب الوزارة الآخذة في التمدد. وذلك في ظل استراتيجية الوزارة المنسجمة مع «رؤية المملكة 2030»، حيث تم تعيين سعد المحارب رئيساً تنفيذياً للدار السعودية للنشر والتوزيع، المسؤولة عن نشر وتسويق وتوزيع الكتاب السعودي في مختلف الدول العربية، كما أوكلت إلى محمد حسن علوان مهمة الرئيس التنفيذي لقطاع الأدب والترجمة والنشر، المعني بتطوير قطاع الإنتاج الإبداعي والثقافي والأدبي في المملكة.
وبموجب الحرص على تطوير معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020 والارتقاء به، صدر قرار بتعيين عبد الرحمن العاصم مديراً للمعرض في وقت مبكر لضمان ظهور المعرض بصورة مشرفة، على عكس ما كان يحدث في الدورات السابقة، كما أُعلن عن إيكال رئاسة الفرقة الوطنية للموسيقى إلى عبد الرب إدريس، والفرقة الوطنية للمسرح إلى عبد العزيز السماعيل، في الوقت الذي تأسست فيه مبادرة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي ستقام نسخته الأولى عام 2020، في جدة التاريخية، تحت إشراف رئيسيها التنفيذي محمود صباغ. وهي مبادرة معنية بدعم قطاع الأفلام المحلية، وتوسيع الصناعة السينمائية المحلية، وفتح آفاقها على تجارب السينما العالمية.
وكانت الوزارة قد تسلَّمت جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية والمراكز الثقافية، بالإضافة إلى مجمل الجمعيات الفنية والمجلة العربية، من وزارة الإعلام. وكل ذلك تحت إشراف وتوجيه وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود الذي يُنظر إليه كوجه رمزي للثقافة الجديدة، حيث حوّل المشهد الثقافي إلى ورشة كبرى تضج باللقاءات التشاورية، ورتب متوالية من اللقاءات مع مجموعات متنوعة من النخب الثقافية على مستوى المملكة، كما كشف عن 27 مبادرة ثقافية، تتضمن تأسيس منظومة من الجوائز وبيوت الثقافة والبيناليات والمجلات والمتاحف والمهرجانات وبرامج التفرغ ومبادرات القراءة والترجمة والابتعاث الثقافي. وتوج كل ذلك الجهد بلقاء رمضاني لافت لولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع نخبة من المثقفين، في إشارة مزدحمة بالدلالات، مفادها أن الثقافة تقع ضمن أولويات رأس الهرم السياسي في السعودية الجديدة.
وهذا الجهد المتسارع والشامل بقدر ما أضفى على المشهد الثقافي بهجة الحركة وأمل التغيير، أصاب معظم المثقفين بحالة من الارتباك والترقُّب. فهذا النمط التغييري الجذري يسجل اختراقاً مرعباً لما يُعرف بالثقافة التنظيمية، بما هي الإطار المعرفي والقيمي الذي تقاسمه أولئك الذين استراحوا على هامش مشهد ثقافي بطيء الحركة، أقرب ما يكون إلى الجمود، والذين بنوا أمجادهم على وتيرة أدائية وظيفية. وهذا هو ما يفسر حالة الارتباك التي تنتاب بعض حراس الثقافة التقليديين الذين باتوا يستشعرون اهتزاز مواقعهم، وتأرجح مقاعدهم على إيقاع التعيينات المتلاحقة وإعادة الهيكلة، كما يفسر دراما الصمت التي تشكل العنوان الأبرز للحالة الثقافية بانتظار استواء المشهد الثقافي في حالة أو شكل يمكن التعامل معه.
ولكن دراما الصمت هذه تتعرض بين آونة وأخرى إلى هسهسات مستريبة، متأتية في الغالب من أولئك الذين تربوا على كون الثقافة جهداً فردياً أرستقراطياً، ولم يحتسبوا إلى المتغير الأهم اليوم المتمثل في الظاهرة الجمهوروية المعتمدة على الشباب بالدرجة الأولى، بكل تقنياتها الاستحواذية الحديثة التي تجيد التعامل مع ما يُعرف بالميديا الساخنة والباردة. ولذلك تبدو التبرمات النخبوية مكثفة باتجاه الحط من قيمة نجوم السوشيال ميديا الذين لا يخفى وجودهم القوي في برامج الوزارة، كما ظهر ذلك من خلال عدة مؤشرات ومناسبات اكتشف من خلالها رموز الثقافة وجودهم على هامش الفعل والحدث الثقافي، كما ظهرت مجموعة من الرسائل الحائرة أمام انعدام الخط الفاصل بين الثقافي والترفيهي، وهو منحى تؤيده النظرية الثقافية المعنية بتحقيق التوازن بين الأنماط المتنافسة.
وعلى هذا الأساس ظهرت بوادر حوار مستوجب بين رؤيتين متضادتين، عنوانه المضمر يتعلق بموت النخبة أو إماتتها، وإلغاء الخط الفاصل بين الثقافي القيمي والترفيهي الاستثماري. وهي أسئلة موجهة بشكل مباشر للوزارة التي تعيد بناء هيكل المشهد الثقافي وفق استراتيجية متوازية مع «رؤية 2030»، حيث الخوف من ظهور وتنامي مجتمع الرغبة، كما يفترض المنطق الداخلي لنظرية الثقافة، القائم على اندفاعات جماهيرية، ومظاهرات جمعية لا تعرف عن الثقافة إلا حالات الاستعراض المهرجانية. ولذلك حذر سعد البازعي من الانزياح عن جوهر الثقافة إلى مشتبهاتها. وعلى إيقاع ذلك الترقّب، كتب تغريدة في موقع «تويتر»: «أخشى على ثقافتنا المبالغة في ربطها بالاقتصاد والترفيه. نعم، للثقافة جوانبها المتصلة بالسوق والمتعة، وهي جوانب مهمة، لكن جوانبها الأهم الجوانب التي تصنع الحضارة، وهي جوانب تتصل بقيم الجمال والحق، لا بالمال والترفيه».
وفي هذا الصدد، يمكن التوقف أيضاً عند مجموعة تغريدات لسعيد السريحي على موقع «تويتر»، حذر فيها من سطوة نجوم الكوميديا و«مهرجي مواقع التواصل الاجتماعي»، حسب تعبيره، ومن «هيمنة التفكير الاستثماري على خطط الثقافة وبرامجها»، كما نبه إلى خطر «البرامج الشعبوية التي يتم تقديمها على أنها هي الثقافة» التي تستمد قوتها وسلطتها، حسب رأيه، من «الإقبال الجماهيري، وليس مما تبنيه من قيم الجمال والحق»، لأن الثقافة من منظوره «لا يمكن لها أن تكون شبّاك تذاكر». وقبل أن نقوض المؤسسات الثقافية القائمة، حسب تصوره، علينا أن «نطمئن إلى أننا نمتلك رؤية واضحة كفيلة ببناء مؤسسات بديله قادرة على أن تنهض بالدور الذي نهضت به هذه المؤسسات القائمة». ليصل إلى خلاصة رؤيته الاحتجاجية برفض فكرة الإجهاز على النخبة لأن «التباهي بهجر ثقافة النخبة نذير بتسطيح الثقافة، وتحويلها إلى سلعة شعبوية للتسلية والترفيه».
ويبدو أن سعيد السريحي، باعتباره رمزاً من رموز حداثة الثمانينات، قد التقط المنعطف الحاد الذي ينحاز به المشهد عن النخبوي إلى الجماهيري، وهي التقاطة تُحسب له، كما تُحسب له جرأته بطرح أبعاد التحول الثقافي على طاولة التداول الفكري، وكسر حالة دراما الصمت. إلا أنه ما زال رهين الثنائيات الحادة التي حكمت المشهد لفترة طويلة، وذلك باستدعاء بعبع الصحوة، حيث كتب «يتبرأون من ثقافة النخبة، ويتجاهلون أنها هي الثقافة التي قدمت وجهاً مشرقاً للمملكة في المحافل الثقافية العربية، حين كانت منابرنا الداخلية تتعثر في وحل الصحوة». وكأنه بذلك التفكير الاستعادي لرومانسية الغصن الذهبي للثقافة في السعودية يطالب بمكافأة مثقفي الثمانينات، واعتبارهم مرجعيات للفعل الثقافي في طوره الجديد، وحصد جائزة التحول التنموي الكبرى. وهي مراوحة تحيل إلى فصيل ثقافي ما زال يتعامل مع الثقافة كمعطى، وليس كتشييد. أجل، تشييد جماعي. وبالتالي فهو جيل غير قادر على كتابة سطر جديد في مرحلة ما بعد الصحوة التي تم الإجهاز عليها برصاصة عدم الرحمة.
هذا ما يبدو عليه المشهد الثقافي اليوم، حركة تعيينات واسعة، وإعادة هيكلة متسارعة، وترقّب صامت من قبل المثقفين الذين ينتظرون ما ستسفر عنه تلك التعيينات، باتجاه تأسيس ثقافة مدنية، وما قد ينتج عن المبادرات على المديين: القريب والبعيد، ليتعرفوا على مواقعهم ومهماتهم، وقلق من تحول بعض الأدباء والفنانين المستدمجين في المؤسسة إلى موظفين. فالمؤسسة إذ تؤدي مسؤوليتها في بناء الهياكل، وفرش أرضية الفعل الثقافي، واستجماع ومراكمة رأس المال الثقافي من دون تفريق بين جيل أو تيار وآخر، وتحويل رأس المال الثقافي إلى رأس مال اقتصادي، تفترض في المقابل أن يبادر المثقف لإنتاج الخطاب الثقافي، بدل الانشغال بمنازلة ثقافة البوب (الشعبية) في الفضاء العمومي، وانتظار ما تقترحه المؤسسة عليه من أدوار.



افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
TT

افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

نحو إثراء المشهد العالمي لفنون الوسائط الجديدة عبر تقديم وجوه إبداعية من المنطقة، تجمع بين الفن، والتكنولوجيا، والابتكار، افتتح مركز الدرعية لفنون المستقبل أبوابه رسمياً، اليوم (الثلاثاء)، بوصفه أول مركز مخصص لفنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متخذاً من منطقة الدرعية التاريخية المسجّلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي موقعاً له.

ويأتي المركز في مبادرة تجمع بين وزارة الثقافة، وهيئة المتاحف، وشركة الدرعية في السعودية، في الوقت الذي انطلق ببرنامج متنوع يشمل أنشطة ومعارض فريدة ومبادرات تفاعلية مع الجمهور، مع التركيز على تمكين الفنانين والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا من داخل المنطقة وخارجها، في بيئة إبداعية مجهزة بأحدث المختبرات والاستوديوهات الرقمية ومساحات العرض المبتكرة.

وقالت منى خزندار المستشارة في وزارة الثقافة السعودية إن «مركز الدرعية لفنون المستقبل يجسّد التزامنا بتطوير الإنتاج الفني المبتكر واحتضان أشكال جديدة من التعبير الإبداعي، فمن خلاله نسعى إلى تمكين الفنانين والباحثين ودعمهم لإنتاج أعمال بارزة والخروج بأصواتهم الإبداعية إلى الساحة العالمية».

وأشارت إلى أن المركز سيُوظّف مساحاته للتعاون والإبداع لترسيخ مكانة المملكة في ريادة المشهد الثقافي والتأكيد على رؤيتها في احتضان أشكال التعبير الفني محلياً وعالمياً.

من جانبه، بين الدكتور هيثم نوار مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل أن افتتاح المركز يمثّل منعطفاً في السردية القائمة حول فنون الوسائط الجديدة، لكونه يخرج بالمرئيات والتصوّرات الإقليمية إلى منابر الحوار العالمية.

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

وقال: «إن المركز سيتجاوز حدود الإبداع المتعارف عليها نحو آفاق جديدة، وسيقدّم للعالم مساحة للابتكار والنقد الفني البنّاء عند تقاطع الفن والعلوم والتكنولوجيا».

وتتزامن انطلاقة مركز الدرعية لفنون المستقبل مع افتتاح معرضه الأول بعنوان «ينبغي للفنّ أن يكون اصطناعياً... آفاق الذكاء الاصطناعي في الفنون البصرية» خلال الفترة من 26 نوفمبر (تشرين ثاني) إلى 15 فبراير (شباط) المقبل، حيث يستكشف المعرض، الذي أشرف عليه القيّم الفني جيروم نوتر، تاريخ فن الحاسوب منذ نشأته في ستينات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، من خلال أعمال فنية متنوعة تحمل توقيع أكثر من 30 فناناً إقليمياً وعالمياً.

وسيحظى الزوار بفرصة استكشاف أعمال من صنع قامات في الفن أمثال فريدر نايك (ألمانيا) وفيرا مولنار (هنغاريا/فرنسا) وغيرهما من المُبدعين في ميادين الابتكار المعاصر مثل رفيق أناضول (تركيا) وريوجي إيكيدا (اليابان).

وسيكون للفنانين السعوديين لولوة الحمود ومهند شونو وناصر بصمتهم الفريدة في المعرض، حيث يعرّفون الزوّار على إسهامات المملكة المتنامية في فنون الوسائط الجديدة والرقمية.

وبالتزامن مع الافتتاح، يُطلق المركز «برنامج الفنانين الناشئين في مجال فنون الوسائط الجديدة»، بالتعاون مع الاستوديو الوطني للفن المعاصر - لوفرينوا في فرنسا. ويهدف البرنامج، الذي يمتد لعام كامل، إلى دعم الفنانين الناشئين بالمعدات المتطورة والتوجيه والتمويل اللازمين لإبداع أعمال متعددة التخصصات.

وأعلن المركز عن برنامج «مزرعة» للإقامة الفنية، المخصص لفناني الوسائط الرقمية، في الفترة من فبراير (شباط) حتى أبريل (نيسان) 2025، ويهدف إلى استكشاف العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا والمجتمع من خلال موارد المركز.

ويجسد مركز الدرعية لفنون المستقبل «رؤية السعودية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز الابتكار، والتعاون العالمي، وترسيخ مكانة المملكة بوصفها وجهة رائدة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.