أرض يباب يحكمها «الأخ الأكبر»

أرض يباب يحكمها «الأخ الأكبر»
TT

أرض يباب يحكمها «الأخ الأكبر»

أرض يباب يحكمها «الأخ الأكبر»

يعود القارئ الغربي في هذه الأيام المظلمة إلى عملين حفرا عميقاً في اللاوعي الجمعي في فترتين يفصل بينهما نحو ربع قرن. نشر العمل الأول عام 1922، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بأربع سنوات. والثاني عام 1949 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأربع سنوات أيضاً. الأول هو «الأرض اليباب»، تي. إس. إليوت، والثاني «1984»، لجورج أورويل.
نادراً ما نجد أعمالاً عكست الأهوال التي عرفتها البشرية في تلك الفترتين مثل هذين العملين. لقد مر على صدور العمل الأول، الذي تزامن مع صدور مع «يوليسيس» لجيمس جويس فقلبا العالم الأدبي رأساً على عقب، قرن إلا ثلاث سنوات. وتمر هذه الأيام سبعون سنة على صدور «1984». لماذا هذه العودة لهذين العملين بالذات مع كل أزمة يعرفها ضمير العالم الغربي، فيغدوان أكثر قوة وحضوراً؟
تقول إحصاءات النشر في بريطانيا، إن مبيعات «الأرض اليباب» ارتفعت بشكل ملحوظ بعد أزمة «بريكست» التي وضعت المواطن البريطاني على مفترق طرق لا يعرف أين ستؤدي به. بمعنى لآخر؛ أن الشروط التي قادت إلى ذلك المنزلق الخطير بعد الحرب العالمية الأولى تعيد إنتاج نفسها. إنها مختلفة بالطبع شكلاً، ولكن الجوهر هو نفسه: انسداد اجتماعي وسياسي ينعكس بالضرورة على الروح والفكر، فيغيب الأفق، ويتجمد الحاضر بكل قبحه وانكساراته وفواجعه كأنه لا يريد أن يرحل أبداً.
«الأرض اليباب» ليست عن الحرب، أو نتائجها الكارثية. إنها عن أزمة الإنسان الروحية الكبرى، التي أنتجها النمو الفالت للقيم المادية الرثة، المتجسدة في تجار الحروب، والرأسمال الذي يحركه الجشع والربح، وليست الحاجات الاجتماعية الحقيقية، مما خلف فجوات كبيرة، وانسدادات انفجرت لاحقاً على شكل اضطرابات وحروب أهلية في أكثر من مكان.
كانت أرض إليوت أرضاً لا روح فيها. كل شخصياتها الغائمة، التي بلا أسماء، تبحث عن تلك الروح، لكن لا تجدها في أرض قاحلة، جدباء بلا ماء. ليس هناك غير صخور وصخور. رجال إليوت؛ الأحياء الموتى، يدبون على جسر لندن، كما رجال دانتي في الجحيم، وعيونهم مثبتة على أقدامهم، هم أنفسهم الذين يبسطون ظلالهم الآن على امتدادها الفسيح في كل أرجاء بريطانيا التي لا تعرف ماذا ستفعل بنفسها.
«1984» لأورويل لا تختلف جوهرياً كثيراً عن «الأرض اليباب». رثى الكاثوليكي إليوت الإنسانية كلها، بينما شخص الاشتراكي أورويل مرضها في منتصف القرن العشرين: الديكتاتورية التي تحولت إلى منظومة سياسية واجتماعية وثقافية متكاملة. وفي الحالتين خراب روحي، وكائنات مسحوقة تحت وطأة قوى غير مرئية تتخذ ألف شكل وشكل. ولأنها قوى حيوية، مرنة، فإنها تستطيع أن تبسط هيمنتها في مختلف العصور عبر القمع، والخداع، والتضليل، وقبل كل شيء عبر تزييف الحقيقة. «الأخ الأكبر» في «1984» لا يملك اسماً، ولا مكاناً، ولا زمناً رغم العنوان. إنه معاصرنا، وهو موجود شرقاً وغرباً، وماضياً وحاضراً، ومستقبلاً أيضاً ما دام قادراً على امتلاكنا... إنه أخونا الأكبر!
يذكر دوريان لينسكي في كتابه الجديد عن رواية «1984»، الذي يصدر بعد أيام بمناسبة مرور سبعين سنة على صدور الرواية، ونشرت جريدة الـ«أوبزرفر» البريطانية الأسبوعية مقتطفات منه، أن رفوف المكتبات البريطانية، خصوصاً بعد انتخاب دونالد ترمب، والتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وصعود التيارات الشعبوية، قد امتلأت بعناوين مثل «كيف تنتهي الديمقراطية؟» و«الطريق نحو اللاحرية» و«موت الحقيقة». ومعظمها تستشهد بجورج أورويل وروايته الكبرى.
لا تزال الأرض اليباب يباباً بعد مضي قرن، ولا يزال يحكمها «الأخ الأكبر».



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.