انتصار ناريندرا مودي الساحق يعيد رسم خريطة الهند السياسية

وسط الشكوك حول مستقبل أسرة غاندي - نهرو... وتزايد قوة «العصبية الهندوسية»

انتصار ناريندرا مودي الساحق يعيد رسم خريطة الهند السياسية
TT

انتصار ناريندرا مودي الساحق يعيد رسم خريطة الهند السياسية

انتصار ناريندرا مودي الساحق يعيد رسم خريطة الهند السياسية

سجلت الانتخابات الهندية العامة التي أعلنت نتيجتها أمس، مفصلاً جديداً ومهماً في تاريخ الهند السياسي، وبذلك يضمن رئيس الوزراء ناريندرا مودي ولاية ثانية على التوالي بعد فرز نحو 600 مليون من إجمالي أصوات الناخبين في البرلمان السابع عشر، وعبر الفوز الضخم الذي حققه «التحالف الديمقراطي الوطني» (يمين قومي هندوسي) بزعامة حزب بهاراتيا جاناتا القومي، فإنه سيتولى الحكم برئاسة مودي لمدة 5 سنوات أخرى، علماً أنها المرة الأولى منذ 48 سنة التي يقود فيها رئيس وزراء حالي حكومة غالبية مطلقة في الهند. وكانت المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك في عام 1971 عندما تولت إنديرا غاندي قيادة «حزب المؤتمر إثر فوزها بغالبية مطلقة».

مع اجتياح موجة ناريندرا مودي، الزعيم الهندوسي القومي اليميني، «حواجز» الجغرافيا والطبقات والعمر والجنس والوضع الاقتصادي، جرت صياغة اصطلاح جديد في الهند هو «المودية». وبسبب فوز مودي المدوّي، ارتاحت الأسواق المالية، إذ وصل مؤشر «سينسيكس» في بورصة بومباي إلى مستوى 40.000 للمرة الأولى، واخترق مؤشر «نيفتي» في سوق الأوراق المالية الوطنية الهندية مستوى 12.000 نقطة، كما ارتفعت قيمة الروبية الهندية مقابل الدولار الأميركي.
وحقاً، تشكل نتائج هذه الانتخابات تزكية قويّة لشعبية رئيس الوزراء وإنجازات حكومته خلال السنوات الخمس الأخيرة، ناهيك بحملته التي تركزت على موضوعي الأمن والقومية الهندية. وكانت قوى المعارضة، في هذا السياق، قد انتقدت بشدة حملة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ووصفتها بأنها مثيرة للانقسام والاستقطاب. وواجه مودي كثيراً من الضغوط لدى بدء السباق الانتخابي، لكنه حصل على الدعم بعدما غيرت الحملة دفة أهدافها صوب الأمن القومي للبلاد.
لقد كانت هذه الانتخابات، في المقام الأول، عبارة عن معركة بين «التحالف الديمقراطي الوطني» و«التحالف التقدمي المتحد» (يسار الوسط) بقيادة راهول غاندي، زعيم «حزب المؤتمر» المعارض، الذي لم يكن مع ذلك مرشح تحالفه لرئاسة الحكومة. أما انتخابياً، فقد اكتسح «التحالف الديمقراطي الوطني» الحاكم أصوات الناخبين في ولايات «الحزام الهندي» الرئيسية مثل أوتار براديش وبيهار ومادهيا براديش وراجستان، في حين حقق مكاسب مهمة في الولايات الهندية الشرقية مثل البنغال الغربية وأوديشا (أوريسا)، وكذلك في ولاية آسام وولايات أقصى شمال شرقي الهند. وفي المقابل، باستثناء ولاية كارناتاكا، المأمول أن توفر حصاداً سياسياً ثرياً لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، بقيت ولايات الجنوب الهندي الخمس بعيدة جداً عن التأثر بـ«لمسة ناريندرا مودي السحرية».

- ما الذي سيحدث الآن؟
الصحافي والمعلق السياسي شيتان بهاغات قال معلقاً: «كان ناريندرا مودي قوياً، أصلاً، وسيحصل الآن على مزيد من القوة... ولن يعبأ بما يقوله خصومه السياسيون بعد الآن، بل ستتحرك الإصلاحات على وتيرة سريعة في الهند». أما الصحافي ومالك شبكة «ريبابليك» التلفزيونية الهندية أرناب غوسوامي، فرأى أن «النتائج أظهرت بكل وضوح، وللمرة الأولى، على الإطلاق أن الشعب الهندي لم يعد راغباً في حكم سلالات كحال (حزب المؤتمر) المعارض برئاسة راهول غاندي سليل عائلة غاندي ونهرو».
وهنا، بعد إعلان نتائج الانتخابات، طُرح كثير من التفاسير المتباينة حول أسباب سقوط حزب المؤتمر، مع تحالف أحزاب المعارضة، الذين توهّموا امتلاكهم تحالفات عظمى. وهذا، مع أن أحداً ليس متيقناً تماماً من أسباب تحقيق بهاراتيا جاناتا هذا الفوز الانتخابي المذهل.

- عامل «مودي»
في أي حال، تشكل انتصارات مودي المتعاقبة حقبة جديدة في حياة السياسة الهندية، إذ لا يوجد زعماء سياسيون آخرون يمسكون بزمام القوى وتوازناتها كما يفعل ناريندرا مودي اليوم.
كيف تمكن ناريندرا مودي من حيازة هذا الزخم السياسي الكبير؟ يجيب الصحافي ميهير شاراما: «يُعدّ ناريندرا مودي أفضل من يمثل الشباب والفئة الطموحة والغالبية الصابرة من الشعب الهندي الذين وضعوه في منصبه مرتين متتاليتين. وهناك عدد كبير من الـ400 مليون ناخب يرونه شخصية عصامية، ورجلاً عاقد العزم على تأكيد دور الهند المركزي في الشؤون الدولية. وعلاوة على ذلك، فهو يبدو قوياً وحازماً يسعى إلى فرض الوحدة والتطابق في السياسة الهندية. هذا الوضوح يُشعر غالبية ناخبيه الأساسيين بالارتياح».
وبالإضافة إلى تقدم ما عرضه ناريندرا مودي على ناخبيه غلبة للغالبية الهندوسية، ستكون بمثابة نقطة انطلاق للفخر والعزة القومية والتنمية. وهو عندما تكلم عن «الانبعاث الهندي» الجديد، كان يلمح إلى أن الهند خضعت لحكم أسر منعمة ومعجبة بالقيم الغربية، لكنها في عهده ستستعين بالقيم الهندية التقليدية الأصيلة للتأكيد على دورها ومكانها بين دول العالم. وحول هذا الجانب قالت الصحافية الهندية صبا نقوي: «لا يمكن لأحد أن ينكر أن ناريندرا مودي هو الشخصية الكبيرة ذات الشعبية الهائلة في الهند اليوم». وتابعت أن السبب في ذلك أنه يجمع عتو الهيمنة مع كونه رمزاً هندوسياً بلا مواربة. ويعتبره كثير من أبناء الولايات ذات الغالبية الهندوسية أنه الرجل الذي انتقل بالهند إلى مصيرها الطبيعي كأمة هندوسية قومية من حيث الروح إن لم يكن بحكم القانون. ولكن ثمة ما هو أكثر من ذلك، وهناك أيضاً تحليل للطريقة النفسية التي استعان بها مودي في أن يجعل من نفسه الشخصية الرئيسية ذات الزخم الغالب في هذه الانتخابات. فقد كان الرجل دائماً يحسن إدارة رحلته الخاصة.

- تحول منظوره الاقتصادي
إذ سرعان ما تمكن ناريندرا مودي، خلال فترة ولايته الأولى في الحكم، من التحول من مناصر الاقتصاد السوقي الحر إلى سياسي يدرك أنه في بلد فقير مثل الهند، تريد الناس قطاعاً عاماً حكومياً أكبر وليس العكس (باستثناء أولئك الذين اعتلوا قمة الهرم الاقتصادي، بطبيعة الحال). كان إدراكه الخاص بعيداً عن آراء مستشاريه الاقتصاديين. ومن ثم غدا مبدع مشاريع البنى التحتية أو المخططات الكبرى، التي لا بد من ذكر اسم مودي مع كل فائدة تعود على البلاد من ورائها... سواءً كان توصيل خدمة الغاز الطبيعي، أو زيادة ضئيلة في الرصيد المصرفي، أو حتى مرحاض عام نظيف، الكل يعتبره هدية مباشرة من رئيس الوزراء مودي. وحقاً، من بين 600 مليون ناخب صوتوا في هذه الانتخابات، كان هناك نحو 250 مليون ناخب - أي نسبة 42 في المائة منهم - من المستفيدين مباشرة من مختلف الخطط الوطنية التي بدأت في عهد مودي وحزب بهاراتيا جاناتا. إذ وُصل التيار الكهربائي إلى كل قرى الهند البالغ عددها نحو 5.97.464 قرية خلال السنوات الخمس الماضية، وأنشئ أكثر من 956 مليون مرحاض عام.

- إعجاب بعض المنتقدين
الصحافي أشوتوش، وهو من منتقدي سياسات مودي اليمينية، يقف اليوم مذهولاً من انتصارات حزب بهاراتيا جاناتا الأخيرة. ويقول معلقاً: «لقد حان الوقت لقوى المعارضة لابتكار مفاهيم جديدة، والخروج بأساليب جديدة لمواجهة ومكافحة الطغمة الهندوسية التي يتزعمها رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي أعاد تعريف السياسات الحاكمة للبلاد. لقد كنت دائماً من منتقدي أسلوبه في السياسة والحكم والآيديولوجية التي يتبعها. لكن علي الإقرار بأنه ليس سياسياً تقليدياً. ومن خلال الفوز الكبير الذي أحرزه حزب بهاراتيا جاناتا اليوم، فإنه البطل الشعبي الوحيد».
إلا أن مودي استعان بأدوات مهمة مكنته من الفوز، من بينها وسائل الإعلام، التي حوّلته إلى شخصية أسطورية لدى عموم الشعب الهندي. وحتى ديسمبر (كانون الأول) 2018، عندما خسر حزب بهاراتيا جاناتا 3 من الولايات الشمالية؛ هي مادهيا براديش وراجستان وتشاتيسغار، كان الحزب في حالة ضعف مؤقتة. إلا أن مودي غيّر بسرعة الدفة والخطاب السياسي بأكمله، وكان بالغ الذكاء حينما لم يعزف على أوتار إنجازات حكومته، بل أعاد دغدغة النزعة القومية التي صارت السلاح الأقوى في ترسانة أسلحته السياسية. وهنا يشرح أشوتوش: «تضاعفت هذه النزعة القومية الذكورية بواسطة أصدقائه في مختلف وسائل الإعلام. ومنذ البداية، رفضت قنوات التلفزيون انتقاده، بل تبنوا عملياً شعاراته القومية، وتحولوا إلى ناطقين باسمه. الشيء نفسه حصل مع منصات التواصل الاجتماعي مثل (واتساب) و(فيسبوك) و(تويتر)، وغيرها من المواقع. إذ لم يدخر مناصرو مودي وقتاً أو جهداً في ترديد أصداء الخطاب الذي يصفه بالقائد الذي يستحق فترة ولاية أخرى لكي تشعر البلاد بالأمن والأمان بين يديه. وبينما تواصلت محاولات تشويه المعارضة أضفيت الهالة الأسطورية على شخصية مودي يوماً بعد يوم... ما منح حزب بهاراتيا جاناتا المزية الواضحة التي كان في أمس الحاجة إليها. وبفضل المهارة التنظيمية التي يتمتع بها أميت شاه، رئيس حزب بهاراتيا جاناتا، سيطر الحزب على كوادره وشبابه محولاً إياهم إلى آلة عملاقة من الدعاية للحزب وقائده. وهكذا، بجمع مودي مع الآلة الحزبية ووسائل الإعلام أعيد تعريف العملية الانتخابية الهندية برمّتها».
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة، إلى أن «التحالف الديمقراطي الوطني» بأكمله، تمكن من جمع ما يقرب من 48 في المائة من مجموع الأصوات. وهذا هو أعلى نصيب من الأصوات يحصل عليه حزب من الأحزاب في طول الهند وعرضها في أي انتخابات عامة منذ إعادة تأسيس الحزب عام 1980.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».