الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

نتيجة «موازنة تقشفية» طالت الفقراء وشروط «مؤتمر سيدر» الإصلاحية

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية
TT

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

الحكومة اللبنانية بين غضب الشارع والضغوط الدولية

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة اللبنانية التي رفعت شعار «إلى العمل»، يجد مجلس الوزراء نفسه اليوم محاصراً بين غضب الشارع والضغوط الدولية، وعلى رأسها مؤتمر «سيدر» الذي وعد بإطلاق ورشة مشاريع واستثمارات تقدّر بـ11.8 مليار دولار أميركي، لكن شرط تطبيق «إصلاحات» من أجل خفض العجز وزيادة إيرادات الخزينة ومحاربة الفساد.
إنها الإصلاحات والوعود التي أطلقها السياسيون منذ تشكيل الحكومة، لكن من دون أن يرى منها اللبنانيون أي خطوة عملية، باستثناء خطة للكهرباء توصف بـ«غير المقنعة»، وسبق أن أعدت قبل عشر سنوات، و«موازنة تقشفية» بُحثت على وقع غضب الشارع نتيجة إجراءاتها التي لم تر الإصلاحات إلا في رواتب الموظفين وأصحاب الدخل المحدود.

عقدت الحكومة اللبنانية 18 جلسة مناقشة للموازنة (الميزانية العامة للدولة)، لكنها كلها لم تنهِ البحث في المشروع. وهو ما اضطر الحكومة إلى استئناف المناقشات أمس (الجمعة) في الجلسة الرقم 19، على نية الانتهاء من المناقشات ولإقرارها تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب كي يقرها بدوره. إلا أن الجلسات لبحث مشروع الموازنة انعقدت على وقع تحركات الشارع وخلافات بين الأفرقاء، وتحديداً بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي قال: «البعض في الحكومة يعتقد أن مسوّدة ميزانية 2019 تكفي في صورتها الحالية، ونحن نراها غير كافية»، وذلك بعدما طرح ورقة مختلفة عن تلك التي كان قد قدمها خليل طالباً البحث بها.
غير أن ما يمكن تأكيده، بناءً على ما سرّب وبات معروفاً من إجراءات، فإن مشروع الموازنة الذي ينتظر رد الفعل الدولي عليه، سيأتي مخيباً للآمال سياسياً وشعبياً. وهو ما أدى إلى إعلان قطاعات عدة تصعيد تحركاتها الاحتجاجية، وقال عنها نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني في تصريح لوكالة «رويترز»: إن «مسوّدة الموازنة لا ترقى إلى مستوى الإصلاحات الضخمة الضرورية لبناء النمو».
اللافت أن التحركات التي سُجلت في المرحلة الأخيرة هي الأولى من نوعها في تاريخ لبنان. ولعل أبرزها خروج العسكريين المتقاعدين إلى الشارع رفضاً للمساس برواتبهم في موازاة إضرابات شملت الجامعات والمدارس والجمارك والجسم القضائي، حيث هدّد القضاة باستقالات جماعية، كذلك اعتصمت الجمعيات الأهلية رفضاً لتخفيض موازنات بعضها والإحجام عن الدفع لها منذ أكثر من سنة ونصف السنة.
لكن كل هذا لم يحل دون المساس بالرواتب، علماً بأن الضرائب شملت معظم فئات المجتمع، ولا سيما تلك الفقيرة والمتوسطة. ورغم التطمينات التي كان يطلقها بعض المسؤولين من جهة... كان البعض الآخر يدعو المواطنين إلى «التضحية لإنقاذ لبنان». وكانت النتيجة التفافاً على الإجراءات التي اعترض عليها اللبنانيون وليس إلغاء هذه الإجراءات، عبر قرارات شملت القطاعين العام والخاص. ثم إنه بين الضرائب المفروضة وضع ضريبة ألف ليرة لبنانية على «النرجيلة»، وتشريع السلاح والزجاج الداكن الأسود مقابل مبالغ مالية.
من هنا يرى النائب في «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أنه «بدلاً من أن تكون وظيفة الموازنة اقتصادية اجتماعية نراها أصبحت مالية بهدف واحد هو خفض الأرقام بالإنفاق والعجز عبر إجراءات غب الطلب»، هذا في الوقت الذي كان يمكنهم (يعني أهل السلطة) الوصول إلى الهدف بعيداً عن جيوب الموظفين ورواتبه، لكنهم سلكوا الطريق الأسهل. وأردف «نتائجها بلا شك ستكون سيئة على مختلف القطاعات، ونحن نتجه إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي».
هذا، وكان طرح تخفيض رواتب الوزراء والنواب قد لاقى رفض عدد من الأفرقاء السياسيين. وكان رد وزير الخارجية باسيل أن «رواتب الوزراء لا تكفي بدل بنزين لسياراتهم»، وللعلم، فإن راتب النائب والوزير هو نحو 8500 دولار شهري ما عدا المخصّصات، وهو يعتبر من الأعلى عالمياً، في حين أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لا يزال 450 دولاراً أميركياً، وأصبح في القطاع العام نحو 630 دولاراً بعد سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت العام الماضي. ويشكل العاملون في القطاع الخاص بلبنان حاليا أكثر من 75 في المائة، في حين تقدر نسبة موظفي القطاع العام بـ25 في المائة من القوى العاملة، وأقر قانون الضرائب لتمويل زيادة رواتبهم بقيمة 1200 مليار ليرة لبنانية (800 مليون دولار).

- جانب إصلاحي
في نظرة دقيقة إلى مشروع الموازنة، التي وإن نجحت في خفض العجر إلى نحو 7.5 في المائة بعدما وصل في عام 2018 إلى 11.5 في المائة... واستجابت لشروط «سيدر» عبر خفض العجز من 6.5 مليار دولار إلى ما دون الـ5 مليارات دولار، فهي تخلو من أبرز مصادر الفساد والهدر. وعلى رأس هذه المصادر التهرّب الضريبي والجمركي والأملاك البحرية. وهنا يؤكد النائب جورج عقيص من «حزب القوات اللبنانية» أنها «تفتقر إلى الجانب الإصلاحي»، ووصفها الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي 2019 بـ«موازنة الأمر الواقع التي ستعمّق الركود الاقتصادي».
عقيص في حديث لـ«الشرق الأوسط» قال: إنه «رغم كل عيوب مشروع الموازنة، فإن لبنان بأمسّ الحاجة إليها اليوم؛ نظراً للواقع الذي يعيشه اقتصادياً واجتماعياً... الشعب يريدها، لكن ليس على حسابه والمجتمع الدولي يطالب بأن دون بالحد الأدنى من الإصلاحات». وفي المقابل، أكد يشوعي لـ«الشرق الأوسط» أن «الحل الوحيد هو بوقف العمولات»... وأن يكتفي المسؤولون الممسكون بالبلد وهم ستة أو سبعة أشخاص من كل ما حصلوا عليه حتى الآن، ووقف التهرب الضريبي على أن تنتقل إدارة الخدمات العامة إلى القطاع الخاص وتبقى إدارتها للدولة. ثم أضاف: «هذه الأمور كافية لزيادة النمو الاقتصادي وتأمين فرص عمل من دون حاجة للجهات الدولية، وقادرة على أن تخفف أعباء الخزينة والموازنة وتأمين استثمارات في الاقتصاد ما بين 15 و20 مليار دولار سنوياً، لكن من الواضح أنهم لا يريدون هذا الأمر في ظل وجود 6 أو 7 دوليات تحكم لبنان لحسابها وعلى حساب الدولة... موازنة أجور وخدمة دين لم تجد أمامها إلا مخصّصات الوظيفة العامة المدنية والعسكرية وزيادة الضرائب على كل الشعب اللبناني لا يمكن إلا أن تعمق الركود الاقتصادي في موازاة انهيار القطاع الخاص الذي تأتيه الأعباء من كل حدب وصوب».
في هذه الأثناء، يؤكد مصدر وزاري لبناني أن «ما تقوم به الحكومة اليوم هو خطة استباقية لتفادي الوقوع في المحظور وتقدم على تقليص العجز الذي تعوضه مداخيل مؤتمر سيدر». ويتابع أن «المرحلة المقبلة ستشهد تغيرات كبيرة في السياسات المعتمدة، وتحديداً، حيال مكافحة الفساد...، وهو ما يجمع عليه كل الأفرقاء، ولقد بدأت بوادره تظهر من إجراءات عدة».

- ترقب ودعوات للتصعيد
أمام هذه الإجراءات التي يجمع الشعب والخبراء الاقتصاديون على أنها تفتقر إلى أي رؤية اقتصادية بينما تتجاهل أهم مصادر الهدر، تترقب القطاعات العامة ما ستؤول إليها ساعات المباحثات الأخيرة بحذر، داعية جميعها إلى الاستعداد لتصعيد تحركاتها. لكن، رغم كل هذه التحركات يستبعد النائب بلال عبد الله أن يشهد لبنان «ثورة شعبية»، معتبراً أن النظام الطائفي الذي «شرّع» ما وصفه بـ«محميات الفساد» وقضى على دور الرقابة لا يزال يحول حتى الآن دون ذلك.
وبالفعل، تجمع مختلف القطاعات على الدعوة إلى التصعيد، وهو ما أكد عليه العميد المتقاعد مارون خريش، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «احتجاجنا دائم والمعركة الكبرى خلال جلسات مناقشة الموازنة في مجلس النواب بعدما كنا علقنا التحركات بناء على وعود بعدم المس برواتبنا... لكن اليوم وفي ظل التوجه لاقتطاع أكثر من 6.5 من رواتبنا فسنعود إلى الاعتصام ولن نتنازل عن حقوقنا». ويضيف «نحن جيل متقاعدي الحرب الذي أمضينا سنوات خدمتنا على الجبهات، وأنا من الذين أصيبوا ثلاث مرات، ليأتي اليوم الذي يحسمون من وراتبنا التي تشكّل نسبة ضئيلة من رواتبهم ومخصصاتهم»، مستطرداً: «بعدما عمدوا إلى تجزئة حقنا في سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 ها هم اليوم يقضمون رواتبنا بدلاص من منحنا حقوقنا». وفي بيان لهم، أكد المتقاعدون رفضهم القاطع لأي مساس بحقوقهم، داعين إلى وقف «مزاريب» الهدر والفساد واستعادة الأموال المنهوبة. وأعلنوا «استمرار التصعيد في وجه السلطة المتعنتة طالما استمرت بضرب الدستور والقوانين وتجاهل مطالبه الثابتة شرعاً وقانوناً».

- عسكريون وموظفون وقضاة
في الوقت نفسه، تزامنت دعوة العسكريين مع دعوات من جهات عدة، أهمها من موظفي الإدارة العامة وأساتذة الجامعة اللبنانية - الذي حذروا من مصير العام الدراسي - والقضاة المعتكفين منذ ثلاثة أسابيع وهددوا باستقالات جماعية.
ففي بيان لها، قالت الهيئة التنفيذية لرابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، أن تحركاتها تأتي رفضاً لأمور عدة، أبرزها «سياسة الترقيع التي تنتهجها السلطة بمد اليد إلى جيوب الأساتذة والموظفين والمتقاعدين والعمال وأصحاب الدخل المحدود، بدلاً من وضع خطة اقتصادية مالية صلبة تبدأ باسترداد الأموال المنهوبة وسد مزاريب الهدر والصفقات وضبط الجبايات ووقف التهرب الضريبي والجمركي، وتنتهي باستراتيجية بعيدة المدى تحمي اقتصاد ووحدة البلاد وسيادة الدولة على مقدراتها».
وشدّدت الهيئة على رفضها «تخفيض موازنة الجامعة اللبنانية للسنة التالية على التوالي بمقدار 80 مليار ليرة؛ ما يجعل الجامعة بحالة بائسة على جميع الصعد الأكاديمية وغير قادرة على تجهيز مختبراتها وتعزيز أبحاثها وصيانة مبانيها وتفرغ أساتذتها...»، ورفضها أيضاً «تخفيض الرواتب والتقديمات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية التي هي حقوق تم تحصيلها بعد نضالات طويلة، وتخفيض موازنة صندوق تعاضد الأساتذة الذي يعطيهم خصوصية هي حق لهم، وزيادة سن التقاعد للحصول على المعاش التقاعدي من 20 إلى 25 سنة، ما يحرم شريحة كبيرة من الأساتذة هذا المعاش التقاعدي». وحملت الهيئة التنفيذية السلطة «المسؤولية الكاملة عن استمرار الإضراب وعن مصير العام الجامعي».

- شروط مؤتمر «سيدر»
إذا كان الهدف الأساسي للإجراءات التقشفية في الموازنة هو الالتزام بمقررات «مؤتمر سيدر» (الدولي الذي عقد في فرنسا) وتوصياته. وبالتالي، الحصول على المساعدات التي وعدت بها، بحسب ما يرى البعض، فإن الأنظار في المرحلة التالية تتجه إلى ما سيصدر عن الجهات المعنية، وعن البنك الدولي الذي سبق له أن وصف الوضع في لبنان بـ«المقلق»، داعياً الحكومة إلى التحرك وإنقاذه.
لكن وزير العمل كميل أبو سليمان، دعا إلى وقف «المزايدات الإعلامية»، معتبراً أن ما تم التوصل إليه لا بأس به. وانطلاقاً من خبرته الطويلة واختصاصه في إصدارات الدولة ووكالات التصنيف، أشار أبو سليمان في حديث تلفزيوني إلى أن «ما يهمّ الأسواق المالية الخارجية ووكالات التصنيف ‏هو الالتزام بوعدنا بـ7.5 في المائة»، وشدّد على أن «المهم في الوقت ‏الحاضر إنهاء ما توصلنا إليه وإقرار الموازنة سريعاً؛ لأن عامل الوقت أصبح ضاغطاً».
لكن في حين يبدي مسؤولون لبنانيون تفاؤلهم في هذا الأمر، منطلقين مما تحقق في الموازنة، يشكّك الدكتور سامي نادر، مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية، في استجابة المجتمع الدولي منطلقاً من أمور عدّة.
ويقول نادر لـ«الشرق الأوسط» إنه «بداية، ومهما وضع من أرقام بعد مرور ستة أشهر من السنة لا يمكن تحقيق الهدف من الموازنة، وهي الإشارة السلبية الأولى للمجتمع الدولي في ظل أيضاً غياب أي ضمانات للتنفيذ مع الفريق نفسه الموجود في الحكم والنظام التشغيلي عينه». ويلفت نادر إلى أن الخطوة المقبلة ستكون عبر طرح لبنان خطته التي تتضمن الموازنة بإصلاحاتها المفترضة والمشاريع على رأسها خطة الكهرباء غير المقنعة وخطة الشراكة مع القطاع الخاص الموضوعة منذ العام 2015 ولم ينفذ منها شيئاً. ثم يضيف «الموازنة تعكس غياب أي جهد استثنائي، وهو ما سيبدو واضحاً بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وبخاصة، وأن نفقات الحكومة غير مخفّضة في حين خطة الكهرباء غير مقنعة وأبقت القطاع تحت سلطة الدولة». وهنا يلفت إلى صمت وقلة حماسة المجتمع الدولي بعد فترة من الإعلان عن خطة الكهرباء «... وهو ما يعكس إشارة سلبية في هذا الإطار».

- وضع لبناني دقيق
كان لبنان في الفترة الأخيرة محور مراقبة ومتابعة من الجهات المعنية بـ«سيدر»، وكان قد وصف رئيس منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريد بلحاج الوضع الاقتصادي في لبنان بـ«الدقيق». في حين أشار السفير بيار دوكان، الموفد الفرنسي الخاص المكلّف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، إلى دقة الوضع بتأكيده أن «الحكومة لا تملك ترف الانتظار. عنوان البيان الوزاري هو إلى العمل، ويجب العمل بسرعة».
في رد منه على الخطوات الإصلاحية التي قامت بها الحكومة، وعما إذا كانت كافية، قال بلحاج «أعتبر أنها لم تصل إلى المستوى المرتقب». ثم قال فيما يتعلق بـ«سيدر» الذي هو «موضوع مهم، النية ثقيلة من قبل الجهات المكافحة لمنح لبنان دعماً مالياً، حتى على مستوى السياسات الاقتصادية، لكن وصلنا إلى مرحلة حيث أصبح الوقت ثميناً جداً»، معبراً في الوقت عينه عن قناعته بقدرة لبنان على القيام بالإصلاحات.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،