يسلّط كتاب «السعودية.. والحرب على (داعش)»، الذي صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الضوء على السعوديين الملتحقين بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ بداياته، من حيث الإعداد، وأساليب التجنيد، وأدوارهم التنظيمية، وأبرز الأسماء والشخصيات التي لعبتْ أدواراً مهمة، إضافة إلى تناول كل العمليات الإرهابية التي نفّذها التنظيم داخل الأراضي السعودية تفصيلاً. ويوثّق الكاتب والباحث بشؤون الجماعات المتطرفة حسن سالم بن سالم، في كتابه الجديد تاريخ المواجهات الفكرية والعمليات الإرهابية بين السعودية، وما يُسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الفترة من منتصف عام 2011 وحتى نهاية عام 2018، وذلك عبر دراسة استقصائية عن السعودية وظاهرة «داعش». ولا تتناول الدراسة المقاتلين السعوديين المنضمّين للقتال في «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، أو في غيرها من التنظيمات الجهادية السلفية في سورية، إلا على سبيل الإشارة.
وقال المؤلف في بداية تقديمه للكتاب: «حشد تنظيم (داعش) إمكاناته وأدواته كافة التي يمتلكها في سبيل تجنيد المئات من الشباب السعوديين، واستقطابهم من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، وألقى بكل ثقله وخبراته القتالية في مناهضة الدولة السعودية، وعمل بشكلٍ مكثّف على استهداف حدودها وأراضيها، ومواطنيها، والمقيمين فيها، من خلال عمليات شتّى، وأدوات مختلفة، وأساليب متعددة، وهو استهداف كانت تجري أدلجته في عقول المنتمين والمناصرين له، بإظهار السعودية على أنها (العدو الأول)، و(الطاغوت الأكبر)، نظير دورها ومشاركتها الفعّالة في الحرب التي قادها التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش)، وهو ما جعل السعودية من أكثر دول العالم تعرضاً للعمليات الإرهابية من جانب التنظيم».
ولا يتطرق الكتاب على وجه التفصيل تلك القضايا المتعلّقة بظروف نشأة التنظيم التاريخية وتطور بنائه التنظيمي، والعوامل والظروف التي أسهمت في صعوده وتمدّده في العراق وسوريا، وأسسه المرجعية، وطبيعة علاقته بتنظيم «القاعدة»، وإنما جرى عرضها على وجه الإيجاز بحسب ما تقتضيه الدراسة.
ويسعى كتاب «السعودية... والحرب على (داعش)»، إلى توثيق معلومات هذه الحقْبة الزمنية وحصرها وتحليلها، وما وقع فيها من أحداثٍ وتطورات لظاهرة العنف وموجة الإرهاب الأخيرة التي شهدتها السعودية على يد «داعش»، للوصول إلى دراسةٍ معمّقة لحالة التنظيم في السعودية بحيث تكون مرجعاً للباحثين والمعْنيّين بدراسة هذه الظاهرة.
واعتمد مؤلف الكتاب ابن سالم على مصادر مرئية ومقروءة ومسموعة، حيث جرى البحث والاستقصاء لكثير من الأبحاث والدراسات العلمية والتحقيقات الصحافية والإعلامية الموثّقة، وكان للقاءات والمؤتمرات الصحافية التي عقدتها وزارة الداخلية السعودية مع الإعلاميين والصحافيين، أهمية كبيرة في إعداد هذه الدراسة، فهي ليست مجرد مؤتمرات تقليدية تتناول الأحداث والمستجدّات من الجانب الأمني فحسب، بل تميزت بالاستطراد والتحليل للاستراتيجيات التي انتهجها التنظيم داخل السعودية، ولعمليات وآليات التجنيد والاستقطاب.
واستند الباحث في الكتاب بشكلٍ كبير إلى عشرات الإصدارات المرئيّة والمكتوبة (الفيديوهات والصوتيات والمجلات والرسائل والخطب) الصادرة من المؤسسات الإعلامية الرسميّة، والمقرّبة من «داعش»، وتتبّع ورصد ما كان ينشره العديد من المقاتلين السعوديين المنضمّين إلى التنظيم في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «تويتر».
وجرى تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسية، يمثّل كلّ بابٍ منها بحثاً مستقلاً، حيث يتناول الباب الأول مرحلة ما قبل ظهور «داعش» في المشهد السوري، وموقف رموز الإسلام السياسي ودعاته في السعودية من الثّورات العربية، وما شهده من تحوّلاتٍ في المفاهيم تبعاً للمتغيرات الطارئة، ودعمهم ومساندتهم للثورة السورية، ومحاولة استثمار الموقف الحكومي الرسمي الدّاعم للثورة السورية، في عملية جمع الأموال وتقديمها لصالح الثورة والمعارضة المسلحة، في وقتٍ بدأ فيه المقاتلون الأجانب يفدون إلى سوريا، وكذلك أول طلائع المقاتلين السعوديين. وهذه المرحلة الزمنية لبدايات توافد المتطرفين السعوديين لم تحظَ إلا بقدرٍ يسير من الاهتمام والمتابعة الإعلامية والدراسة البحثية، لذلك يسلّط الكتاب الضوء على أعداد المقاتلين وفئاتهم، ودوافعهم للانخراط في القتال، وأهم الأسماء التي برزت في تلك المرحلة، إضافة إلى دعوات التحريض والنفير لـ«الجهاد».
ويتناول الباب الثاني ظهور تنظيم «داعش» وصعوده في المشهد السوري، كما يعنى جانبٌ كبيرٌ من هذا الباب بدراسة الجماعات الجهادية السعودية الملتحقة بالتنظيم، من حيث الوقوف على أعداد المقاتلين السعوديين في سوريا وتنظيم «داعش»، ونسبتهم من حجم الظاهرة العالمية التي اجتاحت كثيراً من الدول العربية والإسلامية والغربية.
وأفرد الكتاب فصلاً كاملاً يتعلّق بالمقاتلين السعوديين، ويبحث عمّا إذا كانت هناك أسماء سعوديّة تولّت مهامّ قيادية في البنية الهيكلية للتنظيم، مروراً بتقسيمات المقاتلين والأدوار وأهم الجوانب والمجالات التي برز من خلالها المقاتلون السعوديون، بإيراد العديد من النماذج والأمثلة، وإعطاء نبذةٍ عن عددٍ من تلك الأسماء بالقدر المتاح عنها من المعلومات والمصادر، واستعراض الجانب الدعائي والتحريضي وقوة «داعش» الناعمة وقدرة التنظيم على استقطاب أصحاب التخصصات العملية والخبرات المهنية.
أما الجانب الآخر في هذا السياق الذي أفرد المؤلف له فصلاً كاملاً أيضاً، فيتعلّق بدراسة ظاهرة الجهاديات السعوديات منذ بدايات نشوء الظاهرة مع تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب، والتحول الكبير الذي شهده واقع الجهاديات السعوديات من تنظيم «القاعدة» إلى تنظيم «داعش»، بالانتقال من الأدوار الثانوية إلى الأدوار الرئيسية. ويقف الكتاب على طبيعة الأدوار والمهامّ التي أسهمت من خلالها الجهاديات السعوديات في دعْم ومساندة التنظيم، والمشاركة في تنفيذ العمليات الإرهابية، مع الوقوف عند أبرز تلك الشخصيات، ثم رصد نقاط التحول التي أسهمت في التحاقهنّ بتنظيم «داعش»، ودورهن في الدعاية والتحريض والمشاركة في العمليات الإرهابية داخل السعودية. كما يحوي هذا الباب فصلاً ثالثاً عن التحريض على «الجهاد» بين الإعلام والدعاة.
ويتطرّق الفصل الأخير من هذا الباب إلى الإجراءات والخطوات القانونية والدينية والثقافية على المستوى السعودي الرسمي، وأثرها في الحدّ من تداعيات تمدّد تنظيم «داعش»، والتشريع السعودي بتجريم القتال في مناطق الصراعات، كما يتعرّض للجدل الذي أثير حول أفكار «داعش»، وارتباطها المرجعي بالسلفية الوهابية بطرح وجهات نظر واستدلالات المعارضين والمؤيّدين، إضافة إلى دور المؤسسة الدينية في مواجهة الفكر الداعشي.
دراسة ترصد المواجهات الأمنية بين السعودية و«داعش»
«جهاديات» يؤدين أدواراً رئيسية في «التنظيم»
دراسة ترصد المواجهات الأمنية بين السعودية و«داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة