«العسكري» السوداني متفائل بقرب الحل... ويسلم رؤيته للفترة الانتقالية اليوم

الكباشي نفى وجود خلافات أو عقبات مع قوى التغيير... و{تجمع المهنيين} و«الشيوعي» يتمسكان بمجلس سيادي مدني ويرفضان إنشاء مجلس للدفاع

سودانيون يشاركون في الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
سودانيون يشاركون في الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

«العسكري» السوداني متفائل بقرب الحل... ويسلم رؤيته للفترة الانتقالية اليوم

سودانيون يشاركون في الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
سودانيون يشاركون في الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

وعد المجلس العسكري السوداني بالرد اليوم (الاثنين)، على الوثيقة الدستورية المقدمة من «قوى إعلان الحرية والتغيير»، وتتناول سلطات وهياكل ومستويات الحكم، وتتضمن رؤيته للفترة الانتقالية. وفي الأثناء، ظهر اختلاف في الرؤى بين الكتل المكونة لقوى الحرية والتغيير؛ ففي حين تمسك بعضها بمبادرة الوسطاء القاضية بإنشاء مجلسين للحكم بمشاركة العسكر، رفض تجمع المهنيين، الذي قاد حراك الشارع، ومعه الحزب الشيوعي، أي مشاركة للعسكر في المجلس السيادي، كما رفضا إنشاء مجلس للأمن والدفاع الوطني.
وقال المتحدث باسم المجلس شمس الدين الكباشي في تصريحات مع مجموعة محدودة من الصحافيين أمس، حضرتها «الشرق الأوسط» في القصر الجمهوري، إن مجلسه «سيكمل اليوم (أمس) دراسة الوثيقة الدستورية التي سلمتها له قوى إعلان الحرية والتغيير الخميس الماضي، وسيسلم رده على الوثيقة اليوم».
ونفى الكباشي أحاديث عن «تعثر التفاوض» بين المجلس العسكري وقيادة الحرية والتغيير، وقال: «التفاوض لم يتوقف، واتصالاتنا مستمرة على مدار الساعة».
وقال إن الوثيقة أعادت التفاوض للطريق الصحيحة، وأضاف: «أخطأنا حين بدأنا بمناقشة المستوى السيادي، وقد أعادتنا لطريق تثبيت الهياكل والسلطات، لندخل بعدها في مرحلة التفاصيل والأسماء».
وأعلن الكباشي موافقة مجلسه المبدئية على محتوى الوثيقة، وأضاف: «منذ تسلمنا الوثيقة نعكف على دراستها» لنضع ملاحظاتنا عليها، وسنرفق معها وثيقة تتضمن رؤيتنا للحل الشامل.
وأشار إلى أن علاقات مجلسه بالحرية والتغيير جيدة، بقوله: «تواصلنا مستمر، والأجواء وبيئة التواصل بيننا وبينهم جيدة، وتغيرت لغة التخاطب، ولا توجد عقبات كبيرة أمام التفاوض».
وأوضح الكباشي أن الطرفين، لم يتحدثا بعد عن نسب المشاركة في الحكم وقيادة الحراك الثوري، وأضاف: «لم نصل إلى هذه المرحلة، نحن فقط نناقش المستويات الثلاثة للحكم، ثم بعدها يمكن أن نصل إلى نقاش تسمية الأشخاص».
وكشف عن تسلم مجلسه عدداً كبيراً من مبادرات لتقريب وجهات النظر، لكنه أعلن قبولهم مبادرة واحدة من بينها مبدئياً، دون أن يسميها، بيد أنه لمح إلى «مبادرة الشخصيات الوطنية»، نافياً أي حديث أو تسريبات عن قبول مجلسه مقترحات تتضمن مجلسين (سيادي وأمن قومي)، وقال: «لم نتسلم أي وثيقة مكتوبة من أي وساطة»، وتابع: «الأمور بيننا لم تصل إلى مرحلة الحاجة لوساطة».
إلى ذلك، قال الكباشي إن مجلسه «جاد» في اعتقال رموز النظام السابق، وأضاف: «كل من اعتقلناهم في السجون، ومستعدون لترتيب زيارات للإعلام للتأكد»، وفي الوقت نفسه جدد التأكيد على عدم نية مجلسه فض الاعتصام، وقال: «لن نفض الاعتصام بالقوة، ولم نطلب منهم فضه، وهذا خيارهم».
من جهة أخرى، وصل تحالف المعارضة الذي يقود الثورة إلى ما يمكن أن يطلق عليها «حالة انسداد سياسي» بين أطرافه، بإعلان الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين رفضهما مقترحات الوساطة، فيما أعلنت قوى أخرى قبولها المقترحات.
وأعلن الحزب الشيوعي، وهو أحد مكونات تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الرئيسية، رفضه مقترحات لجنة الوساطة المكونة من شخصيات وطنية، لتقريب وجهات النظر بين تحالف قوى الثورة والمجلس العسكري الانتقالي، المتعلق بتحديد مكونات وهياكل الحكومة الانتقالية.
وتقدمت شخصيات وطنية بارزة بمقترح لتشكيل مجلس سيادة من 7 أشخاص مدنيين و3 أشخاص عسكريين، ومجلس للدفاع من 7 عسكريين و3 مدنيين بحكم مناصبهم، وأن يترأس المجلسين رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان.
وقال الحزب الشيوعي في بيان إنه يرفض أي تمثيل عسكري في المجلس السيادي المقترح، ووصف الصراع الدائر بأنه بين «الثورة والثورة المضادة»، ووصف مشروع لجنة الوساطة بأنه يفتح الباب للثورة المضادة، لأنه يشرعن سلطة المجلس العسكري الانتقالي، ويعطيه مبرر إجهاض الثورة.
ووصف «الشيوعي» المجلس العسكري الانتقالي بأنه «غير شرعي»، ودعاه لتسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير ومجلسها السيادي المدني، ومستويات الحكم الأخرى. وجدد الحزب، الذي اتهمته سلطات أمن النظام المباد مراراً بأنه يقف وراء الاحتجاجات، تمسكه بإعلان الحرية والتغيير والإعلان الدستوري، ورفض أي رئاسة عسكرية للبلاد، وإنشاء مجلس دفاع عسكري للأمن القومي، خارج المؤسسة العسكرية، أحد مستويات وهياكل السلطة المزمع تشكيلها.
وبدوره، رفض تجمع المهنيين السودانيين مقترحات الوساطة، معترفاً بمجلس سيادة انتقالي مدني واحد بتمثيل عسكري محدود، وطلب من شركائه في تحالف «إعلان الحرية والتغيير»، عدم اللجوء للمزايدات وزعزعة الصف الوطني.
وأشار التجمع الذي ينسب إليه شعبياً لعب الدور الأبرز في قيادة وتنظيم الثورة السودانية حتى عزل البشير الشهر الماضي، إلى ما أطلق عليها «الصراعات والأصوات الحزبية المتضاربة»، معتبراً مواقفها ضرباً للثقة بين مكونات الشعب، بإصدارها بيانات منفصلة لم تلتزم فيها بالقرارات الجماعية.
وكان حزب المؤتمر السوداني المنضوي تحت تحالف نداء السودان، العضو في تحالف «إعلان الحرية والتغيير» قد ذكر على لسان رئيسه عمر الدقير أن قوى «الحرية والتغيير» وافقت مبدئياً على مقترحات لجنة الوساطة، ونقلت عنه «الشرق الأوسط» أول من أمس، قوله إن «كتل قوى إعلان الحرية والتغيير» وافقت مبدئياً على مقترحات لجنة الوساطة المكونة من شخصيات تحظى بقبول من الأطراف كافة.
من جهته، أعلن حزب الأمة القومي، الذي يترأس زعيمه الصادق المهدي كتلة تحالف نداء السودان قبوله مقترحات الوساطة، باعتبارها حلاً للخلافات بين الطرفين، وتعهد بتسويقها لفصائل لقوى إعلان الحرية والتغيير وإقناعها بقبولها.
ويتكون تحالف «قوى إعلان الحرية والتغير» من 4 كتل رئيسية؛ وهي «كتلة نداء السودان» وتضم حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني وحركات مسلحة، و«كتلة قوى الإجماع الوطني» وتضم أحزاب الشيوعي والبعث والناصري وقوى مدنية، وكتلة «التحالف الاتحادي المعارض»، وقوى مدنية وأحزاب أخرى انضمت جميعها إلى تجمع «المهنيين السودانيين» في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، وكونت معه تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي قاد الثورة السودانية طوال الأشهر الماضية، وحتى عزل الرئيس البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
ومع حلول شهر رمضان المعظم، قرر المعتصمون السودانيون البقاء في مكان الاعتصام، وقال بيان صادر عن قوى إعلان الحرية والتغيير بالمناسبة أمس، إن شهر رمضان «سيصبح أجمل في ساحات الاعتصام في كل ربوع الوطن الحبيب». وأشار إلى تحويل ساحات الاعتصام لمكان للإفطارات الجماعية، بقوله: «عرف السودان بين الشعوب بالإفطارات الجماعية على الطرقات لكل عابر سبيل وقاصد خير»، وأضاف: «إن الشهر سيزيد من التواد والتراحم بين أهل السودان من دون زيف أو رياء»، وتابع: «وسنخبر العالم عن جمال ثورتنا عبر تبيان الصفات الراسخة فينا من كرم فياض وجود بلا حدود».



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.