«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

استهداف الكونغو الديمقراطية «مؤشر خطر»

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
TT

«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم

في مؤشر خطير، دفع تنظيم «داعش» الإرهابي عناصره وخلاياه إلى الكونغو الديمقراطية سعياً للتمدد هناك، بحثاً عن مناطق ينتشر فيها، عقب هزائم سوريا والعراق، معتمداً في ذلك على الذراع الموالية له؛ جماعة «بوكو حرام»، وفرعه في «الصحراء الكبرى»، وعناصره في الصومال، و«أنصار السنة» في موزمبيق.
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» أخيراً تبني التنظيم لأول هجوم له في الكونغو الديمقراطية على معسكر للجيش بالمنطقة الحدودية مع أوغندا، أودى بحياة 3 جنود... «أعماق» بثت فيديو لمجموعة من العناصر تحمل السلاح، وتطالب المؤيدين للتنظيم بأفريقيا بأن ينضموا إلى «دولتهم الجديدة بوسط أفريقيا»، المسماة بـ«مدينة التوحيد والموحدين»، على حد زعمها، وانتشر هذا الإصدار على مواقع تابعة لـ«داعش»، تحدث فيه شخص باللغة العربية داعياً مؤيدي التنظيم للهجرة إلى أرض الكونغو الديمقراطية لـ«الجهاد».

تمدد زائف

وأكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «تبني (داعش) لعملية الكونغو تأكيد زائف على أنه لم ينتهِ»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطورة تكمن في (العمليات الخاطفة) التي قد تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً بهدف تنفيذ هجمات إرهابية».
وقال مراقبون إن «القارة الأفريقية تشهد، منذ منتصف عام 2018، تصاعداً في العمليات الإرهابية، وبدأت تشهد انتشاراً للكثير من التنظيمات الإرهابية... وإعلان (داعش) عن تنفيذه أول عملية في الكونغو الديمقراطية منحى خطير في أفريقيا، خصوصاً مع عودة المقاتلين الأفارقة في صفوف التنظيم».
وأكد المراقبون أن «التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ ظهوره إلى الآن يصل إلى 6 آلاف مقاتل، وفقاً لتقارير مراكز بحثية غربية، ويمثل عودة ما تبقى منهم إلى أفريقيا مشكلة كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن الكثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت»، لافتين إلى أن «مساعي التنظيم للتمدد داخل القارة الأفريقية سوف تتواصل خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً كلما تعرّض لمزيد من الضربات العسكرية في المناطق التقليدية، التي سبق أن سيطر عليها، وما زال يوجَد فيها عبر (خلاياه النائمة)، على نحو يفرض على الدول الأفريقية رفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها، للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم العسكرية التي مُني بها (داعش) في المنطقة».
وأكدت دراسة حديثة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية أن «تنظيم (داعش) يحاول أن يتمدد عبر الكونغو الديمقراطية مستغلاً وجود بعض المناطق التي تعاني من صراعات داخلية، وهي البيئات المفضلة لمثل هذه التنظيمات، فتوجد في الكونغو الديمقراطية جماعات مسلحة... ومنذ عام 2014 سقط نتيجة صراع هذه الجماعات ما يقرب من ألف شخص».
اتسق ذلك مع دراسة أخرى لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «(داعش) ما زال حريصاً على تبني السياسة نفسها، التي سبق أن اتبعها في العراق وسوريا، وهي العمل على استغلال تصاعد حدة الأزمات الداخلية، وتراجع قدرة الدولة على ممارسة سلطاتها بشكل كامل... وهو ما يبدو جلياً في حالة الكونغو الديمقراطية، التي تشهد انتشاراً لبعض التنظيمات المسلحة، إذ تشير تقديرات إلى أن عددها يصل إلى 12 جماعة مسلحة، مثل (ماي ماي كاتا كاتانغا) إلى جانب العصابات الإجرامية».

دعوة البغدادي

وتشير تقارير ومعلومات إلى أن «العناصر التي نفذت أول عملية في الكونغو الديمقراطية لم تتبنّ آيديولوجية (داعش) فقط، بل تلقت أموالاً من التنظيم على يد مواطن كيني يُدعى وليد أحمد زين، وهو أحد مؤيدي (داعش)، ومُدرج على قوائم الإرهاب بنشرة وزارة الخزانة الأميركية».
ودعا أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لما سماها «ولايات دولة الخلافة» في «أفغانستان، والقوقاز، وإندونيسيا، وغرب ووسط أفريقيا» للقيام بعمليات إرهابية.
في السياق ذاته، أوضحت دراسة الإفتاء أنه «عُثر على كتب تحمل آيديولوجية (داعش) في مواقع تمركز وانتشار (قوات التحالف الديمقراطية)، وهو فصيل متمرد يرفع السلاح في وجه الدولة بالكونغو الديمقراطية، وأنه وفقاً لخرائط (داعش) فإن تقسيم الولايات كان يشتمل أيضاً على ما يُسمى بـ(أرض الحبشة)، وكانت الكونغو من بين هذه الدول التي يسعى (داعش) فيها لإقامة ما يُعرف بـ(الدولة)، كما أن عناصر منشقة عن هذا الفصيل، كانت ترفع راية (داعش) في أماكن قوات التحالف الديمقراطية».
أما دراسة «مركز المستقبل»، فأكدت أن «هناك اتجاهات عديدة أبدت شكوكاً أولية في أن يكون (داعش) هو مَن نفذ هجوم الكونغو الديمقراطية، في ظل وجود عدد من الجماعات والميليشيات المسلحة هناك، إلا أن اعتبارات كثيرة ترجح أن يكون التنظيم هو الذي نفّذ تلك العملية بالفعل، خصوصاً أنه سعى خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز نشاطه في القارة الأفريقية».
وذكرت الدراسة أن «(داعش) حرص بالتوازي مع تنفيذ الهجوم، على إعلان تأسيس ولاية جديدة تابعة له في الكونغو الديمقراطية، على خلاف الهجمات الأخرى التي نفذها في بعض الدول، مثل الفلبين وغيرها، حيث غالباً ما كان يكتفى بإعلان مسؤوليته فقط من دون تأسيس ولاية جديدة».
وكان لافتاً أن الهجوم الأخير وقع بعد فترة وجيزة من سقوط الباغوز، آخر معاقله في سوريا، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن التنظيم قد يحاول توجيه رسائل متعددة تفيد بقدرته على تنفيذ عمليات في مناطق جديدة، بعد تراجع نشاطه ونفوذه في المناطق الرئيسية التي كان قد سيطر عليها في الأعوام الأربعة الماضية.

تنظيمات متنافسة

في السياق ذاته، أشار مؤشر لدار الإفتاء المصرية إلى أن «القارة الأفريقية شهدت، في الأسبوع الأخير من أبريل (نيسان) الماضي، 14 عملية إرهابية من إجمالي 24 عملية هزّت العالم، بنسبة 58 في المائة من عدد العمليات الإرهابية، حيث ضرب الإرهاب 9 دول أفريقية هي (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالي، والكونغو الديمقراطية)». وأفاد المؤشر بأنه «لا تزال أفريقيا مهددة بانتشار التنظيمات الإرهابية، وهناك تنافس قوى بين كل من التنظيمات المُبايعة لـ(داعش) في غرب القارة، والمبايعة لـ(القاعدة)، وانتقل هذا التنافس أخيراً إلى وسط القارة، من خلال فرع (داعش) في الصحراء الكبرى، وجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية لـ(القاعدة)».
وقال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت الساحة الأفريقية أخيراً حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (حركة الشباب)، والتنظيمات الداعشية، وعلى رأسها (بوكو حرام)»، مضيفاً أن «العلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية، فقد تراجعت (القاعدة) لصالح (داعش) في مرحلة من المراحل، والآن حدث العكس»، لافتاً إلى أن «ما قام به (داعش) في الكونغو هو محاولة لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه تنظيم (عابر للحدود)».
وسبق أن حذر رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي «من احتمال قيام (داعش) بمحاولات لتعزيز وجوده في القارة الأفريقية، بعد هزيمته عسكرياً في سوريا والعراق». وقال المراقبون إن «بعض دول أفريقيا ربما رصدت تحركات كثيرة دعمت احتمال اتجاه التنظيم لمحاولة دعم نشاطه داخلها».
وقالت دراسة «مركز المستقبل» إن «الهزائم العسكرية التي تعرض لها (داعش) في سوريا والعراق فرضت ضغوطاً قوية عليه، لدرجة أضفت مزيداً من الشكوك إزاء قدرته على الاستمرار كتنظيم رئيسي على خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم، بل إن الشعارات نفسها التي سبق أن تبناها، على غرار (باقٍ ويتمدد)، أصبحت موضع تساؤلات كثيرة بعد التطورات الميدانية التي قلصت من القدرات العسكرية والبشرية التي امتلكها (داعش) في الأعوام الأخيرة»، مؤكدة: «لذا بدأ التنظيم في الإعلان عن تنفيذ عمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن معاقله الرئيسية، ليس فقط لتأكيد قدرته على البقاء، وإنما لإثبات قدرته على التمدد في مناطق متفرقة، وفي وقت واحد، في إطار ما يُمكن تسميته بـ(الانتشار أفقياً)، الذي انعكس في ظهور خلايا وأفرع تابعة له في أفغانستان، والفلبين، وشمال أفريقيا، إلى جانب الكونغو الديمقراطية».
ويُشار إلى أن الهجوم الأخير الذي وقع في الكونغو الديمقراطية، سبق، بفترة وجيزة، العمليات الإرهابية المتزامنة التي وقعت في سريلانكا، واستهدفت ثلاث كنائس وفنادق، وراح ضحيتها أكثر من 300 قتيل و500 جريح... وأعلن «داعش» مسؤوليته عن هذه العمليات.
وأكدت دارسة «مركز المستقبل» أن «العمليات الإرهابية النوعية الأخيرة قد تعكس مستوى الضغوط التي بات يتعرض لها (داعش) في الفترة الحالية، خصوصاً بعد أن ساهمت الهزائم العسكرية التي مُني بها في تضييق الخناق على قياداته، لا سيما زعيمه البغدادي، على نحو يزيد من احتمال اعتقاله أو قتله، في مرحلة لاحقة، وهو ما يبدو أن التنظيم يحاول الاستعداد له مُسبقاً من خلال تنفيذ عمليات إرهابية، والإعلان عن تأسيس أفرع جديدة له في دول ومناطق مختلفة».


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.