عقبات تحول دون محاكمة رئيس وزراء نظام بوتفليقة

مشاورات بن صالح اليوم أمام اختبار مقاطعة الأحزاب الجزائرية

TT

عقبات تحول دون محاكمة رئيس وزراء نظام بوتفليقة

قال مصدر قضائي جزائري إن النيابة شرعت بالتحقيق في ملف يخص رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزير المالية الحالي محمد لوكال، يتعلق بمنح قروض من بنوك حكومية من دون ضمانات لرجال أعمال موالين للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. ونفى لوكال، أمس، توصله باستدعاء من المحكمة بهذا الخصوص، بعكس ما بثه التلفزيون الحكومي ليلة أول من أمس.
في غضون ذلك، تنطلق المشاورات التي دعا إليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، اليوم أمام اختبار اتساع المقاطعة من قبل جلّ أحزاب المعارضة وقطاع من أحزاب الموالاة.
ونظم مئات الأشخاص بالقرب من «محكمة سيدي امحمد»، بوسط العاصمة أمس، مظاهرة تنديداً بأويحيى، على أثر تداول أخبار بأن «وكيل الجمهورية» لدى المحكمة (ممثل النيابة)، سيستجوبه الأحد 21 فبراير (شباط)، ومعه لوكال، في وقائع مرتبطة بـ«تبديد أموال عمومية» و«منح امتيازات غير مشروعة». وحمل المتظاهرون شعارات معادية لأويحيى، واتهموه بـ«التسيير الكارثي للاقتصاد» في فترة رئاسته للوزارة (2017 - 2019). وشوهد مع المتظاهرين قياديون ومناضلون بالحزب الذي يرأسه؛ «التجمع الوطني الديمقراطي». وظل المحتجون يترقبون وصول أويحيى إلى المحكمة، لكن مر يوم كامل من دون أن يظهر. وكان التلفزيون الحكومي بث ليلة أول من أمس خبر استدعاء أويحيى ولوكال، لكنه لم يذكر متى ستستمع إليهما المحكمة، ولا بأي صفة. ولم يذكر التلفزيون ما إذا كان استدعاء الرجلين بصفتهما متهمين أم شاهدين، بينما ذكر مصدر قضائي في «المحكمة العليا (أعلى هيئة في القضاء المدني)» لـ«الشرق الأوسط»، أن الأفعال المنسوبة لهما، تتعلق بـ«ممارسة النفوذ والتدخل لدى البنوك الحكومية، للحصول على قروض من دون ضمان»، لمصلحة رجال أعمال بارزين في البلاد. وأضاف المصدر نفسه أن 20 رجل أعمال على الأقل ذكرت أسماؤهم في التحقيق الذي أجرته الشرطة القضائية التابعة للدرك الوطني (تابع للجيش)، والتي رفعت الملف إلى القضاء بعد سماع رجال أعمال. غير أن أويحيى ولوكال أعفيا من هذه المرحلة، بفضل منصبيهما الرفيعين في الدولة الذي يمنحهما «امتياز» الاستدعاء من طرف القضاء بغرض التحقيق. وتضمنت وقائع الملف، حسب المصدر القضائي، اسم رضا كونيناف رئيس مجموعة كبيرة للأشغال العمومية، ونجل صديق بوتفليقة من أيام «ثورة التحرير». ويقع «الإخوة كونيناف»، وهم ثلاثة، تحت طائلة أوامر بالمنع من السفر. كما تمت مصادرة جزء من أملاك المجموعة بعد تنحي الرئيس في 2 أبريل (نيسان) الحالي. وورد في الملف أيضاً، اسم المقاول الكبير علي حداد الموجود في السجن منذ 3 أسابيع، بعدما اعتقلته الشرطة وهو مسافر عبر الحدود البرية مع تونس، وبحوزته جوازا سفر جزائريان. وقال محاميه خالد بورايو في اتصال هاتفي، إنه غير متابع في أي قضية فساد. ويواجه لوكال التهمة نفسها، حسب المصدر القضائي، ولكن ليس بصفته وزيراً للمالية (منصب يشغله منذ مطلع الشهر فقط)، وإنما بصفته محافظاً للبنك المركزي، وهو مسؤول قانوناً عن كل العمليات المصرفية وعن مصير القروض التي تقدمها البنوك.
ولاحظ خبراء في القانون أن احتمال توجيه تهمة الفساد، رسمياً، لأويحيى، سيصطدم بعقبة كبيرة، تتمثل في غياب الهيكل القضائي الذي يحاكمه؛ فالدستور (المادة 177) ينص على أن متابعة رئيس الجمهورية (بتهمة الخيانة العظمى) ورئيس الوزراء (جناية أو جنحة)، تكون أمام «محكمة عليا للدولة» تم استحداثها في تعديل للدستور عام 1996، لكنها لم تنشأ إلى اليوم. غير أن غيابها لا يمنع القضاء من استجوابه، من دون أن يتطور ذلك إلى اتهامه. أما لوكال، فيمكن محاكمته كأي شخص عادي.
في السياق نفسه، اجتمعت «اللجنة القانونية» في «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، أمس، لبحث طلب وزارة العدل رفع الحصانة البرلمانية عن وزيري التضامن سابقاً سعيد بركات وجمال ولد عباس، وهما عضوان في «الثلث الرئاسي المعين» بـ«المجلس»، وكانا مقربين من بوتفليقة. ويواجه قياديا «جبهة التحرير الوطني» تهمة «سوء تسيير المال العام» خلال فترة تسييرهما الوزارة.
واللافت أن تحرك آلة القضاء بهذه القوة والسرعة، جاء بعد 5 أيام من طلب علني تلقاه القضاة من «الحاكم الفعلي» بالبلاد، قائد الجيش الفريق قايد صالح، الذي قال في خطاب بمنشأة عسكرية: «إن العدالة مطالبة بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، وننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب». واستدعاء أويحيى ولوكال من طرف المحكمة، مرتبط بشكل مباشر بحديث صالح عن القروض المصرفية.
في غضون ذلك، أعلن رئيسا الوزراء سابقاً سيد أحمد غزالي (1991 - 1992) ومقداد سيفي (1994 - 1995) أمس، رفضهما دعوة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، المشاركة في «الاجتماع التشاوري» الذي ينطلق في «قصر المؤتمرات الدولي» بالضاحية الغربية للعاصمة اليوم. ويشهد الموعد اتساع المقاطعة من قبل أحزاب المعارضة، وقطاع من أحزاب السلطة أبرزها «الحركة الشعبية الجزائرية» برئاسة وزير التجارة سابقاً عمارة بن يونس، و«تجمع أمل الجزائر» بقيادة الوزير سابقاً عمر غول. وسيبحث اللقاء، حسب ما أعلنته الرئاسة، إطلاق «هيئة لمراقبة الانتخابات» ومواقف الطبقة السياسية من «رئاسية» 4 يوليو (تموز) المقبل، المرفوضة شعبياً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».